يترك النفط آثاره السلبية على الاقتصادات التي تعتمد عليه بشكل كبير خصوصاً إذا ما كانت هذه الاقتصادات تعاني من غياب الاستقرار السياسي كما هو حال العراق. حيث يتصف الاقتصاد العراقي بالاعتماد الشديد على النفط ماليةً وإنتاجاً وتجارةً، بحكم امتلاكه كميات كبيرة منه انعكست على الإنتاج والتصدير النفطيين وعلى الاقتصاد برمته. يمتلك أكثر من 145 مليار برميل كاحتياطي نفطي وينتج أكثر من 4 ملايين في اليوم خصوصاً في السنوات الأخيرة ويُصدر أربعة ملايين وسينتج ويصدر أكثر خلال السنوات القادمة بحكم زيادة استثماره في مجال النفط.
هذا الاحتياطي والإنتاج والتصدير النفطي بالتزامن مع ضعف الاستقرار السياسي والاقتصادي جعل من النفط أن يكون الممول الرئيس في الاقتصاد دون أن يسهم بل كان عائقاً أمام تحقيق التنويع الاقتصادي مما يعني إن دوره كان سلبياً في الاقتصاد العراقي.
كما يشكل النفط في المتوسط أكثر من 92% من الإيرادات العامة وأكثر من 62% من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من 99% من الصادرات السلعية للمدة 2005-2019، هذه النسب توضح مدى أحادية الاقتصاد العراقي وغياب تنويعه واعتماده على النفط بشكل كبير جداً.
ان الاعتماد على النفط بشكل كبير يعد أمراً سلبياً وذلك لاتصافه بعدة صفات يمكن إيجازها بالآتي:
1- النضوب، يعد النفط مادة ناضبة غير متجددة لها عمر زمني محدد يرتبط بالإنتاج فإذا ما كان الإنتاج كبيراً سيجعل عمره قصير جداً والعكس صحيح كلما يكون الإنتاج أقل يكون عمره أطول.
2- انخفاض الأهمية الاقتصادية، قد لا ينضب النفط ولكن قد تنخفض أهميته الاقتصادية بسبب اكتشاف البدائل التي تحل محله كالنفط الصخري مثلاً فيفقد أهميته الاقتصادية ويقل دوره الذي كان يلعبه قبل اكتشاف البدائل.
3- التلوث، اعتماد البلد على النفط بشكل كبير يؤدي إلى زيادة التلوث وذلك لانطواء عمليات الإنتاج والاستهلاك على إنتاج ملوثات البيئة وهذا ما يؤثر على المجتمع والاقتصاد معاً.
إن نضوب مادة النفط وانخفاض أهميته الاقتصادية بالتزامن مع زيادة التلوث إذا تم الاعتماد عليه بشكل كبير دون استثماره وتوظيفه بالشكل الأمثل سيجعل الاقتصاد يعاني من آثار سلبية آنية ومستقبلية كثيرة وكبيرة يصعب التخلص منه بسهولة، ويمكن إيجاز البعض منها بالآتي:
1- هيمنة الدولة
نتيجة لسيطرة الدولة على النفط حيث نجد إن أكثر من 90% من إيرادات الدولة هي إيرادات نفطية ونظراً لاعتماد الاقتصاد العراقي على الإنفاق العام بشكل كبير، أصبحت الدولة تهيمن على الاقتصاد وتعمل على توجيهه بما يلبي طموحها وتطلعاتها وليس لما يخدم طموح الشعب وتطلعاته.
2- تذبذب الاقتصاد
بحكم اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط، ماليةً وإنتاجاً وتجارةً، الذي يتصف بتذبذب أسعاره لأسباب قد تكون اقتصادية أو سياسية أو مناخية، إضافة لعدم قدرة الدولة على التحكم بأسعاره لأنها تتحدد في أسواق النفط الدولية، أصبح الاقتصاد هو الآخر يعاني التذبذب وغياب الاستقرار.
3- هشاشة الاقتصاد
نتيجة لغياب الاستقرار العام وضعف النظام السياسي لم يعمل العراق على إدارة الثروة النفطية بما يسهم في تحقيق التنويع الاقتصادي واقتصر على النفط في تمويل الاقتصاد، وهذا ما جعل الاقتصاد يتعرض لأي أزمة تصيب الاقتصاد العالمي بحكم ارتباط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد العالمي عن طريق النفط.
4- التبعية الاقتصادية
إن اعتماد الاقتصاد على النفط بالتزامن مع غياب التنويع الاقتصادي يعني عدم إشباع الاقتصاد لحاجاته المتزايدة والمتنوعة وبالتالي الذهاب للعالم الخارجي لتلبية الطلب المحلي وهذا ما يعني التبعية الاقتصادية التي تعمل على نقل الآثار السلبية من الاقتصاد العالمي إلى الاقتصاد الوطني، وإذا ما نظرنا للاقتصاد العراقي سنجد أغلب السلع والخدمات هي سلع مستوردة.
5- انتشار البطالة
يُعرف النفط بأنه صناعة كثيفة رأس المال وليس كثيفة العمل وذلك لارتفاع رأس المال الثابت فيه نسبة إلى رأس المال المتغير، مما يعني إنه يسهم في زيادة البطالة وإذا ما تم الاعتماد عليه من جانب واسهم في تصفية القطاعات الإنتاجية التي تسهم في خلق فرص العمل، سيؤدي لخلق مزيد من البطالة والتي أخذت تقترب من 40% في العراق.
6- خمول المجتمع
اعتماد الاقتصاد على النفط بشكل كبير جداً والنفط بيد الدولة خصوصاً مع غياب الاستقرار السياسي مما دفع بالدولة إلى اتخاذ دور رصد التخصصات بدلاً من خلقها، حيث تقوم الدولة بإنتاج وتصدير النفط ورصد العائدات النفطية وتوزيعها على المجتمع عبر قناة الإنفاق العام والذي أخذ يشكل ما يُقارب 70% من الإنفاق العام، وهذا ما جعل المجتمع يكون خاملاً بدلاً من أن يكون مُنتجاً.
إن اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط بشكل كبير من جانب وتذبذب أسعار النفط في الأسواق الدولية من جانب ثانٍ، جعلا العلاقة بين الصدمات النفطية والاقتصاد العراقي علاقة ترابط وثيقة جداً لا تنافر بينهما تلقي بظلالها السلبية التي تم ذكرها آنفاً على الاقتصاد والمجتمع برمته.
التخلص من تلك الآثار
وإذا ما أُريد التخلص من تلك الآثار لا بُد من العمل على استثمار النفط وتوظيفه بالشكل الذي يخلق ترابطات أمامية وخلفية مع فروع الاقتصاد الأخرى من أجل تفعيلها وخلق قاعدة إنتاجية متينة ومتنوعة تستطيع تلبية الطلب المحلي ومغادرة التبعية الاقتصادية وخلق المزيد من فرص العمل لتقليص البطالة وتجعل المجتمع أكثر حيويةً.
كذلك العمل على إعطاء القطاع الخاص مساحة واسعة من أجل أن يقوم بدور كبير في الاقتصاد خصوصاً إذا ما علمنا إنه يمتلك كفاءة اقتصادية عالية مع ضعف مشاركته في الاقتصاد العراقي.
وإن الطريقة المُثلى لفسح المجال أمام القطاع الخاص هي العمل على تهيئة بيئة استثمارية مناسبة تتوفر فيها المزايا والضمانات الكفاية التي تشجع القطاع الخاص على ممارسة نشاطه الاقتصادي في العراق.