منذ ان تسلمت الحكومة العراقية مهامها رسميا في تشرين الاول 2022 بعد منحها الثقة من قبل مجلس النواب، ورئيسها السيد محمد شياع السوداني يسعى الى التوازن بين ايران والولايات المتحدة الاميركية عبر تعزيز العلاقات معهما، فضلا عن تعزيز العلاقات مع دول الجوار العربي وتركيا.
الحكومة الحالية، وبعد انسحاب نواب التيار الصدري من مجلس النواب، تشكلت بعد تحالف اطراف تجمع الاطار التنسيقي "الشيعية"، وتحالف تقدم وعزم "السنية"، والتحالف الكردستاني (الاطراف الكردية) في ما سمي فيما بعد بتحالف ادارة الدولة وبذلك هيمن على مجلس النواب والحكومة. ومن حينها تمارس اطراف بعض اطراف الاطار التنسيقي التهدئة في تعاملها مع المصالح الاميركية.
السيد السوداني، وبعد ان تعهد في برنامجه الحكومي على تعزيز العلاقات بين العراق وجيرانه وتطوير العلاقات مع الجانب الاميركي، وان العراق لن يكون منصة لشن العدوان على الدول المجاورة، يواجه تحدي كبير من اغلب اطراف الاطار التنسيقي التي لها صلات وثيقة بنظام الحكم في ايران، وبعضها شن هجمات صاروخية على المصالح والسفارة الاميركية، وساقت التهم للحكومة السابقة بتواطئها مع "المحتل". اذا ان سعي السوداني وحكومته الى بقاء القوات الاميركية ورغبة الحكومة في مزيد من الدعم الاميركي اقتصاديا وامنيا، يواجه بمخاوف من قبل تلك الاطراف المتشددة في الاطار التنسيقي، على الرغم من ان الحكومة قد عززت علاقتها مع تلك الاطراف وشاركت بعض منها في الحصول على مكاسب عبر المناصب واصبح لهم دور في صناعة القرار.
يبدوا ان الحكومة تسعى وراء الاستقرار النسبي للتوجه بمزيد من الاهتمام لتنفيذ البرنامج الحكومي فيما يتعلق بتوفير الخدمات واعادة الحياة للبنى التحتية ومواجهة الفساد المستشري في اجهزة ومؤسسات الدولة، وهذه جميعها نقاط جوهرية في البرنامج الحكومي. وهذه رؤية يتفق معها الكثير كون ان الولايات المتحدة الاميركية وايران اطراف حاسمة في معادلة الحكم في العراق. ولابد من وجود علاقة متينة معهما لضمان الاستقرار الحكومي. رغم ان المدرك السياسي والشعبي على بينة انه التوازن لن يحقق الاستقلالية للقرار العراقي. فعادة ما تسعى الدول المأزومة الى التوازن في علاقاتها مع حلفائها المتضادين من دون ان يكون لها هدف تحقيق الاستقلال في القرار السياسي والامني والاقتصادي وغيره. وهذا ينطبق على العراق ايضا. والسبب، وجود "قوى سياسية" منقسمة وفاقدة للرؤية السياسية الوطنية، ولاهثة خلف تحقيق المصالح الخارجية على حساب المصلحة الوطنية، وهي عنصر اساس في منظومة الحكم وتمارس تأثيرها في صناعة القرار داخليا وخارجيا. وهذا يشكل تحدي مهم للحكومة.
وهذا يقود بطبيعة الحال، كما في الحكومات السابقة، ويترسخ في ذهنية صانع القرار، الى ان يكون التوازن غاية وليس وسيلة او سبيل لتحقيق الاستقلالية في القرار العراقي. كما يدفع واشنطن وطهران الى ان يكونوا في وضع مراقب على الدوام لأي تطور او مستجد في علاقة الحكومة العراقية مع ايُّ منهما، ولا بد من الاستيضاح المباشر من الحكومة العراقية حول ذلك التطور او ذلك المستجد. ويمكن الاستلال على ذلك مكامن عده حصلت مع الحكومة الحالية.
التحدي الاخر يرتبط بالعامل الدولي، فطبية التنافس الاميركي الصيني من جهة، والصراع الاميركي الروسي في اوكرانيا من جهة اخرى، دفع ايران الى تعزيز تحالفها مع الروس والصينين بطرق شتى حتى وصلت الى التعاون العسكري مع موسكو وخاصة في مجال الطائرات المسيرة. زيادة على فشل مباحثات اعادة الحياة الى الاتفاق النووي. وهذه كلها تعزز من الحالة التصارعية بين طهران وواشنطن. ولهذا تريد واشنطن ان تكون العقوبات الاقتصادية على طهران ذات جدوى في ايقاف النظام الايراني عن طموحاته الخارجية، وهذا ما تم التأكيد عليه في حرمان حصول طهران على الدولار الاميركي عبر تشديد الرقابة على حوالات البنك المركزي العراقي الخارجية من الدولار وفرض عقوبات على العديد من المصارف الخاصة المرتبطة بـ "قوى سياسية" موالية لطهران وتحقق مكاسب من تهريب الدولار الى ايران.
قضية مواجهة تهريب الدولار من قبل المركزي العراقي والحكومة العراقية معركة خاسرة كما وصفها محافظ المركزي العراقي السيد علي العلاق. كما ان الالتزام بتعليمات وشروط الفيدرالي الامريكي في ظل حاجة الافراد للدولار للتعاملات اليومية يضع المركزي العراقي امام معضلة كبيرة في ظل عدم قدرته والحكومة على منع التهريب وكبح جماح الجهات السياسية التي تصر على تهريب الدولار عبر بنوكها وشركات الصيرفة التابعة لها.
هذه التحديات وغيرها الكثير مهما تباينت في التأثير، ليست حديثة النشأة، فهي موجودة مع كل الحكومات السابقة عدا التغييرات التي تظهر على الساحتين الدولية والاقليمية. ولكنها تحديات تؤرق صانع ومتخذ القرار في العراق اذا ما اراد ان يركز على المصالح الوطنية. لكن تبقى الطريقة الرئيسة التي يمكن من خلالها مواجهة تلك التحديات او الحد من تأثيرها هي بيد " القوى السياسية" المتحكمة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والامنية. وهذه "القوى" حتما لا يمكنها التخلي عن مكاسبها بسبب تشابك المصالح بين ما هو سياسي (نفوذ وتأثير) وجماهيري (انتخابي).