العراق بحاجة الى مقاربة سياسية جديدة تجاه سوريا

شارك الموضوع :

المصالح المشتركة بين العراق وسوريا ليست وليدة اللحظة، ولن تنتهي مستقبلا، فتلك المصالح فرضتها عوامل الجغرافية والسياسية والامن والاقتصاد، وهي مصالح امن وطني للبلدين. وبالتالي هذه المقاربة السياسية الجديدة يجب ان تؤخذ بنظر الاهتمام تللك المصالح والتفكير بديمومتها وتعزيزها مستقبلا

منذ احداث الساحل السوري في الربع الاول من العام الجاري وانتهاءا بأحداث محافظة السويداء الاخيرة والتدخل الاسرائيلي العدواني فيها والاصرار الاسرائيلي على اضعاف الحكومة السورية وبث الانقسامات بين المكونات الاجتماعية في سوريا، وفي ظل الخلاف بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية في دمشق حول الاندماج في منظومة الدفاع الوطنية السورية، ورفض حكومة دمشق لمطلب اللامركزية التي تطالب بها قوات سوريا الديمقراطية رغم توقيع الاتفاق في العاشر من اذار الماضي بين احمد الشرع الرئيس السوري ومظلوم عبدي قائد القوات، تتصاعد المواقف الاقليمية والدولية حول الحفاظ على وحدة سوريا ورفض التدخل الاسرائيلي في الجنوب السوري.

منذ اندلاع احداث الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2009 وتصعيد تلك الاحتجاجات الى استخدام العنف والسلاح، مرورا بدخول الجماعات المتطرفة المسلحة على خط الاحتجاجات، وتصاعد الصراعات المسلحة والحرب الاهلية في سوريا، كان العراق في موقفه الرسمي الحكومي الذي تعبر عنه وزارة الخارجية وخلال الاجتماعات والقمم العربية والاسلامية، يدعوا الى الحوار بين جميع المكونات الاجتماعية، ونبذ العنف، واحلال السلام للوصول الى مشاركة الجميع في بناء نظام الحكم. وهذا الموقف العراقي الرسمي متأتي من رؤية العراق بعد العام 2003 في علاقات الخارجية الاقليمية والدولية، والمتضمنة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى وبناء علاقات على اساس التعاون المشترك والمصالح المشتركة. 

منذ الاطاحة بنظام حزب البعث في سوريا والتغيير السياسي في 8 كانون الاول 2024 عقب الهجوم الواسع الذي شنته قوات المعارضة السورية والمتمثلة بهيئة تحرير الشام والفصائل المناصرة لها، تراجع الموقف العراقي الرسمي عن ما كان يمثل مقاربة سياسية داعية الى الحوار بين المكونات، الى مقاربة تكاد تكون امنية اكثر مما هي سياسية في وقت توالت المواقف العربية والاقليمية المؤيدة لنظام الشرع – عدا ايران التي انتهى نفوذها في سوريا بشكل سريع ومفاجئ – في حين اكتفى العراق بزيارة رئيس جهاز المخابرات العراقي السيد حميد الشطري الى سوريا ولقاءه الشرع واستلامه عدد من معتقلين الفصائل العراقية المحتجزين في سوريا. وهذا لا يتناسب مع دولة جارة تشترك بخط حدودي مع العراق بأكثر من 600 كم، ومصالح مشتركة عديدة منها التعاون الامني بخصوص تنظيم داعش وملف المياه. 

ممر داوود والذي كثُر الحديث عنه مؤخرا في ظل التدخل العدواني من الجانب الاسرائيلي في احداث السويداء الاخيرة واستهدافه قوات الحكومة السورية. هذا الممر يمتد من جنوب سوريا حيث محافظة السويداء والى الشمال منها مدينة درعا، مرورا بمنطقة التنف والمثلث العراقي السوري الاردني وصولا الى الشرق السوري وانتهاءا بشمال شرقي سوريا حيث مناطق سيطرت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة و- فرنسا نوعا ما – نتيجة لجهودها في محاربة داعش الارهابي.

ورغم أن العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وقسد مستمرة منذ أكثر من 15 عامًا، فأن "قسد" تفضل الوقوف الى جانب إسرائيل في الملف السوري. وذلك لأنّ مشروع "ممر داود" الذي تسعى إسرائيل لتنفيذه في سوريا يشمل إقامة حكم ذاتي أو فدرالية في كل من السويداء وشرق الفرات. 

أما إسرائيل، فهي تسعى لتخريب كل هذه المبادرات الرامية لتحقيق السلام والاستقرار والأمن في سوريا. وهناك حقيقة يجب قولها بوضوح: إسرائيل، التي لا تريد أن ترى دولة مستقرة في محيطها، تهدف الى تقسيم سوريا.

هذا التطور، وفي ظل الدعم العربي المتواصل الى الحكومة السورية والدعم الدولي المتمثل بالدعم الاميركي والذي تجسد بتعليق العقوبات على دمشق، والدعم الاوروبي المتمثل في انهاء ملف العقوبات المفروضة على سوريا نهائيا وتحشيد الدعم الدولي لاعادة بناء سوريا، تضع العراق في موقف وسط وغير واضح تجاه تلك الاحداث في وقت يمكن ان يتأثر العراق بفعل اي تطورات سياسية او امنية في سوريا بفعل التقارب الجغرافي والمصالح المشتركة.

وحدة سوريا ليست مهمة لسوريا فحسب، بل مهمة للمنطقة ككل وفي مقدمة دول المنطقة العراق. فالعراق فيه نسيج مكوناتي متعدد ويعاني من معضلة امنية وسياسية تتمثل بعدم السيطرة الامنية على كامل اقليم الدولة وعم وجود موقف سياسي وطني موحد، وهناك الكثير من الاختلافات بين الكُتل السياسية المنبثقة من المكونات الاجتماعية، والتي لديها علاقاتها الدولية المتباينة. كما ان هناك الكثير من الملفات العالقة ومن دون حل في العلاقة بين بغداد واربيل.

ضعف وتقسيم سوريا ستكون له آثاره الوخيمة على الدولة العراقية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وبالتالي لابد من مقاربة سياسية حكومية جديدة بعيدا عن مواقف " القوى السياسية" والفصائل المسلحة المعارضة للتغيير السياسي في سوريا. فالمرحلة الحالية للمنطقة، وبفعل ما افرزته احداث غزة، وجنوب لبنان، وسوريا، والحرب الاسرائيلية – الايرانية، وتصاعد الدور الجيوسياسي والامني التركي، يفرض واقع جديد على المنطقة، الامر الذي يدعو الى تبني مقاربة سياسية واقتصادية جديدة حيال الدولة السورية الجديدة والنظام الحاكم فيها، وترك المتبنيات الطائفية والعرقية الضيقة.

وينبغي ان تُبنى المقاربة السياسية الجديدة على عدة مبادئ اهمها:

- الدعوة الى دعم التحول السياسي في سوريا والانتقال الى نظام حكم دستوري منبثق عن انتخابات وطنية تشترك فيها كل المكونات السورية.

- مساندة وتأييد الجهد الدولي المساند سياسيا واقتصاديا للتحولات الجارية في سوريا.

- الانضمام للجهود العربية والاسلامية المساندة لسوريا ورفض وادانة كل انواع التهديدات التي تطال الدولة السورية.

- تأكيد موقف واضح وصريح على ان اي تقسيم او تجزئة لسوريا هو تهديد للامن القومي العراقي، والدعوة الى دعوة جميع الاطراف الى الحوار وبناء الدولة السورية الجديدة. 

كذلك لابد من التنبه الى الموقف الدولي وبالأخص التوافق التركي السوري الاميركي حول اهمية وحدة سوريا. فتصريح صريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بشأن أحداث السويداء والهجمات الإسرائيلية واضحًا جدًا. حيث شارك فيدان 22 تموز تصور تركيا الجديد لـ"تهديد الأمن القومي" فيما يتعلق بسوريا . وقال فيدان في تصريحه: "على أي جماعة ألا تتجه نحو التقسيم. لدينا الكثير لنتحدث عنه عبر الدبلوماسية. كل شيء قابل للنقاش، والمناقشات جارية مع جميع الجماعات والعناصر. لكن إذا تجاوزتم ذلك واتجهتم نحو التقسيم وزعزعة الاستقرار باستخدام العنف، فإننا سنعتبر ذلك تهديدًا مباشرًا لأمننا القومي وسنتدخل. ناقشوا ما شئتم باستثناء التقسيم. قدموا ما لديكم من مطالب. وسنساعدكم قدر استطاعتنا في هذا الشأن، لكن عندما تتجاوزون هذا الحد، فلن نعرض أنفسنا للتهديد".

كذلك الحال بالنسبة للموقف الاميركي، اذ تتبع الولايات المتحدة سياسة تدعم عملية دمج "قسد" في الدولة السورية، وتُظهر في هذه العملية تعاونًا متناغمًا مع تركيا وحكومة دمشق. ويدافع السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص الى سوريا، توم باراك، عن ضرورة أن تتحرك "قسد" بشكل أسرع للاندماج في الدولة السورية. وفي مقابلة مع قناة "سي إن إن ترك" ، قال باراك: "قسد هي وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني. ليس لدينا أي التزام تجاه قسد وحزب العمال الكردستاني بإقامة دولة مستقلة". وبهذا، فأن رؤية الولايات المتحدة متشابهة مع السياسة التركية تجاه الاوضاع في سوريا وهو ما تتبناه الحكومة السورية الجديدة بقيادة احمد الشرع. 

المصالح المشتركة بين العراق وسوريا ليست وليدة اللحظة، ولن تنتهي مستقبلا، فتلك المصالح فرضتها عوامل الجغرافية والسياسية والامن والاقتصاد، وهي مصالح امن وطني للبلدين. وبالتالي هذه المقاربة السياسية الجديدة يجب ان تؤخذ بنظر الاهتمام تللك المصالح والتفكير بديمومتها وتعزيزها مستقبلا. 

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية