التداعيات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لأزمة النازحين في كربلاء المقدسة

أدى سقوط الموصل في يوم 10 / حزيران / 2014م إلى نزوح أعداد كبيرة من العوائل جراء تهجيرهم من منازلهم من قبل العصابات الإرهابية بزعامة دولة العراق الإسلامية والمعروفة بـ ( داعش ) ، ولم يجد هؤلاء النازحون مأوى سوى النزوح نحو المحافظات الوسطى والجنوبية وبالأخص محافظتي كربلاء المقدسة والنجف الاشرف ، حيث أخذت العتبات المقدسة في المحافظتين على عاتقها التخفيف من معاناة النازحين من خلال توفير المأكل والمشرب وفتح مدن الزائرين لهم ، بالإضافة إلى مباني المواكب الحسينية المنتشرة على الطرق الواصلة ما بين كربلاء وباقي المحافظات كطريق كربلاء-النجف ، وكربلاء - بابل ، وكربلاء- بغداد من اجل استيعاب الأعداد الهائلة من النازحين . أن نزوح هذه الأعداد الكبيرة من العوائل يضع على كاهل محافظة كربلاء المقدسة عبئا كبيرا ، حيث تحدث محافظها السيد عقيل الطريحي عن وجود ( 50,000 ) ألف نازح فيها ، وقد توزعوا في داخل المحافظة وفي أقضيتها ونواحيها وعلى أطرافها ، وهذا عدد كبير ، وهو خارج طاقة المحافظة الاستيعابية ، وقد قدمت المحافظة ومواطنوها ما يمكن تقديمه من مساعدات لهذه الأسر، ولكن لهذه الأزمة تداعيات عدة أمنية واقتصادية واجتماعية يمكن إجمالها بما يلي : التداعيات الأمنية:- أن ما يشهده العراق اليوم من أحداث هو نتيجة لسياسات خاطئة قامت بها الحكومة العراقية وكذلك البرلمان على جميع المستويات ابتداء من عدم معالجة الاحتقان الطائفي وتغذية أسبابه إلى الخلل الموجود في البنية الأمنية والعسكرية والاقتصادية والعلاقات الإقليمية والدولية للعراق والذي استمر منذ عام 2003م وما يزال مستمرا إلى يومنا هذا ، وربما يرجع السبب في ذلك إلى بنية العملية السياسية المتعلقة بكتابة الدستور الذي قام منذ بدايته على أساس المحاصصة وأدى ذلك بالنتيجة إلى وصول قيادات تقود العملية السياسية وشغلها الشاغل هو السلطة والمال . أن تأثير أزمة النازحين على محافظة كربلاء المقدسة سوف تشمل الوضع الأمني فيها لكونها تتمتع بمكانة دينية متميزة والكل يتربص بها للاعتداء عليها أذا ما تسنى لهم ذلك وخصوصا في هذا الوقت ، وان دخول هذه الأسر إلى المحافظة يمثل خطرا كبيرا أذا لم تتم معالجته امنيا وعسكريا وبصورة دقيقة جدا ، لأن هذه الجماعات قد تحاول دخول المدينة متسترة خلف هذه الأسر من جانب ، ومن جانب أخر فان جغرافية المحافظة وموقعها الحيوي حيث تحيط بها الأخطار من اغلب جهاتها يجعل تأثير هذه الأزمة على الوضع الأمني للمحافظة يتمثل في أمكانية اختراقها من قبل هذه قوى الإرهاب البائسة أذا لم تتم السيطرة على المدينة من خلال السعي إلى تعزيز القدرات العسكرية للجيش ، بالإضافة إلى تعزيز الجهد ألمخابراتي وتحسين طريقة تعامله مع المعلومات التي قد يحصل عليها . التداعيات الاقتصادية :- بعد مرور شهر ونصف على سقوط مدينة الموصل وما تبعها من تداعيات أمنية في عدد من المحافظات تركت هذه ألازمة آثارا سلبية على الوضع الاقتصادي للبلد عموما ، وعلى محافظة كربلاء بشكل خاص ، لأن تدهور الوضع الأمني يؤثر وبصورة مباشرة وتلقائية على الوضع الاقتصادي للبلد ويهدد عملية التنمية الاقتصادية التي تقوم المحافظة بتنفيذها ، خصوصا بعد إعلانها عن عدم قدرتها على استيعاب هذه الأعداد الهائلة من النازحين بسبب العجز المالي الذي تعاني منه جراء عملية تأخير أقرار الموازنة . وأدى وصول هذه الأعداد الكبيرة من الأسر النازحة للمحافظة إلى حدوث أزمة اقتصادية نتج عنها ارتفاع في الأسعار وعلى جميع الأصعدة سواء كانت بضائع أم سلع وحتى العقارات ، ومن ضمن التداعيات الاقتصادية التي سوف تتركها هذه الأزمة على مدينة كربلاء الآن وفي المستقبل ما يلي : أ)البطالة المقنعة التي سوف تؤثر على سوق العمل في القطاع العام المتمثل في مختلف النشاطات العمرانية والسياحية وغيرها من المهن والأعمال الحرة الأخرى ، أما جانب العمل الحكومي المتمثل بمختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية الموجودة في المحافظة سوف تشهد أيضا تكدس عدد كبير من الموظفين أذا تم إضافة الموظفين النازحين إلى مؤسسات ودوائر الدولة في المحافظة . ب)أما ما يتعلق بتوفير الخدمات فأنه سوف يفرض على المحافظة جهودا مضاعفة فوق جهودها التي تبذل من قبل حكومتها المحلية لكون المحافظة تمثل مركزا دينيا يتوافد إليه أعداد كبيرة من الزائرين في الأيام الاعتيادية فما حالها بتوافد هذه الأعداد الهائلة من الأسر النازحة إليها . ج)التضخم السكاني الذي ستعاني منه المحافظة جراء أزمة النازحين إذ أن اغلبهم نزح إلى المحافظة وسكنوا في مركز المدينة وحتى في أطرافها البعيدة وقد لا يفكر الكثير منهم بالعودة مجددا الى مناطقهم الأصلية التي نزحوا منها . التداعيات الاجتماعية :- تتميز كربلاء بكونها تمتلك نسيجا اجتماعيا واحدا وان اختلفت طبقاته ، وهذا النسيج يتمثل بوجود مكون واحد بسود فيها متمثلا بأبناء المذهب الشيعي الاثنا عشري ، وأن تأثير أزمة النازحين اجتماعيا قد يبرز نتيجة طبيعة التعايش ما بين الاثنين ، لأن هؤلاء النازحين يمثلون بيئة تختلف تماما عن بيئة المجتمع الكربلائي ومن جميع النواحي ، وتوافد هذه الأعداد الكبيرة على المحافظة يمثل خطرا كبيرا يتمثل في وجود مخاوف حقيقية من محاولة إحداث تغيير ديمغرافية داخل المحافظة من جهة ، وحصول تنوع ثقافي مفروض قد يقود إلى التنافر الثقافي مستقبلا. وإذا ما قارنا بين دور الأمم المتحدة في العراق فيما يتعلق بأزمة النازحين وما يتعرضون له ودورها في بلدا ما – ولتكن سوريا مثلا - فسوف نلاحظ أن هناك فارق كبير بينهما حيث أنها في سوريا قامت بإرسال بعثات تراقب الوضع عن كثب وأرسلت مختلف المساعدات اللازمة ، بينما في العراق فقد اكتفت بالشجب والتنديد بهذه الأعمال متناسية أن ما يشهده العراق اليوم من أحداث يمثل كارثة إنسانية ، لكونه استهدف جميع دياناته وطوائفه وقومياته ، فلم يميز بين أحدا منهم بل شمل الجميع ، وهذا ما يؤكد لنا بان هناك ازدواجية في الموقف من قبل المنظمات الدولية ومن أبرزها الأمم المتحدة ، وحتى من قبل الدول العربية حيال ما يشهده العراق . في ضوء ما تقدم نصل إلى عدد من الأمور التي من المفيد اعتمادها من قبل الحكومة المحلية في المحافظـــة للسيطـــرة على الوضـع الراهـن الذي يمـر به البلـد عامـة والمحافظـة بشكل خاص مـن خـلال :- 1) قيام الحكومة المحلية بمطالبة الحكومة المركزية بتخصيص مبالغ مالية إضافة إلى ميزانية المحافظة من اجل السيطرة على توفير كافة المتطلبات والاحتياجات الضرورية لهذه الأسر النازحة ، وإعداد خطة طوارئ متكاملة لهذه الأزمة ومثيلاتها في المستقبل . 2) قيام الحكومة المحلية في المحافظة وبالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لاسيما الهلال والصليب الأحمر بإنشاء مخيمات خاصة لهؤلاء النازحين وجمعهم في وحدات خاصة من اجل السيطرة على أي خرق قد يحدث من خلال تخفي الجماعات الإرهابية بينهم . 3) جمع هذه الأسر النازحة في منطقة واحدة مخصصة لهم أفضل من انتشارهم في جميع أرجاء المحافظة ، وان هذا سوف يسهل عملية خروجهم من المحافظة في حال انفراج الأزمة القائمة ، أو توطينهم بشكل آمن بين السكان . 4) مما تجدر الإشارة إليه أن العاملين في العتبتين المقدستين ( الحسينية والعباسية ) قد بذلوا جهودا كبيرة في إيواء النازحين ، وعليه يجب أن يكون هناك تواصل مستمر ما بين ممثلي العتبتين وما بين أعضاء المحافظة من اجل الوقوف على مكامن الضعف والقوة التي يتمتعان بها ومعالجة الظروف الحرجة بشكل واع ومدروس . 5) تشكيل وحدة متخصصة لدراسة الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والأمني وهي ما تعرف بـ ( خلية أزمة ) داخل الحكومة المحلية في كربلاء على أن تضم عددا من المختصين بهذه الأمور ، من اجل الوقوف على ما تعانيه المحافظة والسعي إلى وضع الحلول الممكنة للسيطرة على الأوضاع الصعبة التي تمر فيها ، لأنه وحسب التقارير يدخل ما بين ( 500 – 700) نازح إلى المحافظة يوميا وهذا رقم مخيف وله تداعيات كثيرة تتطلب جهود حقيقية لمواجهته.
التعليقات