ان توفير البنية التحتية سيسهم في تفعيل الاقتصاد الحقيقي وتقويته، وهذا ما يجعل توجيه الفوائض النفطية نحو البنية التحتية هي الخيار الأولى على الخيارات الأخرى، لان الخيارات الأخرى يمكن تحقيقها بعد تفعيل الاقتصاد الحقيقي لكن لا يمكن تفعيل الأخير في ظل غياب البنية التحتية..
مُررت موازنة 2021 في ظروف استثنائية مر بها العراق نتيجة تفشي جائحة كورونا وانهيار اسعار النفط في الاسواق العالمية واخفاق الحكومة في اقرار موازنة عام 2020 بسبب تراجع الايرادات النفطية الى دون النصف. اضافة الى تضمين سعر صرف جديد في الموازنة، (1450) دينار لكل دولار بدلا من السعر السابق (1182) دينار لكل دولار..
تواصل اسعار النفط الخام ارتفاعها منذ اسابيع مدفوعة بجملة من العوامل المؤثرة في اساسيات اسواق النفط العالمية لعل أبرزها تعاف الطلب العالمي على النفط نتيجة تخفيف القيود الصحية وانتعاش النشاط الاقتصادي وارتفاع اسعار الغاز في اسواق الطاقة العالمية، بالإضافة الى ضبط الامدادات النفطية وفقا لخطة تحالف "اوبك+" وعدم الانصياع لرغبة الدول الكبرى في رفع الطاقات التصديرية لدول التحالف..
يتضح ان ارتفاع اسعار النفط متغير واحد، ولا يمكن الاعتماد عليه كونه مرتبط بتطورات الجائحة وآفاق نمو الاقتصاد العالمي. مقابل عدة متغيرات تضغط على موازنة 2021 من نحو معدل الصادرات النفطية وعدم تسليم نفط الاقليم والمبالغة في تقدير الايرادات غير النفطية وغيرها. ولا يعني ذلك ان نهاية العام الحالي سيدخل البلد في ازمة مالية بقدر ما يدعو الى توخي الدقة والحذر في مراقبة الوضع المالي في العراق وعدم المبالغة في تقدير الوفرة المالية والفوائض الناتجة عن تحسن اسعار النفط في الاسواق العالمية، بل الاستعداد لأوضاع مالية صعبة قد تواجه العراق اواخر العام 2021 على جانب الموازنة الجارية..
ان تدهور الوضع المالي في العراق دالة لحزمة من المسببات يأتي في مقدمتها غياب الشفافية والحوكمة في معظم مفاصل المؤسسة المالية (وزارة المالية)، وضعف الالتزام بالقوانين النافذة من قبل العديد من الجهات والمؤسسات الحكومية، والاعتماد المزمن على موازنة البنود، وغياب الحسابات الختامية رغم الفساد المستشري في جميع المؤسسات الحكومية، وضعف قدرة الحكومة المركزية على استغلال وتوزيع الموارد بعدالة وكفاءة..
إن العراق تعرض لصدمة اقتصادية مزدوجة نقدية ومالية، إذ إن تخفيض قيمة الدينار العراقي والذي تم تنفيذه بشكل مباشر بالتزامن مع تخفيض تعويضات الموظفين بنسبة كبيرة التي لا تزال قيد النقاش تحت قبة البرلمان وكان لها أثراً إعلامياً، أديا معاً لتراجع النشاط الاقتصادي بسبب حالة الغموض والتخوف بشأن المستقبل..
الموازنة هي ليست موازنة إصلاحية وهي استمرار لحالة الفشل والتخبط والهدر والنزيف الحاد للموارد المالية للبلد، وإن تخفيض سعر الصرف وتخفيض رواتب الموظفين وفرض الضرائب في ظل الظروف التي يمر بها البلد ليست العصا السحرية لحل مشاكلهُ..
مما لاشك فيه أن هناك حلول كثيرة للمرحلة الآنية تجول في أروقة الإقتصاديين التي يمكن الأستعانة بها لتجاوز الأزمة الخانقة التي يمر بها الإقتصاد العراقي مع عدم إغفال اصلاحات الورقة البيضاء التي تتطلب ارادة سياسة موحدة في نهج الاصلاح الاقتصادي، وتبقى الموازنة العامة هي الأداة التخطيطية التي توجه جميع مفاصل الإقتصاد العراقي نحو الأصلاح ودفعه نحو مسيرة النمو والتنمية الإقتصادية..
يجدر بالحكومة الاتحادية مطالبة الإقليم بتسديد ما عليه من ديون الى بغداد نظرا لاستلامه مبالغ مالية ضخمة دون تسليم الخزينة الاتحادية الايرادات النفطية وغير النفطية كما نص عليه الدستور وقوانين الموازنات النافذة..
من أجل تحقيق الإصلاح المالي بالاتجاه الصحيح في العراق بعيداً عن الاتجاه المعاكس لا بُد من العمل وفق بديهية الإصلاح المالي التي تم الابتداء بها، أي العمل على تخفيض النفقات العامة أكثر ما يمكن والاقتصار على الضروريات فقط وزيادة الإيرادات العامة أكبر ما يمكن على أن لا تؤدي هذه الزيادة إلى آثار عكسية تضر بذات الإصلاح المالي كما في حال زيادة الضرائب بنسبة 100% تؤدي إلى تخفيض الحصيلة الضريبية إلى الصفر..
خفض قيمة الدينار العراقي جاء اساسا لتمويل العجز الضخم في موازنة العام 2021 وليس لتحقيق اصلاح اقتصادي ورفع القدرة التنافسية للمنتج الوطني. خصوصا مع استمرار التراجع في الايرادات النفطية وعجز الحكومة عن تقليص النفقات او تعظيم الايرادات غير النفطية في الامد القصير..
نظرا للتطورات السياسية والاقتصادية والصحية لا يزال مشروع قانون موازنة العام 2021 في مجلس الوزراء بانتظار المناقشة والاقرار نتيجة لوعود حكومية بتضمين حزمة عريضة من الاصلاحات المالية تضمن التعايش مع الهبوط الحاد في الايرادات النفطية عبر تعظيم الايرادات غير النفطية وضبط وترشيد النفقات العامة..