الذكاء الاجتماعي وعلاقته بالقلق النفسي لدى افراد المجتمع العراقي

بداية لا بد لنا من أن نعرف معنى الذكاء الاجتماعي فهو قدرة الفرد على فهم مشاعر وأفكار الاخرين وعلى تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الاخرين والتعامل مع البيئة بنجاح والاستجابة بطريقة ذكية للمواقف الاجتماعية والنفسية في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه المرء، ويعرف القلق النفسي بانه مرض نفسي ينشأ من فشل الفرد في التعامل الناجح مع الموقف الخارجي الذي يحيط به وذلك لعجز شخصيته عن معالجة العناصر والعقبات التي يتكون منها هذا المرض، ولعل بعض المختصين يربط بين الذكاء الاجتماعي والقلق النفسي على ان الذكاء الاجتماعي ناتج من خلال فهم الفرد للموقف الاجتماعي والقلق النفسي الذي يحيط به وقدره الفرد أيضا في التعامل والسيطرة على تلك المواقف التي قد تسهم في انهيار حالاته البدنية والعقلية والفكرية.

مظاهر تكوين الذكاء الاجتماعي

هناك عدة شروط او مظاهر لكي يكون الفرد ذكياً اجتماعياً وهي:

-المسئولية الاجتماعية: أي ان يتميز الفرد بقدر عال من المسئولية الاجتماعية، ان يكون اجتماعياً حساساً لمشاعر الاخرين ومهتماً بهم ويحترمهم ويحترم حقوقهم وآرائهم.

-المهارات الاجتماعية: ان يتميز الشخص بمهارات الاتصال ومهارة انجاز الاعمال لتحقيق الأهداف.

-الكفاءة الاجتماعية: ان يتميز الفرد بالأنشطة الاجتماعية والاندماج فيها وان يكون متكيفاً اجتماعياً ويرى علماء النفس ان الكفاءة الاجتماعية مرادفة للذكاء الاجتماعي لما تعنيه من السهولة الاجتماعية في علاقات الفرد بالأخر فهي القدرة على احراز الأهداف الاجتماعية المتعلقة بالفرد في سياق اجتماعي مستخدماً وسائل مناسبة تؤدي الى مخرجات إيجابية متطورة.

-قوة التأثير النفسي او فهم الحالة النفسية للمتكلم: ان يتميز الفرد بخصائص مثل مفهوم الذات الموجبة والنظرة الجيدة للحياة ذلك ان الافراد يختلفون من حيث القدرة على إدراك مشاعر الاخرين، والتعرف على حالاتهم النفسية من حديثهم وذلك فان الفرد الناجح في التعامل مع الاخرين هو الاقدار على اداراك هذه الحالات بسهولة وهو الأكثر ذكاء من الناحية الاجتماعية من الشخص العادي.

مظاهر تكوين القلق النفسي لدى افراد المجتمع

هناك عدة شروط او مظاهر تساهم في اظهار القلق النفسي لدى الفرد العربي بشكل عام والفرد العراقي بشكل خاص نذكرها بالتفصيل الاتي:

-الاستعداد الوراثي: ويتمثل في إصابة أحد الوالدين بالقلق حيث ينتقل القلق للأبناء نتيجة لتصرفات الام او الاب المضطرب.

 -الاستعداد النفسي: وهو الشعور بالتهديد الداخلي او الخارجي الذي تفرضه بعض الظروف النفسية والأزمات والمتاعب والصدمات النفسية والشعور بالذنب والخوف من العقاب وتوقعه، فمواقف الحياة الضاغطة والعوامل الاجتماعية والضغوطات النفسية والبيئية والحضارية الحديثة واضطرابات الجو الاسري والتفكك الاجتماعي وضعف التوافق الاجتماعي وأساليب التعامل القاسية من قبل الوالدين والفشل في الزواج والدراسة والعمل كل ذلك من شانه لان يزيد من الاستعداد لظهور القلق النفسي لدى الفرد العراقي. 

-العوامل الفسيولوجية: يرتبط القلق النفسي أحيانا ببعض العوامل البنائية والفسيولوجية ومن ذلك عدم نضج الجهاز العصبي في الطفولة وضموره لدى المسنين اما القلق في المراهقة فيكون بشكل الشعور بعدم الامن والخجل وتضعف اعراض القلق في مرحلة النضج لتظهر ثانية في مرحلة سن اليأس والشيخوخة.

-الظروف البيئية وعصر القلق النفسي: حيث تزيد البيئة المشبعة بعوامل الخوف والهم من مواقف الضغط والحرمان وعدم الامن ووقوع الكوارث الطبيعية والصناعية والحروب.

التحليل السيكولوجي للذكاء الاجتماعي وعلاقته بالقلق النفسي في العراق 

بين علماء النفس الاجتماعي انه عند دراسة الكائن الاجتماعي، لا يوجد عامل اهم من الناحية النفسية والاجتماعية من عامل الذكاء الاجتماعي الذي يساهم في تحويل الانفعالات النفسية السيئة والمتمثلة بالحقد والكراهية والتعصب المذهبي والطائفي الى الانفعالات النفسية إيجابية متمثلة بالحب واحترام الاخرين ونشر التسامح ونبذ الكراهية وحسن التعامل مع الاخرين.

فعلى الرغم من المشاكل النفسية والاجتماعية التي يمر بها مجتمعنا العراقي اليوم بالإضافة لكثرة جرائم القتل وتفجير السيارات على المدنيين والتهجير القسري فكل هذه المظاهر أسهمت في تهديد الامن والاستقرار الاجتماعي والنفسي للفرد ، فكان الهدف الأساسي لهذه المشاكل هو خلق جو من الرعب والقلق النفسي للفرد، وتدمير حياته وجعلها أشبه بالمستحيل، اذ عن طريق الذكاء الاجتماعي للفرد والذي يعد أفضل امل لإنقاذ حياته من المشاكل التي يعاني منها،  فالفرد الذكي اجتماعيا هو الذي يستطيع ان يكون علاقات اجتماعية طيبة مع الاخرين فضلا عن فهمه لمشاعر الاخرين والمشاكل الاجتماعية التي تحيط به والعمل على نشر ثقافة التعاون والتسامح مع الاخرين وتقديم المساعدات للمحتاجين واحترام وصدق وامانه، والتخلص من الحالات النفسية التي تصيب البعض منهم، فان هذا الذكاء الاجتماعي الذي يتميز به الفرد لا يتوقف على مستوى تحصيل الدراسي الذي حصل عليه الفرد فحسب، بل انه يتوقف ويتغير تبعاَ للسن والجنس والمكانة الاجتماعية للفرد وانه يتطور وينمو من خلال الخبرة في حل المشاكل والتفاعل مع الاخرين وفهم مشاعرهم وتصرفاتهم اليومية والتفكير بإمكانية مواجهة المشكلات سواء كانت نفسية او اجتماعية خاص ونحن اليوم نعيش حياة متصدعة ومضطربة.

ومن هنا فان الذكاء الاجتماعي للفرد يعد عامل رئيسي للنجاح سواء في المدرسة او البيت او العمل ويمكن تناوله في ثلاثة مستويات رئيسية:

فعلى المستوى الأسري: نجد ان هناك علاقة قوية بين الذكاء الاجتماعي والبيئة الاسرية، فالبيئة الاسرية التي توجد فيها مثيرات ثقافية متنوعة وخاليه من الحالات النفسية تعمل على تفتح وتطور الطاقة العقلية والفكرية لدى الفرد على عكس البيئة الفقيرة التي لا توجد فيها مثيرات ثقافية وتنتشر فيها حالات نفسية خطيرة والتي تتمثل بالقلق النفسي والصراع والتفكك فان كل هذه الحالات او المظاهر تسهم في بلورة القلق النفسي عند الفرد وبالتالي تؤدي الى اضعاف ذكاءه الاجتماعي وعلاقاته مع افراد اسرته واصدقاءه.

اما على مستوى التعليمي مع الأسف نجد ان نظامنا التعليمي ليس فيه آليات للتعامل مع أصحاب الذكاء الاجتماعي لتطوير مهاراتهم وطاقاتهم الإبداعية من اجل السير والتقدم نحو الأعلى في تطوير وتنمية المجتمع، فقد نجد ضعف ذكاء اجتماعي عند بعض الطلاب يجعلهم أكثر احتمالاً للمعاناة النفسية بمختلف أنواعها كالاكتئاب والقلق والضغوط النفسية، ويعد القلق الأمتحاني من اهم المظاهر الحالات النفسية التي يعاني منها الطالب العراقي بمختلف مراحل دراسته اذ انه يدفع به الى الاضطراب وعدم القدرة على تركيز انتباهه في دروسه أو المواظبة على حضور المحاضرات، فضلا عن ذلك عدم توفير مناهج دراسية جديده تساعده على الابداع والاختراع في حياته الدراسية اذ انه يعتمد على مناهج دراسية تقليدية وليس حديثة.

اما على المستوى الاجتماعي فانه يمكن تجسيد الذكاء الاجتماعي عند رجال الدين والعشائر العراقية والجامعات والمراكز البحثية خصوصا عندما تعرض مجتمعنا في وقتنا الحاضر لهجمة شرسة انهكت مختلف جوانبه الاجتماعية والسياسية والتعليمية، فكان لهذه الفئات الاجتماعية دور مهم بحكم ذكاءها الاجتماعي ومعرفتها بما يجرى عليه الواقع الاجتماعي من متغيرات اجتماعية ونفسية تهدد امنه واستقراره ساهمت تلك الفئات على تهيئة الاوضاء الاجتماعية والنفسية لدى فئات المجتمع من خلال الخطبة الدينية وعقد المؤتمرات والندوات التي كان هدفها الأساسي حث الافراد على التحلي بالصبر وضبط النفس ونشر ثقافة اللاعنف ونبذ التطرف الفكري والطائفي بين اغلب فئات المجتمع واحترام الاخرين والتعاون فيما بينهم من اجل التصدي لتلك الهجمة الشرسة.

وفي ظل هذه المستويات تبين ان القلق النفسي يشكل احد سمات الشخصية العراقية اذ انه لب كل المتاعب التي يعاني منها الفرد العراقي، ويدفع به الى المواقف الحرجة والى ان يتصرف فيها بصورة تزعجه وتزعج غيره، فلو كان الفرد موظفاً في مهنة ما، وكان القلق مسيطراً عليه فانه سيدفعه الى ان يسلك سلوك غير مقبول اجتماعيا وبصورة معينة لا يحس بالسعادة او الراحة النفسية، فضلا على ذلك فان الذكاء الاجتماعي يساهم في تنبيه الفرد بالأحداث التي قد تؤثر بحياته الاجتماعية سواء كان حوادث نفسية او اجتماعية ناتجه عن القلق او التوتر اذ يمكن الفرد من كيفية التعامل معها مما يساهم في وضع حد لتلك الحوادث النفسية والاجتماعية.

بناء على ما تقدم، فان أهمية الموضوع تتطلب جملة من التوصيات والمقترحات ومنها:  

1- تفهم حقيقة ان الذكاء الاجتماعي عنصر أساسي في بناء شخصية عراقية ابداعيه وادارية وبلورتها بما يضمن الوصول الى مستوى عالي من الابداع وان تسعى المنظمات لجعل مستوى هذا الذكاء الاجتماعي للفرد من الأولويات التي تؤهله لشغل المهام الوظيفية في المجتمع بالإضافة الى فهم مشاكلتهم والصعوبات التي تعرقل تقدمهم.  

2- ان تقوم المؤسسات التعليمية على إدخال منهج دراسي جديد أو بناء منهج لم يكن موجود من قبل في صف دراسي معين او مرحلة دراسية معينة، او تحسين المنهج الحالي وتحديثه وإدخال تعديلات عليه بحيث يصبح أكثر مناسبة ووفاء للظروف والمتغيرات وتحقيقاً للأهداف المرجوة.

3- التأكيد على الجانب النفسي للفرد وتعزيز القيم والمبادئ الأخلاقية عن طريق المراكز الاجتماعية والنفسية والدينية ومدارس التعليم الاساسية والمرشدين والباحثين الاجتماعين في مؤسسات الدولة المختلفة.

4- معالجة المشكلات الاجتماعية والنفسية التي يواجها المجتمع فان معالجة هذه المشكلات يكون سبباً من أسباب نمو وتطوير الذكاء الاجتماعي بالإضافة الى الحد من القلق النفسي.

المصادر المعتمدة

فادية احمد حسين: الذكاء الشخصي وعلاقته بالذكاء الوجداني والذكاء الاجتماعي دراسة عامليه، السعودية، 2011، ص102.

صالح حسن الداهري: مبادئ الصحة النفسية، دار وائل، الاردن، 2005، ص338.

التعليقات