وافق مجلس النواب العراقي بالأغلبية في أيار 2020 على المنهاج الوزاري الذي قدمه رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي، ومنح الثقة لحكومته في أيار2020 ، وحدد المنهاج الوزاري الأولويات الآتية: انتخابات مبكرة حرة ونزيهة على وفق قانون انتخابي جديد، ومكافحة جائحة كورونا، وتحديث النظام الصحي، وإصلاح الأجهزة الأمنية، وحصر السلاح بيد الدولة، ومعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، وتقديم مشروع قانون الموازنة، وحماية حق التظاهر السلمي، وإطلاق حوار وطني، وتوازن علاقات العراق الخارجية، وزيادة التعاون القائم على المصلحة المشتركة، وتحقيق العدالة، واستقلال القضاء، ومحاسبة المجرمين، ومحاربة الفساد، والحد من الهدر، وحماية ثروات العراق.
ويعكس التقرير الخطوات التي اتخذتها الحكومة العراقية لإنجاز المنهاج الوزاري، ومستوى النجاح الذي تحقق منذ تسلم الحكومة في 8 أيار2020 . ويتضمن هذا التقرير الذي يغطي المدة من 8 أيار 2020 حتى 7 أيار 2021 في فصله الأول، إجراءات الحكومة لتنفيذ المنهاج الوزاري. أما الفصل الثاني، فيعكس الإنجازات الحكومية، ومستوى النجاح المتحقق بنسب مئوية على مستوى المنهاج ككل. واخيرا تناول الفصل الثالث تقييم كل القطاعات وبحسب فقراته.
ويختلف هذا التقرير عن اخر تقرير لمتابعة تنفيذ البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء الاسبق عادل عبد المهدي، والذي يعرض معدل نسب الإنجاز والحيود(الانحراف) في البرنامج الحكومي خلال المدة 1/11/ 2018 ولغاية 30/4/ 2019، حيث يوثق انجاز وحيود المشاريع التي تعمل عليها الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ضمن التزامها في البرنامج الحكومي. وقد كانت نسبة انجاز الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة للبرنامج الحكومي خلال النصف الأول لسنة2019 (79%) وبمعدل حيود (21%). في حين يخلو التقرير الحالي من نسب انجاز حقيقية قائمة على متابعة التوقيتات الزمنية لتنفيذ المشاريع الحكومية.
منهجية التقرير
1- يعتمد التقرير على منهجية حساب نسب النجاح الذي تحقق خلال عام (من شهر ايار 2020 ولغاية ايار 2021)، دون بيان المعايير التي تم على اساسها منح هذه النسب. مثلا في (ص6) يشير التقرير الى ان الاقتصاد حقق نسب نجاح محددة بـ (66%) في حين جميع المؤشرات الاقتصادية في تدهور (فقر، تضخم، بطالة، انتاج وطني... وغيرها) وبالتالي لا يذكر التقرير معايير النجاح ولا كيف تحققت؟
2- يخلو التقرير من الارقام الحقيقية التي يمكن الاستناد عليها في التقييم مما يضعف مصداقية التقرير، على سبيل المثال تحققت نسب نجاح (80%) فيما يخص المنافذ الحدودية ويشير التقرير في (ص8) الى ارتفاع الايرادات الجمركية بشكل ملحوظ في حين لم يذكر رقم واحد للمقارنة بين اول المدة واخر المدة لبيان التطور بشكل رقمي حقيقي لا انشائي.
3- يبين التقرير في (ص8) بان نسب نجاح الاستثمار والاعمار وصلت الى (70%) خلال مدة عام في حين لم تطلق التخصيصات الاستثمارية العام الماضي بسبب عدم اقرار موازنة 2020. كما ان الموازنة الاستثمارية لعام 2021 لم تطلق لغاية اعداد التقرير فكيف تم تحديد هذه النسبة العالية وعلى اي المعايير تم الاستناد.
4- في (ص8) ايضا يشير التقرير الى احراز نجاح يقارب (65%) في قطاع الصناعة والزراعة ونجاح استراتيجية صنع في العراق المعلن عنها دون الاشارة الى أبرز الصناعات المحلية التي تحققت خلال العام الماضي وكم قلص الانتاج المحلي من الاستيرادات الصناعية والزراعية للحكم بموضوعية على نجاح هذه الاستراتيجية.
5- وفقا للتقرير حقق محور الطاقة نسبة نجاح (74%) في حين كل ما تمت الاشارة اليه في هذا المحور يتعلق بالمستقبل لا بالسنة الماضية... مثلا سيتعاون العراق مع المنظمات الدولية... سيتم تحقيق الاكتفاء الذاتي من انتاج البنزين ... سيستمر استكشاف ابار نفط جديدة... محاولة ايجاد طاقة بديلة للنفط.
الاولويات
ورد ضمن فقرة في الاولويات (فقرة 4/ص13) اعداد موازنة استثنائية تراعي هبوط اسعار النفط وتراعي المحافظات الجنوبية المحرومة والمحافظات التي تعرضت للدمار واقليم كردستان. يعني ذلك التعامل مع ايرادات شحيحة ونفقات عامة توسعية. في حين قدمت الحكومة مطلع شهر كانون الاول 2020 مشروع موازنة 2021 بشكل يناقض مضمون الفقرة (4) اعلاه، فقد تضمن مشروع موازنة 2021 العديد من الثغرات القانونية والمالية والاقتصادية فضلا على غياب الرؤى والسياسات الاصلاحية والتنموية المزمع الشروع بها عام 2021 بحسب الورقة البيضاء:
1- استمرار التمويل بالعجز في الموازنات العراقية، خصوصا موازنة 2021، بالاعتماد على تنقيد الدين والاقتراض الخارجي ينذر بإدمان الاقتصاد العراقي على النفط والديون معا في المرحلة القادمة، وهنالك ارهاصات لدخول العراق حلقة (الدين – العجز) اذا ما استمرت الحكومة في توسيع النفقات خارج حدود المقدرة المالية الوطنية. فقد بلغ عجز الموازنة الجديدة (71) ترليون دينار وتضمن عجز فعلي بنحو (47) ترليون يمول عبر تنقيد حوالات الخزينة لدى البنك المركزي، وبنسبة تمويل (68%) من اجمالي العجز.
2- تكمن خطورة ديون عام 2020 و2021 في تغير اهداف التمويل وليس مصادر التمويل فحسب، فقد شهدت الموازنات العراقية السابقة الاقتراض لتمويل النفقات الاستثمارية، وهي سياسة قائمة على القاعدة الذهبية وترتكز على منطق اقتصادي مقنع. اما بعد عام 2020 بدأ العراق بالاقتراض لتمويل النفقات الجارية وتعويض الهبوط الحاصل في الايرادات النفطية لتمويل الرواتب والاجور، وهي سابقة خطيرة تعني توجيه الاقتراض لتمويل نفقات استهلاكية ونقل اعباء الديون للأجيال القادمة دون مشاريع استثمارية منتجة قادرة على استيعاب اعباء تلك الديون في المستقبل.
3- تضمين سعر الصرف الجديد في متن الموازنة المسربة قبل اعتماده رسميا من قبل البنك المركزي اشارة خطيرة لعودة الهيمنة المالية بشكل رسمي وقضم استقلالية البنك المركزي، خصوصا بعد تصريح محافظ البنك المركزي بان قرار خفض قيمة الدينار جاء على خلفية كتاب موجه من وزارة المالية الى البنك المركزي.
4- تمويل العجز الضخم في مشروع موازنة 2021، سواء بشكل مباشر عبر خصمها لدى البنك المركزي او اعادة خصمها بشكل غير مباشر لدى البنك المركزي عبر المصارف، سيولد لاحقا (بعد انفاقها) طلبا مشتقا على العملة الاجنبية يزيد من مبيعات النافذة ويولد ضغوطا على احتياطي النقد الاجنبي مما يضعف استدامة الاستقرار النقدي في العراق.
5- استمرار الهيمنة المالية تدفع باتجاه فقدان المضمون الفعلي لاستقلال البنك المركزي بسبب هيمنة دالة الطلب النقدي الحكومي على حركة السيولة المحلية، وبالتالي يصبح عرض النقد متغير داخلي وليس خارجي كما ينص عليه القانون والاعراف النقدية، اي تبعية السياسة النقدية لاتجاه السياسة المالية، وبالتالي ضعف قدرة البنك المركزي في تحقيق اهدافه النقدية بحرية وكفاءة ونجاح.