العشوائية الإدارية في المشاريع الربحية

شارك الموضوع :

خلاصة ما نراه في هذه الظاهرة (العشوائية الإدارية)، أنها تشكل عائقا أمام تقدم المشاريع لاسيما الفردية الصغيرة والمتوسطة، أما في القطاع العام فحتى المشاريع الكبيرة تتأثر بهذه الظاهرة، وقد تكون سببا في إنجاز خدمات ومشاريع مهمة تقع على عاتق الدولة تجاه المواطن، فلا نستغرب إذا وجدنا إداريا ضعيفا أو حتى جاهلا يتحكم بالعارفين ويدير العمل بصورة عشوائيةـ فتكون النتائج خليط من الفشل والتلكّؤ العملي في هذه المشاريع

يهدف القائمون على المشاريع الربحية، إلى تحقيق مكدَّسات مالية متنامية، ولكن في اثناء التأسيس لهذه المشاريع، وحتى في المراحل الإنتاجية اللاحقة، تهيمن على إدارة هذه المشاريع ظاهرة واضحة المعالم وهي الإدارية العشوائية، أو عشوائية الأداء الإداري، فماهي هذه الظاهرة وما هو المقصود بها، وكيف تؤثر سلبا على نمو المشاريع وتطورها؟

من هذه التوطئة المختصَرة، لابد أن نفهم ما هي العشوائية في الأداء الإداري، وما النتائج التي تتمخض عنها، وكيف يمكن معالجها والحد من تأثيرها السلعي أو الإنتاجي؟

تبدأ العشوائية الإدارية عندما يقود المشروع مدير إداري لا يحترم التخطيط المسبق، ويدخل في العمل بشكل مباشر من دون أية تحضيرات مسبقة، والأنكى من ذلك أنه يستعين بموظفين أو عاملين يحملون نفس صفاته وقدراته الإدارية الضعيفة، فالحقيق إن كل شخص يريد أن يفتح أو يؤسس له مشرعا مع، يجب أن يقوم بخطوات كثيرة منتظمة، وهذه الخطوات العلمية العملية الخبروية هي التي تسمح للمشروع بالنشوء الصحيح الأولي، ومن ثم تساند هذه المشروع حتى يقف على قدميْه ويبلغ أشدَّه.

بالطبع المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة كلها تتساوى أمام قضية العشوائية الإدارية، وهي تظهر في الغالب بالمشاريع الفردية المتعجلة، كذلك تزداد في المشاريع الحكومية التي يسيطر عليها القطاع الاقتصاد العام، أما المشاريع التي تُقام ويتم إنشاءها ضمن فعاليات القطاع الخاص، فإنها أقل تعرّضا لمشكلة الارتجال الإداري لأسباب سوف نوضحها في هذه النقاط:

أولا: مشاريع القطاع الخاص 

وهي غالبا ما تكون مستقلة عن التأثير الحكومي، ولديه قراراتها الإدارية المستقلة، فلا يمكن للحكومة أو مؤسساتها الاقتصادية المختلفة أن تصدر قارات إدارية تفرضها على مشاريع القطاع الخاص بسبب استقلاليته كما ذكرنا سابقا.

كما أن مشاريع القطاع الخاص تهدف إلى الربحية بشكل كبير، فيتم التأسيس لها وفق رؤية إدارة منضبطة استباقية تؤمن بالتخطيط الإداري وتلتزم به بشكل تام، وتؤكد بأن نجاح المشروع في إنتاجيته واستمرار الإنتاج الجيد في بيان خطّي تصاعدي، بسبب مواجهة العشوائية الإدارية. فصاحب المشروع الخاص لا يمكن أن يضع مديرا لمشروعه يجهل التخطيط، أو لا يحترم التخطيط كما نلاحظ ذلك في معظم مشاريع القطاع العام.

ثانيا: المشروع الخاص 

وهو المشروع الذي يُدرَج ضمن القطاع الخاص، قلَّما يتعرض لعشوائية الإدارة، لأن إدارة هذا المشروع بدءًا من رأس الهرم الإداري نزولا إلى أقل العاملين، يسعون بشكل دقيق نحو الجودة في الإنتاج، ويتجنب معظم هؤلاء الخطوات المضطربة غير المدروسة والتي تحدث في مشاريع القطاع الخاص بسبب قلّة الحرص وقلة الإخلاص في العمل لأن العائد من أموال الربحية تذهب إلى صناديق المالية الحكومية.

على العكس من صاحب المشروع في القطاع الخاص، فهو يجد الربحية المالية في خزائنه الخاصة، فيقوم بمضاعفة الإدارة العلمية الصحيحة لمشروعه، وهناك من يضع له مجموعة استشاريين من ذوي العلمية والمعرفة الاقتصادية العالية، كذلك معظم هذه المشاريع بسبب تجنبها العشوائية الإدارية تتحول إلى شركات قد تحصل على ماركات عالمية وتقوم في ترسيخها في ميادين الأسواق العالمية.

ثالثا: المشاريع الفردية الصغيرة

وهذه المشاريع قد تجدها ضحية للعشوائية الإدارية أيضا، كونها أصلا مشاريع لا تتحمل الخطأ الإداري، لذلك يحتاج صاحب المشروع الفردي الصغير، إلى دقة في التخطيط لا تقل أهمية عن تأسيس المشاريع الكبيرة، لكي يتجنب الفشل بسبب سوء الإدارة غير المخطَّط لها، ولهذا من المهم جدا على من يفكر بتأسيس مشروعه الإنتاجي الربحي الصغير، أن يضاعف تفكيره العلمية، ويسأل ويبحث ويستعلم وينهل من خبرات الآخرين، لكي ينمو مشروعه بأمان ولا يكون عرضة لالتهام المشاريع الأخرى، وخاصة المتوسطة منها.

رابعا: مشاريع القطاع المختلط

في حالات معينة قد يشارك القطاع الخاص في مشروع للقطاع العام، أو العكس من ذلك، ولكن في الواقع لاسيما في الدول ذات التجارب الرخوة في هذا المجال، يحدث نوع من التداخل في المسؤوليات، وقد يتجاوز القطاع الحكومي الدور المرسوم له، وهذه تدخل أيضا ضمن العشوائية الإدارية، فالصحيح هو التخطيط المسبق لوضع الخطوات الإدارية، وتحديد المسؤوليات الإدارية كل ضمن الحدود المرسومة لها لكي لا يحدث الاختلال الإداري للمشروع.

لذا نلاحظ في العراق هناك ضعف كبير للقطاع المختلط، وعدم إقدام أموال القطاع الخاص في الدخول والمشاركة مع مشاريع القطاع العام، على الرغم من أن الأدوار الاقتصادية التي يقوم بها القطاع الخاص في الدول المتقدمة لها قصب السبق في بناء اقتصادات تلك الدول.

خلاصة ما نراه في هذه الظاهرة (العشوائية الإدارية)، أنها تشكل عائقا أمام تقدم المشاريع لاسيما الفردية الصغيرة والمتوسطة، أما في القطاع العام فحتى المشاريع الكبيرة تتأثر بهذه الظاهرة، وقد تكون سببا في إنجاز خدمات ومشاريع مهمة تقع على عاتق الدولة تجاه المواطن، فلا نستغرب إذا وجدنا إداريا ضعيفا أو حتى جاهلا يتحكم بالعارفين ويدير العمل بصورة عشوائيةـ فتكون النتائج خليط من الفشل والتلكّؤ العملي في هذه المشاريع.

النقطة الأخيرة التي لابد من إظهارها في هذا الرأي، أن تلتزم الجهات الاقتصادية المسؤولية في القطاعين العام والخاص، بمكافحة العشوائية الإدارية، وتسليم إدارة جميع المشاريع ليس على أساس المحاباة والمجاملات والمحسوبية والحزبية، وإنما التركيز على الخبرات والعلمية والفهم الإداري الذي يجب أن يتحلى به المدير قل كل شيء. 

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية