لا يزال ارتباط اقتصاديات البلدان النفطية بالريع النفطي يولد مضاعفات خطيرة على النمو والاستقرار الاقتصادي، خصوصا مع استمرار تسلل الصدمات النفطية الى الاقتصاد عبر قناة المالية العامة، في البلدان التي لا تمتلك مصدات مالية مناسبة، وتعتمد على النفط في تمويل الموازنة العامة بنسب تفوق (90%)، كالعراق مثلا..
هذه المقالة ليست في السياسة الاقتصادية او الإصلاح بل لمعاودة النظر في الفاعلية الإنتاجية للإقتصاد العراقي. نعرض قليلا من المؤشرات التجميعية، ونلاحظ المسار الذي أفضى إلى تشكل بنية لتوظيف العمل ورأس المال تعيق التنمية الإقتصادية، بمعنى اللحاق أي تقليص فجوة التطور بين العراق والدول المتقدمة. ولقد ترسخ هذا النمط من الحياة الإقتصادية في البيئة السياسية، ودوائر القرار، منسجما مع طراز من الوعي والتفكير الرائج يُقصي محاولات البحث عن تدابير تساعد على النهوض الإقتصادي، بالتصنيع وبناء قدرات متكاملة ومتنامية لإستكمال وتطوير البنى التحتية..
لقد عمقت السياسات الاقتصادية الحكومية خلال السنوات الماضية من الاختلال الهيكلي في الاقتصاد العراقي عبر ربط الموازنة الحكومية بالريع النفطي بشكل شبه تام، فاق (90%) في أفضل الحالات، فمثلا، شكلت الايرادات النفطية بما نسبته 92% من ايرادات الموازنة للأشهر العشرة الاولى من العام الماضي..
ان استمرار سيطرة الدولة على الريع النفطي وتوظيفه بالشكل السياسي لا الاقتصادي، أسهم في شل عملية الديمقراطية من السير بالاتجاه الصحيح، إذ ان انخفاض الوعي السياسي وارتفاع درجة المحرومية لدى المجتمع بسبب النظام السابق، بالتزامن مع سيادة ثقافة الاستبداد المتوارثة لدى الحاكم وثقافة الخضوع والتبعية المتوارثة لدى المحكوم..
هناك علاقة وثيقة الصلة بين الفقر والريع النفطي في البلدان الريعية التي تفتقد للإدارة الكفؤة، حيث يرتفع حجم الفقر مع زيادة اعتماد اقتصاداتها على الريع النفطي، وذلك بحكم طبيعة القطاع النفطي الذي تتسم صناعته بانها كثيفة رأس المال ومحدودة في العمل..
العراق وعلى الرغم من ضخامة ثروته النفطية (143.07مليار برميل) التي تشكل أكثر من 27 ضعف ما تمتلكه النرويج الذي يبلغ (5.14 مليار برميل) وكذلك ارتفاع إنتاجه اليومي البالغ 3481000 برميل مقارنة بإنتاج النرويج البالغ 1577.1 إلف برميل يومياً، مع الأخذ بعين الاعتبار الفرق في التعدد السكاني، إلا إنه لا يزال لم يحقق العدالة الاجتماعية، ليس هذا فحسب بل لا يزال يعاني من المديونية..