ان المتابع للشأن الاقتصادي العراقي في العقود الاخيرة يلاحظ تزايد اعتماد العراق على الواردات النفطية في إدارة العملية التنموية وتطوير البنى التحتية للبلاد، وما صاحب هذا الاعتماد من تراجع دور باقي قطاعات الانتاج مثل القطاع الصناعي والزراعي والتحويلي وغيرها من القطاعات ، حيث ادى هذا الاعتماد المتزايد الى العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ومن هذه المشاكل انحسار الايرادات النقدية المطلوبة للقيام بالعملية التنموية والنهوض بالمشاريع الخدمية بيد النفط في ضل غياب باقي مصادر الدخل وتراجع أدائها الاقتصادي وبالتالي أصبحت هي نفسها تعتمد على الإيرادات النفطية لديمومتها وبقائها، وهنا برزت مشكلة اكبر حجماً واكثر تعقيداً وهي ارتباط العملية التنموية بالأسعار العالمية للنفط والتي بطبيعتها غير مستقرة وخاضعة لعدة عوامل تضغط بصورة يصعب توقعها وحسابها، فاذا ما انخفضت أسعاره لسبب او لأخر انعكس سلباً على المشاريع الخدمية والبنى التحتية للدول المصدرة التي لم تعد العدة لمثل هذا اليوم، كما حصل في اعقاب تراجع وانهيار أسعار النفط عالمياً في عام ٢٠١٤ وهبوطها فبعد ان وصلت لحدود ١٢٠ دولار للبرميل الواحد انخفضت الأسعار لتصل حوالي ٣٠ دولار لنفس البرميل، وما ترتب عليه من فرض حالة التقشف في معظم البلدان النفطية ومنها العراق وتوقف معظم مشاريع البناء والاعمار في البلاد حتى التي بلغت منها مستويات انجاز عالية.
وفي الفترة الاخيرة وبعد مرور قرابة اربع سنوات على هذا التراجع تشهد الأسواق العالمية انتعاشاً واضحاً لأسعار البترول اذ ارتفع سعر البرميل لحدود ال ٨٠ دولار مع توقعات لكثير من مراكز البحث العالمية ان يواصل ارتفاعه ليتجاوز ١٠٠ دولار نتيجة التوترات الدولية من جهة وتزايد الطلب العالمي على البترول من جهة اخرى ، وينعكس هذا الارتفاع بصورة إيجابية على كل الدول المصدرة للنفط ومنها العراق حيث يبلغ معدل التصدير لديه قرابة ٣،٨٨ مليون برميل يومياً وهذا المعدل من الأسعار سينعكس بصورة مشجعة على عملية التنمية والاعمار في العراق حيث ان ارتفاع الأسعار يمكن ان يوفر الأموال اللازمة لبناء موازنة عام ٢٠١٩ بصورة قادرة على البدء بصورة حقيقية بعملية البناء ومحاربة البطالة والكساد والتي عشعشت في السوق العراقية منذ سنوات، ويمكن ايجاز إيجابيات ارتفاع أسعار النفط بعدة نقاط .
• ان ارتفاع أسعار النفط يمكن ان يوفر السيولة النقدية اللازمة لدعم القطاع الخاص بهدف النهوض بواقعه المتراجع ، من خلال توفير الأموال الكافية لتقديم القروض الاستثمارية بهامشية ربح بسيطة تراعي الخروج من حالة الكساد الذي كبل السوق العراقية،
• استغلال ارتفاع أسعار النفط لزيادة الانفاق الحكومي على المشاريع الاستثمارية من خلال رفع قيمة الموازنة الاستثمارية في تقديرات موازنة عام ٢٠١٩ .
• إعادة العمل وتفعيل مشاريع الاعمار والتوسع في تطوير البنى التحتية للبلاد والتي توقف العمل بها خلال فترة التقشف وتراجع الاسعار منذ عام ٢٠١٤ وبما يمكن ان تمثله هذه المشاريع من عوامل جذب للاستثمار الخارجي.
• وضع حد لارتفاع نسب البطالة بين الشباب والتي شهدت زيادة كبيرة في الفترة الأخيرة من خلال إعادة افتتاح الكثير المشاريع المتعطلة بسبب الافتقار الى السيولة النقدية .
• تعتبر الفوائض النقدية المتحصلة من ارتفاع أسعار النفط عاملاً مهم يمكن ان يساهم بشكل كبير في إعادة اعمار وبناء المدن العراقية المتحررة من سطوة داعش الإرهابي من خلال توجيه نسب كبيرة من تلك الفوائض باتجاه بناء هذه المدن .
• ان زيادة الواردات المالية للبلاد يمكن ان تسهم بشكل كبير في وضع الحلول العملية لمشاكل اقتصادية عديدة مثل تراجع منسوب المياه واثره على الواقع الزراعي والحيواني والاجتماعي من خلال توفر الاموال اللازمة لبناء السدود والمصدات المائية اللازمة لوقف تقدم اللسان الملحي باتجاه المدن .
ان ارتفاع أسعار النفط بعد سنوات عديدة من التقشف المالي الذي قاد البلاد الى تراجع كبير في المشاريع الانتاجية والخدمية قد يكون بمثابة طوق النجاة للبلاد بعد سلسلة التراجع في الأداء الخدمي وفرض سياسة التقشف التي من تبعاتها توقف التعينات الحكومية وارتفاع نسب البطالة وغيرها من الاثار الاقتصادية، ولكن كل هذا بشرط ان تحسن الجهات المختصة استخدامه وتوظيفه من خلال إعادة احياء الاقتصاد العراقي من خلال العمل على تفعيل باقي القطاعات الإنتاجية والصناعية المتوقفة، والذي يجب ان تشكل رافد مهم يتم من خلاله توفير الأموال اللازمة للخزينة المركزية والابتعاد شيئاً فشيئاً عن الريع النفطي، ومراعاة الاحتياجات الملحة للشارع العراقي، خصوصاً تحت الضغط الجماهيري المطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي والقضاء على البطالة وتحسين الواقع الحياتي والخدمي للمواطن.