مع اشتداد الازمات الاقتصادية الدولية والمحلية، وما خلفته الاحتجاجات الشعبية من اثار، وما طالبت به من استحقاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية، يزداد الاقتصاد العراقي هشاشة واختلال، مما يلزم الحكومة الجديدة (المؤقتة) القيام فورا باعتماد حزمة سياسات اقتصادية عاجلة (قصيرة الاجل) تهدف الى تطويق فرص الانهيار الاقتصادي في العراق..
إن التحول الكبير الذي سيحصل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، المتمثل في تحولها إلى أكبر منُتج ومُصدر للنفط الخام في العالم، سيُعطيها زخماً من الفاعلية والتأثير في أسعار النفط على الساحة الدولية، وتصبح هي المتحكم الرئيس ببوصلة أسعار النفط، وهذا ما تطمح إليه لمجابهة منافسيها كالصين من أجل الحفاظ على صدارتها العالمية..
التفجيرات الاخيرة التي طالت المنشات النفطية في المملكة العربية السعودية كان لها اثر كبير على اسعار النفط الخام، حيث ارتفع السعر إلى قرابة (19%)، وهي اعلى نسبة ارتفاع مفاجئ في يوم واحد منذ العام (1991)، ومثلما نعرف أن السعودية هي منتج مرجح، بمعنى أن السعودية لديها القدرة على تلافي أي مشكلة تحدث في اي بلد خاصة فيما يتعلق بالإنتاج النفطي، بالتالي فان السعودية قادرة على تعويض النقص العالمي الحاصل في انتاج النفط الخام، ولكن أن تصاب السعودية فهذه نكبة لاسواق النفط الخام..
لا شك ان اتفاق (اوبك +) كبح التراجع الحاد الذي شهدته اسعار النفط اواخر العام 2018. ففي ديسمبر كانون الأول اتفقت المنظمة وحلفائها على العودة إلى تخفيضات الإنتاج مدفوعين بمخاوف بشأن تراجع أسعار النفط الخام وارتفاع الإمدادات. وتم تقليص الإنتاج بمقدار (800) ألف برميل يوميا من أول يناير كانون الثاني الماضي. وبذلك تكون نسبة امتثال أوبك (86%) من التخفيضات المتعهد بها، وفقا لحسابات رويترز، وهو مستوى مرتفع قياسا بالتجارب السابقة للمنظمة. مع ذلك أشارت المنظمة إلى عوامل معاكسة تشكل تحديا لمساعيها لمنع حدوث تخمة في الاسواق عام 2019، بما في ذلك ضعف الطلب وارتفاع إنتاج المنافسين. وفي تقريرها الشهري، قالت أوبك إن إنتاجها النفطي انخفض الى قرابة (800) ألف برميل يوميا في يناير كانون الثاني ليصل الى (30.81) مليون برميل يوميا. ويزيد ذلك بقليل عن الطلب المتوقع في 2019 على نفط أوبك، والذي خفضته المنظمة إلى (30.59) مليون برميل يوميا..
تفصح الوقائع والبيانات المتاحة حول معدلات العرض والطلب على النفط الخام الى دخول اسواق النفط العالمية في تخمة جديدة قد تعيد معدلات الاسعار الى التأرجح ما بين (50-60) دولار للبرميل طوال العام 2019. ورغم اتفاق اوبك وشركائها على خفض سقوف الانتاج بمقدار (1.2) مليون برميل يوميا مطلع العام 2019 الا ان اساسيات الاسواق تشير الى تفوق المعروض النفطي خارج اوبك (2.2 مليون برميل) لمجمل الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط (1.2 مليون برميل) خلال العام 2019، مما ينذر تخمة جديدة قد تعيق تعافي معدلات الاسعار في الامد المنظور..
ان ارتفاع أسعار النفط بعد سنوات عديدة من التقشف المالي الذي قاد البلاد الى تراجع كبير في المشاريع الانتاجية والخدمية قد يكون بمثابة طوق النجاة للبلاد بعد سلسلة التراجع في الأداء الخدمي وفرض سياسة التقشف التي من تبعاتها توقف التعينات الحكومية وارتفاع نسب البطالة وغيرها من الاثار الاقتصادية..
ينبغي إدراك حكومات البلدان النفطية كافة بان التعويل على تعافي الاسعار بشكل مستمر يشكل ركيزة هشة تهدد الوضع المالي والاقتصادي فيها وتبدد جهود السنوات الثلاث الماضية في ضبط المالية العامة وتنويع القاعدة الانتاجية واعادة هيكلة الاقتصاد بعيدا عن الادمان المفرط على النفط في التنمية والتمويل..
الجديد المعتاد لأسواق النفط الخام خلف ضغوطات مالية حادة على موازنات البلدان النفطية، ألزمت حكوماتها على التعايش مع سعر نفط منخفض. وقد خلف انهيار الايرادات النفطية عن المستويات التي تطبعت عليها الموازنات النفطية الى اعادة النظر بتصميم الادارة المالية العامة للتكيف مع دورات الرواج والكساد النفطي..