من المعروف ان الاقتصاد الذي يعتمد على مصدر(مورد) واحد يتعرض لآثار سلبية، تتمثل في الاختلالات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية فضلاً عن الفوضى السياسية.
تستدعي هذه الاختلالات والمشاكل والفوضى من اصحاب الاختصاص والمسؤولين جميعاً إيجاد الحلول المناسبة التي من شأنها الحد والقضاء من تلك الاختلالات والمشاكل والفوضى تدريجياً، إذ لا يمكن القضاء عليها بشكل مفاجئ، كما لا يستطيع الطبيب القضاء على مرضٍ ما بشكل مفاجئ، بعد تشخيص حالة المريض بشكل دقيق.
هناك الكثير من الوسائل التي يمكن أن تؤدي عند استخدامها بشكل سليم لتحقيق التنويع الاقتصادي ومنها الضرائب.
الضريبة وأهدافها
حيث تُعرف الضريبة على انها " فريضة مالية نقدية تفرضها الدولة جبراً من الافراد بدون مقابل بهدف تمويل نفقاتها العامة وتحقيق الاهداف النابعة من مضمون فلسفتها السياسية " ( 1).
ان للضريبة بشكل عام ثلاثة اهداف:
- الهدف المالي الذي يتمثل في تمويل الانفاق العام.
- الهدف الاقتصادي الذي يتمثل في تحقيق التوازن الاقتصادي.
- الهدف الاجتماعي الذي يتمثل في تحقيق التوازن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية من خلال اعادة توزيع الدخل القومي.
تُعد الضريبة إحدى أدوات السياسة المالية التي تستخدمها الدولة لتحقيق إحدى الأهداف أعلاه، ونظراً لاعتبار التنويع الاقتصادي جزء أساس من الهدف الثاني، لذا تصبح الضريبة أحد أدوات تحقيق التنويع الاقتصادي.
دورها في تنويع الاقتصاد
تلعب الضريبة دورها في تحقيق التنويع الاقتصادي من خلال تأثيرها على الكميات الاقتصادية الكلية كالإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار عبر الاعفاء والفرض والتمويل والحماية وكما سيتضح أدناه.
فالإعفاءات الضريبية تعمل على زيادة معدل العائد من رأس المال، فتتجه رؤوس الاموال للاستثمار في للأنشطة الاستثمارية التي تخضع لتلك الاعفاءات ويتحول نمط الاستثمار في الانشطة الاستثمارية غير المعفاة الى الانشطة الاستثمارية المعفاة من الضريبة.
كما إن فرض الضرائب يسهم في انخفاض معدل العائد على رأس المال، فتنخفض رؤوس الأموال للاستثمار في الأنشطة الاستثمارية التي تخضع للضرائب وتهرب للأنشطة المعفاة من الضرائب.
إن فرض الضرائب على الأنشطة غير المرغوبة سيؤدي لزيادة الحصيلة الضريبة من الممكن استخدامها في الأنشطة المرغوبة التي تسهم في دعم التنويع الاقتصادي (كالتعليم والصحة والبنية التحتية) أو الأنشطة التي تحقق التنويع الاقتصادي بشكل مباشر كالزراعة والصناعة التحويلية وغيرها.
كذلك تعمل الضرائب على حماية المنتوج المحلي من خلال رفع اسعار الضرائب الجمركية على السلع المستوردة فيعمل ذلك على اقبال الافراد على شراء السلع المصنعة محلياً وبالتالي زيادة الطلب عليها فيزداد انتاجها وزيادة انتاج السلع المرتبطة بها(2 ).
وجدير بالذكر ان الانتاج يرتبط بشكل وثيق بالاستهلاك ، فاذا فرضت الضرائب على الاستهلاك فإنها تؤدي الى نقص الانتاج ، ولذا فان توزيع الاثار التي تنجم عن فرض الضرائب ، يتوقف على التغيير فيه على مرونة الطلب من ناحية ، وعلى سهولة أو صعوبة انتقال عوامل الانتاج المستخدمة في الصناعة الى غيرها او من قطاع الى غيره من ناحية اخرى ( 3)، بمعنى لابُد أن يكون الفرض مدروساً لا عشوائياً وبما يؤدي إلى تحقيق الأهداف المطلوبة المتمثلة بالتنويع الاقتصادي.
إهمال البلدان النفطية للضرائب
إن البلدان التي تعتمد على النفط كمصدر رئيس للاقتصاد لم ترى أهمية كبيرة لمسألة الضرائب خصوصاً عند انتعاش الاسعار النفطية في بداية الالفية الجديدة غير مُدركةً إن النفط وأسعاره لا يمكن أن تستمر بهذا الانتعاش والأهمية.
ولكن بفعل التذبذب الحاد في أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة وانخفاض الايرادات النفطية وتفاقم العجز المالي وزيادة المديونية وتعميق الاختلال الاقتصادي وزيادة المشاكل الاجتماعية والفوضى السياسية، أدركت هذه البلدان إنها بحاجة ماسة للضرائب لتنويع إيراداتها واقتصاداتها.
بمعنى إن الضرائب أصبحت أداة لزيادة الحصيلة المالية لتقليص العجز وتجنب المديونية من جانب وأداة لتوجيه الاقتصاد نحو التنويع الاقتصادي على المدى الطويل لتقوية الاقتصاد وامتصاص المشاكل الاجتماعية وتحقيق الاستقرار السياسي من جانب آخر.
الاجراءات الضريبية لتنويع الاقتصاد
فعلى سبيل المثال عندما ترغب الدولة ما في تفعيل القطاع الزراعي، من اجل تحقيق التنويع الاقتصادي، فإنها يمكن ان تلجأ الى اربعة اجراءات:
الاول: الاعفاء، اعفاء القطاع المراد تفعيله القطاع الزراعي مثلاً، من الضرائب حتى يستطيع الوقوف على قدميه ويصبح ذو كفاءة عالية وقادر على مواجهة المنافسة الاجنبية.
الثاني: الفرض، فرض الضرائب على القطاعات غير المرغوبة لمحاربة الاستثمار فيها باعتبار انها قطاعات غير مرغوبة وتوجيه الاستثمارات نحو القطاع المرغوب المُعفى من الضرائب وهو القطاع الزراعي، إذ ان الاستثمار يتهرب من القطاعات الخاضعة للضرائب لان الضرائب تقلل من ارباحه، وعليه فالضرائب اداة لتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات المرغوبة.
الثالث: التمويل، توجيه الحصلة الضريبية التي تحققت في الاجراء الثاني نحو القطاع المراد تفعيله هذا ما يزيد من سرعة انجاز تفعيل القطاع الزراعي ومن ثم يأتي دور القطاع الآخر وهكذا حتى يتم تفعيل القطاعات الانتاجية ليتحقق التنويع الاقتصادي.
الرابع: الحماية، فرض الضرائب الكمركية على السلع الاجنبية المماثلة للسلع المحلية التي ينتجها القطاع المراد تفعيلهُ وليكُن القطاع الزراعي مثلاً، أي حماية المنتوج الوطني من المنافسة الاجنبية. ويمكن اجراء هذا العمل مع القطاعات الانتاجية الفعلية، كقطاع الصناعات التحويلية وقطاع الكهرباء وغيرها من القطاعات او الافرع من تلك القطاعات، ذات الاثر الايجابي اجتماعياً ليتم تحقيق التنويع الاقتصادي اخيراً.
مصادر تم الاعتماد عليها
1 - عادل العلي , المالية العامة والقانون المالي والضريبي , الطبعة الثانية , إثراء للنشر والتوزيع , الجزء الاول ,عمان , 2011 , ص119 .
2 - عادل العلي , نفس المصدر , ص265 .
3 - للمزيد في ذلك انظر : عادل احمد حشيش , اساسيات المالية العامة مدخل لدراسة اصول الفن المالي لمالية الاقتصاد العام , الطبعة الاولى , دار الجامعة الجديدة للنشر , الاسكندرية , 2007 , ص204 .