في ظل المتغيرات والتطورات السياسية الحاصلة في البيئتين الدولية والإقليمية، ومع تصاعد الصراع السياسي والإعلامي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، تُطرح هناك بعض التساؤلات فيما يخص حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فالبعض يتساءل عن علاقة الحليف الشيعي مع الولايات المتحدة بعد مجيء ترامب، بمعنى أن الشيعة، وبالتحديد شيعة العراق سيكونوا الخاسر الأكبر والمتضرر الكبير جراء سياسات ترامب اتجاه المنطقة؟
هناك نظريتان يمكن الاستناد إليهما للتأكد من صحة فرضية المقال: نظرية دونالد ترامب المؤيدة لعراق موحد، ونظريته المؤيدة لتأسيس قواعد أمريكية ثابتة في العراق وبالتحديد في المحافظات السنية وإقليم كردستان. فالأولى تؤكد على الممانعة الأمريكية من فرضية التقسيم؛ وذلك بسبب الخشية الأمريكية من وقوع الإقليم الشيعي بيد إيران "الحليف الاستراتيجي والمرجع الروحي والأيديولوجي لأغلب الفصائل الشيعية المسلحة" في حالة اعتمد التقسيم الثلاثي الطائفي لمشروع الإقلمة في العراق، والثانية تؤكد على الثقة الأمريكية في الحليف الكردي ‘‘الموثوق فيه‘‘ بعد العام 2003، والقبول السني العراقي المدعوم إقليمياً بالتواجد الأمريكي في العراق بشكل دائم، وارجاع ثقة السنة بالأمريكان، لاسيما بعد العام 2011، التي عززت فيما بعد بتداعيات 10 حزيران/ يونيو 2014 واجتياح تنظيم "داعش" للمحافظات السنية. وهاتين النظريتين لهما ما يفسرهما على أرض الواقع، لاسيما مع مجريات العملية السياسية العقيمة والفشل السياسي المتكرر.
وعلى ما يبدو بإن التغيرات المتسارعة في الساحة الدولية، والتطورات السياسية الحاصلة على الصعيد العالمي والإقليمي لا يدركها الشيعة العراقيين أو صانع القرار الشيعي بشكل يتناغم مع مصالحهم السياسية والاستراتيجية بعيداً عن سياسة المحاور، وقد يتعاملوا معها بسطحية وسذاجة بعيداً عن لغة الإدراك الاستراتيجي، أو يدركها، لكن ليس له المقدرة على الخروج من سياسة المحاور والإرادة الإقليمية المؤدلجة. فالرئيس الأمريكي الجديد عازم على قص اجنحة إيران وتحجيم دورها الإقليمي، وأن برنامجه الانتخابي انتقل من التشديد ومعاقبة حلفاء أميركا التقليديين، ولاسيما المملكة العربية السعودية إلى المواجهة العلنية ضد النفوذ الإيراني ودوره في المنطقة وتطلعات طهران النووية والاستراتيجية. هذا الانتقال يدلل أو يؤشر على التعامل الذكي والقراءة الاستراتيجية والادراك العالي لصانع القرار السعودي أو الخليجي بشكل عام لمشروع ترامب في المنطقة على العكس من قراءة صانع القرار الإيراني وحلفاءه، ومن شأن هذا التحول في مشروع الرئيس الأمريكي اتجاه إيران والمنطقة قد يضع شيعة العراق "النخبة السياسية الشيعية العراقية" على المحك، أن لم تبادر إلى قراءة وتعامل واقعي مع مشروع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" للعراق وللمنطقة بشكل عام. فالرئيس الأمريكي أعلن عن مشروعه السياسي والاقتصادي في اعمار العراق باعتماد سياسة النفط مقابل الاعمار؛ وهذا من شأنه أن يثير حفيظة النخبة السياسية العراقية، لاسيما الشيعية التي رأت فيه بأنه احتلال من نوع أخر، فضلاً عن موقف الفصائل الشيعية المسلحة من هذا المشروع أو من التواجد الأمريكي بشكل عام. ويبدو بأن هدف الرئيس الأمريكي أعادة العراق إلى حاضنته العربية، وقد تكون زيارة وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير إلى بغداد بطلب أمريكي ودليل على نوايا ترامب الخارجية اتجاه العراق والمنطقة.
إن اغلب النخبة السياسية الشيعية الموجودة في السلطة ممسوكة من الخلف وحركتها غير إرادية في تطلعاتها السياسية "الداخلية والخارجية" وهي محكومة بأيديولوجيات محددة وغير قادرة على التعاطي ومجاراة الاهداف الأمريكية بمصلحة وطنية براغماتية، بعيداً عن التأثير الإيراني، وطمأنة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها. بموازاة ذلك، يبدو بأن السنة أصبحوا مرحبين بالتواجد الأمريكي في العراق ومتناغمين مع اهدافه السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومقتنعين بشكل تام بالدور الأمريكي في المنطقة للحفاظ على مصالحهم السياسية والاقتصادية، وطموحين في كسب الثقة الأمريكية من أجل المكاسب السلطوية المفقودة بعد عام 2003 وجاهزون لتلبية الاهداف الأمريكية في العراق والمنطقة، سواء كانت اهداف تتعلق بإنشاء قواعد عسكرية أو استثمارات اقتصادية ضخمة وطويلة الأمد أو تعويضها "أميركا" عن خسائر الحرب.
إذا، المنطقة قد تكون مقبلة على تحولات ومتغيرات سياسية، لاسيما في العراق. فإيران ربما تتخلى عن مشاكلها الإقليمية وتطلعاتها السياسية، وتبادر إلى التقارب الخليجي، وقد تكون زيارة روحاني إلى الكويت، وتشكيله لوفد إيراني للتحاور مع الجانب السعودية من أجل حل المشاكل العالقة بخصوص "الحج"، بداية لهذا التقارب. ونتيجة لذلك قد تجعل طهران من العراق محطة اساسية في تقويض مصالح الولايات المتحدة، سواء من خلال الضغط السياسي أو العسكري، لاسيما في ظل الادوات السياسية والعسكرية التي تملكها طهران في العراق. وبالتالي ستزيد من سعة الفجوة بين امريكا وشيعة العراق. وعليه، لابد للنخبة السياسية الشيعية أن تدرك حجم التداعيات السياسية المستقبلية التي تترتب على التفريط بحلف استراتيجي كالولايات المتحدة الأمريكية التي أطاحت بنظام صدام حسين؛ لأن عدم الادراك وتجاهل الشيعة لصداقة الولايات المتحدة قد تطيح بتطلعاتهم المستقبلية سواء في إدارة الدولة وبناءها أو في الحفاظ على وحدة العراق بعيداً عن التقسيم الطائفي. وهذا يفرض عليها "النخبة السياسية الشيعية" تنازلات وتعامل براغماتي وقراءة واقعية لمصالحها السياسية والاستراتيجية في قيادة الدولة العراقية في تحقيق تطلعاتها المستقبلية والتاريخية.