عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان:" تذبذب سعر الصرف في العراق: الاسباب والمعالجات" ضمن ملتقى النبأ الاسبوعي وذلك يوم السبت الموافق 14/ 10/ 2023. حيث ابتدأ الباحث في المركز السيد (حامد عبد الحسين) بعرض ورقته الموسومة بالعنوان أعلاه واختتمها بسؤالين لفتح باب المداخلات للسادة الحضور، وفيما يلي نص الورقة والسؤالين والمداخلات.
نص الورقة
" شهد العراق خلال السنوات الثلاثة الاخيرة تذبذباً واضحاً في سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي وذلك لأسباب عديدة ستكون محور هذه الحلقة.
حيث بدأت تلك التذبذبات الواضحة بعد تغيير سعر الصرف (1180 الى 1450) في نهاية عام 2020 من قبل الحكومة السيد الكاظمي على خلفية انخفاض الايرادات المالية نتيجة لانحسار الايرادات النفطية بسبب جائحة كورونا.
إذ ان رفع سعر الدولار مقابل الدولار الامريكي يعني توفير الاموال للمساهمة في تعويض انحسار الايرادات النفطية وتمويل نفقات الحكومة وبالخصوص النفقات التشغيلية ومنها رواتب الموظفين التي تستحوذ على النسبة الاكبر من النفقات العامة.
ظل سعر الصرف يتراوح في المتوسط الشهري بين 1444 دينار الى 1487 لكل دولار خلال عام 2021 وظل على هذا المنوال خلال عام 2022 لكنه سرعان ما قفز الى 1512 دينار لكل دولار في المتوسط الشهري لكانون الاول (شهر 12) من عام 2022 واستمر حتى بلغ في بعض الايام 1650 دينار لكل دولار في الشهر الاول من العام الجاري وتم اعفاءه محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف من منصبه على أثرها.
ولأجل منع تهريب الدولار للدول الخاضعة للعقوبات الامريكية ضغطت الولايات المتحدة على العراق لاعتماد نظام مالي أكثر انضباطاً وامتثالاً للمعايير العالمية في التحويلات المالية(سويفت) مما دفع بالبنك المركزي في الشهر السابع من 2022 إلزام المصارف كافة الاشتراك في المنصة الالكترونية التي لم يتفاعل معها بعض التجار لحداثة التجربة او للتهرب من الضريبة او كلاهماً معاً، وتم فرض تطبيقها في تشرين الثاني من العام ذاته، وايقاف اربعة مصارف من التعامل بالدولار.
هذا الامر دفع بالتجار الذين لم يشتركوا في المنصة الالكترونية اللجوء الى السوق الموازي لتلبية طلبهم على الدولار مما يعني زيادة الطلب على الدولار وارتفع سعره في السوق الموازي ليتخطى حاجز ال 1500 وظل يتذبذب بين 1500 الى 1600 دينار لكل دولار وكانت التبريرات هذا الارتفاع مؤقت وسيزول قريباً.
وفي الشهر العاشر من عام 2022 حظيت حكومة السيد السوداني بثقة السلطة التشريعية ومع بداية العام الجاري 2023 تذبذب سعر الصرف وتعرضت حكومته لحملة انتقادات واسعة بشأن الوعود التي قطعها بشأن رفع قيمة الدينار العراقي.
حزم الاجراءات
ولأجل معالجة ارتفاع سعر الدولار اتخذ البنك المركزي الحزمة الاولى من الاجراءات منها زيادة سقف البيع النقدي لغرض الى 7000 دولار شهرياً، بيع الدولار لأغراض التحويلات الشخصية بالسعر الرسمي 1470 عبر شركات التحويل المالي وغيرها من الاجراءات.
ونظراً لعدم جدوائية اجراءات الحزمة الاولى واستمرار تذبذب سعر الصرف وحملة الانتقادات لجأت الحكومة والبنك المركزي لتغيير سعر الصرف ليصبح 1320 بدلاً من 1450 في اليوم الثامن من الشهر الثاني من العام الجاري.
وتبعه اصدار حزمة ثانية شملت مجموعة اجراءات منها تمويل التجارة باليوان الصيني، تحديد حجم التحويلات الشخصية عبر شركات التحويل المالي 7500 دولار للشهر الواحد، نشر اسماء الوكلاء المعتمدة ومواقعهم، وحزمة ثالثة منها تسهيل حصول المواطنين على الدولار لأغراض السفر بالسعر الرسمي 1320، وربط المصارف وشركات الصيرفة بشركات التحويل المالي ويلتزم بالبنك بأجراء التسويات المالية بالسعر الرسمي وغيرها.
وعادت الفجوة للاتساع بين السعر الرسمي والسعر الموازي في حزيران وتموز من العام الجاري، لا سيما بعد حضر 14 مصرفاً من المصارف الخاصة العراقية، مؤخراً؛ من الاشتراك في مبيعات نافذة البنك المركزي العراقي مما تسبب في انخفاض عرض الدولار.
اسباب التذبذب الحالي
والان وبعد مضي تسعة أشهر من تغيير سعر الصرف يشهد الدينار حالياً تذبذب كبيراً أمام الدولار وذلك لأسباب عديدة منها
1- انخفاض الشحنات الدولارية
على الرغم من نفي البنك المركزي لعدم انخفاض الشحنات الدولارية من الفيدرالي الامريكي إلا ان هناك امور تدلل على صحة انخفاض الشحنات منها تخفيض حصة شركات الصرافة من الدولار، وانخفاض المعروض منه وارتفاع سعره.
2- الامتناع عن بيع الدولار
من الاسباب ايضاً امتناع بعض المصارف وشركات الصيرفة من تلبية الطلب على الدولار هذا ما تسبب في زيادة الطلب على الدولار وارتفاع اسعاره ايضاً.
3- هيمنة المصارف الاجنبية
حيث تهيمن المصارف الاجنبية على مزاد العملة والتحكم بسير حركة الدولار واسعاره، تسببا في ارتفاع اسعار الدولار في الوقت الحاضر.
4- عدم السيطرة على الحدود
بمعنى عدم سيطرة الدولة على حدودها بالكامل مما يعني عدم وجود مطابقة حقيقية بين تدفقات الدولار نحو الخارج مقابل السلع الداخلة الى العراق، مما يعني استمرار تهريب الدولار والطلب عليه وارتفاع سعره.
5- اعلان ايقاف التعاملات بالدولار مع بداية عام 2024
إذ ان اعلان البنك المركزي عن ايقاف سحب الودائع بالدولار مطلع عام 2024 دفع بالجمهور الى زيادة الطلب على الدولار وارتفاع اسعاره.
بعبارة اخرى
ان مشكلة تذبذب سعر الصرف في العراق أكبر من الحكومة والبنك المركزي كونه يعود لأسباب خارجية في الوقت الحاضر مبنية على اسباب داخلية في وقت سابق ولازالت مستمرة سيتم تناولها لاحقاً.
حيث تتمثل الاسباب الخارجية في الصراع الدولي على الدولار العراقي بين الولايات المتحدة الامريكية والدول الاقليمية وبالخصوص إيران وأذرعها في المنطقة.
إذ ان امريكا تريد منع الدولار من الوصول لإيران من العراق، وبالمقابل إيران تريد الدولار من العراق عبر صادراتها ب 8 الى 12 مليار دولار.
والعراق بحاجة لأمريكا والدولار، إذ ان صادراته النفطية مقومة بالدولار الامريكي وبحاجة لإيران لان سلعها وخدماتها رخيصة وقريبة والتي لا بديل لها حالياً.
الاسباب الداخلية = الاسباب الحقيقية
بينما الاسباب الداخلية تتمثل في ضعف الاقتصاد العراقي وعدم قدرته على الصمود امام الازمات الداخلية والخارجية وذلك لمجموعة من الاختلالات الاتية:
1- اختلال ادارة الاقتصاد، ففي الوقت الذي اتجه العراق نحو اقتصاد السوق القاضي باقتصار دور الدولة في قطاعات محددة ويكون الدور الاكبر للقطاع الخاص، لازال دور الدولة أكبر من القطاع الخاص في الاقتصاد وهذا انعكس على ضعف الاقتصاد العراقي.
2- الاختلال الاقتصادي، حيث يسيطر القطاع النفطي على اجمالي الناتج المحلي بنسبة كبيرة تتجاوز 50%، مما يعني ضعف القطاعات الانتاجية الاخرى والحاجة للعالم الخارجية لتلبية الطلب المحلي.
3- الاختلال المالي، حيث نلاحظ هناك اختلال مالي كبير في الموازنة العامة ايراداً وانفاقاً، بمعنى ان النفقات العامة أكبر من الايرادات العامة وظهور العجز من ناحية، وطغيان النفقات التشغيلية على حساب النفقات الاستثمارية من ناحية ثانية وضعف الايرادات غير النفطية مقارنة بالنفطية.
4- اختلال سوق الصرف، اي عدم وجود توازن حقيقي بين عرض الدولار والطلب عليه، والتوازن الحاصل هو توازن وهمي مدفوع بتدخل البنك المركزي العراقي عبر نافذة العملة، التي اسهمت في تحقيق الاستقرار النسبي لسعر الصرف وقيمة الدينار العراقي.
5- اختلال تجاري، وذلك بحكم زيادة الاستيرادات وتنوعها من جانب وانخفاض الصادرات وتركزها، وان زيادة الاستيرادات وتنوعها وانخفاض الصادرات وتركزها يعني تدفق العملة الاجنبية خراج البلاد وسرعة تأثر الاقتصاد بالأزمات الدولية، مما يدلل على هشاشة الاقتصاد العراقي وتبعيته للعالم الخارجي.
معالجات قصيرة الامد
1- تحرير الحسابات المالية من هيمنة الفيدرالي الامريكي، لان اي مشكلة مع اي دولة تتعارض مع الولايات المتحدة يعني تعرض العراق لتأثيرات سلبية كما هو الحال مع إيران وتأثر العراق سلباً.
2- تنويع وتوازن الاحتياطيات الاجنبية وعدم اقتصارها على الدولار لمنع قدرة الدولة الاجنبية من التأثير على السياسة النقدية بشكل خاص والاقتصاد العراقي بشكل عام.
3- سيطرة الدولة على كامل حدودها ومع الدولة الخاضعة للعقوبات بشكل خاص من أجل منع تهريب الدولار هذا ما يساهم في تخفيض الطلب على الدولار وانخفاض اسعاره.
4- وضع الية محكمة لكشف الفواتير المزورة ووضع عقوبات رادعة لمنع التزوير مستقبلاً هذا ما يساعد على تقلل من الطلب على الدولار.
معالجات طويلة الامد
1- معالجة اختلال ادارة الاقتصاد، وذلك من خلال اعادة ترتيب ادوار الدولة والقطاع الخاص في الدولة، اي أن تأخذ الدولة على عاتقها الدور التنموي الى جانب الوظائف التقليدي مقابل قيام القطاع الخاص بالنشاط الاقتصادي في ظل مراقبة الدولة لمنع الاحتكار وضمان المنافسة.
2- معالجة الاختلال الاقتصادي، من خلال توظيف الايرادات النفطية بما يسهم في تنويع القطاعات الانتاجية وعدم اعتمادها بشكل كبير على القطاع النفطي.
3- معالجة الاختلال المالي، من خلال تخفيض النفقات وزيادة الايرادات العام لاختفاء العجز من جانب، وزيادة النفقات الاستثمارية وتوجيهها نحو البنية التحتية والتعليم والصحة من جانب ثانٍ، وزيادة الايرادات غير النفطية من جانب ثالث.
4- معالجة اختلال سوق الصرف، أي العمل على ان يكون هناك توازن بين عرض الدولار والطلب عليه، وذا يتحقق بشكل مؤقت من خلال تدخل البنك المركزي او جذري من خلال تفعيل الاقتصاد الحقيقي وزيادة الصادرات والتدفقات الدولارية الى الداخل"
السؤالان
س1/ ما هي اسباب تذبذب سعر الصرف خصوصاً في السنوات الاخيرة؟
س2/ كيف يمكن معالجة او الحد من تذبذب اسعار الصرف؟
المداخلات:
الدكتور حميد الهلالي/ خبير قانوني ومحلل سياسي
أصل المشكلة هو ان المصارف الاهلية وشركات الصرافة تعود لأحزاب سياسية وما نافذة العملة الا نافذة لتمويل الاحزاب، وما تدخل الولايات المتحدة في المرحلة الاخيرة إلا لسبب استمرار وزيادة تهريب الدولار للجهات المعاقبة داخلياً وخارجياً، خصوصاً وان تصريح السيد السوداني صرح بأن استيرادات العراق من الخارج تتراوح بين 30 الى 40 مليار دولار، فأين تذهب ملايين الدولارات التي يبيعها البنك المركزي والتي لا تنسجم وحجم الاستيرادات؟
إذن هناك جهات سياسية مهيمنة تحتاج لهذه الاموال لتحويلها الى دول مجاورة ذات صلة بها أو لتمويل احزابها ومنظماتها وميلشياتها، والدليل على ذلك هناك ثراء فاحش يظهر سريعاً على بعض الجهات السياسية من خلال الفلل والمدن خارج العراق والبنوك وغيرها، كل هذا ناجم عن تهريب الدولار إلى جانب الفساد في المشاريع الاستثمارية.
وان عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على معالجة هذه المشكلة نابع من هيمنة تلك الجهات السياسية على اتخاذ القرار، وان تغيير محافظ البنك المركزي من السيد علي العلاق الى السيد مصطفى مخيف ورفع سعر الدولار(من 1118 الى 1450 دينار لكل دولار) مع حكومة السيد الكاظمي أصبح هناك نوع من التغيير لا ينسجم مع تطلعات تلك الجهات، ومع مجيء السيد السوداني تم اعادة السيد علي العلاق كمحافظ للبنك المركزي العراقي وتخفيض سعر الدولار ليصبح 1300 بدلاً من 1450، ولكن السعر الموازي لم ينخفض وظل مرتفعاً يتراوح بين 1500 و1600 وكأن لا جدوى من تخفيض سعر الدولار في الموازنة، ومن استفاد من هذا الارتفاع هم المصارف وشركات الصرافة السياسية.
السيد عدنان الصالحي/ مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث
يختلف سعر الصرف في العراق عن باقي الدول، حيث ان الامريكان لديهم قرار حاسم في تتبع كل حركة للدولار في العالم وتجفيف الثقوب السوداء التي تذهب أما للفساد او للحركات الارهابية، ويعرف الامريكان ما يجري في العراق لكنهم يعرفون ايضاً ان زيادة القبضة الحديدية على الدولار سيؤدي لانهيار النظام السياسي في العراق وهذا امر غير مرغوب فيه من قبلهم حيث يريد الامريكان حكومة قائمة في العراق لتجنب الفوضى والحفاظ على امدادات النفط.
الجانب العراق اشبه بالفريق المبتدئ ويلعب مع فريق محترف، يحاول قدر الامكان تقليل الاهداف وليس تحقيق الفوز، حيث تحاول بعض الجهات السياسية وبالخصوص التي شكلت الحكومة الحالية الالتفاف على المنصة الامريكية لأنها مناوئة للولايات المتحدة الامريكية ولا تريد الانصياع لها وتريد استمرار الدولار للدول المتصلة بها هذا جانب والجانب الاخر هو الفساد، الفساد في المؤسسات العراقية بشكل عام والمصارف العراقية بشكل خاص له دور كبير في تذبذب سعر الدولار، حيث ارتفع عدد المصارف بشكل كبير بعد 2003 وأغلب المصارف لا تمتلك رؤوس الاموال الكافية حيث تأسست برؤوس اموال بسيطة وبدأت تزداد مع غسيل الاموال أو غيرها، حالياً البنك المركزي العراقي بين امرين الاول السير باتجاه توجيهات الفدرالي الامريكي وهذا يتسبب في مشكلة سياسية داخل البلد وإذا لم يسير في هذا الاتجاه سيسبب أزمة اقتصادية للبلد، والحل الوحيد هو قرار شجاع يتمثل في ان نفعل ما ينفع الناس وليس ما يُرضي الناس.
السيد محمد الصافي/ باحث في مركز الامام الشيرازي للبحوث والدراسات
ان حزم الاجراءات التي اتخذتها البنك المركزي العراقي لم تكن ناجحة في معالجة سعر الصرف، وان قيام الحكومة باعتقال بعض المتلاعبين في الدولار وبعد ايام تم إطلاق سراحهم، وصار التركيز على الصيرفات الصغيرة يعني هناك تمايز في تطبيق القانون والنتيجة عدم حل هذه المشكلة.
الامر الثاني، يفترض ان يتم تسجيل جميع الشركات بشكل رسمي، لأجل معرفة الحوالات المالية ومتابعة حركة الدولار، لان هناك تزوير كبير للفواتير، حيث يتم تثبيت مبالغ بهذه الفواتير لكن على ارض الواقع لم يتم استيرادها بشكل حقيقي او ان اقيامها مبالغ فيها او ان نوعيتها غير جيدة، لكن الحكومة لم تجبر الشركات على التسجيل من خلال منع التمويل عنها، اي ترك الموضوع سائب وهذا ما اثر بشكل واخر على سعر الدولار في العراق.
اضافة الى القرار السياسي هو قرار ضعيف مما يسمح للدول بالتدخل والعمل لخدمة مصالحها كان له دور ايضاً في تهريب الدولار.
فقدان الثقة، حيث يفتقد القطاع المصرفي العراقي للرصانة والموثوقية والامان، مما يعني فقدان ثقة المجتمع به، ويفضل اكتناز الاموال بعيداً عن المصارف وتعطيلها عن النشاط الاقتصادي، وان عدم وجود استقرار يؤثر بشكل كبير على اداء النشاط الاقتصادي بسبب عدم اليقين إذ قد يشتري دولار وتنخفض قيمته فيخسر وقد يبيعه ولا يستطيع شراءه بنفس السعر فيخسر ايضاً لذلك يكون التريث هو سيد الموقف وهذا ما يؤثر على اداء النشاط الاقتصادي بشكل واضح.
الشيخ مرتضى معاش/ المشرف العام لمؤسسة النبأ للثقافة والاعلام
ان انخفاض اسعار الصرف المحلية بالقياس الى العملات الصعبة في مختلف الدول يعود لعجز حكومي، اي تعجز الحكومات عن توظيف السياسة المالية بالاتجاه السليم الذي يوفر الاموال، فتصبح عاجزة عن توفير الاموال اللازمة تغطية نشاطاتها فتلجأ للديون او للتدخل في السياسة النقدية وفقدان استقلاليتها في سبيل توفير الاموال لتغطية ديونها او نشاطاتها مما يعني حقن الاقتصاد بكميات أكبر من النقود وزيادة الطلب على الدولار وانخفاض قيمتها امام الدولار.
ان التذبذب والتفاوت الكبير بين السعر الرسمي والموازي قد يعود لأسباب سياسية تتعلق بالدول المُعاقبة وبالخصوص إيران والحرب الروسية، دفعت الولايات المتحدة للضغط على العراق بشكل كبير جداً للحد من تهريب الدولار لإيران وروسيا، مع العرض ان الضغط الامريكي على العراق غير منطقي إذ لا يُمكن للدولار العراقي ان يُشبع حاجة الدول المُعاقبة بشكل كامل لان لكل شيء حدود وبالتالي يصبح الضغط الامريكي بشكل كبير جداً أمر غير منطقي.
كذلك عدم وجود دولة قوية قادرة على حماية مؤسساتها واعطائها مساحتها اللازمة لممارسة مهامها وتحقيق اهدافها بشكل مهني ومستقل، ما يعني ان الدولة دولة قوى وتكتلات تعمل على توظيف المؤسسات والسياسات الاقتصادية لصالحها ومصالحها، أي فقدان المؤسسات النقدية وتوظيف السياسة المالية بعيداً عن التوظيف السليم الذي يضمن تحسين اداء الاقتصاد.
ان غياب دولة المؤسسات وظهور دولة القوى والتكتلات يعني بروز اقتصاد الاقطاعيات مقابل اقتصاد السوق، واستمرار هشاشة الاقتصاد وانعكاسه على سعر الصرف بشكل تلقائي، حيث تعني دولة القوى والتكتلات التشجيع على الاقتصاد الاستهلاكي وزيادة الطلب على السلع والخدمات وزيادة الطلب على الدولار وزيادة سعره وهذا ما يخدم تكتلات الدولة وقواها، فدولة التكتلات لها دور في رفع سعر الدولار مقابل الدينار.
كما ان ثقافة المجتمع هي ثقافة استهلاكية مما يعني الزيادة الطلب على السلع والخدمات وخصوصاً الكمالية وهذا ما يؤدي لزيادة الاستيرادات وزيادة الطلب على الدولار وارتفاع اسعاره ايضاً، فثقافة المجتمع له دور في رفع سعر الدولار.
الاقتصاد الانتخابي(الزبائنية) حيث تقوم دولة التكتلات بشراء اصوات الناخبين لأجل فوز تكتلاتها في الانتخابات والاستمرار في السلطة، ونظراً لعدم ارتباط الاموال بمقابل انتاجي او خدمي يعني زيادة كمية النقود وزيادة الطلب على السلع والخدمات والدولار وارتفع سعره، إذن الاقتصاد الانتخابي له دور في ارتفاع سعر الدولار.
عدم وجود الحماية والثقة، حيث يتطلب راس المال الحماية والثقة، وان فقدان الحماية والثقة يعني عدم اقبال راس المال(الدولار) الى الاقتصاد وزيادة اسعاره.
وبالنسبة للمعالجات يمكن القول، ان هناك مجموعة نقاط منها:
- تحويل الثروة من الاستهلاك الى الاستثمار من اجل توليد العملة الصعبة غير النفطية.
- وتوفير بيئة مناسبة لتحفيز الاستثمار الخاص من جانب وجذب راس المال الاجنبي من جانب اخر.
- كذلك العمل على توليد راس المال البشري وبالخصوص المهارات، فوضع برنامج لخلق مهارات جيدة للشباب سيسهم في تحسين النشاط الاقتصادي داخلياً وخارجياً.
- حوكمة الاقطاعيات، أي ان تخضع الاقطاعيات المساءلة والمحاسبة من قبل الدولة ومؤسساتها لضمان المساواة أمام القانون وترسيخ نظام المنافسة العادلة.
- تطوير البنية التحتية المرتبطة بالخدمات كالمطارات والسكك الحديدة وشبكات الطرق والكهرباء والماء وغيرها.
السيد احمد جويد/ مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات
يمثل الدولار الخط الاحمر للولايات المتحدة الامريكية، بعد ان أصبح عملة عالمية في بداية سبعينيات القرن الماضي حينما فك الرئيس الامريكي نيكسون ارتباط الدولار بالذهب، وأي دولة تحاول التقليل من أهمية الدولار سيسبب لها مشكلة، لذلك أزمتها مع اوروبا بسبب اليورو، ومع الصين بسبب التجارة وتأثيرها على الدولار.
بالنسبة للعراق يبدو ان قدره ساقه ليقع في انتقام الجغرافيا بين الدول المُعاقبة امريكياً، فتعرض الدول المجاورة للعقوبات الامريكية بالتزامن مع ضعف العراق، دفع تلك الدولة لاستثمار ضعف العراق للتخفيف من العقوبات المفروضة عليها.
ان مشكلة الدولار في العراق لا يمكن السيطرة عليها إلا بالسيطرة والقضاء على الفساد، لأنه اس كل المشاكل في العراق خصوصاً فساد الاحزاب الذي تمثل في تحريف توظيف الاموال عن مسارها الصحيح خصوصاً في سعر الصرف والاقتصاد العراقي بشكل اعم.
يُمكن القول، ان فرض الضرائب على اكتناز الدولار وايداعه احدى المعالجات، لان فرض الضرائب على الدولار سيجبر المكتنزين على عدم اكتناز الدولار وطرحه في الاسواق ويزداد عرضه وتنخفض اسعاره.
الدكتور حسين احمد السرحان/ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
هناك ثلاثة سياسات اقتصادية مهمة وهي السياسة المالية التي تكون وزارة المالية مسؤولة عنها والسياسة النقدية التي يكون البنك المركزي المسؤول عنها والسياسة والتجارية التي تكون مسؤولة عنها وزارة التجارة، لا يوجد فصل مطلق بين هذه السياسات لأنه لابد من وجود تنسيق بين هذه السياسات وإلا سيحصل تضارب الاهداف وتضيع الجهود.
سعر الصرف أحد ادوات السياسة نقدية وان أحد المهام الاساسية للبنك المركزي هو الحفاظ على سعر الصرف لضمان عدم انهيار قيمة العملة. وان لسعر الصرف انواع منها سعر الصرف العائم أي يتحدد وفقاً لقوى السوق العرض والطلب. ومنها سعر الصرف الثابت أي يتم تثبيت قيمة العملة المحلية كالدينار أمام العملة الصعبة كالدولار. ونظراً لربط الدينار العراقي من قبل البنك المركزي العراقي بالدولار وبسعر محدد في الموازنة العامة، لذلك يعتمد العراق سعر الصرف الثابت.
لماذا لجأ العراق لنافذة بيع العملة؟
في العادة ان الاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية يترافق معها تكاليف اقتصادية وتتبعها تكاليف اجتماعية وسياسية اخيراً وحتى كلفة امنية، لان المرحلة الانتقال يعني ان الدولة سترفع يدها عن الاقتصاد عن الوقود عن الغذاء ويقتصر دوها على الوظائف التقليدية كالأمن والدفاع والعدالة وسن القوانين ويترك الباقي لتفاعل قوى السوق، وعندما ترفع الدولة يدها عن الاقتصاد سترتفع الاسعار ويرتفع التضخم.
ان انعطافة الاقتصاد العراقي بشكل حاد، من خلال مرحلة الانتقال؛ دون أي سابق انذار والتهيؤ والاستعداد للمرحلة الجديدة، يعني ان غياب الاستقرار ستكون حالة الاقتصاد في المرحلة القادمة، بالتزامن مع توقف الجهاز الانتاجي واستمرار الطلب على السلع والخدمات، ولأجل الحفاظ على استقرار السوق وقيمة العملة تم اللجوء للاستيراد وهذا يتطلب الدولار -بحكم مقبوليته الدولية- لتمويله، وتم فتح نافذة العملة لتوفير الدولار ومنع قيمة الدينار من التدهور امام الدولار.
المشكلة لا تتعلق بنافذة العملة بقدر ما تتعلق عقلية الادارة السياسية، حيث ترى كل شيء على انه غنيمه، بالتزامن مع ربط الاقتصاد بالنفط وهيمنة الدولة على الاخير، الذي يمثل المصدر الوحيد للدولار؛ فاصبح الاقتصاد مرتبط بالدولة التي تهيمن عليها العقلية السياسية التي ترى كل شيء غنيمة فأصبحت ادارتها للاقتصاد بما فيها العملة ادارة غير مهنية وغير هادفة لبناء اقتصادي مُولد للدولار للحفاظ على قيمة العملة ولذلك اصبحت قيمة العملة دالة بالدولار النفطي، بمعنى ان قيمة العملة تعتمد على الدولار النفطي وتتحدد وفقاً له.
لا يمكن السيطرة على تهريب الدولار في العراق إلا من خلال أمرين هما:
الاول، انفاذ سلطة القانون في العراق، وذلك من خلال توفير البيئة الامنة والجاذبة للاستثمارات الاجنبية والتي ستعني دخول وتوليد دولار في العراق.
ثانياً، اتمتة العمليات النقدية بالدولار والحوالات لمعرفة حركة الدولار.