الركود الاقتصادي: القادم تحديات كبيرة وخيارات صعبة

شارك الموضوع :

لقد عمقت السياسات الاقتصادية الحكومية خلال السنوات الماضية من الاختلال الهيكلي في الاقتصاد العراقي عبر ربط الموازنة الحكومية بالريع النفطي بشكل شبه تام، فاق (90%) في أفضل الحالات، فمثلا، شكلت الايرادات النفطية بما نسبته 92% من ايرادات الموازنة للأشهر العشرة الاولى من العام الماضي

     نظم مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية حلقته النقاشية لشهر ايار /2020 عبر الانترنت، التي تم فيها مناقشة الاوضاع الاقتصادية في العراق والتحيات القادمة، اذ جاءت الحلقة تحت عنوان (الركود الاقتصادي القادم تحديات كبيرة وخيارات صعبة). 

ولتوضيح الغاية من عقد هذه الحلقة يمكن القول: لقد عمقت السياسات الاقتصادية الحكومية خلال السنوات الماضية من الاختلال الهيكلي في الاقتصاد العراقي عبر ربط الموازنة الحكومية بالريع النفطي بشكل شبه تام، فاق (90%) في أفضل الحالات، فمثلا، شكلت الايرادات النفطية بما نسبته 92% من ايرادات الموازنة للأشهر العشرة الاولى من العام الماضي. ورغم بدء سريان اتفاق تقليص الانتاج (اوبك+)، الا ان ضعف الطلب العالمي على النفط بسبب جائحة كوفئيد-19 وامتلاء طاقة التخزين العالمية يعيق تعافي الاسعار للمستويات التي تطبعت عليها الموازنة الحكومية في البلدان النفطية ومنها العراق.

 من جانب اخر قد يضيف إلزام اوبك خفض الصادرات النفطية العراقية بمقدار يفوق مليون برميل يوميا (من تاريخ 1 ايار) عبئا جديدا على الموازنة والاقتصاد، مما ينذر باتجاه البلد صوب الجزء الحاد من الازمة المالية والاقتصادية، خصوصا وان ركود القطاع النفطي تزامن مع ركود القطاع غير النفطي بسبب الاحتجاجات الشعبية وما تلاها من اجراءات وقائية لمواجهة جائحة كورونا ومن ثم اوقفت النشاط الاقتصادي بشكل تام في مختلف القطاعات الانتاجية والخدمية في العراق.

فعلى مستوى الايرادات النفطية ومقارنتها مع ما سبق نلاحظ ان وزارة النفط في ثان اكبر دولة منتجة للنفط في اوبك اعلنت الجمعة 1 آيار في بيان أن كمية الصادرات من النفط الخام لشهر نيسان بلغت 103,1 مليون برميل، بإيرادات بلغت نحو 1,4 مليار دولار مقارنة بنحو (سبعة مليارات) دولار مقابل تصدير 104 مليون برميل في نيسان 2019، أي أقل بخمسة أضعاف عما كانت عليه قبل عام لحجم الإنتاج نفسه.

ورغم ان معظم بلدان العالم اعتمدت سياسات توسعية (مالية ونقدية) لمواجهة الانكماش الاقتصادي والمحافظة على المستوى المعاشي للمواطنين مع استمرار عمليات الحضر الوقائي، فان العراق لا يملك حيز مالي (كصناديق الثروة السيادية لبلدان الخليج وغيرها من الدول النفطية) يعينه على تجاوز الازمة الراهنة.

ومع الانحسار الحالي والمتوقع في الايرادات النفطية، والحاجة الى تأمين النفقات الضرورية لتمويل الرواتب وبرامج الحماية الاجتماعية، تزداد الحاجة الى التفتيش عن خيارات جديدة وبأدنى التكاليف لتجاوز الازمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالعراق.

ولغرض اثراء الموضوع أكثر وجعله بين ايدي صناع القرار والمهتمين، فقد توجه مركز الفرات الى المختصين بالسؤالين ادناه:

س1/ في ضوء تأرجح اسعار النفط في نطاق (20-30 دولار للبرميل)، واستمرار اجراءات الحظر الوقائي، ما هي التأثيرات المتوقعة على الاقتصاد والمجتمع العراقي؟ 

س2/ هل توجد خيارات قصيرة الاجل تسهم في تطويق الازمة المالية والاقتصادية والحد من اثارها العكسية على الاقتصاد العراقي؟

وقد جاءت الاجابات بالشكل الآتي:

-الاستاذ الدكتور عامر المعموري-رئيس قسم الاقتصاد– كلية الادارة والاقتصاد – جامعة كربلاء ذكر أن " الجواب على السؤال الأول يستلزم العودة إلى تقييم إدارة الوضع الاقتصادي في العراق قبل هذه الأزمة فخلال سبعة عشر سنة لم تستطيع هذه الإدارة معالجة الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد العراقي بل عملت على تعميق هذه الاختلالات إذ تم هدر مليارات الدولارات والتي لو وجهت بشكل سليم  لغيرت حال الاقتصاد العراقي  آلاف البحوث والدراسات تكلمت عن السمة الريعية للاقتصاد العراقي والاحادية التي يعاني منها...فعندما  تأني الأموال من مصدر  واحد  المخاطرة تكون كبيرة اذا  تعرض هذا المصدر للتراجع وعدم الاستقرار. وهذا من أبجديات الإدارة المالية والاستثمار تحت ما يسمى بالمحفظة الاستثمارية كلما كان التنويع في أصول المحفظة حاضرا انخفضت المخاطرة. ماذا فعلت الإدارة الاقتصادية والمالية في العراق؟ هل استطاعت أن تستوعب الدروس والعبر التي افرزتها الأزمات المتعددة التي واجهت الاقتصاد العراقي؟ 

ما نمر به الان كشف عورة هذه الإدارة التي لم تستطع استيعاب ما حصل خلال الأزمات السابقة ولم تستطع أن تقدم شيء سوى تأزيم أكثر للواقع فلا زلنا نرث اقتصادا يعتاش على إيرادات النفط ويفتقد لسمة التنوع التي تعطيه الاستقرار وكل الدلائل تشير إلى ذلك. وإذا ما استمرت هذه الإدارة بنفس الأسلوب السابق فإن الآثار ستكون وخيمة على الاقتصاد والمجتمع العراقي لاسيما وأن الحكومة الحالية ورثت وضعا ماليا هشا مع الارتدادات الاقتصادية لتسونامي كورونا وانخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية جدا. اذ ذكرت بعض المصادر ان انخفاض سعر النفط بمقدار دولار واحد يؤدى إلى تراجع إيرادات العراق بحدود ١.٣١٥ مليار دولار سنويا إضافة إلى تخفيض حصة العراق في أوبك بمقدار مليون برميل يوميا. لذا فإن الوضع المتدهور ستكون له آثارا سلبية على الإنفاق الجاري والاستثماري إذ أن حصيلة الإيرادات لا تستطيع تغطية الرواتب والأجور التي تشكل أكثر من ٧٠% من الإنفاق الجاري وهذا سيدفع باتجاه الركود سيما وأن الرواتب والأجور تعد المحرك الأساس لكثير من الأنشطة في القطاعات الاقتصادية وعطل هذه الأنشطة سيدفع باتجاه ظهور بطالة جديدة تضاف إلى البطالة الموجودة مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الفقر والحرمان والتي تدفع باتجاه عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي مما سيعقد المشهد السياسي والاقتصادي في العراق. فضلا عن ذلك، سيؤدي قصور الإنفاق الجاري والاستثماري في الجانب الخدمي الى تراجع مستوى الخدمات التي هي متدنية أساسا. وخصوصا قطاع الصحة الذي يواجه وباء كورونا إذ مع تراجع التخصيصات وزيادة نسبة الإصابات، ستخرج عدد من المؤسسات الصحية عن الخدمة مما يعقد الوضع الصحي في العراق لاسيما وأن القطاع الصحي في العراق يعاني الكثير من المشاكل وضعف في أداء الخدمة الصحية إذا ما تم مقارنته بالأنظمة الصحية في الدول الأخرى. وسيطال التأثير السلبي القطاعات والمستلزمات الأساسية الاخرى الكهرباء والتعليم والسكن والغذاء والدواء ...الخ.

اما الإجابة عن السؤال الثاني " بالتأكيد الخيارات ستكون صعبة خصوصا في الاجل القصير ولها آثارا سلبية لكن كيف يتم اللجوء إلى أيسر هذه الخيارات وأقلها كلفة: هناك خيارات باتجاه الجانب المالي والجانب الإنتاجي والاستهلاكي ما يتعلق بالجانب المالي:

 - لابد من تصميم موازنة طوارئ لعام ٢٠٢٠ يتم فيها التركيز في الإنفاق على الأمور الأساسية فقط واستهداف كل أنواع الإنفاق غير الضروري في الموازنة العامة وخصوصا في الرئاسات الثلاث، 

- الغاء ودمج كثير من المؤسسات والهيئات غير الإنتاجية والتي تستنزف المال العام، 

- إعادة النظر بالقوانين النافذة قانون رفحاء والسجناء والرواتب التقاعدية لأعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الحكم، 

- تصميم قاعدة بيانات للسيطرة على الحصول على أكثر من راتب إضافة إلى تقنين مصروفات السيارات الحكومية ووضع إجراءات مشددة لاستخدامها. 

أما فيما يتعلق بالإيرادات:

- هناك حاجة للسيطرة على المنافذ الحدودية والقضاء على الفساد المستشري فيها والسيطرة على المنافذ الحدودية في إقليم كردستان. 

- التعامل بواقعية مع الإقليم بخصوص الإيرادات وتسليم حصة الإقليم من النفط. فإذا لم يلتزم الإقليم فعلى الحكومة عدم الالتزام بتنفيذ بتعهداتها المالية تجاه الإقليم خصوصا مع تعقد الوضع المالي. 

- معالجة الالتزامات المالية التي بذمة شركات الاتصال، والسعي بشكل سريع باتجاه إنشاء شركات اتصال وطنية لوقف نزيف المدخرات نحو الخارج وتحقيق أمن الاتصالات. 

- تقنين الاستيراد إلى أضيق الحدود واستيراد الضروري فقط.

- السعي باتجاه معالجة مشكلة ملكية الأراضي الذي سيضيف الكثير من الموارد المالية للدولة.

- تحويل كثير من المشاريع الانتاجية الحكومية ذات العبء المالي الى شركات مساهمة، اي ان ملكيتها تكون عبر الاكتتاب. 

- اقتصار نافذة بيع العملة على المصارف الحكومية. والإفادة من الإيرادات المتحققة لدعم الموازنة  

- الاقتراض الداخلي ضمن الحدود التي لا تؤثر على النشاط الاقتصادي.

- مقايضة النفط بالسلع الأساسية.

- التحرك باتجاه أموال العراق المجمدة في بعض المصارف الأجنبية.

- مقايضة اقساط الديون وفوائدها بالنفط.

أما فيما يتعلق بالجانب الإنتاجي:  

- التركيز على الإنتاج الوطني لتلبية الطلب المحلي للسلع الزراعية والصناعية الممكن إنتاجها محليا وحماية المنتج المحلي من السلع الأجنبية المستوردة.  وان يقتصر الاستيراد على مستلزمات الانتاج غير المتوفرة في السوق المحلية.

اما فيما يتعلق بالجانب الاستهلاكي الحكومي والخاص، ينبغي استهداف كل مجالات وابواب الهدر والاسراف والتبذير والاقتصار فقط على الانفاق الاستهلاكي الضروري وان يكون دور المؤسسات الدينية والاعلامية فاعلا في هذا الاتجاه".

- ا. م. د. حسين أحمد السرحان الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، ورئيس قسم الدراسات السياسية في مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، يرى فيما يتعلق بالسؤال الأول انه: " مع انخفاض الايرادات النفطية والركود بسبب جائحة كورونا، وعدم وجود قانون للموازنة، يتأكد لنا ان البلاد ستواجه اوضاع اقتصادية صعبة جدا. وبالتالي لا مناص ولا خيار سوى ترشيد السياسات الاقتصادية وضغط الانفاق العام والاتجاه نحو الاصلاح الاقتصادي وتفعيل دور القطاع الخاص وحماية المنتج الوطني من جهة، والعمل على تذليل تكاليفه الاجتماعية من جهة اخرى. وهذه مهمة الادارة الحكومية الجديدة. 

اما بالنسبة للسؤال الثاني فيمكن ايجاز اهم الاجراءات بـ: 

- دعم القطاع الخاص عبر حماية المنتج المحلي، واقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص والذي تم مراجعته من قبل مجلس الدولة والموجود على رفوف الامانة العامة لمجلس الوزراء. كل ذلك سيقود لتوفير فرص العمل ودعم الانتاج الوطني.

- توجيه الانفاق الجاري من غير التشغيلي (أي الرواتب والاعانات)، نحو دعم شبكة الحماية الاجتماعية لتذليل الكلفة الاجتماعية لخفض الانفاق العام.

- يتوجب على اقليم كردستان وضع تصدير النفط المستخرج من حقوله تحت تصرف الحكومة الاتحادية، كما على حكومة الاقليم تسليم كافة ايراداته من الرسوم والضرائب وايرادات المنافذ الحدودية من مطارات ومنافذ حدودية، كإيرادات للموازنة الاتحادية مقابل حصول حكومة الاقليم على الحقوق المالية وفق مبدأ العدالة في التوزيع، وبعكسه لن يتسلم الاقليم أي اموال من الحكومة الاتحادية. 

- اجراءات مالية ومنها: - 

1. مراجعة سلم الرواتب والعمل عل تقليل الفارق بين الدرجات الخاصة وباقي درجات السلم الوظيفي.

2. ضبط النفقات العامة في الميزانية الجارية وتصويبها نحو الميزانية التشغيلية (الرواتب والاعانات).

3. مراجعة القوانين والغاء ما يسمح بمنح أكثر من راتب او راتبين ومنها قوانين الشهداء والسجناء السياسيين، وانظمة المكافأة في التعاقد مع الموظفين والمتعاقدين. وتدقيق سجل موظفي الدولة والتي تستولي على ما يقارب من 20 ترليون دينار عراقي سنويا.

4. تعزيز الاجراءات الجمركية وضبط المنافذ الحدودية ابعادها عن سيطرة الاحزاب والمجموعات المسلحة. وفقا لخبراء، تقدر الايرادات الجمركية بأكثر من 6 ترليون دينار عراقي، في حين ما يصل منها الى الخزينة الاتحادية لا يزيد عن 600 مليار دينار عراقي. واعتماد نقاط جمركية على حدود اقليم كردستان مع كركوك وديالى ونينوى.   

5. قطع اوصال شراكات الاتصالات والانترنت مع الاحزاب والتيارات المتحكمة في السلطة. واستيفاء الضرائب والرسوم التي بذمتها للسنوات السابقة".

-ا. د. حيدر طعمه، الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية والتدريسي في كلية الادارة والاقتصاد-جامعة كربلاء يرى: فيما يتعلق بجواب السؤال الاول ان العراق لا يملك خيارات متعددة لمواجهة ازمة هبوط اسعار النفط، ولا يتوقع ايضا البدء بحلول جذرية في ظل حكومة مؤقتة مهمتها الاساسية تسيير المهام العامة والتهيئة لانتخابات مبكرة. لذلك يتوقع ان ينعكس ضعف الايرادات النفطية في تجميد النفقات الاستثمارية اولا، وبالتالي توقف جزء كبير من النشاط الاقتصادي المحلي القائم على الاستثمار العام. وفيما يخص النفقات الجارية فان الحكومة وخوفا من سخط الجمهور ستسعى الى تامين الرواتب بالحدود القصوى وان كان ذلك على حساب الاقتراض الخارجي لتمويل الفارق بين التمويل المطلوب (7 ترليون شهريا) والايرادات النفطية المتدفقة (2.5-3 ترليون). اما الفئات الهشة في المجتمع العراقي ستسحق كالعادة نتيجة جمود النشاط الاقتصادي الناجم عن الحضر الصحي وضعف الانفاق الحكومي والخاص وانعدام فرص العمل المناسبة.

اما فيما يتعلق بجواب السؤال الثاني فعمليا لا توجد خيارات جيدة تناسب الازمة وانما جل ما يمكن القيام به التوفيق بين الايراد النفطي المتحقق والنفقات الضرورية لتجسير الازمة الراهنة وانتظار تعافي اسعار النفط في الشهور القادمة. وقد يتم ضبط الانفاق العام الجاري نسبيا مع استقطاعات مالية لرواتب الدرجات الخاصة، وقد لا تمرر في مجلس النواب، بالإضافة الى ضبط نسبي للمنافذ الكمركية واللجوء الى الاقتراض الداخلي والخارجي لتوفير التمويل المطلوب.

-ا. حامد  عبد الحسين الجبوري، الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يقول: انه قبل الإجابة بشكل مباشر على السؤالين، أود الإشارة لمسألة بديهية لابُد أن نجعلها حاضرة في أذهاننا، وهي مسألة الألم، بمعنى كما أن علاج الأمراض العضوية لابُد وأن يرافقه في غالب الأحيان نسبة من الألم، كذلك علاج المشاكل الاقتصادية وبالخصوص إذا ما كانت هذه المشاكل هي مشاكل تراكمية وليست وليدة اللحظة كما هو حال مشاكل الاقتصاد العراقي التي تتسم عادةً بالتراكم والتزامن، أي التراكم عبر التاريخ والتزامن مع المشاكل الأخرى السياسية والاجتماعية وغيرها، لابُد وأن يرافقها جزءاً من الألم.

نعود للجواب على السؤال الأول، ترتبط الآثار التي ستترتب على الاقتصاد العراقي، بالحلول التي ستلجأ إليها الحكومة العراقية لمعالجة الأزمة المزدوجة الراهنة. فإذا ما تم اللجوء للاقتراض وبالخصوص الخارجي من أجل تغطية عجز الموازنة، ستكون الآثار سلبية في الأمد البعيد، لان هذا القرض يعني تكبيل مستقبل الاقتصاد العراقي بالديون وأعباءها، كون هذه القروض ستذهب لتغطية النفقات الجارية وبالخصوص تعويضات المشتغلين التي تمثل حصة الأسد في الموازنة، وهذا ما يؤثر سلباً على سمعة العراق دولياً. أن اعتماد الاقتراض سيؤدي لتلافي بعض الآثار السلبية التي تنعكس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في الأمد القصير لكنها ستنتقل إلى الأمد البعيد وكما اتضح أعلاه.

وإذا ما تم اللجوء للاستقطاع من تعويضات المشتغلين سواء بصفة موظف ملاك ام عقد ام اجر، وبالخصوص اصحاب التعويضات المنخفضة، ستكون الآثار سلبية في الأمد القصير، لان هذا الاستقطاع سيؤثر سلباً على حياتهم المعيشية وهذا ما يُخالف المبادئ الإنسانية والأخلاقية فضلاً عن القوانين الاقتصادية، لان انخفاض مدخولات الشريحة الكبرى  من العاملين في الدولة الذين يتسمون بارتفاع الميل الحدي للاستهلاك، الذي يعد المحرك الرئيس للجهاز الانتاجي، سيؤدي لانخفاض الطلب وانخفاض الإنتاج وتوقف النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والفقر، التي أخذت التوقعات اصل بها لأكثر من 40%، بمعنى إن اللجوء للاستقطاع  من العاملين وبالخصوص أصحاب الدخول المنخفضة سيزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأمد القصير، وما هي إلا حلول ترقيعية لا ترقى للحلول الجذرية المتمثلة في إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي وبناء قاعدة إنتاجية تتسم الكفاءة والمنافسة وانخفاض أسعار منتجاتها.

لكن هذه الأزمة لا تخلو من آثار إيجابية تتمثل في تحريك القطاع الحقيقي وبالخصوص القطاع الزراعي، حيث نجد الكثير من المزارعين لجوء لاستصلاح أراضيهم في ظل الحظر الوقائي لان طبيعة عملية الاستصلاح لا تحتاج لتجمعات بشرية كما هو الحال في الصناعة وغيرها، بمعنى أنها تنسجم مع إجراءات التباعد الاجتماعي لتجنب الإصابة بفيروس كورونا، وهذا ما سيسهم في ارتفاع نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الاجمالي وتوفير فرص العمل وتغطية جزء من حجم الاستيراد وهذا شي جيد بحد ذاته كونه يضع الاقتصاد العراقي على سلم الاكتفاء الذاتي.

كما أسهمت هذه الأزمة في كشف أوجه القصور لدى الحكومة وتشكيلاتها في مجال الحكومة الإلكترونية وأجبرت التعليم والتربية على سبيل المثال العمل على تطبيقه وبشكل سريع عسى أن تكون الخطوة الأولى بإتجاه تطبيق الحكومة الإلكترونية بشكل ملموس لتحسين مرتبة العراق في مؤشر الحكومة الإلكترونية كونه يحتل المرتبة ١٥٥ من أصل١٩٣ عام ٢٠١٨ في هذا المؤشر.

نقطة إيجابية أخرى أفرزتها هذه الازمة، وهي إعادة التفكير الاقتصادي لدى أصحاب الدخل الأحادي المحدود وبالخصوص الموظفين والمتقاعدين الذين يستطيعون العمل، لتنويع مصادر دخولهم، لان ارتباطهم بالدولة المرتبطة بالنفط خصوصاً بعد توقف أو تأخر إطلاق رواتبهم، أثار قلقهم تجاه دخولهم المالية مستقبلاً في ظل عدم متانة الاقتصاد واستمرار اعتماده على النفط المتذبذب، فأسهمت الأزمة في إعادة التفكير الاقتصادية بشأن تنويع مصادر دخول الأفراد لتأمين مستقبلهم الاقتصادي.

اما فيما يتعلق بجواب السؤال الثاني، فانه بصرف النظر عن الاستثناء، القاعدة العامة هي لا مشكلة بلا علاج ولا علاج بلا ألم، نعم هناك حلول اقتصادية على مستوى الأمد القصير ولكنها لا تخلو من الألم، ولابُد من الاعتراف بأن بعضاً من هذه الحلول هي ترقيعية لتجاوز المرحلة، الأزمة الحالية، على افتراض إن هذه المرحلة، مؤقتة، وستعمل الحكومة بمجرد تجاوز هذه الأزمة على تطبيق الحلول الجذرية لاحقاً، ويمكن تناول أبرز الحلول الآنية لتجاوز هذه الأزمة بالآتي:

اولا: تخفيض الرواتب بشكل طردي، كلما يرتفع الراتب ترتفع معه نسبة التخفيض ولكن بعد إعفاء الحد الأدنى الذي يستلزم الحفاظ على مستوى المعيشة والالتزامات المالية الواجب الايفاع بها تجاه الآخرين خصوصاً بالنسبة لذوي المرتبات المنخفضة. 

وتجدر الإشارة إلى إن أكثر من ٥٠٠٠ موظف هم من الدرجات العليا وأكثر من ١٧٧ ألف موظف هم من الدرجة الأولى والثانية وأكثر من ٦٦٥ ألف موظف من الدرجة الثالثة والرابعة والخامسة، ويقع بقية الموظفين البالغ عددهم أكثر من مليونين في الدرجات البقية من السادسة إلى العاشرة، حسب موازنة ٢٠١٩.

علماً أن الملونين موظف يستلم أقل أو ما يساوي ما يستلمها أصحاب الدرجات العليا والأولى ...الخامسة! 

ثانياً: فرض الرسوم الكمركية على المنتجات المستوردة المماثلة للمنتجات الوطنية وذلك لتوفير جزء من الإيرادات المالية من جانب وحماية الإنتاج الوطني من جانب آخر.

ثالثاً: العمل على استيفاء الضرائب من شركات الاتصال والمنافذ الحدودية والموانئ والمطارات.

رابعاً: العمل على استعادة الأموال المنهوبة والاقتصار على راتب واحد بالنسبة لذوي الرواتب المزدوجة والغاء الرواتب التقاعدية للرئاسات الثلاثة.

خامساً: فتح باب الاستثمار لكثير من فرص العمل التي تمتلكها الدولة وبهذا تستطيع الدولة الحصول على مبالغ لا بأس فيها للمساهمة في تغطية جزء من العجز، كان تعمل على استئجار سيارات البلدية أو مواقف السيارات أو المتنزهات وغيرها.

سادساً: رفع حصة الموازنة من أرباح شركات القطاع العام، وذلك لوجود الكثير من الشركات الرابحة والتي تستطيع أن تسهم في تغطية جزء من العجز إذا ما أرادت الحكومة العمل على هذه النقطة، والشركات النفطية والسايلوات والجامعات والمصارف وبالخصوص الرافدين والرشيد وشركات التأمين والخطوط الجوية والنقل العام وغيرها بكثير.

سابعاً: العمل على تشريع قانون سلم الرواتب الموحد، وهذا سيسهم في تقليص الرواتب بشكل كبير لأنه سيضع حدين أعلى وأدنى وتتراوح الرواتب بينهما، وهذا ما يسهم في رفد الموازنة بمبالغ جيدة تسهم في جزءاً من تغطية العجز.

ثامناً: توزيع اراضي سكنية للمواطنين وفق رسوم معينة تستطيع أن تحقق من خلالها المزيد من الأموال لرفد الموازنة وتغطية الموازنة. علماً أن تمليك المواطن ارض سكنية حق دستوري من خلال توفير العيش الكريم للمواطن.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية