كشف وزير الدفاع العراقي "خالد العبيدي" يوم الاثنين خلال عملية الاستجواب التي جرت في مجلس النواب العراقي الموافق 1/آب/ أغسطس 2016, عن ملفات فساد كبيرة وخطيرة أحدثت ضجة على المستويين الرسمي والشعبي. وربما قد تستمر تداعيات تلك الملفات التي كشفها الوزير في الأيام القادمة بشكل أكبر, على الرغم من افتقاده - لحد الآن - إلى الأدلة الثبوتية التي تثبت تورط الأسماء التي ورد ذكرها أثناء عملية الاستجواب، إلا أن هذا الاتهام المباشر, لربما قد يطيح بمستقبلهم السياسي, ولاسيما بعد أن ضرب رموز التحالف السني بكشفه لتلك الملفات الخطيرة, وفقدان المواطن السني ثقته في القادة السياسيين، سواء في الحكومة أم في السلطة التشريعية. وقد تكون تلك الضجة الإعلامية والسياسية والدعم الشعبي الكبير الذي حصل عليه وزير الدفاع هو نتيجة الانقلاب السياسي لوزير الدفاع على الكتلة التي أتت به إلى الوزارة. ولربما تكون الضجة السياسية مفتعله سياسياً من قبل بعض الأطراف السياسية, ولاسيما من قبل أطراف التحالف الوطني؛ وذلك لغرض إشغال الشارع العراقي عن موضوع الإصلاح السياسي وإبعاد البيت الشيعي عن الخلافات والانقسامات السياسية التي ضربته مؤخراً نتيجة التظاهرات الشعبية والإصرار على موضوع الإصلاح.
ملفات الفساد التي كشفها وزير الدفاع لم تعد تخفى عن الجميع، فهي ملفات تتعلق بصفقات أسلحة ومعدات عسكرية وأرزاق الجيش, واستحواذ على عقارات الدولة، وتدخل في عمل المؤسسة العسكرية، وبيع الرتب والذمم العسكرية، والمساومات على إلغاء الاستجوابات البرلمانية مقابل الصفقات المالية الضخمة وغيرها من الملفات الخطيرة، وقد طالت التهم رئيس أعلى سلطة تشريعية في البلد السيد "سليم الجبوري" وكذلك بعض النواب في مجلس النواب العراقي ورئيس كتلة الحل "محمد الكربولي" والنائب "طالب المعماري" والنائب السابق "حيدر الملا" فضلاً عن الاتهام المباشر للنائبة "عالية نصيف" لتدخلها في عمل الوزارة (وزارة الدفاع) واستحواذها على عقارات تابعة للدولة, كذلك الاتهام غير المباشر للنائبة "حنان الفتلاوي".
اتهامات وزير الدفاع لاقت صدى واسعا من قبل أطراف التحالف الوطني, ولاسيما وأنها أحدثت طفرة نوعية في العرف السياسي العراقي وفي سياقات العمل السياسي والاستجوابات البرلمانية, على الرغم من أن استجواب وزير الدفاع "خالد العبيدي" تكرر للمرة الثانية بعد استجوابه في العام الماضي من قبل النائبة "حنان الفتلاوي". هذه الطفرة تمثلت بانقلاب الوزير على الكتلة السياسية التي أتت به ورشحته كوزير, وانقلابه على أعراف العملية السياسية العراقية برمتها, وعلى ما يسمى بـ "الديكتاتورية الجديدة". وهذا العمل غير مسبوق، وربما قد يحدث طفرات نوعية في الاستجوابات البرلمانية المقبلة, بغض النظر عن النتائج "سلبية كانت أم إيجابية". وبهذا، فإن الوزير لم يكشف عن ملفات الفساد فقط, وإنما كشف عن المشكلة الحقيقية في عملية بناء الدولة العراقية منذ العام 2003, المشكلة التي أرهقت الدولة وزادت من أزماتها (المالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية)، وزادت من قوة ونفوذ الأحزاب والقوى السياسية العراقية. إن العرف السياسي المتعارف عليه للكتل السياسية العراقية بعد العام 2003, يكمن بأن مرشح الكتلة السياسية لتولي الوزارة لابد أن يكون دمية سياسية بيد الكتلة بعد توليه الوزارة, ولابد أن يخضع لكل ما تريده الكتلة من طلبات واتفاقات, وأن يكون متجاوبا مع كل ما تريده كتلته السياسة, وأن يخضع بشكل تام لرغابتها ومصالحها السياسية, بغض النظر عن القانون والدستور والقضاء والتعليمات الوزارية، وأن تتصرف الكتلة كيف ما تشاء بعمل الوزارة, وذلك كنوع من ردّ الجميل للكتلة على ترشيحها الوزير المعني ودفاعاها عنه خلال عملية الاستجواب أو منعه من أي استجواب آخر. ولهذا نرى بأن الوزراء الذين استجوبوا معدودون. وحتى الذين استجوبوا، فلربما كانت استجواباتهم باتفاقات سياسية وكتلوية، أو بدوافع طائفية وخلافات شخصية، وهذا يعكس الفشل الحقيقي للسلطة التشريعية, ويؤشر على الفشل العام في كل وزارات الدولة, ولاسيما في الوزارات المهمة مثل الوزارات الأمنية "الداخلية والدفاع" ووزارة الخارجية وغيرهما من الوزرات الخدمية, والتي بلغ فيها حجم الفساد إلى أعلى مستوياته.
كذلك، إن عملية الاستجواب وما رافقتها من أحداث وكشف لملفات فساد تؤشر على مشكلة حقيقية وخلل حقيقي في بنية الدولة العراقية, وخطأ تراكمي في بناء العملية السياسية برمتها. وإن فرض الكابينة الوزارية على رئيس الوزراء هو أحد المؤشرات السلبية التي أدت إلى فساد الوزارات والحكومات السابقة؛ لكونها "الوزارة" تصبح عبارة عن مؤسسة حزبية للحزب المعني أو للكتلة التي ينتمي إليها الوزير. وهذا نتاج طبيعي لسياسة المحاصصة الطائفية والحزبية والقومية التي كرستها القوى السياسية في تشكيل الحكومات العراقية بعد العام 2003؛ وذلك من أجل خدمة مشروعها السياسي والحفاظ على مكتسباتها المالية لدعم وتمويل مؤسساتها ومنظماتها غير الحكومية وإعلامها الفضائي والإذاعي. كذلك من المشاكل الحقيقية التي أظهرتها عملية استجواب العبيدي في بنية الدولة العراقية والعمل المؤسساتي، الغياب التام للقضاء والرقابة والتحقيق والمحاسبة عن كل مايحدث من عمليات اختلاس ضخمة وصفقات فساد خطيرة في مؤسسات الدولة العراقية بعد مرحلة التغيير السياسي في عام 2003, وهذه من المؤشرات السلبية التي أطاحت بالقضاء العراقي وبسمعته الداخلية والخارجية, حتى أصبح القضاء العراقي متهماً بالتسيس والتبعية للسلطة التنفيذية, وللقوى والأحزاب السياسية، ولاسيما القوى والأحزاب السياسية المتنفذة والحاكمة.
ولهذا يفترض من القضاء العراقي أن يأخذ دوره الحقيقي في محورين, الأول: أن يتخذ الإجراءات القانونية الصحيحة بحق كل الأسماء التي اتهمها وزير الدفاع في عملية استجوابه, وأن يجري إجراءات رفع الحصانة البرلمانية عن تلك الاسماء, بعد ثبوت الأدلة القانونية.
المحور الثاني: لابد للقضاء العراقي أن يعيد ثقته بنفسه وأن يعيد ثقة الشارع العراقي به عن طريق فتح كل ملفات الفساد السابقة في وزارات الدولة ومحاسبة المقصرين. كذلك لابد أن تتخذ إجراءات قضائية بحق وزارة التربية ووزيرها, ولاسيما بعد أن أشار وزير الدفاع في عملية استجوابه إلى فساد الوزارة ومخالفاتها القانونية والدستورية وتلاعب السيد "سليم الجبوري" وكتلته بعمل الوزارة؛ نتيجة الأعراف السياسية والكتلوية التي بُنيت عليها العملية السياسية بعد عام 2003. أما سياسياً، فيجب أن تتخلص الدولة العراقية من مفهوم المحاصصة بمختلف مسمياتها، وأن تبادر القوى السياسية إلى مشروع وطني جامع للكل على أساس الكفاءة والنزاهة والخبرة, بعيداً عن معايير المحاصصة الطائفية والحزبية والقومية. ولهذا تعد اتهامات وزير الدفاع ضربة لسياسة المحاصصة الطائفية والحزبية وانقلاب على موازين وأعراف الأحزاب السياسية العراقية بعد العام 2003.