لا يزال ارتباط اقتصاديات البلدان النفطية بالريع النفطي يولد مضاعفات خطيرة على النمو والاستقرار الاقتصادي، خصوصا مع استمرار تسلل الصدمات النفطية الى الاقتصاد عبر قناة المالية العامة، في البلدان التي لا تمتلك مصدات مالية مناسبة، وتعتمد على النفط في تمويل الموازنة العامة بنسب تفوق (90%)، كالعراق مثلا..
لم ترتفع اسعار الغاز الطبيعي لولا وجود اسباب اقتصادية تمثلت في التفاوت بين العرض والطلب على الغاز الطبيعي، انعكست أو ستنعكس بشكل سلبي على الدول المستوردة، وبشكل ايجابي على الدول المنتجة والمصدرة له ولا بُد من استثمار هذه الفرصة من قبل هذه الدول..
بفعل التذبذب الحاد في أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة وانخفاض الايرادات النفطية وتفاقم العجز المالي وزيادة المديونية وتعميق الاختلال الاقتصادي وزيادة المشاكل الاجتماعية والفوضى السياسية، أدركت هذه البلدان إنها بحاجة ماسة للضرائب لتنويع إيراداتها واقتصاداتها, بمعنى إن الضرائب أصبحت أداة لزيادة الحصيلة المالية لتقليص العجز وتجنب المديونية من جانب وأداة لتوجيه الاقتصاد نحو التنويع الاقتصادي على المدى الطويل لتقوية الاقتصاد وامتصاص المشاكل الاجتماعية وتحقيق الاستقرار السياسي من جانب آخر..
يلزم البلدان النفطية، وخصوصا العراق، الاستعداد جيدا لهبوط جديد في الايرادات النفطية، وعدم التعويل على تعافي مستدام للأسعار نظرا لان معدلات اسعار النفط أكثر حساسية لآفاق النمو والتعافي الاقتصادي العالمي مقارنة مع قيود الانتاج المحددة من قبل مجموعة (اوبك +)..
عانى الاقتصاد العراقي من مشكلة ضخامة الدين العام منذ العام 2003 بسبب الديون التي خلفتها سياسات النظام السابق والحصار الاقتصادي والتراجع الذي شهدته اسعار النفط الخام آنذاك. اذ قدر الدين العام (الخارجي فقط) قبل العام 2003 قرابة (130) مليار دولار، (42.5) مليار دولار للدول الاعضاء في نادي باريس، (67.4 ) مليار دولار للدول من غير الاعضاء في النادي، وقرابة (20) مليار دولار للدائنين التجاريين من القطاع الخاص، ونصف مليار دولار للمؤسسات المالية الدولية والإقليمية..
ينبغي إدراك حكومات البلدان النفطية كافة بان التعويل على تعافي الاسعار بشكل مستمر يشكل ركيزة هشة تهدد الوضع المالي والاقتصادي فيها وتبدد جهود السنوات الثلاث الماضية في ضبط المالية العامة وتنويع القاعدة الانتاجية واعادة هيكلة الاقتصاد بعيدا عن الادمان المفرط على النفط في التنمية والتمويل..
لعل هذه الأسباب وغيرها قد تدفع المواطنين في البلدان النفطية إلى المزيد من الإصلاحات على المستويات السياسية والمطالبة في تغيير طبيعة هذه الدول. بل أن الأمر قد يتجاوز ذلك الى تغييرها بالقوة ويكون النفط هو أحد الأسباب الرئيسية في ذلك التغير..