الارتفاع يعود الى نظام المنصة الالكترونية الذي فُرض من قبل الاحتياطي الفدرالي والخزانة الامريكية بدعوى تطبيق الامتثال والمعايير الدولية على النظام المالي في العراق. وبالرغم من اجراءات البنك المركزي من الشهر الاول ولغاية الآن التي تمثلت في الحزمتين الاولى والثانية لكن مع هذه الاجراءات ظل سعر الصرف بنفس المديات..
أسهم انخفاض مبيعات البنك المركزي الشهرية من قرابة (4 / مليار دولار/ شهر تشرين الاول الماضي) الى اقل من (1.2 مليار دولار / شهر كانون الاول الماضي) الى اتساع الفجوة بين السعر المثبت والسعر الموازي للدولار بأكثر من (15%) نتيجة تفاعل قوى العرض والطلب والتوقعات في اسواق الصرف..
تحاول هذه الورقة التوصل إلى مؤشرات إرشادية، قدر الإمكان، للتعرف على الحجم النسبي المحتمل لاستيرادات السلع والخدمات من معالجة بيانات دول العالم والتركيز، خاصة، على نمط العلاقة بين الكل الاقتصادي والمدفوعات الخارجية الجارية. ثم تجتزأ دول ريع الموارد الطبيعية لحساب تلك العلاقة. وثمة متغيرات أخرى أضيفت ومنها الحجم النسبي لإنتاج الزراعة والصناعة التحويلية لتكتمل الصورة..
لم تنجح اجراءات البنك المركزي العراقي ولا اجراءات الحكومة في اعادة اسعار الصرف الى معدلاتها الرسمية رغم تنوع السياسات المتخذة لخفض الدولار في اسواق الصرف المحلية. اذ يتطلب نظام سعر الصرف الثابت، والمعتمد رسميا وعمليا في العراق، الاستجابة الكاملة للطلب على الدولار اذا ما رغب البنك المركزي تحقيق التطابق بين السعر الرسمي والسعر السوقي للدولار، والحد من ارباح المصارف والشركات الناتجة عن فرق السعرين..
الولايات المتحدة اختارت سوق الصرف العراقي ساحة لشن الحرب على إيران غير آبهة بحاجة العراق الماسة إلى الأمن الذي يتطلب قطعا عدم التمييز بين إيران وبقية الجيران والدول الأخرى في العلاقات التجارية والمالية والحياد في هذا النزاع. وأسجل هنا أن من تطوع للانخراط في هذه الفتنة يتحمل أوزار ما يترتب عليها..
ان ارتفاع سعر الدولار لم يكُن ناجم عن شحة حقيقة في الدولار بقدر ما هي شحة عرضية ناجمة عن اجراءات تدقيقية لمنع تسرب الدولار للأشخاص والجهات والدول الخاضعة للعقوبات، وان سعر الدولار سينخفض بمجرد انتهاء تلك الاجراءات ولكن لن ينخفض إلى نفس المستوى السابق..
عانى الاقتصاد العراقي، منذ عقود، من اتساع الاختلالات الهيكلية نتيجة تراكم تداعيات ضعف السياسات العامة في ادارة الثروة النفطية بشكل يناسب متطلبات التنمية والتنويع لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي. بدلا من ذلك، وظفت الوفرة المالية النفطية في تضخيم دور الدولة في الاقتصاد عبر توسيع مؤسسات القطاع العام على حساب القطاع الخاص..
سعر الصرف حقق الاهداف التمويلية وجنب العراق صدمة كبيرة، خصوصاً مع وجود مضاربين على العملة. أما بالنسبة للأهداف الاقتصادية كتحقيق تنافسية الانتاج المحلي لم تتحقق بعد لأنها بحاجة لشروط أخرى، إذ كان يفترض العمل على هذه الشروط مبدئياً لكن الوضع المالي قدم تغيير سعر الصرف على الشروط المُسْبقة ولذلك لا يمكن أن نلاحظ النتائج الاقتصادية لسعر الصرف في الأمد القصير، ويمكن ملاحظتها في الأمد المتوسط إذا أتبعت الحكومة سياسات أخرى لدعم المنتج الوطني..
لا يختلف اثنان بان خفض قيمة الدينار قلص الدخل الحقيقي للمواطن العراقي، وتضررت بشكل كبير الطبقات الفقيرة نظرا لانخفاض دخولها اصلا... لكن هل كانت تلك الطبقات مرفهة قبل خفض سعر الصرف؟ الجواب ان مشكلة الفقر في العراق نتيجة لضعف سياسات توزيع الثروة الوطنية واستئثار قلة على موارد البلد بشكل مشروع وغير مشروع..
ان سعر الصرف تؤثر عليه عدة عوامل اقتصادية تشمل (سعر الفائدة وعجز الموازنة العامة والاحتياطي من النقد الأجنبي والقروض الدولية وميزان المدفوعات والتضخم ومعدل النمو الاقتصادي) اما العوامل غير الاقتصادية التي تؤثر على سعر الصرف فهي الاضطرابات والحروب والإشاعات والأخبار..
ان قرار خفض قيمة الدينار لم يكن مناسبا من حيث التوقيت او المقدار، فقد تم اضافة صدمة نقدية الى الصدمات الاقتصادية والمالية والصحية التي عصفت بالطبقات الفقيرة والهشة منذ اواخر العام 2019 بسبب التظاهرات وجمود النشاط الاقتصادي وانهيار اسعار النفط وتفشي فايروس كورونا، خصوصا مع ضعف برامج الحماية الاجتماعية اللازمة لاستيعاب تأثير صدمة سعر الصرف على هذه الطبقات..
يعرف الجميع أن النقد الأجنبي في العراق محتكر للدولة من مصدره الوحيد، صادرات النفط الحكومية، هذا الإحتكار طبيعي بالأمر الواقع، لا تشريع ولا سياسة. سوق الصرف، عرض وطلب، في جانب العرض جهة واحدة هي المحتكر الذي يمثله البنك المركزي، وفي جانب الطلب عدد لا نهائي من المشاركين..
تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل رفع سعر الدولار تحسباً لتفادي انهيارها مستقبلاً ولمواجهة آثار انخفاض العملات الإقليمية هو أشبه ما يكون بالخطة الإستراتيجية لإعادة التوازن النقدي الإقليمي وإعادة تنظيم الاقتصاد العراقي..
يجب أن تعمل الدولة في العراق على تقوية الاقتصاد العراقي، من خلال تفعيل قوى السوق؛ ليكون قادراً على العمل بشكل ذاتي وتلقائي، ويستطيع أن ينتج منتجاته وخدماته بتكاليف وأسعار منخفضة حتى تؤدي إلى انخفاض سعر صرف العملة الوطنية ليزداد الطلب الدولي عليها وتزداد صادراته ويتحسن النمو الاقتصادي وخلق المزيد من فرص العمل وتخفيض البطالة التي يعاني منها في الوقت الراهن بشكل كبير..
إن العراق تعرض لصدمة اقتصادية مزدوجة نقدية ومالية، إذ إن تخفيض قيمة الدينار العراقي والذي تم تنفيذه بشكل مباشر بالتزامن مع تخفيض تعويضات الموظفين بنسبة كبيرة التي لا تزال قيد النقاش تحت قبة البرلمان وكان لها أثراً إعلامياً، أديا معاً لتراجع النشاط الاقتصادي بسبب حالة الغموض والتخوف بشأن المستقبل..
العلاج بالصدمة في الغالب لا يجدي نفعاً خصوصاً في المجتمعات الريعية كالمجتمع العراقي، كونها اعتادت النمط الريعي -الاستهلاكي ولا يمكن تغييره بسهولة ما لم يتم اعتماد الأسلوب التدريجي في تغيير هذا النمط والاتجاه به نحو النمط الإنتاجي-الاستهلاكي..
خفض قيمة الدينار العراقي جاء اساسا لتمويل العجز الضخم في موازنة العام 2021 وليس لتحقيق اصلاح اقتصادي ورفع القدرة التنافسية للمنتج الوطني. خصوصا مع استمرار التراجع في الايرادات النفطية وعجز الحكومة عن تقليص النفقات او تعظيم الايرادات غير النفطية في الامد القصير..