بقدر ما أصبح موضوع الإصلاح في العراق ضرورة لابد منها، بقدر ما أصبح الحديث عنه مستهلكاً ولا يمكن أن يأتي بجديد؛ بسبب مماطلة الحكومة العراقية وصانع القرار والقوى السياسية في موضوع الإصلاح، فضلاً عن المؤثرات والضغوطات الإقليمية، - مثلما يسميها البعض فوضى الإصلاح- على الرغم من الدعوات الجماهيرية، ودعوات المرجعية الدينية المتكررة في خطب الجمع "قبل تعليقها"، التي طالبت السيد رئيس الوزراء "العبادي" والقوى السياسية بإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي للدولة العراقية قبل فوات الأوان. إلا أنّ السيد مقتدى الصدر الذي ظهر قبل اسبوعين ببرنامج ومشروع إصلاحي شامل ومتكامل للدولة العراقية، داعياً فيه إلى ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي والأمني وتفعيل الدور الرقابي وتأطير قوات الحشد الشعبي أو دمجها ضمن المؤسسة العسكرية، وحصر السلاح بيد الدولة فقط، ومساندة قوات الأمن العراقي في استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم "داعش"، مُصرّاً على مشروعه الإصلاحي، لإصلاح الدولة العراقية وإسناد قيادة الدولة ومؤسساتها إلى الكفاءات والخبرات "التكنوقراط" بعيداً عن سيطرة الاحزاب السياسية الحالية، فضلاً عن انتقاده للتدخلات الإقليمية والدولية، كما يسميها بـ"الاحتلالات"، (الاحتلال التركي في إشارة منه إلى التواجد التركي في مدينة الموصل، والاحتلال الأمريكي الذي يريد به تواجد القوات الأمريكية في بعض المحافظات العراقية، وكذلك يشير إلى نية المملكة السعودية في التدخل لمحاربة تنظيم "داعش" في محافظة الأنبار العراقية)، متهما جهات متعددة بتواطؤها مع كل هذه الاشكال من الاحتلالات، ومغيبة بذلك الرؤية والمشروع الوطني. هذا المشروع الإصلاحي الذي تقدم به زعيم التيار الصدري، الذي أسنده بمظاهرات ودعوات إصلاحية في ساحة التحرير وسط بغداد يوم الجمعة 26/2/2016، متبرءاً من كل الفاسدين (سواء أكانوا من أتباعه أم غيرهم)، داعياً إلى محاسبتهم، ومؤكداً على تولي قيادة الدولة أشخاص تكنوقراط بعيداً عن المحاصصة الحزبية والطائفية، مشدداً على ضرورة التزام السيد العبادي بالإصلاح الجذري وليس الترقيعي؛ لأنه أصبح على المحك بعد تصاعد موجات التظاهر المطالبة بالإصلاح، ولاسيما أن السيد العبادي قد أضاع الفرصة الأولى في الإصلاح بعدما فوضه الشعب والمرجعية الدينية مع بداية تصاعد السخط الشعبي في الصيف الماضي.
عناصر القوة في مشروع الصدر
هناك عناصر قوة يمكن تلمسها في المشروع الإصلاحي للسيد مقتدى الصدر، وهذه العناصر تارة تكمن في المشروع نفسه، وتارة تكمن بشخص السيد مقتدى وما يطرحه من مشاريع للدولة العراقية، ومن أهم تلك العناصر:
1. الرؤية الوطنية للمشروع بعيداً عن كل المؤثرات الخارجية، ولاسيما الإقليمية منها.
2. تكاملية المشروع ومقبوليته عند بعض الأطراف السياسية، ولاسيما المكون السني.
3. مشروع مدني عابر للطائفة، والدين، والحزبية، والولاءات الضيقة.
4. دعم المرجعية الدينية المساندة لدعوات السيد مقتدى الصدر، ولاسيما بعد تقرب الأخير من خط المرجعية، المتمثل بالخط الوطني العراقي الرافض للتدخلات الإقليمية والدولية.
5. القاعدة الجماهيرية الواسعة للمشروع.
6. الانفتاح الكبير للسيد مقتدى الصدر على كل أبناء مكونات الشعب العراقي، والمطالبة بحقوقهم.
7. الدعم الواضح للمؤسسة العسكرية العراقية، وضرورة حصر السلاح بيدها؛ لكونها المؤسسة الرسمية للبلد.
8. دمج الحشد الشعبي والعناصر المنضبطة داخل المؤسسة العسكرية، وإبعاد الفصائل أو المليشيات التي تحمل أجندة سياسية سواء أكانت داخلية أم خارجية، غير الراغبة في الاندماج ضمن المؤسسة العسكرية.
9. التأكيد على حرية السيد رئيس الوزراء في اختياره للكابينة الوزارية وتحمله المسؤولية فيما بعد.
10. التأكد على الوقت، ومن ثم انتظار النتائج، وهذا سيكون أداة ضغط كبيرة على رئيس الحكومة.
دلالات تواجد السيد مقتدى في ساحة التحرير
كثير هي الدلالات التي حملتها التظاهرات الشعبية يوم الجمعة الماضية في ساحة التحرير، إلا أن الدلالات الإصلاحية والرؤية الوطنية ومكافحة الفساد ومحاكمة المفسدين كانت طاغية على كل الدلالات الأخرى، ولعل كلام السيد مقتدى الصدر بأننا على مشارف أو على أسوار المنطقة الخضراء يحمل دلالات عميقه، مهدداً باقتحامها من قبل المتظاهرين في حال عدم استجابة الحكومة وصانع القرار لضرورة الوضع، ومستنداً للسخط الجماهيري وقاعدته الجماهيرية في تصريحاته، واصفاً أصوات المتظاهرين بـ "صوت الوطن والمواطن، وصوت الأقليات والأغلبية، وصوت السنة والشيعة المظلومين، وصوت الجهاد والجيش والأجهزة الأمنية ...الخ"، مشيراً إلى استمرارية الانتفاضة ضد الفساد، مهدداً رئيس الحكومة بأنه على المحك ولاسيما بعد هذه الانتفاضة أو في حالة استمراره بإصلاحات شكلية ترقيعية غير جدية. وربما التلويح بدخول المنطقة الخضراء، قد يكون لها تداعيات دولية ضاغطة على السيد العبادي في سبيل الإصلاح، ولاسيما من قبل الإدارة الأمريكية.
خيار السيد العبادي الحالي
على ما يبدو أن مشروع السيد الصدر خلق أداة ضغط جديدة على صانع القرار العراقي، على الرغم من التركة الثقيلة التي تحملها السيد العبادي عند تسنمه رئاسة الحكومة العراقي خلفاً للسيد المالكي من عجز مالي واقتصادي، وتردٍ أمني وخدمي، وانتشار للفساد والمفسدين في كل مؤسسات الدولة العراقية من دون استثناء، إلا أن تصديه للأمر لا يعفيه من المسؤولية، ولذلك اليوم هو أمام اختبار حقيقي بعدما أصبح الإصلاح الخيار الوحيد المطروح أمامه، ولهذا هناك خياران أما التنحي والإعلان عن عدم مقدرته على الإصلاح مبيناً معوقات الإصلاح على الشعب العراقي ومن يقف في طريق الإصلاح أو المضي في طريق الإصلاح الشامل لبنية الدولة العراقية بطريقة واضحة ومرسومة بعيداً عن التوافقات السياسية والمحاصصة، ومستنداً إلى صلاحياته الدستورية وتفويضه الشعبي، وإلى مستجدات وضرورة المرحلة، ومتجرداً من حزبه؛ لأن السيد العبادي مايزال يحظى بمقبولية لدى الكثيرين من أبناء الشعب العراقي، وعليه لابد أن يبادر مبادرة حقيقية للإصلاح بعيداً عن الضغوطات الحزبية، ومن الممكن له أن يخلق تكتلاً سياسياً من الداعمين للإصلاح داخل قبة البرلمان في دعم خطواته الإصلاحية، وهناك كتل سياسية كثيرة أبدت استعدادها الجاد لدعم التغيير الجوهري وحكومة التكنوقراط ومنهج الإصلاح.