ذي قار بعد هدوء لم يستمر طويلًا

      بعد حملة اعتقالات كبيرة نفذتها الشرطة المحلية في المحافظة، ذي قار تشتعل من جديد. إذ تمَّ تنفيذ أكثر من (500) أمر اعتقال بحق أبناء المدينة، الذين شاركوا في تظاهرات 2019 بتهم مختلفة، منها: حرق الإطارات، وقطع الطرق خلال المظاهرات. بدأ التحشيد، والدعوة إلى التظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في يوم الجمعة 18/10/2024، وذلك لوقف الاعتقالات، وإطلاق سراح من أعتقل. أعقب تلك الدعوات تصريحات شديدة اللهجة، لقائد الشرطة اللواء ناجح العابدي، لما وصفهم بالمخربين، على عدد من الفضائيات المحلية، وأكَّد على استمرار حملة الاعتقالات على جميع المشمولين، مع الإشارة إلى أنَّ هناك (4000) أمر إلقاء قبض. وبالفعل توجهت أعداد كبيرة من المتظاهرين، إلى ساحة الحبوبي مركز التظاهرات في ذي قار، وعدَّ المتظاهرون الاتهامات التي أصدرها قائد الشرطة، الذي يعدُّ من المقربين لمنظمة بدر، كيدية، وهدفها محتجي تشرين عامة ولاسيَّما محتجي مدينة ذي قار، التي قدمت أكثر من (150) شهيدًا، وأكثر من (5) آلاف جريح، خلال تظاهرات تشرين الماضية.

نقلت عدة وكالات أنباء محلية عن حدوث احتكاك بين المتظاهرين، والقوات الأمنية، أعقبه إطلاق نار، وقنابل دخانية، من قوات الأمن لتفريق المتظاهرين، الذين رشقوا القوات الأمنية بالحجارة. سبق ذلك دعوة من مجلس محافظة ذي قار إلى المتظاهرين، والقوات الأمنية، بضبط النفس، والابتعاد عن كل ما يخل بأمن المدينة. وقد شهدت المدينة عصر يوم الجمعة المصادف 18/10/2024، غلق السيطرات الخارجية للمحافظة، ومنع القادمين من الدخول إليها. وفي الوقت ذاته، وجَّه قائد الشرطة خلال فيديو بث على وسائل التواصل الاجتماعي، قواطع المسؤولية، بعدم الاحتكاك مع المتظاهرين. ولكن على الرغم من تلك التصريحات الإعلامية، إلا أنَّ الأحداث مستمرة بالتصاعد، إذ تؤكد مقاطع الفيديو التي تبث بشكل مباشر، على وسائل التواصل الاجتماعي من ساحة الحبوبي، استخدام القنابل الدخانية ضد المتظاهرين، وسقوط أعداد من الجرحى، عقب محاولة قوات الأمن تفريق المتظاهرين، الذين طالبوا بإقالة قائد الشرطة الجديد اللواء نجاح العابدي، بعد حملة اعتقالات متظاهري 2019. وقد فضَّل المتظاهرون عدم الذهاب إلى المستشفيات، خشية الاعتقال أو الملاحقة القانونية. وأصدرت الشرطة المحلية بيانًا نقلته وكالة الأنباء الرسمية العراقية، أكَّدت فيه على توفير الحماية الكاملة لتظاهرات يوم الجمعة، وبيَّنت اعتداء العناصر المثيرة للشغب، على القوة الأمنية المكلفة بحماية التظاهرات، وأصيب في أثناء ذلك (3) ضباط، و(19) منتسبًا بجروح، نقلوا على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج. 

وفي وقت سابق، وصف عضو مجلس النواب العراقي عن ذي قار، الشيخ غزوان المنشد، تصريحات قائد الشرطة بغير المسؤولة حسب تعبيره، بعد وصفه أبناء ذي قار بالظلاميين، وأظهرت بعض مقاطع البث المباشر فيديو آخر للنائب غزوان المنشد، رافضًا تصريحات قائد الشرطة، واصفًا تصريحاته بالمستفزة للطرف المقابل، وتعامله بالقسوة، والكراهية، مع المتظاهرين الذين سبق أن تعهدوا بتسليم أنفسهم لمراكز الشرطة فقط حسب قوله، وأظهرت وسائل التواصل الاجتماعي حضور أعضاء مجلس النواب العراقي عن تشرين في التظاهرات، رافضين المداهمات، والاعتقالات، بحق متظاهري تشرين. وعلى الرغم من حضور أعضاء مجلس محافظة ذي قار إلى ساحة الحبوبي، لأجل التهدئة، ومطالبتهم بعدم استخدام القوة اتجاه المتظاهرين، إلا أنَّ الأوضاع لم تهدأ، وقد تمَّ إغلاق بعض الجسور، والطرق داخل المدينة.

 شهدت محافظة بابل وقفة احتجاجية مساندة لتظاهرات ذي قار، فضلًا عن بغداد التي شهدت الوقفة الداعمة نفسها، حسب ما يصفها المحتجون.

الموقف الحكومي:

       على الرغم من تأكيد الحكومة الاتحادية على حماية التظاهرات، بوصفها حقًا كفله الدستور، وإصدار التعليمات للقوات الأمنية، بعدم الاحتكاك مع المتظاهرين، وتوفير الحماية لهم، لكن حصل الاحتكاك. وبيَّن المتحدث باسم وزارة الداخلية، في مؤتمر صحفي، أنَّ وزارة الداخلية لن تسمح بحرق الإطارات، والطرق مرة أخرى في ذي قار، مؤكدًا على أنَّ المعتقلين ليسوا من ضمن المتظاهرين.

موقف مجلس النواب:

      على الرغم من أنَّ محافظة ذي قار، أكثر محافظة فاز فيها نواب عن حراك تشرين، إلا أنَّ الاحتجاجات الأخيرة لم تشهد سوى وجود بعض منهم، وحتى هؤلاء لم يعلقوا على ما تعرض له المتظاهرون، على الرغم من وصولهم إلى قبة البرلمان الاتحادي بأصواتهم.

الموقف العشائري:

      بحسب ما نشر من فيديوهات في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أيدت العشائر في ذي قار التظاهرات، وبيَّنت أنَّ مطالب المتظاهرين، بتوفير الخدمات، وفرص العمل، مطالب مشروعة وحقة، وطلب بعض شيوخ العشائر من قادة التظاهرات، والمتظاهرين بشكل عام، تأجيل التظاهرات، ومنحهم مهلة للتفاوض مع الحكومة الاتحادية، مؤكدين على موقفهم في دعم حركة الاحتجاجات، في حال لم تقم الحكومة بوضع حلول سريعة، وعاجلة، لقضايا محافظة ذي قار. بالمقابل وافق المتظاهرون على تأجيل التظاهرات، استجابة لطلب شيوخ المحافظة. 

وقد ذكرت وسائل الإعلام عدة مسوغات لإنهاء التظاهرات، منها: ما ذكره عضو مجلس محافظة ذي قار أحمد الخفاجي، مؤكدًا على معالجة قضايا المتظاهرين وفق الأطر القانونية، إذ تضمنت المبادرة تحويل التهم الموجهة للمتظاهرين، من كونها جرائم إرهابية وفق المادة (4) إرهاب، إلى اتهامات شخصية، ونقلها إلى مراكز الشرطة المحلية.  

وسط تضارب الروايات بين المتظاهرين وقوات الشرطة، يبقى السؤال المطروح، هل تبقى ذي قار دائمة التظاهر؟ وهل تعاد حادثة جسر الزيتون مرة أخرى؟ على وجهاء المدينة وعشائرها التدخل وبحكمة، فواجبهم حقن دماء أبنائها. وعلى الحكومة المركزية التعامل بحكمة، وإيقاف إرسال الأرتال العسكرية، والأفضل التدخل الحكيم لاحتواء الموقف، عن طريق الاستماع لمطالب المتظاهرين، ووضع قيادات عسكرية تتحلى بالحكمة، وروح المسؤولية، حتى في تنفيذ الأوامر العسكرية، ولا تتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي منبرًا للتهديد، والوعيد، تجاه سكان المدينة. فالجميع يعلم أنَّ التظاهرات إن اشتدت حدَّتها في ذي قار، فقد يصعب السيطرة عليها، مما يؤدي إلى تأجيج التوتر في المحافظة، ومن ثمَّ قد تنتقل إلى باقي المحافظات، ولنا في ذلك تجربة سابقة. لذا من واجب الجميع الحفاظ على الهدوء، سواء في ذي قار أو غيرها من المدن، وعدم السعي إلى تأزيم الوضع، وهو ما لن يكون في مصلحة أي من الأطراف.

التعليقات