لا يزال ارتباط اقتصاديات البلدان النفطية بالريع النفطي يولد مضاعفات خطيرة على النمو والاستقرار الاقتصادي، خصوصا مع استمرار تسلل الصدمات النفطية الى الاقتصاد عبر قناة المالية العامة، في البلدان التي لا تمتلك مصدات مالية مناسبة، وتعتمد على النفط في تمويل الموازنة العامة بنسب تفوق (90%)، كالعراق مثلا..
هذه المقالة ليست في السياسة الاقتصادية او الإصلاح بل لمعاودة النظر في الفاعلية الإنتاجية للإقتصاد العراقي. نعرض قليلا من المؤشرات التجميعية، ونلاحظ المسار الذي أفضى إلى تشكل بنية لتوظيف العمل ورأس المال تعيق التنمية الإقتصادية، بمعنى اللحاق أي تقليص فجوة التطور بين العراق والدول المتقدمة. ولقد ترسخ هذا النمط من الحياة الإقتصادية في البيئة السياسية، ودوائر القرار، منسجما مع طراز من الوعي والتفكير الرائج يُقصي محاولات البحث عن تدابير تساعد على النهوض الإقتصادي، بالتصنيع وبناء قدرات متكاملة ومتنامية لإستكمال وتطوير البنى التحتية..
بفعل التذبذب الحاد في أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة وانخفاض الايرادات النفطية وتفاقم العجز المالي وزيادة المديونية وتعميق الاختلال الاقتصادي وزيادة المشاكل الاجتماعية والفوضى السياسية، أدركت هذه البلدان إنها بحاجة ماسة للضرائب لتنويع إيراداتها واقتصاداتها, بمعنى إن الضرائب أصبحت أداة لزيادة الحصيلة المالية لتقليص العجز وتجنب المديونية من جانب وأداة لتوجيه الاقتصاد نحو التنويع الاقتصادي على المدى الطويل لتقوية الاقتصاد وامتصاص المشاكل الاجتماعية وتحقيق الاستقرار السياسي من جانب آخر..
مرت اسواق النفط الخام بأوقات عصيبة عام 2020 ويحتاج الاقتصاد العالمي الى سنوات ليتعافى من تداعيات الاغلاق الكبير والتخلص من فيروس كورونا وما يفرضه من قيود صارمة على التنقل والعمل بحرية ونشاط. ويتوقع ان تشكل جائحة كورونا تحديا أساسيا للطلب على الوقود الى نهاية العام 2021..
يترك النفط آثاره السلبية على الاقتصادات التي تعتمد عليه بشكل كبير خصوصاً إذا ما كانت هذه الاقتصادات تعاني من غياب الاستقرار السياسي كما هو حال العراق. حيث يتصف الاقتصاد العراقي بالاعتماد الشديد على النفط ماليةً وإنتاجاً وتجارةً، بحكم امتلاكه كميات كبيرة منه انعكست على الإنتاج والتصدير النفطيين وعلى الاقتصاد برمته..
يلزم البلدان النفطية، وخصوصا العراق، الاستعداد جيدا لهبوط جديد في الايرادات النفطية، وعدم التعويل على تعافي مستدام للأسعار نظرا لان معدلات اسعار النفط أكثر حساسية لآفاق النمو والتعافي الاقتصادي العالمي مقارنة مع قيود الانتاج المحددة من قبل مجموعة (اوبك +)..
تعرض هذه المذكرة تقديرات لفجوة النقد الأجنبي في العراق خلال العقدين القادمين، وهي اولية بطبيعة الأمر، وتذكّر بدراسات سابقة حول العلاقة بين ميزان المدفوعات والتنمية الاقتصادية. والتي أهملت، غالبا، نتيجة الإحساس بالوفرة النسبية من صادرات النفط وخاصة خلال طور الصعود في دورة الأسعار وانتظار عودتها زمن الهبوط..
يلزم الاعتماد المفرط على قطاع النفط في تمويل الموازنة العامة وتحريك مختلف القطاعات الاقتصادية الحكومية العراقية بتوخي كافة السياسات اللازمة لتطوير وتاهيل وصيانة البنية التحتية للقطاع النفطي من حقول وشبكات الانابيب ومستودعات الخزن ومنصات التصدير وغيرها من المرافق الحيوية لهذا الشريان الخطير. وقد تضمن البرنامج الحكومي (2018-2022) في المحور الثالث (فقرة 2 و3) اشارة الى التعجيل بتطوير وتوسيع طاقة منظومة الخزن والنقل والتحميل في المنطقة الجنوبية ومشروع حقن الماء من اجل زيادة طاقة الانتاج والتصدير واستدامتها والتسريع في زيادة وادامة منافذ تصدير النفط الخام عبر تركيا والاردن كضرورة استراتيجية واقتصادية. كما استحوذ قطاع النفط على الجزء الاكبر من النفقات الاستثمارية في موازنة العام الجاري والتي تصل لقرابة (15) ترليون دينار عراقي..
عانى الاقتصاد العراقي من مشكلة ضخامة الدين العام منذ العام 2003 بسبب الديون التي خلفتها سياسات النظام السابق والحصار الاقتصادي والتراجع الذي شهدته اسعار النفط الخام آنذاك. اذ قدر الدين العام (الخارجي فقط) قبل العام 2003 قرابة (130) مليار دولار، (42.5) مليار دولار للدول الاعضاء في نادي باريس، (67.4 ) مليار دولار للدول من غير الاعضاء في النادي، وقرابة (20) مليار دولار للدائنين التجاريين من القطاع الخاص، ونصف مليار دولار للمؤسسات المالية الدولية والإقليمية..
ان استمرار سيطرة الدولة على الريع النفطي وتوظيفه بالشكل السياسي لا الاقتصادي، أسهم في شل عملية الديمقراطية من السير بالاتجاه الصحيح، إذ ان انخفاض الوعي السياسي وارتفاع درجة المحرومية لدى المجتمع بسبب النظام السابق، بالتزامن مع سيادة ثقافة الاستبداد المتوارثة لدى الحاكم وثقافة الخضوع والتبعية المتوارثة لدى المحكوم..
لا شك ان اتفاق (اوبك +) كبح التراجع الحاد الذي شهدته اسعار النفط اواخر العام 2018. ففي ديسمبر كانون الأول اتفقت المنظمة وحلفائها على العودة إلى تخفيضات الإنتاج مدفوعين بمخاوف بشأن تراجع أسعار النفط الخام وارتفاع الإمدادات. وتم تقليص الإنتاج بمقدار (800) ألف برميل يوميا من أول يناير كانون الثاني الماضي. وبذلك تكون نسبة امتثال أوبك (86%) من التخفيضات المتعهد بها، وفقا لحسابات رويترز، وهو مستوى مرتفع قياسا بالتجارب السابقة للمنظمة. مع ذلك أشارت المنظمة إلى عوامل معاكسة تشكل تحديا لمساعيها لمنع حدوث تخمة في الاسواق عام 2019، بما في ذلك ضعف الطلب وارتفاع إنتاج المنافسين. وفي تقريرها الشهري، قالت أوبك إن إنتاجها النفطي انخفض الى قرابة (800) ألف برميل يوميا في يناير كانون الثاني ليصل الى (30.81) مليون برميل يوميا. ويزيد ذلك بقليل عن الطلب المتوقع في 2019 على نفط أوبك، والذي خفضته المنظمة إلى (30.59) مليون برميل يوميا..
هناك علاقة وثيقة الصلة بين الفقر والريع النفطي في البلدان الريعية التي تفتقد للإدارة الكفؤة، حيث يرتفع حجم الفقر مع زيادة اعتماد اقتصاداتها على الريع النفطي، وذلك بحكم طبيعة القطاع النفطي الذي تتسم صناعته بانها كثيفة رأس المال ومحدودة في العمل..