هناك ثلاثة انظمة اقتصادية شائعة يتم تطبيقها لادارة الاقتصاد وهي النظام الرأسمالي القائم على مبادئ السوق والنظام الاشتراكي القائم على الدولة والنظام المختلط الذي يجمع ما بين النظامين الرأسمالي والاشتركي والنظام الرابع غير الشائع وهو النظام الاسلامي الذي يستمد مبادئه من الدين الاسلامي فيما يخص الاقتصاد.
دور الدولة في أي اقتصاد يكون مرهون للنظام الذي تتبناه الدولة لتسيير اقتصادها، فعندما يكون النظام الذي تتبناه هو النظام الرأسمالي فإنها ستبتعد عن الاقتصاد، وعندما تتبنى النظام الاشتراكي فتحضر بكل قوة في الاقتصاد، وعندما تتبنى النظام المختلط سنجد الدولة والسوق يعملاً معاً، لكن في ظل النظام الاسلامي يكون دورها الادارة والإشراف ، والتدخل لتطبيق مبادئ الاسلام الاقتصادية فتحول -مثلاً- دون تعامل الناس بالربا أو السيطرة على الارض بدون إحياء فضلاً عن ملئ منطقة الفراغ لضمان عدم بقاء الاقتصاد متخلفاً .
تبعية التدخل للنظام القائم
وتجدر الإشارة إلى ان تدخل الدولة في الاقتصاد له علاقة وثيقة بالنظام السياسي الذي تتبناه الدولة فعندما تتبنى النظام الشمولي سيكون دور الدولة في الاقتصاد كبير جداً إذ إن من اساسيات النظام الشمولي هو “الإدارة المركزية للاقتصاد “ ، وعدم السماح للافراد بممارسة الانشطة الاقتصادية بشكل مستقل عن الدولة. في حين ان تبني النظام الديمقراطي القائم على حكم الشعب بالشعب وللشعب؛ يجعل الدولة أقل تدخل في الاقتصاد وذلك لان احد المبادئ المهمة التي يعتمدها النظام الديمقراطي هو “احترام الحريات - من بينها الحريات الاقتصادية – وحمايتها من الاستبداد” وهذا ما يعني فسح المجال امام الافراد بشكل واسع في ممارسة الأنشطة الاقتصادية دون قيد أو شرط، وهذا ما يقلل من تدخلها.
ففي ظل النظام الرأسمالي والديمقراطي يكون دور الدولة محدود جداً في الاقتصاد ويكون القطاع الخاص هو سيد الموقف، كون النظام الاقتصادي الرأسمالي والنظام السياسي الديمقراطي متقاربان بل ينبعان من نفس المبادئ وخصوصاً مبدأ " احترام الحريات " وضرورة مشاركة الأفراد سياسياً واقتصادياً لكن دورها يكون متضخم في ظل شيوع النظام الاقتصادي الاشتراكي والنظام السياسي الشمولي لأنهما أيضاً ينبعان من نفس المبادئ ايضاً، أي إن الدولة ومن يتسلط عليها-الحزب الواحد- هي من تقوم بإدارة البلد سياساً واقتصادياً ولاحاجه للمشاركة السياسية وتعددية الاحزاب ولاحاجة للقطاع الخاص في ممارسة الأنشطة الاقتصادية مادامت الدولة هي من تقوم بكل ذلك!
التدخل لايمكن الاستغناء عنه
تدخل الدولة في الاقتصاد لا يمكن الاستغناء عنه، لانه في ظل غيابها ستحصل الفوضى والأزمات الاقتصادية التي أثبتتها التجارب، وهذا ما لايقبله منطق، وعليه لابد من وجود تدخل للدولة بشرط أن يكون هذا التدخل مبني على أسس علمية، ونحاول في هذا المقال تحديد أهم هذه الاسس أدناه: نعم، تدخل الدولة لا يمكن الاستغناء عنه ولابد ان يكون مبني على أسس علمية وذلك لتجنب الفوضى والازمات وضمان استمرار النظام الاقتصادي بشكل سليم من خلال معرفة هذه الاسس فيما يلي:
- حجم التدخل، أي هل إن حجم تدخل الدولة يكون كبيراً أم محدوداً؟ الجواب على هذا السؤال يكون مرهون بمدى تطور الاقتصاد أي كلما كان الاقتصاد متطوراً لابد ان يكون هذا التدخل محدود والعكس صحيح. وبشكل عام هناك ثلاث حجوم وهي حجم التدخل الكبير أي لابد ان تحضر الدولة بكل قوتها في الاقتصاد عندما يكون هذا الاخير في بداية انطلاقه لإنه منهك ولايستطيع الوقوف على قدميه، وحجم التدخل المتوسط فبعد إن وضعت الدولة القواعد الأساسية لانطلاق الاقتصاد وأصبح قادراً على الوقوف على قدميه لكن ليس بشكل مستقل أي عندما تتركه الدولة سينهار ويسقط أرضاً، فلا بد أن لا ترفع الدولة يدها من الاقتصاد بشكل مفاجئ ونهائي لان الاقتصاد سينهار بسرعة، وبنفس الوقت ينبغي تخفف من تدخلها في الاقتصاد بشكل تدريجي وبطيء، والحجم الثالث وهو التدخل المحدود كون الاقتصاد قد استعاد قواه ولديه القدرة على إدارة نفسه بنفسه والسير بما يراه مناسباً ولايحتاج إلى مُعيل من الدولة إلا بمقدار محدود.
- حدود التدخل، اي ما هي الحدود المسموح بها أن تتدخل الدولة في الاقتصاد؟ من الممكن أن تتدخل الدولة في الاقتصاد إلى الحد الذي يفضي إلى غياب عامل "المنافسة". وبعبارة أخرى عندما تغيب المنافسة بفعل تدخل الدولة لابد أن تتوقف هذه الاخيرة عن التدخل حتى يتم ضمان استمرار سير النظام الاقتصادي إذ إن استمرار التدخل دون مراعاة المنافسة سيشوه آليه سير النظام الاقتصادي. كما لابد أن تتدخل الدولة إلى الحد الذي ينهي إحتكار القطاع الخاص لان هذا الاحتكار سيشوه آلية سير النظام الاقتصادي ايضاً ويفضي إلى ما يعرف بـ"اخفاق السوق" في حال لم تتدخل الدولة لإنهاءه. إن إنهاء احتكار القطاع الخاص يتم من خلال تدخل الدولة لتطوير المنتجين الصغار دون المساهمة في العملية الانتاجية بشكل مباشر. ويمكن القول إن حدود التدخل ينبغي ان تكون مقصورة على مناطق الأخفاق وليس الاقتصاد برمته لانه في حال إطلاق حدود التدخل سيؤدي إلى تعميم الاخفاق في اقتصاد، وعليه لابد أن تلتزم الدولة بحدود التدخل طبقاً للمطلوب وليس لما ترغب.
وعلى افتراض إن القطاع الخاص لم يسهم في إشباع الطلب المحلي عندما تتوفر له الظروف المناسبة في هذه الحالة يصبح من الضروري اللجوء للعالم الخارجي لإشباع هذا الطلب.وبما إن اللجوء للعالم الخارجي له آثار سلبية على الاقتصاد الوطني بشكل عام، فيكون من الأفضل أن تتدخل الدولة لاشباع الطلب المحلي لتلافي الآثار السلبية التي يتركها الاستيراد على الاقتصاد الوطني، وبشرط أن يكون هذا التدخل "مكمل" لنشاط القطاع الخاص وليس على حسابه وبما يؤدي إلى إشباع الطلب.
- آجال التدخل، بالتأكيد إن آجال تدخل الدولة لايمكن ان تكون فوضوية وغير محددة، اي ينبغي ان تكون مُنظمة ومحددة وهي في الدرجة الأولى تكون مرهونه بمدى حاجة الاقتصاد للتدخل، وبشكل عام يمكن إيجازها بالآتي وهي قصيرة ومتوسطة وطويلة، قصيرة عندما تحتاج للدخول كوسيط بين القطاع الخاص والمؤسسات التمويلية، وتكون متوسطة عندما تقوم بتهئة البنى التحتية لانطلاق القطاع الخاص فيما بعد بقيادة الاقتصاد، وطويلة عندما تهتم في صناعة الاسلحة وادارة الثروة النفطية وفقاً للمصلحة العامة وبما يحقق العدالة الاجتماعية.
- مراحل التدخل، وينبغي بشكل عام أن يكون تدخلها مرحلي ووفق سلم نزولي خصوصاً بالنسبة للاقتصادات الضعيفة، لان هذه الاقتصادات في بداية الامر لاتمتلك قطاع خاص قوي قادر على الأخذ بزمام الاقتصاد، فلابد من تدخل الدولة وأن يكون وفقاً لمراحل مختلفة ذات سلم نزولي وبحجوم مختلفة - كالتالي ذكرت آنفاً - أي من تدخل كبير في المرحلة الأولى إلى تدخل متوسط في المرحلة الثانية وإلى تدخل محدود جداً في المرحلة الثالثة كون الاقتصاد قد اكتمل بنيانه.
وتجدر الإشارة إلى عدم وجود تناقض بين آجال التدخل ومراحله وحجومه، إذ ربما يسأل سائل: إن التدخل قصير الأجل يقتصر على الوساطة بين القطاع الخاص والمؤسسات المالية في حين إن مرحلة التدخل الأولى هي كبيرة الحجم وهذا ما يتطلب تدخل من قبل الدولة طويل الأجل؟ إن لكل اقتصاد ظروفه الخاصة فالاقتصاد المتقدم-مثلاً-لايحتاج إلى تدخل كبير الحجم ولمدة طويلة فهو إلى تدخل قصير الأجل فقط للوساطة هذا من جانب ومن جانب آخر نفس هذا الاقتصاد يحتاج لتدخل طويل الاجل بل ومستمر ولكن ليس كبير الحجم كأن تحتكر صناعة الاسلحة لان السماح للقطاع الخاص بصناعة الاسلحة سيؤدي إلى دمار العالم.
- مجالات التدخل، عندما يكون الاقتصاد غير متطور وبحاجة لتدخل الدولة لابد ان يكون هذا التدخل مدروس ومعقول وغير عشوائي، اي لابد من تحديد المجالات التي ينبغي على الدولة أن تتدخل فيها للمساهمة في تطوير الاقتصاد، وأهم المجالات هي تلك المجالات التي لايقدم القطاع الخاص على ممارسة نشاطه فيها سواء لعدم ربحيتها أو لمحدوديته أو لأهميتها الاستراتيجية،. ومن أبرز تلك المجالات هي البنى التحتية وصناعة الاسلحة والثروة النفطية كونها ثروة تشمل الجميع. ومع هذا التحديد للمجالات التي ينبغي على الدولة أن تمارس نشاطها فيها لابد أن يكون للدولة شفافية ونزاهة بخصوص الانشطة
الاقتصادية ومواردها لان الدولة ما هي إلا وكيل عن الشعب لادارة امواله بالصورة المثلى.
وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة ما بين النظامين السياسي والاقتصادي -التي تمت الإشارة إليها آنفاً-إلا إنه من الضروري معرفة الحدود الفاصلة بين النظام السياسي والاقتصادي ومعرفة كل نظام ما له وما عليه كي يتحمل كل نظام مسؤوليته الكاملة دون ركلها على الآخر من جانب، وحتى لا تستطيع الدولة وعبر النظام السياسي من التحكم بالنظام الاقتصادي وفقاً لاهوائها ورغباتها وسعيها لاحكام المجتمع عن طريق التحكم بالاقتصاد.
الخلاصة
تدخل الدولة يكون مرهون بالاقتصاد حجماً وحدوداً وآجالاً ومراحلاً ومجالات، فعندما يكون الاقتصاد متطوراً فحجم التدخل يكون محدودا وحدوده مرهونة بالمنافسة والاحتكار والحاجة وآجاله لها علاقة بحجم التدخل بشكل عام وفي نفس الوقت هناك تدخل ومستمر ومجالاته تقتصر على المجالات التي لا يقدم القطاع الخاص عليها أو حتى في المجالات التي يقدم عليها لكن لا يستطيع تلبية الطلب المحلي فتضطر الدولة الى التدخل لاشباع هذا وبشكل متكامل مع القطاع الخاص وليس على حسابه.
المصادر التي تم الاعتماد عليها
1 - محمد الحسيني الشيرازي، الاقتصاد بين المشاكل والحلول، ص106.
2 - محمد باقر الصدر، اقتصادنا، ص685.
3 - جدي أحسن وتوردت عبد الكريم، انواع الأنظمة السياسية، بحث منشور متاح على الرابط ادناه: https://saimouka.wordpress.com