تقرير الراصد المالي : ملخص وتحليل

مع تسارع التطورات الاقتصادية العالمية والخشية من دخول الاقتصاد العالمي لمرحلة ركود يختلف الخبراء في تحديد مدته ومدياته، يحظى تقرير الراصد المالي الصادر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي باهتمام العديد من المراقبين والباحثين للتعرف على ابرز ما تضمنه التقرير من تحليل للوقائع الاخيرة واستشراف لافاق الاقتصاد العالمي واقتراح للسياسات الاستباقية اللازمة على المستوى المحلي والدولي. يستهل عدد تشرين الاول / اكتوبر 2022، جزئه الاول في بيان اهمية السياسة المالية في بناء مجتمع مرن، فيما يركز الجزء الثاني على بناء قدرة الأسر على الصمود تجاه فقدان الوظائف أو الدخل، اما الجزء الثالث فيناقش الاستجابة لارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ويعرض الجزء الرابع اليات ضمان مرونة الشركات في الأوقات غير العادية، واخيرا كرس الجزء الاخير من التقرير لإعطاء لمحات عن الاستعداد لرسم استراتيجية جاهزة لمواجهة الازمات. وفيما يلي خلاصة لأبرز ما تضمنه التقرير من نقاط للمحاور المذكورة:

1- من المتوقع ان يبلغ الدين الحكومي العالمي (91%) من اجمالي الناتج المحلي في عام 2022، اي اعلى بنحو (7.5 %) عن مستويات الدين العام قبل جائحة كورونا.

2- تفرض الزيادة الحادة في اسعار الغذاء والطاقة ضغوطا على الموازنات الحكومية في معظم بلدان العالم، باستثناء النفطية، حيث ارتفع مؤشر اسعار الغذاء لمنظمة الاغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بنسبة (45%) حتى شهر اب الماضي مقارنة بمعدلات عام 2019. في حين ارتفعت اسعار الطاقة بأكثر من هذه النسبة في العديد من دول العالم، خصوصا في الدول التي تكون اسعار الطاقة فيها غير مدعومة.

3- مع استمرار تقلب معدلات التضخم، يتوقع ان ترتفع تكاليف الاقتراض نظرا لما يطلبه المستثمرون من عوائد اعلى على الدين طويل الامد.

4- معظم الدول منخفضة الدخل معرضة لمخاطر وصول ديونها الى معدلات حرجة تفوق قدرة هذه الدول على السداد وتهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي فيها مما يتطلب العمل على اطار مشترك لتخفيف اعباء الديون.

5- يتجه الاقتصاد العالمي صوب التباطؤ وسط التشديد النقدي والمالي المستمر، ويزيد ذلك من مصاعب تحقيق التوازن المناسب بين ادارة وتحفيز الطلب الكلي وحماية الشرائح منخفضة الدخل من جهة وتقليص اعباء الدين العام من جهة اخرى.

6- ضرورة تحديد اطار متسق للسياسات الاقتصادية على المدى المتوسط، فالاعتماد على تكرار صدمات التضخم لتخفيض الدين العام استراتيجية غير مجدية لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي بل يزيد من الضغوط على الانفاق العام.

7- ضرورة ان يكون الضبط المالي اشارة الى اعتماد صناع القرار في معظم الدول سياسات متسقة لمكافحة التضخم، مما يعمل على خفض اسعار الفائدة الاساسية وابقاء التوقعات لتضخمية ثابتة في حدود المستهدف لتبقى تكاليف الدين ادنى بعد تنفيذ إجراءات الضبط المالي.

8- ضرورة ان يكون التشديد المالي تدرجي بدلا من التشديد المالي المفاجئ والكبير من اجل حماية الفئات الاجتماعية الضعيفة وعدم فقدان الثقة بالأسواق والافاق الاقتصادية.

9- نظرا لتوقع ضغط الموازنات الحكومية خلال العام القادم بسبب معدلات التضخم وتراكم الدين وارتفاع معدلات الفائدة، ينبغي ترتيب اولويات السياسات والبرامج الحكومية. وتتمثل الاولويات القصوى في ضمان توفير الغذاء للجميع وحماية الشرائح منخفضة الدخل من ضغوط التضخم من خلال الضوابط السعرية او التخفيضات الضريبية.

10- منذ بداية جائحة كوفيد-19 كانت اجراءات المالية العامة سريعة الاستجابة لحماية الطبقات الضعيفة في البلدان المتقدمة وعززت من نمو وتحفيز الاقتصاد، كما كانت المالية العامة اكثر تنوعا في الاسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، مع معاناة الكثير من الاقتصادات من القيود المالية طوال فترة الجائحة.

11- ينبغي تصميم سياسات جديدة لحماية الاسر والشركات من الخسائر في الدخل الحقيقي والوظائف، على ان تركز على الرعاية الصحية والاستعداد للجوائح والتكيف مع التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية وتقوية شبكات الحماية الاجتماعية.

12- تقييم السياسات الاقتصادية التي عالجت مضاعفات جائحة كورونا على الاقتصاد والنمو من اجل تطوير سياسات استباقية والتأهب لمواجهة ازمات كبيرة ومشابه في المستقبل.

مقترحات تقرير الراصد المالي

1- تساعد نظم الحماية الاجتماعية الناس على التعافي من البطالة والمرض والفقر، وتزيد من صلابة الافراد في مواجهة الصدمات السلبية. وتعد شبكات الحماية الاجتماعية والتحويلات النقدية واسعة النطاق والاستفادة من التكنلوجيا في حصر المحتاجين للرعاية والدعم، من ابرز الادوات المطلوبة في المرحلة المقبلة.

2- ضرورة توفر النظم الرامية الى الحفاظ على الوظائف استقرارا قويا للدخل، وهي مفيدة الى جانب مجموعة من الادوات المالية كالدخل اثناء البطالة.

3- الوقاية من الاضرار الناجمة عن ارتفاع اسعار الغذاء والوقود، وتجنب الدعم العام للأسعار نظرا لارتفاع الكلفة وعدم الفاعلية، بدلا من ذلك ينبغي توجيه الدعم الى الاسر منخفضة الدخل عن طريق شبكات الحماية الاجتماعية. وبالنسبة للبلدان منخفضة الدخل ينبغي اعطاء الاولوية للأمن الغذائي.

4- بفضل الدعم المالي الاستثنائي للشركات تم تجنيب الاقتصاد الكلي عواقب خطيرة للازمات الاخيرة، مع ذلك، ينبغي ان تقتصر تلك المساعدات على الازمات الكبيرة التي تكون فيها العوامل الخارجية السلبية واضحة مثل مخاطر انتشار حالات الإفلاس. وذلك لتجنب سلبيات تدخل الحكومة لدعم الشركات نظرا لضعف الحوكمة في العديد من البلدان وعدم القدرة على تقييم ومراقبة مدى قابلية الشركات على الاستمرار.

5- بناءا على تجربة التعاطي مع جائحة كورونا يمكن لصناع السياسات وضع ادوات قابلة للتطبيق بسهولة واعداد استراتيجيات تحدد استجابة السياسات المرغوبة في ظل سيناريوهات مختلف. 

6- يتطلب التصدي المرن للأحداث الاقتصادية المعاكسة بناء هوامش امان مالية في الفترات المريحة لتامين قدرة الحكومات على الاستمرار في تحمل الدين في اطار مستدام وضمان الحصول على التمويل المناسب عند الحاجة.

7- يتطلب ارتفاع الضغوط التضخمية ان توفر السياسة المالية حماية اكثر للفئات الضعيفة وتحديد اولويات الانفاق من بين الاحتياجات المتنافسة وتعبئة الايرادات بصورة تراعي النمو والاستقرار الاقتصادي. مع اتخاذ موقف متشدد لتجنب تحميل السياسة النقدية عبئا مفرطا في سياق مكافحة التضخم.

8- اهمية ان تنجز التدابير المحلية في اطار تعاون عالمي لتعزيز الصلابة، فقد كانت اوجه التظافر العالمي بشان التأهب للجوائح واللقاحات ناجحة اثناء جائحة كورونا ويمكن الاستفادة من التجربة وتقييم السياسات.

التعليقات