أن السلم في العراق غير مستدام، وذلك لعدم اعطاء الاولوية لمؤسسات التربية والتعليم مقارنة بمؤسسات الامن والدفاع، حيث تم توجيه الاموال نحو مؤسسات الامن والدفاع بشكل أكبر من توجيهها نحو مؤسسات التربية والتعليم، بمعنى ان الاسلوب المُتبع لتحقيق السلم في العراق هو الاكراه وليس الاقناع، مما يعني ان السلم غير متجذر في المجتمع ويعيش في محيطه لا في داخله وحياته، ولذلك هو سرعان ما ينزلق ويظهر العنف وتتراجع مسيرة التنمية
يحتل السلم اهمية كبيرة في حياة البلدان، كونه حجز الاساس لتقدم مجتمعاتها وتعزيز رخاءها عكس العنف الذي يجعل المجتمعات متخلفة ويزيد من شقاءها.
ونظراً لارتباط تقدم مجتمعات البلدان وتعزيز رخاءها بالسلم، يصبح السلم مستدام مسألة ضرورية لأجل جعل التقدم والرخاء يتصفان بالاستدامة ايضاً وإلا يكون التخلف والشقاء من نصيبها.
حيث يختلف السلم المتحقق في أي مجتمع من حيث استدامته حسب الاسلوب المُتبع في تحقيقه، الاكراه أم الاقناع؟
ان كان اسلوب الاكراه هو المتبع لتحقيقه فانه لن يستمر وسيزول بمجرد زوال مُسبب تحققه ويصبح سلم آني(مؤقت)، في حين سيستمر ولن يزول ويصبح مستداماً ان كان اسلوب الاقناع هو المُتبع لتحقيقه.
إذ ان اكراه المجتمع على أي أمر لا يمكن أن ينفذ إلى داخله ويعتقد به ولا يصبح جزء من حياته ويبقى في محيطه ويسمح للتفريط به في ابسط فرصة ممكنه فيزول بسرعة، عكس الاقناع، وسط اجواء الحرية؛ يجعل ذلك الامر جزء من حياته بل ومتغلغل في اعماقه(المجتمع) ومطبوع به ولا يسمح التفريط به فلا يزول بسرعة.
في ضوء هذه التوطئة يصبح من الضروري العمل على معرفة مدى استدامة السلم في العراق، وذلك من خلال تشخيص الاسلوب المُتبع لتحقيقه، والعمل على جعله مستداماً ان لم يكُن كذلك.
سيتم التركيز في هذا المقال على العمل الرسمي(الحكومي) في كيفية تحقيق السلم، وبالتحديد من خلال توجيه الاموال العامة، أي هل يتم توجيهها نحو الامن والدفاع (الاكراه، العنف) أم نحو التربية والتعليم (الاقناع، اللاعنف)؟
إذ ان تخصيص الاموال العامة وتوجيهها يعطي صورة واضحة عن مدى اولويات الحكومة من حيث استدامته أي هل تهتم بالسلم المستدام أم السلم الاني(المؤقت)؟
يُمكن ملاحظة ذلك من خلال الارقام في الموازنة العامة لعام 2023، والتي ستستمر بصيغتها العامة لعامين قادمين.
اولاً: موازنة الامن والدفاع
في هذه النقطة يمكن تناول مؤسسات الامن والدفاع من حيث القوى العاملة في كل مؤسسة وموازنة مؤسسات الامن والدفاع وكما يلي:
1- القوى العاملة في مؤسسات الامن والدفاع
جدير بالذكر ان مؤسسات الامن والدفاع لا تقتصر على وزارتي الدفاع والداخلية وحسب بل تشتمل على مؤسسات أخرى موضحة أدناه؛ والقوى العاملة إزاء كل واحدة منها وهي:
أ- وزارة الداخلية، عدد منتسبيها 701,446 منتسب.
ب- وزارة الدفاع، عدد منسبيها 453,951 منتسب.
ج- مجلس الامن الوطني، عدد المنتسبين العاملين فيه 14,308 منتسب.
د- جهاز المخابرات الوطني العراقي، عدد المنتسبين العاملين فيه 11,840 منتسب.
ه- هيئة الحشد الشعبي، عدد المنتسبين العاملين فيها 238,075 منتسب.
و- الفرقة الخاصة (12) ألف عنصر
ز- جهاز مكافحة الارهاب، عدد منتسبيه 23,712 منتسب.
ح- هيئة المنافذ الحدودية، عدد منتسب 2,684
ط- هيئة التصنيع الحربي 88 منتسب.
ي- التسليح/ لوزارتي الداخلية والخارجية وهيئة الحشد الشعبي.
وعند جمع الاعداد أعلاه، نحصل على عدد القوى العاملة في مؤسسات الامن والدفاع وهو 1,458,104 ويُشكل هذا العدد ما نسبته 35% من مجموع القوى العاملة في كل مؤسسات الدولة البالغ 4,074,697 موظف حسب موازنة 2023.
2- موازنة مؤسسات الامن والدفاع
تشير موازنة مؤسسات الامن والدفاع للتخصيصات المالية التي خصصتها الدولة وستنفقها على مؤسسات الامن والدفاع لسنة مُقبلة، والتي تقسم للنفقات التشغيلية والرأسمالية.
حيث بلغت الاموال العامة التي خصصتها الدولة العراقية 30,027,384,080 ألف دينار في موازنة 2023 والتي ستنفقها على مؤسسات الامن والدفاع الموضحة اعلاه.
تُشكل هذه الموازنة 15% من الموازنة العامة البالغة 198,910,343,590 ألف دينار، بمعنى ان نسبة كبيرة الموازنة العامة تذهب لمؤسسات الامن والدفاع.
وفي الوقت الذي خصص من هذا المبلغ للجانب التشغيلي 26,219,885,516 ألف دينار، خصص 3,618,566,199 ألف دينار للجانب الرأسمالي، والمتبقي 188 مليار دينار خصصت للبرامج الخاصة، حسب موازنة 2023.
حيث نلاحظ ان النفقات التشغيلية تشكل 87% والنفقات الرأسمالية تشكل 12% والبرامج الخاصة 1% من النفقات العامة لموازنة مؤسسات الامن والدفاع.
ثانياً: موازنة التربية والتعليم
في هذه النقطة يمكن تناول مؤسسات التربية والتعليم من حيث اعداد القوى العاملة في كل مؤسسة منها ومن حيث موازنتها وكما يلي.
1- القوى العاملة في مؤسسات التربية والتعليم
لا تقتصر موازنة التربية والتعليم على وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي وحسب بل تشمل مؤسسات اخرى، موضحة أدناه؛ والقوى العاملة إزاء كل واحدة منها وهي:
أ- وزارة التربية، يبلغ عدد القوى العاملة فيها 963,949 بين موظف ومعلم وتدريسي.
ب- وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وان عدد القوى العاملة فيها 150,212 بين موظف وتدريسي.
ج- كلية الامام الاعظم (رحمه الله) الجامعة، عدد القوى العاملة فيها 1,540 بين موظف وتدريسي.
د- كلية الامام الكاظم (عليه السلام) للعلوم الاسلامية الجامعة، عدد القوى العاملة فيها 1,738 بين موظف وتدريسي.
ه- المجمع العلمي، لم تذكر الموازنة عدد القوى العاملة فيه.
و- المبادرة التعليمية لدولة رئيس الوزراء، حيث لم يُذكر عدد القوى العاملة فيها لان اعضاءها قد يكونون موظفون في مؤسسات الدولة بالأساس.
ز- الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة، لم تذكر الموازنة عدد القوى العاملة فيه.
وعند جمع الاعداد أعلاه، نحصل على عدد القوى العاملة في مؤسسات التربية والتعليم وهو 1,117,439 ويُشكّل هذا العدد ما نسبته 27% من مجموع القوى العاملة في كل مؤسسات الدولة الذي تمت الاشارة إليه آنفاً.
2- موازنة مؤسسات التربية والتعليم
تشير موازنة مؤسسات التربية والتعليم للتخصيصات المالية التي خصصتها الدولة وستنفقها على مؤسسات التربية والتعليم في سنة مُقبلة، والتي تقسم للنفقات التشغيلية والرأسمالية.
حيث خصصت الدولة العراقية مبلغ 15,344,022,433 ألف دينار الذي سيتم انفاقه على مؤسسات التربية والتعليم في سنة 2023.
تُشكل هذه الموازنة 7% من الموازنة العامة البالغة 198,910,343,590 ألف دينار، بمعنى ان 7 % من هذه الموازنة تذهب لمؤسسات التربية والتعليم.
وفي الوقت الذي بلغت النفقات التشغيلية 14,722,492,901 ألف دينار، بلغت النفقات الرأسمالية 510174595 ألف دينار في موازنة 2023، والمتبقي 111354937 ألف دينار للبرامج الخاصة.
حيث نلاحظ ان النفقات التشغيلية تشكل ما يُقارب 96% والنفقات الرأسمالية تشكل 3.3% والبرامج الخاصة تشكل 0.7% من النفقات العامة لموازنة مؤسسات التربية والتعليم.
ثالثاً: مقارنة
ان المقارنة بين النقطتين اولاً وثانياً سيتضح مدى استدامة السلم في العراق وذلك من خلال معرفة الاسلوب المتبع في تحقيقه.
1- القوى العاملة في مؤسسات الامن والدفاع (1,458,104 منتسب) أكبر من القوى العاملة في مؤسسات التربية والتعليم(1,117,439).
2- تشكل القوى العاملة في مؤسسات الامن والدفاع نسبة (35%) أكبر من القوى العاملة في مؤسسات التربية والتعليم (27%) من مجموع القوى العاملة في كل مؤسسات الدولة البالغ 4,074,697 موظف.
3- موازنة مؤسسات الامن والدفاع (30 تريليون دينار) أكبر من موازنة مؤسسات التربية والتعليم (15 تريليون دينار).
4- تشكل موازنة مؤسسات الامن والدفاع نسبة (15%) أكبر من نسبة موازنة مؤسسات التربية والتعليم (7%) من الموازنة العامة البالغة 198 تريليون دينار.
5- تشكل نسبة موازنة مؤسسات الامن والدفاع أكثر من ضعفيّ موازنة مؤسسات التربية والتعليم من الموازنة العامة (15/7= 2.14)
6- ان نسبة النفقات الرأسمالية (12%) من موازنة مؤسسات الامن والدفاع أكبر من نسبة النفقات الرأسمالية (3.3%) من موازنة مؤسسا التربية والتعليم.
هذه المقارنة تعطي انطباعا واضحا بأن السلم في العراق غير مستدام (سلم آني) (وقتي)، وذلك لعدم اعطاء الاولوية لمؤسسات التربية والتعليم مقارنة بمؤسسات الامن والدفاع، حيث تم توجيه الاموال نحو مؤسسات الامن والدفاع بشكل أكبر من توجيهها نحو مؤسسات التربية والتعليم.
بمعنى ان الاسلوب المُتبع بالدرجة الاولى لتحقيق السلم في العراق هو الاكراه وليس الاقناع، مما يعني ان السلم غير متجذر في المجتمع ويعيش في محيطه لا في داخله وحياته، ولذلك هو سرعان ما ينزلق ويظهر العنف وتتراجع مسيرة التنمية.
ولأجل جعل السلم مستدام لابُد من العمل على إعادة النظر بسلم الاولويات بشكل عام ومؤسسات التربية والتعليم ومؤسسات الامن والدفاع بشكل خاص.
أي اعطاء الاولوية لمؤسسات التربية والتعليم في الموازنة العامة وبالخصوص النفقات الاستثمارية، لأجل تعميم وتجذير ثقافة السلم والعلم لا العنف والجهل، لان العلاقة بين السلم والتربية والتعليم، علاقة طردية أي كلما يرتفع مستوى التربية والتعليم وتنتشر تتجذر ثقافة السلم والعلم والعكس صحيح.
اضافةتعليق