على الرغم من الغموض المترتب على قرار حل حزب العمال لنفسه، ليس هناك ما هو مؤكد بأن قرار الحل، سيضفي بشكل رسمي على خطوات وقرارات مهمة لاحقة، تتعلق بتسوية القضية الكردية وحقوق الأكراد في تركيا، بأدوات سياسية وديمقراطية فاعلة. ويبدو بأن أكثر المستفيدين من هذا القرار هو الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي يسعى إلى تقسم معارضيه في الانتخابات القادمة والتشبث برئاسة الجمهورية التركية مدى الحياة
في قرار مفاجئ، أو غير مفاجئ "بالنسبة لبعض المتخصصين"؛ نتيجة للتطورات الاخيرة التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط، ولاسيما بعد حرب غزة، أعلن حزب العمال الكردستاني، يوم الاثنين الماضي، حل نفسه، وإنهاء أكثر من أربعة عقود من الزمن على حمله السلاح ضد الدولة التركية، خلَّفت أكثر من اربعين ألف قتيل. وجاء القرار في بيان نقلته وكالة «فرات» للأنباء المقربة من الحزب، بأنه أنجز "مهمته التاريخية" واستطاع أن يصل بالقضية الكردية إلى نقطة الحل عن طريق الادوات السياسية والديمقراطية. وعلى الرغم من أن جهود السلام، بقيت مجمدة منذ نحو عقد، إلا أن معسكر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قَبل المبادرة التي قام بها حليفه الرئيسي القومي دولت بهجلي بطرحها عبر وفد من حزب «المساواة وديمقراطية الشعوب»، في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي على زعيم حزب العمال عبد الله أوجلان المحكوم بالسجن مدى الحياة. إذ دعا بهجلي حينه أوجلان إلى نبذ العنف وحل حزبه، لقاء الإفراج المبكر عنه. ليأتي هذا القرار ضمن جملة من التغيرات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط بعد حرب غزة، ولاسيما على صعيد البيئة السورية واللبنانية، ومسار المحادثات النووية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران؛ الأمر الذي من شانه أن يضعنا أمام شرق اوسطي جديد. فكيف يؤثر قرار حل حزب العمال لنفسه على البيئة الإقليمية، وهل يلبي هذا القرار طموحات الرئيس التركي الرئاسية المقبلة؟
يعتقد بعض المحللين، بأن قرار حل حزب العمال لنفسه، سيعزز من سلطة أردوغان، وأن قرار فتح الحوار مع زعيم الحزب، ربما جاءت برغبة من الرئيس التركي، ولاسيما بعد الانتخابات الماضية، التي واجه فيها منافسة شرسة، وتحديات كبيرة، كادت أن تهدد زعامته الرئاسية. إذ ترى مديرة برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط، غونول تول، أن "المحرّك الأساسي (لهذه العملية) لطالما كان رغبة إردوغان في تعزيز سلطته"، وأن يترشح من موقع قوة في انتخابات 2028 في مواجهة معارضة منقسمة، مختلفة في شراستها عن المعارضة في الانتخابات الماضية. وتشير الباحثة إلى أن أكراد تركيا، لم ينضموا إلى تظاهرات المعارضة التي نددت بتوقيف رئيس بلدية إسطنبول المعارض، أكرم إمام أوغلو، منذ 19 مارس، وهو مرشح حزب «الشعب الجمهوري» المؤيد للأكراد، للانتخابات الرئاسية المقبلة. تقوم هذه الاستراتيجية على أثارة الخلاف بين حزب العمال المؤيد للأكراد وبقية أحزاب المعارضة، وهي استراتيجية قائمة على مبدأ "فرق تسد". بموازاة ذلك، أبدت المعارضة التركية قلقًا من احتمالات توظيف إردوغان العملية برمتها، وفتح الطريق أمام نفسه للترشح لانتخابات الرئاسة، والبقاء رئيسًا للجمهورية التركية مدى الحياة. فضلًا عن ذلك، بدأ رد فعل القوميين الأتراك، الذي عبر عنه حزب «الجيد» عنيفًا؛ إذ اعتبر أن العملية الجارية بين حزب "العمال الكردستاني" والحكومة هي "خيانة"، محذرًا من مخطط لتقسيم تركيا. وهو ما يؤدي إلى صراع سياسي تركي بين الأحزاب السياسية والحكومة التركية، ولاسيما فيما يتعلق بالإشارة إلى التطرق إلى معاهدة لوزان وإبادة الأكراد ودور البرلمان، التي تطرق لها حزب العمال في بيان الإعلان عن حل نفسه.
على الصعيد الحكومي، أشادت تركيا رسميًا بالخطوة، إذ وصف وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إعلان حزب العمال "بمرحلة تاريخية ومشجّعة"، بينما اعتبر المتحدث باسم "حزب العدالة والتنمية"، عمر تشليك، أن القرار يشكّل مرحلة مهمّة نحو "تركيا بلا إرهاب"، مؤكدًا أنّ نهاية العنف ستفتح باب حقبة جديدة. أما دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فقد أكدت بأنها ستتخذ الإجراءات اللازمة لحل الحزب بشكل سلس ومنظّم، بما يضمن إنهاء النزاع الممتد منذ أكثر من أربعين عامًا. وللحزب مجموعات متصلة به، وتواجد عسكري في كلّ من سوريا والعراق وكذلك إيران، مما يطرح تساؤل بالغ الأهمية: كيف سيؤثر هذا القرار على المجموعات المسلحة الكردية الأخرى في تلك البلدان؟
يأخذ تأثير قرار حل حزب العمال الكردستاني على القضية الكردية الإقليمية في دول الجوار، ولاسيما على صعيد البيئة العراقية والسورية، بمستويين (ايديولوجي وعسكري). فالقرار حل الحزب، تأثير كبير على المستوى الايديولوجي في كل مناطق تواجد الاكراد، ولاسيما أن الحزب ليس مجرد أداة عسكرية أو فصيل عسكري مسلح، بقدر ما هو منارة ورمز لدعم تطلعات الشعب الكردي على كافة المستويات (السياسية، العسكرية، الثقافية والإعلامية). اما على المستوى العسكري، ربما له تداعيات وتأثير أكبر، ترتبط بالمسألة القومية وتتجاوز الحدود الوطنية. فحزب العمال في العراق، لا يحمل قضية عراقية، بل هو جزء من الصراع مع تركيا، ويتمركزون في المناطق الحدودية العراقية – التركية. على العكس من البيئة السورية، التي يبدو بأنها تتمسك بقضيتها المحلية، وهي أقل تعقيد من البيئة العراقية، فقوات سوريا الديمقراطية" (قسد) تُعد ملفًا سوريًا بالكامل، وترتبط بالبيئة الداخلية السورية، وتسعى إلى بناء سلطة لا مركزية أو فيدرالية، تعترف بحقوق الأكراد والمناطق الأخرى غير المركزية، ودائمًا ما تتحدث عن مصالح كل المناطق والمكونات، بما فيها الساحل والجنوب والمسيحيون في الوسط. فضلًا عن ذلك، فقوات قسد لها شراكة دولية مع الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي المشكل ضد تنظيم "داعش" منذ عام 2014؛ الأمر الذي يجعلها تتمسك بالبيئة المحلية السورية أكثر من الحالة العراقية، وعلى غرار الوضع السياسي لأكراد العراق. أما بالنسبة للبيئة الإيرانية فهي قد تبدو أكثر هدوًا، لكنها ربما تكون من أكثر الملفات تعقيدًا في الفترة المقبلة؛ بسبب مصير حزب "الحياة الحرة"، التنظيم المقرب من حزب العمال، إلا أنه من الممكن أن يكون جزء من الحل، ولاسيما في ظل "المداولات الجارية بين إيران والولايات المتحدة في المنطقة".
بالمجمل، على الرغم من الغموض المترتب على قرار حل حزب العمال لنفسه، ليس هناك ما هو مؤكد بأن قرار الحل، سيضفي بشكل رسمي على خطوات وقرارات مهمة لاحقة، تتعلق بتسوية القضية الكردية وحقوق الأكراد في تركيا، بأدوات سياسية وديمقراطية فاعلة. ويبدو بأن أكثر المستفيدين من هذا القرار هو الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي يسعى إلى تقسم معارضيه في الانتخابات القادمة والتشبث برئاسة الجمهورية التركية مدى الحياة. ويبدو بأن المؤكد في ظل هذه التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط، بأن هناك شرق أوسط جديد في طور التشكيل، وأن كل الاحداث الجارية في المنطقة، ولاسيما بعد حرب غزة، تؤشر على ذلك، وعلى صانع القرار العراقي ألا يكتفي بالمشاهدة، وأن يخرج من بيئة الصراع السياسي الداخلي إلى البيئة الإقليمية "على اقل التقادير"، وأن يسهم في صياغة وترتيب ما يحدث في المنطقة، وأن ينفتح على الجميع ولا يكون مرهون لدولة أو نظام سياسي محدد.
اضافةتعليق