على الرغم من التشاؤم الذي هز العلاقات الروسية التركية بعد اغتيال السفير الروسي لدى تركيا مساء يوم الاثنين 19/12، إلا أن اجتماع وزراء خارجية البلدين "لافروف وجاويش أوغلو" بالإضافة إلى وزير خارجية إيران "محمد جواد ظريف" يوم الثلاثاء 20/12 فند كل الأقاويل المتشائمة. ويعد هذا الاجتماع خطوة تمهيدية قبل الاجتماع الرئاسي المعلن في 27من الشهر الحاليّ بين الدول الثلاثة (روسيا، إيران، تركيا) بشأن سوريا. وجاء هذا الاجتماع للتقريب بين وجهات النظر لحل الأزمة السورية، لاسيما بعد الفشل المتكرر للجهود الدولية والأممية في جنيف، وعلى الرغم من أن هذا الاجتماع لم يخرج بشيء مختلف عن الاجتماعات السابقة وركز على تفاهم حول خريطة طريق لحل الأزمة السورية، بوثيقة مكتوبة يوقعها وزراء خارجية ودفاع البلدان الثلاثة، تحت عنوان "إعلان موسكو". إلا أن التقارب الثلاثي بين روسيا وتركيا وبين تركيا وإيران قد يثمر بنتائج إيجابية مستقبلا بشأن الازمة السورية، لاسيما وأن الدول الثلاثة تعد من أبرز اللاعبين الدوليين على الساحة السورية، وربما تبقى نقطة الخلاف حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد من قبل الجانب التركي، إلا أن كلام وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" في المؤتمر الصحفي المشترك أكد على أن البلدان الثلاثة متفقة على أن الأولوية في سوريا هي "مكافحة الإرهاب" وليس إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأن البلدان الثلاثة مستعدة للمساعدة في التوصل لاتفاق بين الحكومة السورية والمعارضة. وأن تطابق تصريحات الرؤساء (بوتين واردوغان) بشأن مقتل السفير الروسي يعكس مدى التوافق السياسي والتطبيع الدبلوماسي بين روسيا وتركيا. إذ اعتبر الرئيسان أن مقتل السفير الروسي في أنقرة استفزاز يهدف لإجهاض عملية تطبيع العلاقات الروسية التركية والتي ساهم السفير الروسي المغتال فيها بطبيعة الحال، فضلاً عن تقويض التسوية السورية؛ لاسيما وأن التقارب الروسي التركي ظهرت بوادره في حلب وعملية درع الفرات.
وعلى الرغم من تباين المواقف السياسية بين الدول الثلاثة بشأن الأزمة السورية، إذ تدعم روسيا وإيران النظام السوري على كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية بينما تقف تركيا على النقيض، وما زالت تطالب أنقرة بإسقاط بشار الأسد وأنه المسؤول عن كل ما يحدث وتطالب بترك منصبه للبدء بعملية انتقال سياسي في البلاد، إلا أن جلوس الأتراك على طاولة المفاوضات مع الروس والإيرانيين فضلاَ عن التقارب السياسي والدبلوماسي بينهما، وتذبذب العلاقة بين أنقرة من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، قد يغير القناعة التركية بشأن بعض مواقفها السياسية من الأزمة السورية، لاسيما مع التقارب التركي الروسي بشأن مدينة حلب. وقد لا تفصح تركيا عن مواقفها المستجدة بشأن الأزمة السورية وقوات المعارضة التي تدعمها أنقرة بشكل سريع ومفاجئ عقب الاجتماع الثلاثي وربما قد يكون الافصاح بالتدريج؛ بسبب مخاوفها من تحول الرأي العام الداخلي والخارجي. وربما توافق أنقرة فيما بعد على انتقال سياسي سوري يدخل بشار الاسد كجزء من عملية الانتقال، بغض النظر عن الآليات والاتفاقات السياسية بين الاطراف المعنية، على الرغم من تحفظ الجانب التركي على مصير الرئيس بشار الأسد في هذا الاجتماع. وبحسب المصادر هناك اتفاق بين الأطراف المجتمعة حول وحدة سوريا، وهو امر مهم بالنسبة للطرفين التركي والإيراني؛ خوفاً من انفصال كردي في المستقبل، وكذلك هناك اتفاق على محاربة الإرهاب العابر للحدود وعلى وجه التحديد محاربة تنظيم "داعش"، فضلاً عن المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة بين تركيا وإيران، وربما قد يسهم التقارب السياسي بين الطرفين بشأن سوريا في تخفيف حدة الصراع الطائفي في المنطقة. ولهذا ربما تخضع تركيا للرغبات الروسية والإيرانية الهادفة إلى ابقاء الأسد ضمن عملية الانتقال السياسي إذا ما وضعت التحديات الاخرى أمامها مثل تقسيم سوريا واقامة الدولة الكردية -كما تريد أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد يكون موضوع ضبط المليشيات التي تقاتل مع الجيش السوري من قبل الطرف الإيراني مقابل ضبط الحدود التركية ومنع تسلل الإرهابين وتوقف تركيا عن تسليح المعارضة السورية، لكن ما يثير المخاوف الروسية والإيرانية من المواقف التركية، هو التغير المفاجئ في السياسة الخارجية التركية؛ لكون هذا التغيير -كما يعده البعض-بأنه ردة فعل من قبل الجانب التركي على الاستفزازات الأوروبية-الأمريكية وليس تغيرات أو تطورات واقعية استراتيجية في السياسة الخارجية التركية.
ولهذا من الممكن أن يؤجل النقاش على مستقبل بشار الأسد بشكل مبدئي من خلال هذا التقارب الثلاثي -وهو ما يبدو كذلك-وكما قال وزير الخارجية الروسي بأن "الأولوية في هذا الاجتماع بين الدول الثلاثة في سوريا هي لمكافحة الإرهاب لا إسقاط حكومة النظام السوري برئاسة بشار الأسد". وهو ذات الموضوع الذي ابدى به الجانب التركي بعض المرونة والقبول ببشار الأسد في المرحلة الانتقالية في مراحل سابقة، وربما تبدي تركيا مرونة أكثر بمرور الوقت، لاسيما مع تصاعد الضغوط الروسية عليها بخصوص مقتل سفيرها – الذي ومن الممكن أن تستخدمها موسكو كورقة ضغط على أنقرة؛ وذلك من أجل إخضاعها للرغبة الروسية الإيرانية المشتركة بخصوص مصير الأسد. وهذا ما اعلنت عنه الخارجية الروسية اليوم على لسان نائب وزير خارجيتها "سيرغي ريابكوف" بأن المباحثات الروسية التركية الإيرانية لا تتضمن أي جدول سري وأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد غير مطروح في هذه المباحثات الثلاثية.