في ظل التصعيد الأمريكي – الإيراني في المنطقة، وصل وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو يوم الثلاثاء، الى العاصمة بغداد في زيارة مفاجئة، إذ التقى من خلالها رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية السيد برهم صالح، وبحث معهما التصعيد الايراني ضد القوات الامريكية وموضوع استثناء العراق من العقوبات المفروضة على إيران.
لا يخفي على الجميع بأن زيارة بومبيو إلى بغداد تأتي ضمن استراتيجية الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب حيال إيران والمنطقة بشكل عام، لاسيما في ظل التصعيد السياسي والإعلامي بين الجانبين، والتهديدات التي تتلقاها القوات الأمريكية في السواحل القريبة من السواحل الإيرانية أو في مضيق هرمز أو قواعدها العسكرية في العراق والخليج، فضلاً عن استئناف إيران تخصيب اليورانيوم ومباشرتها في بيع المياه الثقيلة، وتخليها عن الالتزام ببعض بنود وفقرات الاتفاق النووي، على الرغم من أن هذه الخطوة ليس لها تأثير مباشر على الاتفاق النووي مع واشنطن؛ لأن الأخيرة تخلت عنه واعلنت الانسحاب منه في منتصف العام الماضي وبالتحديد في الثامن من أيار/ مايو 2018، إلا أنها تأتي ضمن التدابير التي من شأنها أن تعيد المارد الأمريكي إلى رشده اتجاه طهران؛ وذلك عن طريق ممارسة الضغط على الدول الفاعلة داخل الاتحاد الأوروبي، التي من الممكن أن تؤثر بدورها على موقف الإدارة الأمريكية.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى بغداد برسائل مبطنة بـ (تهديد ووعيد أو ترهيب وترغيب) نقلها بومبيو من الرئيس الأمريكي إلى صانع القرار العراقي. بمعنى آخر، أن رسالة بومبيو ربما كانت واضحة فيما يخص موقف العراق من الصراع الأمريكي – الإيراني الحالي، وموقف بغداد في حال نشبت الحرب بين الطرفين، هذه الرسائل كانت تحمل تهديدات مبطنة للعراق في حال تعرضت القوات الأمريكية لأي هجوم من قبل الفصائل العراقية المسلحة التي ترتبط (سياسياً وأيديولوجياً) مع ولاية الفقيه في إيران، بموازاة ذلك، حملت رسائل وزير الخارجية الأمريكي تطمينات سياسية واقتصادية للعراق في حالة وقوفه مع الطرف الأمريكي وحلفائه في المنطقة، ووعد السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي باستثناء ثاني للعراق من العقوبات الأمريكية على إيران، فضلاً عن ذلك، فقد بحث بومبيو صفقات كبيرة في مجال الطاقة لوقف اعتماد العراق على إيران، وأن العراق اقترب كثيراً من توقيع اتفاق في مجال النفط مدته 30 عاماً بقيمة 53 مليار دولار مع شركتي الطاقة "إكسون موبيل" الأمريكية و "بتروتشاينا" الصينية، حسب تصريح رئيس الوزراء العراقي. وهذه دلالات واضحة على نية الولايات المتحدة وعزمها أن تضع العراق بعيداً عن النفوذ السياسي والاقتصادي الإيراني. فضلاً عن ذلك، فأن هذه الزيارة تأتي ضمن إطار تعزيز موقف البيت الأبيض من طهران، ونتيجة لذلك، سيكون العراق امام مفارقتين: الأولى مع واشنطن والثانية مع طهران، ففي الوقت الذي تريد فيه إيران من العراق بان يكون المتنفس الرئيس لها ضد العقوبات الأمريكية، تريد واشنطن منه بان يكون رأس الحربة في فرض الحصار على إيران. وهنا سيقع صانع القرار العراقي في حرج كبير، لاسيما مع القاعدة الكبيرة التي تمتلكها طهران في العراق على الصعيدين (السياسي والعسكري). وعليه سيكون العراق بحاجة إلى رؤية حكومية وطنية موحدة اتجاه ما يحدث في المنطقة، وأن لا يكون إيرانياً أو أمريكياً بقدر ما يكون بحاجة إلى رؤية براغماتية يستطيع من خلالها أن ينأى بنفسه عن الصراع الأمريكي – الإيراني لتحقيق توازن سياسي بين المواقف المتخاصمة؛ لأن وقوفه بجانب أحد الطرفين سيضعه إمام ازمات حقيقية وكبيرة، لاسيما وأن العراق بحاجة ماسة إلى الحليف الأمريكي على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري. فالولايات المتحدة الأمريكية "حسب بعض التقارير" لديها خطة بقاء في العراق لمدة 20عام، وهنا ليس المقصود من البقاء هو الاحتلال، وإنما ربما يكون لمراقبة نشاط إيران وحلفائها في العراق من جهة، ومن جهة أخرى ستحاول تعزيز تثبيت الاستقرار في العراق والعمل مع السكان المحليين، لاسيما في المناطق التي احتلها تنظيم "داعش"، وإعادة اعمار مدنها المدمرة على غرار ما حدث مع اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا بعد الحرب؛ لأن الأمريكان يتحملون المسؤولية التاريخية الأكبر في ما آلت لها الأمور في العراق بعد عام 2003، وأن تجربة السنوات الماضية اثبتت لهم، بأن العراق الضعيف لا يمكن أن يخدم مصالحهم سواء في الداخل العراقي أو على المستوى الإقليمي، وأن العراق القوي البعيد عن التأثيرات الإقليمية سيكون محور الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. وهذا ما لا ترغب به بعض الدول الإقليمية والأنظمة السياسية في المنطقة؛ لكونه يتعارض مع نشاطها الإقليمي وتطلعاتها السياسية المستقبلية.
هناك بعض المؤشرات التي ترى بأن السيد عبد المهدي يحاول أن ينأى بنفسه عن هذا الصراع على الرغم من ميوله الإيرانية، لكن كيف ينأى؟ وهذا هو السؤال المهم، قد ينأى بحكومته باللجوء إلى أوروبا أو إلى روسيا، وهنا ربما تكون المخاطر كبيرة، قد يترتب علها نتائج لا تقل خطورة عن تلك النتائج التي تترتب على حكومته في حال وقوفها ضد الولايات المتحدة الأمريكية. مع ذلك، يبقى السؤال الأهم مطروحاً امام صانع القرار، كيف ستتعاطى الحكومة العراقية مع هذه الأزمة؟