العراق وتحديات سنة 2025

شارك الموضوع :

سنة 2025 ليست اعتيادية بالنسبة للعراق؛ كونها تأتي في ظل ظروف خطيرة للغاية تجعل عبورها الآمن أمرا مثيرا لدهشة وارتياح الحكومة وجميع القيادات السياسية المتنفذة في هذا البلد، ولذا تتطلب الحذر الشديد، فالأخطاء المرتكبة فيها على مستوى القرارات والمواقف والحسابات ستكون كارثية ومن الصعب تلافي اضرارها وعواقبها

 سنة 2025 ليست اعتيادية بالنسبة للعراق؛ كونها تأتي في ظل ظروف خطيرة للغاية تجعل عبورها الآمن أمرا مثيرا لدهشة وارتياح الحكومة وجميع القيادات السياسية المتنفذة في هذا البلد، ولذا تتطلب الحذر الشديد، فالأخطاء المرتكبة فيها على مستوى القرارات والمواقف والحسابات ستكون كارثية ومن الصعب تلافي اضرارها وعواقبها. 

ان العراق يبحر في سنته الجديدة في بيئة إقليمية ودولية غير مستقرة، وحافلة بالتغييرات العاصفة، والتطورات الصادمة، ناهيك عن بيئة داخلية تشهد استقرارا هشا يثير الترقب والخوف واللا يقين. ولكن على الرغم من كثرة التحديات خلال هذه السنة، فان هناك خمسة تحديات رئيسة ينبغي التركيز عليها وهي:

أولا- تحدي التصعيد الأمريكي-الإيراني.

شكل فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بولايته الجديدة التي سيفتتحها رسميا في العشرين من شهر كانون الثاني-يناير الجاري اسوء كوابيس طهران؛ فشخصية الرئيس الجديد، وطريقة معالجته للملفات الدولية، ورؤيته للمصالح الأمريكية، وتجربته السابقة المشحونة بالعداء ضد ايران ...كلها أمور تجعل التصعيد سيد الموقف بين الطرفين خلال هذه السنة، وسيشمل هذا التصعيد امريكيا مظاهرا عديدة منها: العقوبات الاقتصادية، واستهداف اذرع طهران ومصالحها في الشرق الأوسط، وحملة إعلامية عدائية، والضغط غير المسبوق على برنامج طهران النووي والصاروخي...الخ، ولن تقف طهران مكتوفة الايدي تجاهه، بل سترد بطريقة تصعيدية، مما يعني ان الصراع بين الطرفين قد يصل الى حافة الهاوية اذا فشلت الجهود الدبلوماسية في احتواءه. وسيلقي هذا التصعيد تبعاته على بغداد، اذ ستكون في موقف صعب بين رغبة حكومتها في الحفاظ على علاقة متوازنة بين الطرفين مع حثهما على ابعاد العراق من ان يكون ساحة لتصفية حساباتهما من جهة، وبين مدى قدرتها على ضبط الأوضاع الداخلية؛ لمنع بعض الأطراف المحلية المسلحة من الخروج عن السيطرة في التعامل مع الموضوع من جهة اخرى. 

ثانيا- التحدي الانتخابي.

في مطلع شهر تشرين الأول المقبل سيكون العراق على موعد مع استحقاق انتخابي اتحادي جديد يتمثل في انتخاب برلمان جديد للبلاد، وغالبا ما تكون السنوات الانتخابية مشحونة بالصراع بين الفرقاء السياسيين في كل دول العالم، ولكنها أكثر سخونة في العراق؛ بسبب حداثة تجربته الديمقراطية وشدة التقاطع في المصالح بين قواه السياسية، فضلا عن وجود دول خارجية لها مصالح معينة تدفعها للتدخل في الشأن الداخلي العراقي... 

وما يقلق في الانتخابات الجديدة ايضا طبيعة الظروف الخارجية والداخلية الضاغطة التي تجري فيها، مثل: تطورات حرب غزة، والصراع الأمريكي-الإيراني، ومخاوف القوى السياسية التقليدية والجديدة، فضلا على احتمال مشاركة التيار الصدري... مما يجعل الصراع الانتخابي على أشده بين من يريد إبقاء التوازنات السياسية الحالية كما هي، وبين من يريد تغييرها، وقد يصل هذا الصراع حدا يجعل اجراء الانتخابات نفسها في وقتها الدستوري محل شك.

ثالثا- التحدي الاقتصادي.

الاقتصاد العراقي اقتصاد ريعي يعتمد على واردات النفط، ولم تثمر جهود الحكومات المتعاقبة حتى الان عن انطلاق استراتيجية ناجحة للتنمية الشاملة، فلا زالت محفظة الغالبية العظمى من العراقيين معتمدة على الرواتب الحكومية، حتى وصل الامر الى ان معظم إيرادات النفط تذهب الى النفقات التشغيلية للموازنة على حساب نفقاتها الرأسمالية. 

ومع وجود اعداد هائلة من البطالة المتعلمة وغير المتعلمة ووجود عجز حكومي عن توظيف المزيد، فان اتساع حجم البطالة ينذر بالكثير من المشاكل للحكومة خلال هذه السنة والسنوات القادمة، في ظل الظروف الحالية لأسعار النفط، اما اذا واجه الاقتصاد العراقي صدمة ما بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية او بسبب إجراءات وزارة الخزانة الامريكية المتوقعة في عهد ترامب، فان مشاكل الحكومة لن تقتصر على العاطلين عن العمل، وانما ستشمل أيضا ملايين الموظفين والمتقاعدين الناقمين عليها في حال تأخر رواتبهم او عجز الحكومة عن دفعها. 

ان استمرار الوضع الاقتصادي العراقي بوضعه غير الآمن الحالي يجعل الاقتصاد قنبلة موقوتة داخل جسد الدولة ستنفجر يوما ما لتعم الجميع بخطرها.

رابعا- تحدي الخدمات.

جعلت الحكومة العراقية الحالية الخدمات في قمة أولوياتها وهذا ما أعلنته في برنامجها الرسمي، بل واطلقت على نفسها حكومة الخدمات، الا انها -للأسف- ورثت تركة ثقيلة من الخدمات العامة المحدودة؛ نتيجة الفساد والهدر في المال العام وسوء التخطيط والتنفيذ...ولذا معظم ما تقوم به الحكومة من برامج ومشاريع لن تجني ثمارها بنفسها وانما ستجنيه الحكومات اللاحقة، ولهذا ستبقى مشكلة العراقيين مع ضعف الخدمات المقدمة لهم قائمة خلال عمر هذه الحكومة، ولاسيما مشكلتهم مع الطاقة الكهربائية، التي اذا بقى مستوى تجهيزها في الصيف القادم بمثل تجهيزها خلال هذا الشتاء، فإنها ستكون منطلقا لاحتجاجات واسعة ستستغل سياسيا لإفشال الحكومة واحراجها لأسباب مختلفة، بل قد تُستغل أيضا لإثارة الفوضى وعرقلة اجراء الانتخابات القادمة في وقتها المحدد.

 خامسا- تحدي تطورات الوضع السوري.

فتح سقوط نظام بشار الأسد سوريا على جميع الاحتمالات، والاحداث في هذا البلد ستُلقي بتبعاتها- إيجابا ام سلبا- على العراق، واذا لم تُحسن السياسة الخارجية العراقية تقييم الوضع السوري الجديد بالتحرك السريع والفاعل لتشكيل تحالف إقليمي ودولي يضبط تطوراته، ومساعدة قيادته الجديدة في اطلاق عملية سياسية شاملة لحفظ وحدة وسيادة واستقلالية سوريا، وحماية حقوق وحريات جميع مواطنيها، ومنع حصول حرب أهلية او إقامة امارة إسلامية متطرفة، فان الأرض السورية ستكون منطلقا لمخاطر كبيرة تهدد الامن والاستقرار في العراق خلال هذه السنة والسنوات القادمة.

هذه التحديات الخمسة يجب ان تكون ماثلة امام انظار الحكومة والقيادات العراقية خلال سنة 2025، كما عليها التعامل معها بحكمة وسرعة من خلال وضع السياسات والبرامج والحلول المناسبة، فتجاهلها او تأخير التحرك بشأنها سيكون مكلفا للغاية، وخارج سقف التوقعات.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية