تستعيد اسواق النفط العالمية توازنها في أعقاب جهود خفض الإنتاج التي يبذلها منتجو النفط من داخل وخارج اوبك. مع ذلك، يثير تعافي الاسعار بواعث القلق مجدداً بشأن إنتاج النفط الصخري
ساعد عام من خفض معدلات الانتاج في امتصاص تخمة المعروض النفطي التي ولدها دخول النفط الصخري الى اسواق الطاقة العالمية. ويُفترض في ضوء انحسار الخزين النفطي العالمي والزيادة المستمرة في معدلات الطلب، أن تتأرجح أسعار النفط ما بين 70-80 دولار للبرميل مع تمديد اتفاق أوبك وروسيا النفطي، الذي بدأ في يناير كانون الثاني 2017، حتى نهاية العام 2018. وقد بلغت أسعار النفط أعلى مستوى لها منذ سنوات حين لامست عتبة الـ 70 دولار يوم الخميس 11 كانون الثاني، بدعم من هبوط في المخزونات وقوة الطلب وارتفاع مستوى التزام أوبك.
ابعاد الدعم السعري
تلازمت جملة من العوامل في رفع اسعار النفط لمعدلاتها الحالية، ويمكن التركيز في هذا الصدد على ما يلي:
1- جولات خفض الانتاج
تدعم تخفيضات الإنتاج التي تقودها منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وروسيا معدلات أسعار النفط الخام منذ بدأ تنفيذ الاتفاق النفطي مطلع العام 2017. وطبقاً لبيانات شحن وبيانات التدفقات النفطية من تومسون رويترز ومعلومات توفرها مصادر في شركات نفط وأوبك وشركات استشارية، خلص مسح أجرته وكالة رويترز مؤخراً إلى ارتفاع مستوى التزام أوبك باتفاق خفض إمدادات النفط في ديسمبر كانون الأول الماضي بفعل المزيد من التراجع في إنتاج فنزويلا وتخفيضات إضافية من دول خليجية مصدرة للخام، وهو ما يظهر التزاما قويا بالاتفاق على الرغم من ارتفاع الأسعار. فقد أظهر المسح أن نسبة الالتزام بالتخفيضات ارتفعت من 125% في نوفمبر تشرين الثاني إلى 128%، فقد قلصت بلدان أوبك معدلات الانتاج بقرابة 1.2 مليون برميل يوميا، ليصل اجمالي حجم انتاج المنظمة لقرابة 32 مليون برميل يوميا في ديسمبر كانون الأول 2017. فقد ضخت دولة الإمارات العربية المتحدة نفطاً يقل عن المستوى المحدد لها في أوبك. في حين خفضت السعودية، أكبر مصدر للنفط، انتاجها النفطي قرابة 60 ألف برميل يوميا، مما يزيد من تراجع الإمدادات عن المستوى المستهدف للمملكة في أوبك. اما معدلات الإنتاج في فنزويلا، التي يتعطش قطاع النفط فيها الى التمويل بسبب أزمة سيولة، واصلت التراجع عن المستوى المستهدف لها في أوبك. كما انخفض إنتاج ليبيا بقرابة 30 ألف برميل يوميا جراء الأضرار التي لحقت بخط أنابيب في التفجير الاخير الذي طال منشاتها النفطية. ويبقى الإنتاج في شمال العراق منخفضاً عن معدلاته السابقة في منتصف أكتوبر تشرين الأول بعد استعادت الحكومة سيطرتها على حقول نفط كركوك.
2- انخفاض المخزونات
افصحت تقارير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن مخزونات النفط الخام هبطت بقرابة 4.6 مليون برميل الأسبوع الماضي في حين كانت توقعات المحللين تشير إلى انخفاض قدره أربعة ملايين برميل فقط. كما ارتفعت معدلات التشغيل في مصافي التكرير الأمريكية إلى قرابة 95.7% من الطاقة الإجمالية وهو أعلى مستوى في مثل هذا الوقت من العام منذ العام 1998، نظرا لانخفاض درجات الحرارة في الولايات المتحدة واوربا وغيرها من البلدان. من جانب اخر، يشكل انخفاض المخزون العالمي إلى قرابة 2940 مليون برميل، وتقلص الفائض لقرابة 111 مليون برميل في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عن معدله للسنوات الخمس الماضية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الدول الصناعية)، إنجازاً ملحوظاً لتوازن العرض والطلب، نظرا لما يمثله الخزين النفطي من عامل ضغط على مستويات الأسعار.
3- نمو الطلب النفطي العالمي
يتوقع ان يتعافى الطلب على النفط عام 2018 مع بوادر نمو اقتصادي قوي في معظم أنحاء العالم، حيث تفصح تقارير اوبك ووكالة الطاقة الدولية عن ارتفاع معدلات الطلب العالمي على النفط عام 2017 مقارنة بالسنوات السابقة، فقد ارتفعت معدلات الطلب بقرابة 1.5 مليون برميل يومياً. وتشير توقعات وكالة الطاقة الدولية الى استمرار زيادة الطلب بقرابة 1.3 مليون برميل يومياً عام 2018 نظرا للبيانات الاقتصادية القوية من الولايات المتحدة وألمانيا وعدد من الدول الاوربية. من جانب اخر، أظهرت بيانات حديثة طلباً قوياً على واردات الخام في الصين، فقد تعافى إجمالي واردات النفط الخام إلى الصين، أحد أكبر مستهلكي النفط في العالم، ليسجل ثاني أعلى مستوى على الإطلاق في نوفمبر تشرين الثاني الماضي عند 9 مليون برميل يومياً. ويساهم نمو الطلب العالمي على النفط في تقليص فجوة المعروض النفطي التي اطاحت بالأسعار في حزيران 2014.
مخاطر تحليق الاسعار
تستعيد اسواق النفط العالمية توازنها في أعقاب جهود خفض الإنتاج التي يبذلها منتجو النفط من داخل وخارج اوبك. مع ذلك، يثير تعافي الاسعار بواعث القلق مجدداً بشأن إنتاج النفط الصخري. فقد اعطى امتثال أوبك القوي لاتفاق خفض الإمدادات دعماً مستمراً لمستويات الأسعار قد يولد موجة جديدة من الاستثمارات تعيد منصات الاستخراج للعمل في قطاع النفط الصخري. وعلى الرغم من انخفاض إنتاج النفط الأمريكي مؤخرا بفعل طقس شديد البرودة فإن من المتوقع على نطاق واسع أن يتجاوز الإنتاج قريبا حاجز العشرة ملايين برميل يوميا بسبب تعافي الاسعار. وفي هذا السياق صرح الرئيس التنفيذي لشركة روسنفت الروسية إيغور سيتشن مؤخراً بأن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى زيادة الإمدادات بشدة عام 2018 ويزعزع استقرار الاسواق مجدداً. مع ذلك، ورغم ان ارتفاع معدلات انتاج النفط الصخري امراً مفروغاً منه في اطار الوتيرة المستمرة لارتفاع معدلات الاسعار، فان ظهور تخمة مفاجئة في المعروض امراً مستبعداً في الوقت الراهن نظراً لان زيادة تكاليف الحفر والتجهيز لإنتاج النفط الصخري ستؤدي الى تباطؤ نمو معدلات الإنتاج. ويتوقع أن يتجاوز إنتاج النفط الصخري الأمريكي عشرة ملايين برميل يوميا عام 2018.
تُلزم هذه الحقائق كبار منتجي النفط من داخل وخارج اوبك على الاستعداد لمرحلة ما بعد توازن الأسواق وتحقق السعر العادل للنفط الخام. وذلك عبر البدء بحوار جدي مع منتجي النفط الصخري للانضمام الى اتفاق ضبط معدلات الانتاج. ورغم صعوبة اقناع الشركات العاملة في هذا القطاع على تحديد مستويات انتاجها في الوقت الراهن، فان تجربة انهيار اسعار النفط عام 2014 وخروج جزء كبير من حقول النفط الصخري من الاسواق، قد يثير اهتمام منتجي النفط الصخري الى الانخراط في اتفاق نفطي عالمي يضمن تحقيق سعر عادل لكافة الاطراف المنتجة تحت مظلة سقوف الانتاج المسايرة لمعدلات نمو الطلب العالمي على النفط.
اضافةتعليق