إن نجاح الانتخابات في العراق لا يتحقق إلا بترسيخ ثقافة مؤسسية قائمة على النزاهة، والمسؤولية، والانتماء الوطني، بحيث يصبح السلوك التنظيمي الإيجابي سلوكًا جماعيًا ثابتًا لا يرتبط بالأفراد بل بالمؤسسة ذاتها. وبهذا يمكن للمفوضية أن تمثل نموذجًا إداريًا نزيهًا يسهم في ترسيخ أسس الديمقراطية وبناء الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة
تُعدّ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق من أهم المؤسسات الإدارية التي يقع على عاتقها تنظيم العملية الانتخابية وضمان نزاهتها وشفافيتها، وهي بذلك تمثل نموذجًا حيًا للإدارة العامة في بيئة تتسم بالتحديات السياسية والاجتماعية والأمنية.
في هذا السياق، يبرز السلوك التنظيمي لموظفي المفوضية كعامل محوري في نجاح أو تعثر العملية الانتخابية، إذ يعكس مدى التزام الأفراد بالقيم المؤسسية، والأنظمة الداخلية، ومبادئ الحياد والموضوعية التي تشكل الأساس لعمل المفوضية.
إنّ فهم السلوك التنظيمي داخل هذه المؤسسة لا يقتصر على دراسة تصرفات الأفراد فقط، بل يشمل أيضًا تحليل أنماط التفاعل بين الموظفين، ومستوى الانتماء الوظيفي، والدوافع التي تحكم الأداء، وآليات القيادة والتحفيز التي تعتمدها الإدارة العليا. فكلما كان السلوك التنظيمي إيجابيًا ومبنيًا على الثقة والتعاون والشفافية، ازدادت كفاءة الأداء الإداري والتنظيمي في مراحل الإعداد والتنفيذ والمتابعة للعملية الانتخابية.
وفي المقابل، فإن ضعف الانضباط أو غياب الروح المؤسسية قد يؤدي إلى أخطاء إدارية تؤثر سلبًا في ثقة المواطنين بالانتخابات ونتائجها. من هنا تأتي أهمية دراسة السلوك التنظيمي لموظفي المفوضية العليا للانتخابات في العراق بوصفه مدخلاً لفهم الأداء المؤسسي الشامل وتعزيز فعالية الإدارة الانتخابية. تسعى هذه الدراسة إلى تحليل طبيعة هذا السلوك والعوامل المؤثرة فيه، مع التركيز على دوره في تحقيق النزاهة والكفاءة في العملية الانتخابية، انطلاقًا من رؤية إدارية تهدف إلى بناء مؤسسة انتخابية أكثر مهنية واستقلالًا واستدامة.
مخرجات السلوك التنظيمي الإيجابي
يُعدّ السلوك التنظيمي الإيجابي ركيزة أساسية في نجاح المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، إذ يُسهم في رفع كفاءة الأداء وتحقيق الانضباط الإداري خلال جميع مراحل العملية الانتخابية. فحينما يتحلى الموظفون بروح التعاون والمسؤولية والالتزام بالقواعد، تنعكس هذه السلوكيات مباشرة على جودة الإجراءات الانتخابية ومصداقيتها أمام الرأي العام.
في العراق نموذجًا، يتجسد السلوك الإيجابي من خلال الالتزام بالحياد السياسي أثناء أداء الواجب، واحترام القوانين، والتعامل المهني مع الناخبين والمراقبين. الموظف الذي يمتلك وعياً تنظيمياً وسلوكاً مهنياً منضبطاً يساهم في تقليل الأخطاء أثناء العدّ والفرز وضمان سير العمل بسلاسة.
كما أن القيادة الإدارية التي تشجع على المشاركة وتحفّز الموظفين تُسهم في ترسيخ هذا السلوك الإيجابي. وتُعدّ برامج التدريب والتثقيف الإداري أحد أهم الأدوات لتعزيز ثقافة الالتزام والمساءلة. إن ترسيخ السلوك التنظيمي الإيجابي داخل المفوضية العراقية لا يقتصر على تحسين الأداء الداخلي فحسب، بل ينعكس أيضاً على تعزيز ثقة المواطنين بالانتخابات بوصفها عملية ديمقراطية حقيقية تمثل إرادتهم الحرة
مشكلات السلوك التنظيمي السلبي
في العراق نموذجًا، تواجه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تحديات تتعلق بظهور بعض أنماط السلوك التنظيمي السلبي لدى فئات من الموظفين، وهو ما قد يؤثر في كفاءة العمل ونزاهة العملية الانتخابية. تتجلى هذه السلوكيات في مظاهر مثل ضعف الالتزام بالواجبات، التهاون في تنفيذ التعليمات، أو غياب روح الفريق أثناء فترات الضغط. كما قد تنشأ مشكلات بسبب التوتر السياسي أو التدخلات الخارجية، ما يخلق بيئة عمل غير مستقرة تؤثر في السلوك العام.
من أبرز المشكلات التنظيمية التي رُصدت في العراق ضعف التنسيق بين المكاتب الفرعية، وقلة الخبرة لدى بعض الكوادر المؤقتة، وتفاوت مستوى التدريب، مما يؤدي إلى أخطاء إدارية أو لوجستية. كما يمكن أن يسهم غياب نظام حوافز واضح في ضعف الدافعية لدى الموظفين.
معالجة هذه الظواهر تتطلب بناء نظام إداري أكثر شفافية يقوم على العدالة في توزيع المهام والمساءلة المتوازنة. كما أن نشر ثقافة النزاهة وتعزيز الوعي الوطني بين العاملين يمكن أن يسهم في تقليل السلوكيات السلبية وتحويلها إلى سلوك إيجابي يعكس روح المسؤولية تجاه العملية الانتخابية ومستقبل الديمقراطية في العراق.
العوامل المؤثرة في السلوك التنظيمي
يتأثر السلوك التنظيمي داخل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق بمجموعة من العوامل المتداخلة التي تشمل القيادة، والثقافة المؤسسية، ونظام الحوافز، والظروف السياسية والأمنية. فالقيادة الإدارية في المفوضية تلعب دوراً محورياً في رسم اتجاهات الموظفين وسلوكهم، إذ إن أسلوب القائد في التواصل واتخاذ القرار يحدد مدى التزام الفريق وانسجامه.
في العراق نموذجًا، يمثل الاستقرار الإداري وتكافؤ الفرص في التعيين والترقية أحد أهم العوامل التي تؤثر في سلوك الموظفين. فالشعور بالعدالة يعزز الولاء المؤسسي ويحفز الأداء الإيجابي. كما أن التدريب المستمر والتطوير المهني يسهمان في رفع كفاءة العاملين وتعزيز قدرتهم على التعامل مع الضغوط الانتخابية.
إضافة إلى ذلك، فإن السياق السياسي والبيئة القانونية المحيطة بالانتخابات العراقية تلعب دوراً مؤثراً في سلوك الأفراد، إذ إن وضوح القوانين والابتعاد عن التدخلات السياسية يعززان الاستقلالية التنظيمية. أما البيئة الاجتماعية فتؤثر من خلال القيم السائدة تجاه العمل العام والنزاهة. لذا فإن تحسين السلوك التنظيمي في المفوضية العراقية يتطلب معالجة هذه العوامل بشكل متكامل، لضمان إدارة انتخابية مهنية تعكس تطور الإدارة العامة في العراق.
السلوك التنظيمي الإيجابي للموظفين
يشكّل السلوك التنظيمي للموظفين العاملين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أحد أهم العوامل التي تحدد مدى نجاح العملية الانتخابية أو تعثرها. فالسلوك المهني القائم على الحياد والشفافية والالتزام يسهم في تعزيز الثقة العامة بنتائج الانتخابات، ويؤكد استقلالية المفوضية كمؤسسة وطنية.
إن التزام الموظفين بالقواعد والتعليمات الإدارية، ودقتهم في تنفيذ الإجراءات، وسرعتهم في حل المشكلات الميدانية، جميعها تعكس جودة السلوك التنظيمي وتؤدي إلى كفاءة تنفيذ الخطط الانتخابية. وعلى العكس، فإن غياب هذا السلوك يؤدي إلى ارتباك إداري وأخطاء قد تؤثر في مصداقية النتائج.
لقد أظهرت التجارب الانتخابية في العراق أن الأداء المنضبط والسلوك الأخلاقي للموظفين يسهم في نجاح الانتخابات حتى في ظل تحديات سياسية وأمنية كبيرة. ولذلك فإن بناء ثقافة تنظيمية قائمة على النزاهة والولاء الوطني يُعد شرطاً أساسياً لترسيخ الديمقراطية في البلاد.
التوصيات والإصلاحات المقترحة
لتحسين السلوك التنظيمي داخل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، يجب اعتماد مجموعة من الإصلاحات الإدارية والتربوية الهادفة. أولاً، من الضروري إطلاق برامج تدريب دورية تركز على بناء القيم المؤسسية وتعزيز روح المسؤولية والانتماء الوطني لدى الموظفين. ثانياً، ينبغي تطوير نظام الحوافز الذي يكافئ الأداء المتميز ويعزز الدافعية المهنية.
إن بناء سلوك تنظيمي إيجابي داخل المفوضية يتطلب بيئة عمل داعمة تقوم على العدالة والمساءلة، وتدريب مستمر يرسّخ القيم الوطنية ويطوّر المهارات الإدارية. كما أن القيادة الإدارية تلعب دورًا حيويًا في توجيه السلوك المهني للموظفين من خلال التحفيز والقدوة الحسنة، خاصة في ظل الضغوط السياسية والاجتماعية التي ترافق كل دورة انتخابية.
وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن نجاح الانتخابات في العراق لا يتحقق إلا بترسيخ ثقافة مؤسسية قائمة على النزاهة، والمسؤولية، والانتماء الوطني، بحيث يصبح السلوك التنظيمي الإيجابي سلوكًا جماعيًا ثابتًا لا يرتبط بالأفراد بل بالمؤسسة ذاتها. وبهذا يمكن للمفوضية أن تمثل نموذجًا إداريًا نزيهًا يسهم في ترسيخ أسس الديمقراطية وبناء الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة.








اضافةتعليق