الفقر والريع النفطي ... العلاقة والأسباب

شارك الموضوع :

يُسهم الريع النفطي بدور كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية عند توفر الإدارة الكفوءة وتكون نتائجه عكسية عند غياب الادارة الكفوءة فتكون النتيجة ارتفاع حجم الفقر

يُعد الريع النفطي مورد طبيعي مهم لدى البلدان النفطية كونه يسهم بشكل كبير في تسيير حياة الدولة والمجتمع والاقتصاد ولكن بالمقابل يسهم أيضاً وبشكل كبير في عرقلة مسيرة الحياة وينتج الفقر عندما تغيب الادارة الكفوءة ذات الارادة الجادّة والرؤيا الاستراتيجية لمستقبل الثروة النفطية والاقتصاد الذي يعتمد عليها.

لتكون خارطة المقال واضحة أمام القارئ، أي من أين يبدأ وإلى أين سينتهي، لابد من تناوله وفق أربع فقرات وهي

 اولاً: نبذة عن الفقر ونسبته في العراق

ثانياً: مساهمة الريع النفطي في الاقتصاد العراقي

ثالثاً: علاقة الفقر بالريع النفطي

رابعاً: أسباب أخرى للفقر

والآن سيتم تناول هذه الفقرات بإيجاز لمراعاة الوقت وعدم الاسهاب وكما يلي

اولاً: نبذة عن الفقر ونسبته في العراق

         في البداية نشير إلى نبذة مختصرة عن الفقر ومن ثم نذهب إلى نسبته في العراق، فهناك تعاريف عديدة للفقر وأنواع كثيرة وأسباب متعددة ولكن سيتم الاختصار على القاسم المشترك لهذه التعاريف وهل هو مفهوم ثابت ام متغير. 

         القاسم المشترك لتعاريف الفقر العديدة هو " الحاجة والحرمان " وهذا القاسم لا يقتصر على الجوانب المادية والفرد فحسب بل يشمل الجوانب المعنوية والمجتمع والدولة أيضاً، ولهذا أصبح مفهوم الدخل المُعبر عن الفقر عند انخفاض مستوى الدخل عن حد معين، مفهوم لا يُعبر عن الفقر بكل جوانبه. إذ إن الشائع في معرفة الفقر هو اللجوء إلى مستوى الدخل اللازم لسد الاحتياجات الاساسية. وكنتيجة لقصور مفهوم الدخل للتعبير عن الفقر أصبحت هناك أبعاد أخرى تضاف له ليكون أكثر تعبيراً، التعليم والصحة وغيرها، ليعرف بالفقر المتعدد الابعاد الذي أخذت الأمم المتحدة تعده في برنامجها الانمائي منذ تسعينات القرن الماضي في " تقرير التنمية البشرية"

         يُعد الفقر مفهوماً مرناً ومتغيراً وليس ثابتاً ومطلقاً لكل الظروف والأحوال على إنه حرمان الانسان من احتياجاته الأساسية، بل هو عدم الالتحاق بمستوى معيشة الناس، فبقدر ما يرتفع مستوى معيشة الناس يتسع المدلول الواقعي للفقر، فإذا اعتاد الناس على استقلال كل عائلة في بيت كنتيجة لاتساع العمران في البلاد أصبح عدم حصول عائلة على بيت لوناً من الفقر، بينما لم يكُن فقراً إذا لم تصل البلاد إلى هذا المستوى من العمران.

أما بالنسبة لنسبة الفقر في العراق، فهناك تضارب في المصادر التي تشير لنسب الفقر في العراق، ولكن بشكل عام تم التركيز في هذا المقال على النسب المذكورة في استراتيجية التخفيف من الفقر في العراق 2018-2022 حيث تشير إلى إن نسبة الفقر في العراق تشكل 22% من السكان عام 2007 أي ما يُقارب 6890 ألف نسمة ثم انخفضت إلى 19% عام 2012 أي ما يُقارب 5586 ألف نسمة وإلى 15% حتى النصف الاول من عام 2014 أي ما يُقارب 4748 ألف نسمة ولكم بفعل الصدمة المزدوجة المتمثلة بانخفاض اسعار النفط واحتلال داعش لثلاثة محافظات(نينوى، الأنبار، صلاح الدين) عادت لترتفع نسبة الفقر من جديد إلى 22.5% أي ما يُقارب 6924 ألف نسمة.

 وتذكُر الستراتيجية أيضاً، إن نسب الفقر ما بين الأطفال لم يتحسن، حيث يشكل الأطفال ما نسبته 48% من السكان، تشكل نسبة الفقر بينهم 23%، تتوزع هذه النسبة بين المحافظات على النحو الآتي 5% في محافظات كردستان و50% في محافظات الجنوب (المثنى والقادسية وميسان وذي قار) والنسبة المتبقية تشمل المحافظات الوسطى والغربية.

تهدف هذه الستراتيجية إلى التخفيف من حجم الفقر بنسبة 25% حتى عام 2022 أي انتشال ما يُقارب 1731 ألف نسمة من براثن الفقر.

ثانياً: مساهمة الريع النفطي في الاقتصاد العراقي

يمكن ملاحظة مدى اعتماد الاقتصاد العراقي على الريع النفطي من خلال عدة مؤشرات يمكن إيجازها بالآتي:

1- مساهمة الريع النفطي في المالية العامة

حيث تعتمد المالية العامة بإيراداتها ونفقاتها بشكل كبير على الريع النفطي، كونها الايرادات والنفقات النفطية تتجاوز في الغالب ما نسبته 90% من الايرادات والنفقات العامة.

2- مساهمة الريع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي

تحتل مساهمة الريع النفطي حصة الأسد في الناتج المحلي الإجمالي، حيث لا تنخفض مساهمته عن 40% في الغالب عند مقارنتها في القطاعات الاقتصادية الاخرى.

3- مساهمة الريع النفطي في التجارة الخارجية

تفصح التقارير المحلية والاقليمية والدولية ان النفط يحتل مركز الصدارة في التجارة الخارجية استيرادا وصادرات، ففي الغالب تشكل الصادرات النفطية أكثر من 90% من الصادرات السلعية، وكذا الحال بالنسبة للاستيرادات، أي يتم تغطية غالبية الاستيرادات من الايرادات النفطية.

ثالثاً: علاقة الفقر بالريع النفطي

هناك علاقة وثيقة الصلة بين الفقر والريع النفطي، ومن الممكن أن تكون هذه العلاقة عكسية أو طردية، حسب الظروف، فكلما تتوفر الظروف الملائمة تكون العلاقة عكسية أي كلما يرتفع الريع النفطي ينخفض حجم الفقر والعكس صحيح كلما ينخفض حجم الريع النفطي يرتفع حجم الفقر. وكلما تغيب الظروف الملائمة تكون العلاقة طردية أي كلما يرتفع الاعتماد على الريع النفطي يرتفع حجم الفقر والعكس صحيح كلما ينخفض الاعتماد على الريع النفطي ينخفض حجم الفقر.

ان هذه العلاقة سواء كانت طردية أم عكسية ترتبط بشكل وثيق الصلة بمسألة الظروف الملائمة وانعدامها، فعندما تتوفر الادارة الكفوءة والاستقرار السياسي والامني وانخفاض الصراعات وغيرها، ستفضي النتيجة إلى وجود علاقة عكسية بين الفقر والريع النفطي وبالعكس في حالة غياب الظروف الملائمة ستؤدي إلى وجود علاقة طردية، وذلك بحكم طبيعة الريع النفطي الذي يتم بصفتين الأولى ذاتية تتعلق بطبيعة صناعته أي أن صناعته كثيفة رأس المال وليس كثيفة العمل، والثانية صرفيّة أي تأثره على سعر الصرف بحكم زيادة العملات الأجنبية التي يولدها و يؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة المحلية وارتفاع اسعار المنتجات المحلية وانخفاض التنافسية وانخفاض ادآء المصانع المحلية فتضطر إلى تسريح الايدي العاملة. وإن كلا الصفتين تؤديان إلى زيادة حجم البطالة وهذه الأخيرة تمثل السبب الرئيس للفقر في الغالب.

وبما إن الاقتصاد العراقي يعتمد وبشكل كبير على الريع النفطي، كما اتضح أعلاه في الفقرة "ثانياً"، إذن العراق يعاني من الفقر وذلك بحكم ارتفاع حجم البطالة التي ولدّها الريع النفطي، كما اتضح في الفقرة "ثالثاً"، وعلى الرغم من تضارب نسب البطالة بين المصادر المختلفة إلا إن أقل نسبة تعد نسبة مرتفعة بمنطق الاقتصاد الكلي الذي يفترض أن لا تزيد البطالة عن 4%، حيث شكلت 15% حسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد، وتشير مصادر رسمية إلى و27.5% للفئة العمرية(١٥-٢٤) و13،٥% للفئة العمرية(15 سنة فما فوق) حسب ما ذكره الناطق الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، وتنقل بعض الصحف عن صندوق النقد الدولي ان نسبة البطالة تصل إلى 40%، وهذه النسب تتسق مع نسب البطالة المذكورة آنفاً.

رابعاً: أسباب أخرى للفقر (كالهيمنة والتعليم والفساد والحروب والصراعات)

1- هيمنة الدولة، تتضح الهيمنة من خلال استحواذ الدولة على 80% من الاراضي و80% من القطاع المصرفي وامتلاكها للثروة النفطية التي تمارس تأثيراً سلبياً على النشاط الاقتصادي، وذلك بفعل غياب الظروف الملائمة التي تمت الإشارة إليها آنفاً.

2- التعليم وجودته، كلما يرتفع مستوى التعليم وجودته ينخفض مستوى الفقر والعكس صحيح، وبما إن العراق يعاني من التعليم وبالخصوص جودته فهو يعاني من ارتفاع البطالة والفقر. وتجّدر الإشارة إلى نسب الأمية والالتحاق بالمدارس، حيث تصل نسبة الأمية للفئة العمرية 15 سنة فما فوق 20%، وبالنسبة للفئة العمرية 15-٢٤ تشكل 18% في عام 2016. أما نسبة الالتحاق بالمدارس فهي 95 للابتدائية، و56  للمتوسطة، و29 للإعدادية.

3- الفساد، يترك الفساد آثار سلبية على حجم الفقر كونه يسهم في خلق بيئة طاردة للأعمال والاستثمار ومن ثم انحسار فرص العمل وزيادة البطالة والفقر، هذا ما حصل بالعراق فعلاً، حيث حصل العراق على المرتبة 169 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي عام 2017، فأصبحت بيئة الأعمال طاردة للاستثمار ولهذا احتل العراق المرتبة 165 من أصل 190 دولة في مؤشر سهولة ادآء الاعمال الذي يصدّره البنك الدولي.

4- الحروب والصراعات، تُعد الحروب والصراعات مصنع البطالة والفقر وهذا ما حصل في العراق قبل وبعد 2003.

ولمعالجة مسألة الفقر والريع النفطي في العراق لابد من الأخذ بعين الاعتبار النقاط أدناه

اولاً: محاربة الفساد، وذلك من خلال تفعيل الجهات المختصة كالقضاء والبرلمان وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وغيرها.

ثانياً: توجيه الريع النفطي نحو تفعيل القطاعات الاقتصادية الانتاجية لبناء قاعدة انتاجية تستطيع تلبية الطلب المحلي وتصدير الفائض نحو الخارج.

ثالثاً: الاهتمام برأس المال البشري وذلك من خلال الاهتمام بالتعليم والصحة عبر زيادة الانفاق على هذين المجالين.

رابعاً: تحديد ادوار وحدود الدولة والقطاع الخاص على أن يكون هذا الأخير هو القائد الحقيقي للاقتصاد بإشراف الدولة لضمان عدم خروجه عن الدور المُناط به.

خامساً: بناء بيئة استثمارية جاذبة تعمل على تذليل العقبات التي تواجه المستثمر، وهذا ما يسهم في تفعيل الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية