تتدخل معظم الجامعات في العالم سواء في الدول المتقدمة او في الدول غير المتقدمة، بالعمل السياسي، حتى لو رفعت شعارات تدعي فيها انها فوق الميول والاتجاهات او انها متجردة وعلمية وبحثية. والاسباب من وراء ذلك كثيرة، لعل من اهمها: انها، اي الجامعات، ابنة البيئة المحيطة، فضلا عن كونها تضم بين طياتها النخب الشبابية المتعلمة والمثقفة التي تتأثر بالأحداث أكثر من غيرها من فئات المجتمع الاخرى.
وبقدر تعلق الامر بالعراق، فأن الجامعات فيه لا تشذ عن اخواتها في الدول الاخرى، فهي ايضا تتأثر وتؤثر بالبيئة المحيطة ومنها البيئة السياسية، سواء في المراحل التي سبقت عام 2003، او في الفترة التي تلت هذا العام، ولا تختلف الاحتجاجات التي قام بها طلبة جامعة واسط التي زارها السيد حيدر العبادي اليوم، فقد ندد الطلبة الغاضبون بالأداء الحكومي بشكل عام، وعبروا عن رغبتهم بإصلاح الاحوال وانقاذ البلاد من مستقبل بات يؤرق بال الكثير منهم.
الا ان هناك تساؤلات كثيرة تثار حول ما حدث اليوم، ومن اهمها: هل خرج الطلبة تنديدا بشخص السيد رئيس الوزراء؟ ام ضد الحكومة التي يرأسها؟ ام انهم قصدوا السلطة التشريعية التي خرجت الحكومة من رحمها؟
ربما ان الاجابة الاسهل على مثل هذه التساؤلات هي ان الاحتجاجات كانت ضد الجميع، وهو حق مشروع كفله الدستور ويقبله جميع الساسة العراقيين دون استثناء ومنهم العبادي نفسه، ولكن هل هناك مصلحة للعراق بالخلط بين الصالح والطالح؟ بين الامين والسارق؟ بين الذي ادى واجبه الوطني وبين الذي قصر فيه؟
واذا افترضنا ان الاجابة عن الاسئلة اعلاه بالنفي، اي لابد من التفريق بين السياسي الفاشل والناجح، اما كان من الافضل ان تشخص الاخطاء وان لا يكون هناك خلط وتعميم بالاتهام والانتقاد الجارح وغير البناء، خاصة وان العبادي وبشهادة اغلب الجهات العراقية والاقليمية والدولية، رجل كان اداءه في الفترة الماضية مقبولا مقارنة بغيره، فهناك حكمة واضحة وملموسة في ادارة الملفات الحساسة مثل الامن والاقتصاد والهوية الوطنية، وايضا هناك سعي محموم اقليمي ودولي تقوم به حكومته وبإشرافه الشخصي، لجعل الخارج اكثر ايجابية تجاه العراق مما هو عليه الان. وبالتالي كان من المنتظر ان يُشكر العبادي على بعض الايجابيات التي قام بها تشجيعا له من جهة، واشعارا للساسة الاخرين من ان الشعب بنخبه المتعلمة والمثقفة يميز بين السياسي الذي خدم الوطن والذي أضر به، لا ان يرمى بالحجارة!
على كل حال، مهما كانت النوايا التي اراد الطلبة في جامعة واسط التعبير عنها عبر احتجاجاتهم، فهي امر اعتيادي في بلد يضمن حرية الاحتجاج السلمي والتظاهر، ولكن ينبغي على الدولة ان تناقش البعض من الاسئلة الحساسة التي ستكون الاجابة عنها هي اليات تزيد من كفاءة الجامعات العراقية وتقوي من علاقتها بصانع القرار السياسي، ومنها الاتي:
1 – ماذا قدمت الجامعات العراقية للبلد؟ هل ساهمت في حل مشكلة وطنية؟ هل زادت من الصناعة والزراعة؟ ام انها تزيد من عدد العاطلين عن العمل فقط؟
2 – هل ان المناهج التي ينهل منها طلبة العلم، تناسب اوضاع العراق؟ اما انها قديمة ومستهلكة ولابد من مناهج تكون أكثر واقعية وقربا من ظروف العراق المرحلية؟
3 – هل تستمع الدولة لصوت الطلبة؟ هل تقرأ بحوثهم؟ ام انهم في وادي والدولة وسياساتها في وادي اخر؟
اخيرا، ربما ان الفائدة الوحيدة التي سيجنيها العراق مما فعله الطلبة اليوم، هو تذكير الحكومة العراقية بالأمانات والاحمال الثقيلة الملقاة على عاتقها، علها تحسن من ادائها السياسي في الفترة المقبلة.