ان عدم معرفة سعر الدولار في العراق بشكل دقيق، يعني استمرار ضبابية مشاكل الاقتصاد العراقي. فيما يعني تحليل سعر الدولار بشكل دقيق، تشخيص المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد ومن ثم معالجتها
ان عدم معرفة سعر الدولار في العراق بشكل دقيق، يعني استمرار ضبابية مشاكل الاقتصاد العراقي. فيما يعني تحليل سعر الدولار بشكل دقيق، تشخيص المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد ومن ثم معالجتها.
من أين يأتي الدولار؟
نظراً لامتلاك العراق ثروة نفطية كبيرة، أكبر من 145 مليار برميل كاحتياطي مؤكد؛ وانتاج أكثر من 4 ملايين برميل يومياً، وتصدير أكثر من 3.250 مليون برميل يومياً، من ناحية.
واحتلال النفط أهمية كبيرة في الاقتصاد العالمي، في اغلب القطاعات الاقتصادية؛ كالنقل والصناعة والسكن وغيرها؛ من ناحية ثانية.
ويتم تقويم النفط بالدولار عالمياً، لأسباب عديدة منها ان الدولار الامريكي هو عملة أكبر اقتصاد في العالم، ومنها يتم تداوله على نطاق واسع في التجارة العالمية، اضافة لكونه يمثل نسبة كبيرة في الاحتياطيات الاجنبية وغيرها من الاسباب؛ من ناحية ثالثة.
فامتلاك العراق للنفط الخام واحتلال الاخير أهمية كبيرة في الاقتصاد العالمي وتقويمه بالعملة الدولية أسهم في جلب الدولار للاقتصاد العراقي من الاقتصاد العالمي.
لماذا يُطلب الدولار؟
ان تلبية حاجات المجتمع العراقي لا يمكن سداد اقيامها بالعملة الوطنية (الدينار العراقي) لان العملة الوطنية لا تتمتع بصفة القبول العام بحكم ضعف الاقتصاد الذي تعتمد عليه، فيكون الدولار هو المطلوب، بحكم قبوله الدولي كما اتضح آنفاً؛ لأجل تسديد اقيام الاستيرادات، والحفاظ على قيمة العملة الوطنية وكما سيتضح أدناه.
كيف يأتي من الخارج؟
تقوم وزارة النفط من خلال شركاتها والشركات المتعاقدة معها بإنتاج وتسويق النفط لدول العالم، وتقوم الاخيرة، وحسب الاسعار السائدة في الاسواق الدولية للنفط؛ بتحويل مبالغ النفط المشتراة الى حساب وزارة المالية بواسطة البنك المركزي العراقي في الفدرالي الامريكي ثم يقوم الاخير بإطلاق الدفعات الدولارية للعراق حسب الطلب.
مسيرة الدولار في الداخل
بعد استلام البنك المركزي العراقي الدفعات الدولارية من الفيدرالي الامريكي، يقوم المركزي العراقي ببيع الدولار داخل الاقتصاد العراقي عبر نافذة العملة لأجل توفير الدينار العراقي لصالح وزارة المالية لتمويل نفقاتها العامة من جانب والحفاظ على سعر الصرف التوازني الذي يمثل أحد الاهداف الرئيسة للبنك المركزي من جانب آخر.
إذ لا يمكن لوزارة المالية تمويل نفقاتها العامة بالدولار بشكل مباشر لان هذا التمويل يتعارض وأهداف البنك المركزي العراقي المتمثلة في سيادة الدينار العراقي والحفاظ على قيمته من الانهيار.
تدخل البنك المركزي
ولأجل تحقيق هذه الاهداف يأخذ البنك المركزي على عاتقه ادارة النقد داخل الاقتصاد العراقي ومن أهمها التحكم في عرض الدولار لان الدولار النفطي يمثل المصدر الوحيد تقريباً للاقتصاد وبالمقابل ان الاحتياجات كبيرة ومتزايدة وكما سيتضح من خلال الشكل أدناه.
فعند زيادة الطلب على الدولار سيرتفع سعره مقابل انخفاض قيمة الدينار العراقي فيضطر البنك المركزي للتدخل وزيادة عرض الدولار لأجل تخفيض سعره والحفاظ على قيمة الدينار العراقي من الانهيار والعكس صحيح.
أي عند زيادة عرض الدولار سينخفض سعره مقابل ارتفاع قيمة الدينار العراقي فيتدخل البنك المركزي لتخفيض عرض الدولار لأجل الحفاظ على السعر التوازني للدينار العراقي، لأنه كما ان انخفاض قيمة الدينار العراقي غير صحي كذلك الأمر بالنسبة للارتفاع.
ضعف الاقتصاد العراقي
ونظراً لارتباط سعر الدولار، بشكل وآخر؛ بأسعار وايرادات النفط الذي يُمثل العمود الفقري للاقتصاد العراقي، يُمكن القول، ان الاتجاه العام لسعر الدولار هو الارتفاع مقابل اتجاه الدينار العراقي نحو الانخفاض بحكم اتجاه الاقتصاد العالمي نحو الطاقة النظيفة والمتجددة.
بمعنى آخر، ان عدم تنوع الاقتصاد العراقي واعتماده الكبير على النفط في مؤشراته الرئيسة، حيث تتراوح نسبته بين 45% و65% من الناتج المحلي الاجمالي؛ ولا تقل عن 85% من الايرادات العامة، وعن 98% من الصادرات السلعية؛ كان السبب الحقيقي وراء تدخل البنك المركزي للحفاظ على قيمة الدينار العراقي كما اتضح آنفاً.
لان النسب أعلاه توضح مدى ضعف الاقتصاد العراقي بحكم عدم تنوعه واعتماده على النفط بشكل رئيس، بمعنى انه اقتصاد غير قادر على تلبية الحاجات المتزايدة للمجتمع العراقي، كماً ونوعاً، فيلجأ للاقتصادات الاخرى لتلبية تلك الحاجات.
دليل ضعف الاقتصاد العراقي
المصدر: البنك المركزي العراقي
نلاحظ من الشكل أعلاه، ان حجم الواردات ومبيعات نافذة العملة يسيران نحو الارتفاع وبشكل متوازي ومتقارب مما يعطي دلالة واضحة على تدخل البنك المركزي لمعالجة اثار ضعف الاقتصاد العراقي.
إذن، ضعف الاقتصاد العراقي في تلبية احتياجات مستهلكيه من ناحية، وتدخل البنك المركزي العراقي للحفظ على قيمة العملة الوطنية من ناحية أخرى، يعطي انطباعا واضحا ان سعر الدولار في العراق سعر غير حقيقي سواء الرسمي المحدد من البنك المركزي ب 1320 او غير الرسمي(الموازي) الذي يتراوح بين 1470 و1500 دينار لكل دولار امريكي.
بمعنى آخر، لو امتنع البنك المركز العراقي، لسبب وآخر؛ عن التدخل من خلال نافذة العملة، لشهدنا ارتفاعاً كبيراً في سعر الدولار ومن ثم تدهوراً كبيراً لقيمة الدينار العراقي، وذلك لضعف محركات الاقتصاد العراقي على توليد الدولار وتعويض النقص الحاصل من امتناع البنك المركزي العراقي.
ولأجل أن يكون سعر الدولار سعرا حقيقيا لابُد من العمل على معالجة ضعف الاقتصاد العراقي من خلال تشغيل محركاته الانتاجية والتصديرية وهذا يتطلب العمل على عدّة نقاط من أهمها:
اولاً: اعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد بشكل ينسجم والتوجه الجديد بعد 2003.
ثانياً: فسح المجال أمام القطاع الخاص باعتباره أكثر قدرة على الانتاجية والمرونة والتنافسية.
ثالثاً: تعزيز دور دولة المؤسسات وذلك لما لها من دور في مكافحة الاستبداد والفساد وتنشيط الاقتصاد.
رابعاً: توظيف الايرادات النفطية نحو البنية التحتية لأنها ستسهم في خلق بيئة اعمال جاذبة.
خامساً: توجيه الاعلام لتوعيه المجتمع بأهمية تعزيز قيمة الدينار العراقي من خلال الضغط على الجهات المختصة للإسراع بالتحول الاقتصادي.
اضافةتعليق