الاقتصادات النفطية والتحديات المستقبلية - الواقع والواجب عمله

شارك الموضوع :

إن تحقيق التنويع الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص سيكونان كفيلان بمواجهة التحديات المستقبلية التي ستعاني منها الاقتصادات النفطية إن عملت على تلافيها منذ الآن

تبقى مسيرة الاقتصادات التي تعتمد على النفط دون توظيفه في بناء اقتصاد حقيقي مستدام، مسيرة محفوفة بالمخاطر وعرضة للانهيار مستقبلاً.

إضافة لما تعانيه هذه الاقتصادات في الزمن الحالي من مشاكل ناجمة عن اعتمادها على النفط إضافة لأسباب لأخرى، ستتراكم وتتفاقم بمرور الزمن خصوصاً في ظل التحديات المستقبلية التي سيتم تناولها أدناه.

إذ تعاني هذه الاقتصادات من مشاكل كثيرة يمكن إيجازها بالآتي:

مشاكل اقتصادية تتمثل في هيمنة الدولة على الاقتصاد وانخفاض الكفاءة الاقتصادية وضعف التنافسية السلعية وتذبذب النمو الاقتصادي وزيادة البطالة وعجز الميزان التجاري وغيرها.  

مشاكل مالية تتمثل في تذبذب الموارد المالية للدولة وتضخم النفقات المالية والجانب الاستهلاكي على وجه الخصوص على حساب الجانب الاستثماري وعجز الموازنة وزيادة المديونية.

مشاكل سياسية تتمثل في ضعف النظام السياسي وعدم استقراره واستمرار الصراعات ما بين الكتل والاحزاب من اجل الاستئثار بالسلطة والثروة بعيداً عن الشعب وتطلعاته.

 مشاكل اجتماعية تتمثل في زيادة البطالة والفقر والطلاق والسرقة وطغيان الهويات الفرعية – كالحزب والطائفة والدين والعرق وغيرها-على حساب الهويات الرئيسة-كالهوية الانسانية والوطنية-مما ينجم عنه غياب السلم المجتمعي.

مشاكل ثقافية تتمثل في تحويل ثقافة المجتمع من ثقافة الانتاج إلى ثقافة الاستهلاك استنساخاً عن طبيعة الاقتصاد النفطي القائم على توزيع الايرادات على المواطنين بدلاً من إنتاجها.

هذا المشاكل وغيرها تمثل الواقع الذي تعيشه الاقتصادات النفطية التي تفتقر للمؤسسات التي – إن توفرت-تستطيع قلب المعادلة وتجعل النفط نعمة لا نقمة. 

وجدير بالذكر، إن المؤسسات التي تسهم في قلب معادلة النفط من نقمة إلى نعمة لا يمكن تحقيقها اعتباطاً وفي ليلة واحدة، بل تحتاج لدراسة وتخطيط ولوقت طويل، حتى يتم بناء مجتمع يؤمن بالمؤسسات ويتفاعل معها وما يصدر عنها-على أن يكون هو محورها-

 وبالتأكيد هذا لم يحصل في الأمد المتوسط فضلاً عن القريب، فكيف سيكون مصير الاقتصادات النفطية في ظل التحديات المستقبلية التي ستُغير العالم؟

التحديات المستقبلية

كما هو معروف إن الحياة ليست ثابتة بل هي متغيرة ولا يُمكن إيقافها وهي في تطور دائم في أغلب المجالات ومن بين هذه المجالات الطاقة والتكنولوجيا، وإن التحديات تتمثل في الآثار التي ستتركها التغيرات في هذين المجالين على وجه التحديد.

إن التغيرات في مجال الطاقة تتمثل في التحول الكبير من الطاقة الاحفورية إلى الطاقة المتجددة لتجاوز مسألة التلوث البيئي والحفاظ على حرارة الأرض من الارتفاع.

هذه التغيرات دفعت للتنبؤ من قبل وكالة الطاقة الدولية بأن الطلب على النفط سينخفض بشكل كبير جداً يصل لأقل من 25 مليون برميل يومياً عام 2050 مما سينعكس سلباً على الايرادات النفطية والاقتصادات النفطية، فكيف ستتعامل هذه الأخيرة مع هذا الانخفاض الناجم عن التغير في مجال الطاقة؟!

كما إن التغيّر في مجال التكنولوجيا سيتمثل في اتجاهين:

 الاول-يصب بشكل مباشر في تحسين وترشيد استهلاك الوقود أو انتفاء استهلاكها كالسيارات الكهربائية مثلاً، مما يؤدي لانخفاض الطلب على المنتجات النفطية ومن ثم النفط الخام والايرادات النفطية مرةً أخرى.

الثاني-يتمثل في إحلال الآلة-الروبوت-محل الانسان وقيامها في العديد من النشاطات الاقتصادية، مما يعني زيادة البطالة في الوقت الذي تعاني فيه الاقتصادات النفطية من تفاقم البطالة بالأساس بحكم طبيعة الصناعة النفطية التي تعتمد على رأس المال أكثر من العمل.

تبدو صورة الاقتصادات النفطية قاتمة جداً مستقبلاً في ظل هذه التحديات التي تتمثل في انخفاض الموارد النفطية من جانب وزيادة البطالة من جانب ثانٍ، وهذا هو الواقع المستقبلي في حال لم يم العمل على تغيره من الآن.

الواجب عمله

لذا يكون من الواجب العلمي والمنطقي والاخلاقي والانساني، العمل بكل جد واجتهاد على استثمار الايرادات النفطية المتوفرة في الوقت الحاضر في بناء اقتصادات حقيقية مستدامة قادرة على استيعاب ومواجهة هذه التحديات.

إن بناء اقتصادات حقيقية يعني مغادرة النفط وتحقيق التنويع الاقتصادي من جانب وتحجيم دور الدولة في الاقتصاد وإعطاء القطاع الخاص الدور الأكبر من جانب ثانٍ.

إذ إن مغادرة النفط وتحقيق التنويع الاقتصادي يعني خلق مزيد من فرص العمل وتقليص البطالة، كما إن القطاع الخاص سيكون قادراً على مواكبة التطورات العالمية في المجال التكنولوجي وغيره.

خلاصة القول، إن تحقيق التنويع الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص سيكونان كفيلان بمواجهة التحديات المستقبلية التي ستعاني منها الاقتصادات النفطية إن عملت على تلافيها منذ الآن.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية