الصدمة الاقتصادية المزدوجة في العراق: أسبابها وتداعياتها

تقرير صادر عن مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية شارك في اعداده مجموعة من الأكاديميين المتخصصين في الاقتصاد

 

المشاركون

الدكتور عامر عمران المعموري-جامعة كربلاء.

الدكتور عباس فاضل رسن-جامعة أهل البيت العالمية.

الدكتور حسين أحمد السرحان-مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية

الدكتور ايهاب علي النواب-جامعة أهل البيت العالمية.

الباحثة نجله شمعون شليمون-رئيس أبحاث في البنك المركزي العراقي.

الباحث حيدر مرتضى علي-كاتب في مجال السياسات الاقتصادية 

 

توطئة:

ابتدأ العراق بصدمة اقتصادية عام 2003 حينما تبنى التحول بشكل مفاجئ وبدفعة واحدة، من التخطيط المركزي إلى السوق اقتصادياً، ويبدو إن هذا الامر أصبح نظاماً يسير عليه العراق (نظام الصدمات وليس صدمة النظام).

وبعيداً عن سرد الصدمات السابقة يمكن تناول الصدمة الاقتصادية المزدوجة الحالية التي تعرض لها العراق من حيث الأسباب والتداعيات المحتملة وكذلك المقترحات اللازمة لتجنب وقوع الصدمات مجدداً ومناقشتها مع المختصين بعد عرضها بشكل موجز.

نظراً لاعتماد الاقتصاد العراقي على الدولة والنفط بشكل مُفرط بالتزامن مع ضعف بيئة الاستثمار وإحجام القطاع الخاص عن الاستثمار وعدم خلق فرص العمل وزيادة جيوش البطالة التي كانت بيئة خصبة لزيادة الرصيد الانتخابي مُقابل توفير فرص العمل في الدولة (بطالة مقنعة)، أصبحت الدولة في موقف مالي لا يُحسد عليه.

لان العجز المالي ارتفع بشكل صارخ (بنسبة 107%) من 28 تريليون دينار عام 2019 إلى 58 تريليون دينار عام 2021، بحكم زيادة النفقات العامة من 133 تريليون دينار عام 2019 إلى 150 تريليون دينار عام 2021(قبل التعديل) مقابل انخفاض الإيرادات العامة من 105 تريليون دينار 2019 إلى ما يُقارب 92 تريليون دينار عام 2021.

اختلف الأمر بعد إجراء التعديل، حيث ارتفاع العجز وبلغ 71 تريليون دينار وارتفعت النفقات العامة إلى 164 تريليون دينار مقابل زيادة الإيرادات العامة إلى 93 تريليون دينار ولكن بنسبة أقل من زيادة النفقات العامة ولذلك تفاقم العجز بنسبة أكبر بعد إجراء التعديل، ولا زال الأمر بيد السلطة التشريعية وبالخصوص اللجنة المالية حيث تجري الآن مناقشات مُكثفة مع الجهات التنفيذية لتحديد احتياجاتها المالية بشكل دقيق.

ولأجل توفير الأموال وعلاج الموقف المالي الحرج لجأت الدولة لسياسات نقدية ومالية في دفعة واحدة وفي آن واحد في موازنة 2021، حيث أعلنت الدولة تخفيض قيمة الدينار العراقي ليُباع بـ 1450 بدلاً من 1182 للبنك المركزي وبـ 1460 للمصارف و1470 للجمهور على مستوى السياسة النقدية، وتخفيض تعويضات الموظفين، التي تمثل محرك الدورة الاقتصادية في الوقت الحاضر على أقل تقدير؛ بنسب كبيرة على مستوى السياسة المالية.

بمعنى إن العراق تعرض لصدمة اقتصادية مزدوجة نقدية ومالية، إذ إن تخفيض قيمة الدينار العراقي والذي تم تنفيذه بشكل مباشر بالتزامن مع تخفيض تعويضات الموظفين بنسبة كبيرة التي لا تزال قيد النقاش تحت قبة البرلمان وكان لها أثراً إعلامياً، أديا معاً لتراجع النشاط الاقتصادي بسبب حالة الغموض والتخوف بشأن المستقبل.

هذه الصدمة، بلا شك؛ لم تحصل لولا وجود أسباب دفعت لحصولها وبالتأكيد سيكون لها تداعيات تمتد نحو المستقبل، رُبما تكون سلبية أو إيجابية أو الاثنين معاً، وهذا يقتضي تحليل أسباب الصدمة وسبل الخلاص من تداعياتها السلبية.

المحور الأول-أسباب الصدمة الاقتصادية المزدوجة وتداعياتها.

هناك أسباب عديدة أسهمت في وقوع الصدمة الاقتصادية المزدوجة يمكن تناولها فيما يأتي:

أولاً-التحول غير المدروس وغياب الرؤية الاقتصادية.

من المعروف إن عملية التحول الاقتصادي في العراق بعد عام 2003 لم تكن عملية مدروسة ومخططة وسلسة بل جاءت بفعل عامل خارجي سياسي وعسكري أي  سياسة التغيير بالإكراه او ما يعرف بالصدمة القوية المفاجئة والتي أجهزت على كل ممكنات ومقومات ومؤسسات الدولة في العراق ،اذ كانت استراتيجية الاحتلال منصبة على تدمير كل ما سبق وإعادة بناءه وترتيبه من جديد  على وفق ليبرالية جديدة  لتدمير العراق وإفراغه من كل ممكناته، سيما وان العراق لم يكن يمتلك  نظاما اقتصاديا واضح المعالم، قبل عام 2003، إذ إن الحديث عن وجود نظام اقتصادي مركزي مخطط مجرد وهم ، بل كان مزيجا من أنماط متعددة تخضع في تطبيقها لفلسفة ومزاج ومصلحة النظام السياسي وان التحول من هذه النمطية الاقتصادية المتقلبة وغير الواضحة فعليا لم يكن باتجاه اقتصاد السوق الذي لم تكن معالمه النظرية ناضجة والية تطبيقه غير واضحة لكونها لم ترتبط بإرادة وطنية ،بل ارتبطت بمنهاج ومصالح المحتل.

لذا فان الادعاء بحصول تحول اقتصادي في العراق مجرد هرطقة ومغالاة في الخطاب الإعلامي ، اذ إن الذي يحصل هو محاولة مغادرة أنماط متعددة غير واضحة المعالم باتجاه نظام جديد أكثر فوضوية وضبابية اذ لم نلمس على ارض الواقع اي تحول باتجاه اقتصاد السوق اذ لازال الاقتصاد العراقي ضمن المرحلة الانتقالية الفوضوية غير المخططة بفعل عدم امتلاك فلسفة اقتصادية واضحة تحاكي طبيعة وظروف الاقتصاد العراقي ينبع منها نظام اقتصادي ممكن التطبيق يوائم ويحاكي  التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية في العراق مع ضرورة أن تكون عملية إعادة بناء الدولة ومؤسساتها هي عملية سابقة  لأية عملية تحول اقتصادي ،لان التحول في ظل الفوضى وعدم الاستقرار يدفع باتجاه فوضى مدمرة تطيل من امد المرحلة الانتقالية المتسمة بنظام اقتصادي مشوه حاضن للفساد يدفع  نحو الضياع وهدر الموارد مع الايغال في المأزق التنموي و فقدان فرص التنمية  .

  لذا فنحن أمام اقتصاد هجين ومشوه يعتمد بشكل شبه مطلق على الريع النفطي الذي يعد الأساس  في استمرا ر وديمومة الأوضاع الاقتصادية والحياتية ، وعمقت الفوضى الاقتصادية والمالية وسوء تخصيص الموارد وعدم امتلاك رؤية اقتصادية واضحة لإدارة الاقتصاد العراقي والتخبط المستمر في السياسات الاقتصادية  من هذا الاختلال  ،فعلى الرغم من الفوائض المالية التي تحققت خلال سنوات اليسر المالي ظل الاقتصاد العراقي  يترنح تحت حجم كبير للمديونية بحدود 130 مليار دولار عام 2018 مما فتح الباب على مصراعيه  للمؤسسات المالية الدولية لفرض أجندتها في إدارة الملف الاقتصادي في العراق تحت عناوين إعادة الهيكلة والإصلاح...

لذا فان ما حصل مؤخرا من إجراءات حكومية تحت ما يسمى الورقة البيضاء المتناغمة مع وصفة صندوق النقد الدولي ومشروع موازنة 2021 وقرار تخفيض سعر الصرف والذي اثأر جدلا واسعا في المجتمع العراقي يمثل سيرا على ذات التحليل الذي سبق ذكره، سيما وان اغلب الإجراءات التي طبقت أو يراد تطبيقها تمثل صدمات تعمق الاختلال وتعمق الجراح، سيما وان الذي يحصل لم تتم دراسته ومعرفة آثار تطبيقه الاقتصادية والاجتماعية وان الحجج التي أعلن عنها لغرض تنويع الاقتصاد والخروج من المأزق المالي حجج ضعيفة ومتناقضة مع بعضها...

ثانياً-إجراءات تقشفية بدلاً من التحفيزية.

   إن اغلب الدول وبسبب جائحة كورونا  وللخروج من صدمتها  اتبعت سياسات تحفيزية  لإنعاش الاقتصاد ...لكن الإجراءات في العراق عززت الصدمة بصدمات أخرى أكثر ضررا من الجائحة على الاقتصاد فتم  استهداف الطلب عن طريق تخفيض الإنفاق على الرواتب والأجور وفرض الضرائب  وتخفيض الدخل الحقيقي من خلال تخفيض قيمة العملة وفي جانب العرض فان إجراء رفع سعر الصرف تحت ذريعة رفع القدرة التنافسية للمنتج المحلي سيؤدي إلى تراجع وانكماش المنتجات المحلية لان اغلبها يعتمد على استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج والتي ستتأثر بارتفاع سعر الصرف مما يجعل كلفة الإنتاج مرتفعة والتي ستدفع باتجاه ارتفاع الأسعار وفقدان القدرة التنافسية  والتي ستتأثر أيضا  برفع الضرائب  وخفض الدعم والتي ستؤدي حتما إلى انكماش  إنتاج السلع المحلية.

ماذا يعطي العلاج بخفض سعر الصرف للقدرة التنافسية فينبغي أن يكون تدريجيا يتسق مع نمو القاعدة الإنتاجية ....أما إذا كان الغرض تمويل عجز الموازنة فان هذا الإجراء لا يضيف أكثر من 10تريليون دينار والتي ستتآكل بسبب ارتفاع فاتورة الاستيرادات  وفي ضوء العلاقة التبادلية بين عجز الموازنة والحساب الجاري ..لذا فان إجراءات الحكومة برفع سعر الصرف وخفض الرواتب وزيادة الضرائب ورفع الدعم سيدفع باتجاه ما يسمى بظاهرة التضخم الركوديstagflation  والذي سيكون له آثار مدمرة على الاقتصاد العراقي ستعمق مشاكل الاقتصاد العراقي وتهدد السلم الاجتماعي .

ثالثاً-توقف الإنتاج وشيوع الفساد وخرق استقلالية البنك المركزي.

أن أساس المشكلة كان في السياسة الاقتصادية والمالية من خلال توقف القاعدة الإنتاجية بشكل كامل في الأولى والتوسع في الإنفاق غير المبرر من جهة ثانية إضافة إلى اختلاس أموال الدولة بشتى الوسائل بما يعرف بالفساد وهو نقطة محورية في هذه المشكلة.

ولكن تجاهل صاحب القرار وخطأه في التشخيص والذهاب باتجاه إيجاد حلول ومعالجات باستخدام السياسة النقدية من قبل الحكومة تحديدا وخرقها لاستقلالية البنك المركزي أوجد مشكلة وخلق أزمة أكبر بدل إيجاد الحلول المناسبة وهذا الحال سيستمر بسبب الخطأ المتعمد في التشخيص والخضوع لوصفات صندوق النقد الدولي الكارثية.

إذ إن اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة بوصفه تمردا على استقلالية السلطة النقدية وتنفيذا لرغبة الحكومة يمثل هروبا من معالجة الفساد المالي والإداري المستشري بالمنافذ الحدودية، إذ إن الإيرادات الجمركية الفعلية بحدود 12 مليار دولار لكن ما يدخل الموازنة لا يتعدى مليار دولار، فكان لفشل الحكومة لتصدي لملف المنافذ الحدودية آثار مدمرة على الاقتصاد العراقي فكيف لمنتج محلي أن يرى النور في ظل انهيار وتصدع الجدار الكمركي؟ 

رابعاً-غياب الاستقرار السياسي.

أصبح للوضع السياسي العام الغير مستقر انعكاساته المدمرة على الاقتصاد. وهذا يمكن أن يدرج تحته الفساد السياسي، وانعدام استقلالية القرار السياسي ومن ثم الاقتصادي وتعدد فواعل صنع السياسات من غير الحكومة. وهذا يعود إلى أساس سياسي بالدرجة الأساس. 

كما إن الإرادة السياسية فقدت بوصلتها بشأن السياسات الاقتصادية الأمر الذي يجعل أي تصدي أو مواجهة لمكامن الخلل في الاقتصاد هو أسير جماعات وجهات مستفيدة من حالة اللا سياسات، إن صح التعبير، في الشؤون الاقتصادية. كما إن وهن تلك الإرادة انعكس بصور متعددة منها عدم الالتزام بالاستراتيجيات والخطط الموضوعة فيما يخص تنويع إيرادات الموازنة، التخفيف من الفقر، وتنشيط القطاع الخاص، وخطة التنمية الوطنية. الأمر الذي يضعف ثقة المجتمع الدولي دولاً ومنظمات بالحكومة والقرار العراقي. ناهيك عن عدم وجود إرادة سياسية مشتركة لفرض الأمن على كامل إقليم الدولة الأمر الذي جعل التداخلات غير الحكومة تمارس دورها خدمة لمصالح حزبية وشخصية.

خامساً-الاختلال الاقتصادي.

 كما إن صورة الاختلال الاقتصادي (ريعية الاقتصاد، وضعف دور القطاع الخاص) كانت واضحة، وهذا مؤشر لدى كل حكومات ما بعد 2003 وكذلك المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية. وكل الحكومات أكدت في برامجها الحكومية على تجاوز هذا الخلل، لكن الواقع يدركون جيدا أن تجاوز هذا الخلل ربما يتطلب بعض الكلفة الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي لا يريد المتصدين للشأن الاقتصادي وإدارة السلطة التنفيذية خسارة مستقبلهم السياسي. 

التوافق على القرار الاقتصادي وعدم استقلالية الحكومة في القرار الاقتصادي والتأثير الذي تخضع له في قراراتها الاقتصادية، وتدخل الجهات الغير حكومية الفاعلة بدافع إقليمي أو بدافع مصالحها الضيقة، كل هذه أثرت كثيرا على الاقتصاد عبر أمرين:

الأول، عدم وجود سياسات اقتصادية واضحة سوى التوسع في الإنفاق العام والذي يأتي لأسباب انتخابية. 

الثاني، عدم وجود قرار اقتصادي إصلاحي جريء، الأمر الذي دفع كل الحكومات بدون استثناء إلى الاقتراض لتمويل "حساب المال السياسي".

سادساً-كورونا وأسعار النفط.

من أسباب الصدمة الاقتصادية المزدوجة ما شهده الاقتصاد العراقي في نهاية الربع الأول من عام 2020 من أزمة وصدمة مركبة (صحية، اقتصادية)، تمثلت الأولى بإجراءات العزل الخاصة بمواجهة تفشي فيروس كوفيد كورونا 19 بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية رسمياً في نهاية شهر كانون الثاني إن تفشي الفيروس يشكل حالة طوارئ صحية عامة تبعث على القلق الدولي.

 أما الثانية تمثلت في الانخفاض الحاد في أسعار النفط بسبب الوباء وانتقاله إلى العديد من دول العالم، وتباطؤ النشاط الاقتصادي، والذي أربك أوضاع المالية العامة في البلاد، وأصبح تمويل الإنفاق العام يواجه تحديات وصعوبات كبيرة، فلجأت الحكومة الى اتخاذ إجراءات تقشفية حادة ستكون لها أثار سلبية طويلة الأمد على الاقتصاد ، وبدأت الصدمة فعلاً عندما أخفق اجتماع أوبك+ في الحفاظ على الاتفاق النفطي لتنحدر أسعار النفط بشكل كبير ، فضلاً عن تقليص حصص إنتاج النفط، هذا الوضع اثر بشكل كبير على النشاط الاقتصادي القائم.

ثامناً-تدخل الحكومة في الاقتصاد.

يرى البعض، ان الدول التي تتدخل حكوماتها في الاقتصاد، من الطبيعي جداً أن تتعرض لهكذا صدمات، وما زالت التداعيات الأسوأ قادمة تباعاً.

قامت الحكومات المتتابعة في العراق بالتلاعب كثيراً بعدادات الاقتصاد العراقي، مثل (سعر صرف العملة، معدلات الأجور، أسعار الفائدة، الرسوم الكمركية، معدلات التوظيف الحكومي، وغيرها...). حظي هذا التلاعب بمباركة الشعب، ظنا ان تلاعب الحكومة لصالحه، ولكن تبين اليوم، ان الحكومة وسياسات التلاعب هي المشكلة، وليست النعمة.

سنشبه هذه المؤشرات التي ذكرناها أعلاه، بـ (الألم)، جميعنا نعيش الألم الجسدي، ولكن هناك سبب وجيه لوجود الألم، فالألم خلقه الله تعالى ليدلنا على وجود مشكلة في أجسادنا ويجب حينها علاج الخلل وليس الأعراض.

من الممكن أن تتناول مسكنات الألم، وفي هذه الحالة أنت تسكن الأعراض مؤقتاً، ولكن الخلل يبقى قائماً.

كذلك الحال بالنسبة لمؤشرات الاقتصاد التي هي أعراض لوجود أي خلل في الاقتصاد، فمثلاً يدلنا ارتفاع الأسعار على وجود مشكلة إنتاجية في قطاع معين، وانخفاض في المعروض.

بدلاً من معالجة المشكلة، تخفض الحكومة الأسعار قسراً أو تخفض سعر العملة الأجنبية، وهي قد عالجت الأعراض (ارتفاع الأسعار) مؤقتاً، ولكن المشكلة الاقتصادية ما زالت كامنة.

المحور الثالث-سُبل الخروج من الصدمة الاقتصادية المزدوجة.

يمكن مواجهة الصدمة والتخلص من تداعياتها السلبية من خلال:

أولاً-سياسات تجارية ومالية فعالة.

ما ينبغي عمله هو  تحصين الجدار الكمركي والسيطرة بشكل كامل على جميع المنافذ الحدودية لزيادة حجم الإيرادات الداخلة للموازنة وحماية المنتج المحلي    وتقليص كل الإنفاق غير الضروري خصوصا في الرئاسات الثلاث مخصصات الصيانة والوقود  والتنظيف والإيفاد والضيافة والتنظيف والإيجار وإلغاء ودمج كثير من الهيئات والمؤسسات الحكومية  غير الضرورية  التي تستنزف إيرادات الموازنة وإعادة النظر بالقوانين والتشريعات التي  ضخمت الإنفاق العام الجاري  والتي تفتقر إلى معايير الكفاءة والعدالة والتي أثقلت كاهل الموازنة وخصوصا قوانين التقاعد  في الرئاسات الثلاث  وأيضا التي سبقت تشكيل الحكومة العراقية ..

وفي جانب الإيرادات معالجة ملفات شبكات الاتصالات واستحصال المبالغ المتأخرة المترتبة بذمتها مع الدفع باتجاه تأسيس شركة اتصالات وطنية وأيضا ملفات شركات جولات التراخيص واستحصال الإيرادات الضريبية المترتبة على الشركات والسيطرة على إيرادات الموانئ والمطارات، والتحرك السريع لحسم ملفات الفساد واسترجاع أموال الدولة المنهوبة ومتابعة أموال العراق في الخارج...والاتجاه نحو تقنين الاستيراد إلى أضيق حد ممكن والاقتصار فقط على الضروري وتنظيم عملية خروج العملة الصعبة للخارج. ومعالجة موضوعة ملكية الأراضي والعشوائيات والتي ستضيف مبالغ كبيرة للموازنة...

ثانيا-سياسات نقدية – سعر صرف متعدد.

 أي لابد من التوجه إلى نظام سعر الصرف المتعدد والذي ممكن من خلاله أن يكون سعر الصرف للسلع الضرورية الغذائية والدوائية المستوردة منخفض ومطابق للسعر السابق أي ربط سعر الصرف مع مرونة السلعة مع استمرار العمل بالرزنامة الزراعية بالنسبة للسلع الزراعية، ويتم رفع سعر الصرف على السلع الكمالية وغير الضرورية ...إضافة إلى وجود سعر صرف تنافسي وتفضيلي لمستلزمات الإنتاج المستوردة التي تدخل في إنتاج السلع المنتجة محليا لغرض تقليل تكاليف الإنتاج ورفع قدرتها التنافسية. 

ثالثاً-شركات الاتصال وإيرادات المنافذ الحدودية والقطاع الصناعي.

هنالك العديد من البدائل وفي مقدمتها عقود شركات الاتصالات التي انتهى أجلها التعاقدي والتي تحقق إيرادات تتجاوز 20 مليار دولار سنويا ما عدا الديون المترتبة بذمتها للدولة. 

أضف إلى ذلك السيطرة على إيرادات المنافذ الحدودية وإبعاد العمالة الأجنبية التي تستنزف العملة الصعبة ولا تدخل نفقاتها الدورة الاقتصادية الداخلية كذلك يمكن تنشيط القطاع الصناعي لسد الكثير من الاحتياجات محليا وكذلك يمكن أن يسهم هذا التشغيل بتغطية رواتب الموظفين فيها على أقل تقدير.

رابعاً-إرادة سياسية مشتركة تستهدف الأمن والاقتصاد.

الضرورة تستدعي الحسم، والإرادة السياسية المشتركة من قوى سياسية وحكومة هي الأساس الذي يبدأ منه. توفر خطة للإصلاح أو توفر استراتيجيات ليس كافيا. فالدولة العراقية لديها أكثر من 20 إستراتيجية وخطة ساهم فيها خبراء ومختصين تنفيذيين وأكاديميين ومنظمات دولية متخصصة، ولكن لم تجد أي منها طريق التنفيذ الكامل وفق ما هو مرسوم، بل العكس تمام الهروب إلى الأمام وترك مكامن الخلل هو ما يتصف به القرار الاقتصادي في البلاد. 

اليوم البلاد في منحى خطير، ولا ننسى إن اغلب تجارب الدول التي شهدت انقسامات كانت أسبابها أمنية واقتصادية بالدرجة الأساس، وبلادنا تشهد تركيب خلل قطاعي الأمن والاقتصاد. ولذلك لابد من المواجهة الموضوعية لمكامن الخلل في الأمن الاقتصاد. ونرى ان ذلك يستدعي عدة دعامات:

- سيادة سيطرة الدولة على كامل إقليمها واحتكار حق الإكراه مطلقا.

- إرادة سياسية حكومية، سلطة تشريعية وحتى قوى سياسية باتجاه الإصلاح الحقيقي، ومواجهة الفساد، واستقلالية في القرار الوطني السياسي والأمني والاقتصادي.

- برنامج اقتصادي واقعي يأخذ بنظر الاهتمام كافة المؤشرات الاقتصادية الكلية والاجتماعية الحالية لتجنب أي إجراءات من شأنها أن تزيد الكلف الاقتصادية والاجتماعية للإصلاح.

- تنفيذ البرنامج عبر اطر تشريعية وتنفيذية دقيقة، في إطار سياسات عامة داعمة له.

خامساً-إصلاح النظام السياسي كفيل بالإصلاح الاقتصادي.

إن الحلول لهذا الوضع باتت معروفة للجميع ولكن لحد الآن هي بلا جدوى فالوضع السياسي لا يزال يلقي بظلاله على المشهد الاقتصادي وبدون حركة إصلاح سياسي على مستوى النظام والعملية السياسية فأن تحسن الاقتصاد قد يطول وسيستمر البلد في ريعيته واعتماده على النفط لفترات طويلة ما يعرض البلد لمزيد من الهزات الاقتصادية فالإصلاح السياسي بات أمر ضروري من أجل إيقاف نزيف موارد اقتصاد البلد.

سادسا-تحرير الاقتصاد من تدخل الحكومة

ما دامت الحكومة تتبع ذات السياسات التي أوصلت البلد لهذه الأزمة، فان الأزمات ستتواصل وتشتد سوء.

الجميع يركز على الحلول السريعة، ولكن هذه الحلول السريعة ستزيد الوضع سوء إذا لم تكن في إطار إستراتيجية شاملة قائمة على تحرير الاقتصاد خلال الخمس أعوام القادمة.

عموما علينا مراقبة مؤشرين أساسيين إذا أرادنا متابعة تقدم الإصلاح الحكومي للاقتصاد.

الأول: مؤشر الحرية الاقتصادية، الذي يتضمن مؤشرات فرعية تساعد على مراقبة دقيقة للاقتصاد.

الثاني: مؤشر سوق العراق للأسهم، حيث سيعكس ارتفاع المؤشر مدى ارتياح المستثمرين اتجاه بيئة الأعمال في البلد.

ان مشاعر المستثمرين مؤشر صادق إلى درجة كبيرة، لان المستثمر لا يجامل أو يتلاعب عندما يتعلق الأمر بأمواله! بعكس التقارير الحكومية والاقتصادية، التي يمكن أن تكون خادعة في كثير من الأحيان، فواضع التقرير لن يخسر شيء إذا أخطأ في تقريره! 

سيخبرنا المؤشر الأول ما إذا كانت الحكومة مستمرة بالتلاعب بعدادات الاقتصاد ... وإذا استمر التلاعب فمن المستبعد تحسن المؤشر الثاني، وسيبقى الأمل الوحيد هو تحسن أسعار النفط، ولكن من استمرار الفساد طبعا.

سابعا-سياسات أخرى.

1- توفير قاعدة استقرار نقدي ومالي تسمح بنجاح الجهد الاستثماري وتفتح الآفاق إزاء المستثمرين باتجاه عدم تأثير التقلبات السعرية في مستقبل الاستثمار.

2- التوجه نحو سياسة التنويع الاقتصادي (تنويع مصادر الدخل) ورفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من خلال تحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص بغية تعزيز دوره في عملية التنمية المستدامة.

3- دعم الأنشطة الحقيقية للاقتصاد العراقي من خلال الاستمرار بتوفير حزمة دعم مالي لمشروعات القطاع الخاص، أي إقراض مشاريع القطاع الخاص من المصارف المتخصصة وكذلك دعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر من خلال أكبر مبادرة إقراض في تأريخ العراق قدمها البنك المركزي العراقي.

4- طرح سندات من قبل البنك المركزي للإفراد والمؤسسات، على غرار السندات التي تم طرحها في ثمانينيات القرن الماضي تحت مسمى سندات أزمة كورونا (سواء أكانت إلزامية أم اختيارية)، وهذا النوع مفيد جداً للاقتصاد، اذ انه يقلل من معدلات التضخم ويساعد في تخفيض عجز الموازنة.

5- تقليص الإنفاق الحكومي على جميع أوجه النفقات (المحافظات، الوزارات، إقليم كردستان، تنمية الأقاليم، الموازنة الاستثمارية)، وهذا الخيار يمكن أن يؤدي إلى ركود اقتصادي ولكن بمعدلات اقل.

إصدار شهادات الادخار الإسلامية والتقليدية لصالح وزارة المالية، إذ تتيح بعض البنوك للعملاء إصدار شهادات ادخار تتوافق مع الشريعة الإسلامية، بهدف جذب شريحة العملاء الذين لا يتعاملون مع المنتجات المصرفية التقليدية، ويفضلون المنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة، وتضع البنوك ضوابط محددة لاحتساب العائد على هذه الشهادات وفقا للشريعة الإسلامية تتمثل في تحديد متوسط عائد تقديري على الشهادات تتعرض للصعود أو الهبوط وفقا لصافي الإيرادات السنوية على أعمال البنك، ومن اجل تحقيق الأهداف المرجوة لابد من دعمها إعلاميا بصورة كبيرة بغية تحويل سلوك المواطن العراقي من مستهلك إلى مستثمر، وتعبئة المدخرات الوطنية.

 

التوصيات:

أولا-إصلاح النظام السياسي ليكون قادر على إدارة البلاد وإخراجها من الفوضى للاستقرار، إذ لا إصلاح اقتصادي دون استقرار سياسي.

ثانياً-محاربة الفساد في كل مفاصل الدولة والسيطرة على المنافذ الحدودية، البرية والبحرية والجوية، لضمان حصر الإيرادات العامة ورفدها للموازنة العامة.

ثالثاً-الاهتمام بملف شركات الاتصال من حيث تسديد ما بذمتها من أموال للدولة والعمل على إنشاء شركة وطنية للاتصالات (شركة مساهمة) يتم طرح أسهمها للعراقيين.

رابعاً-تقليص النفقات العامة وبالخصوص الجارية غير الضرورية أكبر قدر ممكن مما يؤدي لتخفيض حجم العجز المالي.

خامساً-العمل بسعر صرف متعدد وفقاً لمرونة السلع لضمان تخفيض الكلف الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على كلفة الإنتاج المحلي من الارتفاع.

سادساً-التركيز على نوعية الإنفاق الاستثماري بدلاً من حجمه لضمان سير الدولة بالاتجاه السليم وبما ينسجم مع التوجه الاقتصادي الجديد. 

سابعاً-تحرير الاقتصاد من الحكومة وبالخصوص عناصر الإنتاج وعلى وجه التحديد الأرض حيث تهيمن الدولة على 80% منها.

ثامناً-تشريع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص والذي راجعه مجلس الدولة منذ كانون الاول 2017.

التعليقات