مستقبل العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان العراق

تقرير أعده:

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية بمشاركة نخبة من الأكاديميين والخبراء في الاقتصاد والقانون والسياسة

 

توطئة:

يؤدي استمرار حكومة اقليم كوردستان العراق في الاستحواذ على حصته السنوية من النفقات الاتحادية (الجارية والاستثمارية)، مع الامتناع الكامل عن المساهمة في الايرادات الحكومية (النفطية وغير النفطية)، الى اتساع خطوط الصدع بين المركز والاقليم وتعميق الخلافات المستمرة منذ عقود حول السيادة الوطنية للعراق.  

ان حكومة كوردستان العراق ضمن حدودها التي كانت قائمة عند التغيير عام 2003 يمكن ان تندرج، على الاغلب، تحت مصطلح الاستقلال بالأمر الواقع. وهذا الاستقلال تجلّى في ادارة الثروة الطبيعية لا سيما استكشاف وتطوير واستخراج وتصدير النفط وغيرها. علما إن الثروة الطبيعية هي مرتكز اقتصاد العراق وماليته العامة. وان اصرار حكومة كوردستان العراق على التصرف المستقل بالثروة النفطية ليس كما يقال بسبب عدم الاتفاق على قانون النفط والغاز، او التفسير المتفاوت لنصوص الدستور، انما هو مطلب الاستقلال الاقتصادي والسياسي للإقليم.

ورغم استمرار تمويل حصة اقليم كوردستان العراق من الموازنة العامة لغاية الان، الا انه لم يعطي الحكومة العراقية اية سيادة مالية على النفط ولا على المنافذ الحدودية وغيرها من الايرادات السيادية في اقليم كوردستان العراق. مع ان الموازنة العامة ليست مجرد قيود محاسبية للإيرادات والنفقات بل هي سلطة وتتمثل فيها السيادة على اعلى درجاتها، وهو المعروف في جميع الدول الاتحادية مثل الولايات المتحدة والمانيا والبرازيل ... وغيرها، وهذا لا يتنافى مع سيادة حكومة اقليم كوردستان العراق لكنها طبيعة الدولة الاتحادية.

ان من اهم ضمانات المستقبل الحاكمة لطبيعة العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان العراق دوام الحضور الفعال لانضواء الجميع تحت مظلة الدستور والتزام القانون في إدارة الخلافات القائمة بين الطرفين. وطالما تركزت العلاقة بين المركز والاقليم بمقايضة الاستقلال بمكاسب، مالية وجغرافية وترتيبات امنية وعلاقات اقليمية ودولية لإقليم كوردستان العراق مع البقاء اسميا ضمن العراق، فان احتقان الخلافات القانونية والاقتصادية في تطور مستمر. 

المحور الاول: الإطار القانوني لمخالفات حكومة اقليم كوردستان:

في هذا المحور تم طرح السؤال الآتي:

س1// ما هي الاشكاليات القانونية المترتبة على العلاقة الراهنة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان العراق، وما هي الحلول المناسبة لتوصل الى تسوية قانونية عادلة؟

فكانت اجابة المشاركين بالشكل كما يلي:

 الاستاذ الدكتور خالد عليوي العرداوي / مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية.

تشكل العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد، والحكومة المحلية في اقليم كوردستان العراق واحدا من الملفات المعقدة في عراق ما بعد عام ٢٠٠٣، بل قد يكون من اكثرها تعقيدا وتهديدا لوحدة العراق وسيادته الدولية. فمن الناحية السياسية كانت وما زالت القوى السياسية في الإقليم شريكا اساسيا لبقية القوى السياسية العراقية (الشيعية والسنية على وجه الخصوص) وتتحمل معها مسؤولية كل ما يتعرض له العراق وشعبه من مشاكل وازمات، لاسيما ما يرتبط منها بتنامي معدلات الفساد واضعاف سلطة انفاذ القانون، والمحاصصة غير الكفوءة في ادارة الدولة، وفتح حدود البلد للتدخل الخارجي متعدد الأوجه، وقد تآزرت هذه القوى فيما بينها لخدمة مصالحها الضيقة على حساب مصلحة الوطن والمواطن. اما من الناحية القانونية، فالعلاقة بين بغداد واربيل مشوهة للغاية، فهذه العلاقة هي أكبر من علاقة حكومة اتحادية بإقليم اتحادي، وهي اقل من علاقة بين دولتين مستقلتين؛ ولا تخفي اربيل رغبتها بالاستقلال عن بغداد، لكن الظروف الاقليمية والدولية لا تسمح لها في الوقت الحاضر بتحقيق هذه الرغبة، وقد لا تدوم هذه الظروف الى الابد. هذا الامر جعل سيادة الدستور والقانون الاتحادي في الاقليم محل شك كبير، فمنذ عام ٢٠٠٣ الى الوقت الحاضر لم تخضع اربيل الى السيادة الاتحادية في فرض الرسوم والضرائب في منافذها الحدودية، وعلى اراضيها، كما لم تخضع ادارة مطاراتها وقوتها الامنية لسيادة بغداد، ناهيك عن استثمار واستغلال موارد الطاقة فيها، وتقريبا جميع قوانين الموازنة الاتحادية كان فيها الاقليم محل شك كبير في تنفيذ تعهداته المقطوعة لشركائه السياسيين فيها. لقد أصبحت هذه العلاقة المرتبكة ومعدومة الثقة والنوايا الحسنة بين الطرفين محل استهجان ونقد مستمر من كثير من العراقيين لقياداتهم السياسية وحكومتهم الاتحادية، ووجدوا فيها معايير تعامل غير عادلة وغير شفافة، وبات ضغط الرأي العام، لاسيما في وسط وجنوب العراق واضحا للغاية، وهو ينذر بتفجر موجة من الاحتجاجات الناقمة والمطالبة بتحمل جميع قوى ومكونات العراق لمسؤوليتها في تطبيق القانون، وحماية وحدة وسيادة العراق، والتوزيع العادل للدخل والثروة بين مواطنيه.

ان عدم ايجاد اطر مناسبة لمعالجة هذا الملف قد لا يهدد بإسقاط الحكومة وقواها السياسية، بل ربما يفتح الباب مشرعا الى تقسيم قسري للعراق ينذر بعواقب وخيمة للجميع، بما فيهم المواطنين الكورد الذين قد تتعرض مكتسباتهم وتطلعاتهم الى المصادرة بشكل او آخر، وليس بالضرورة حدوث ذلك من قوى محلية، فالقوى الخارجية متربصة وتنتظر الوقت المناسب للانقضاض على الاقليم وتحقيق مصالحها على حسابه.

ان الحل الامثل والاكثر امانا لملف العلاقة بين بغداد واربيل يكون عبر عقد سياسي نهائي تتخلى بموجبه القوى السياسية الكوردية على اختلاف مسمياتها بالولاية القانونية الواضحة للحكومة الاتحادية على اراضيها، وتطبيق بنود الدستور بكاملها دون انتقائية ومماطلة، والاشتراك الفعلي مع بقية العراقيين في خلق روابط مصالح اقتصادية وثقافية تشدهم بعضهم للبعض الاخر؛ بهدف خلق وحدة سياسية قائمة على الرضا والقناعة بدلا من وحدة مفروضة بحكم الظروف او قائمة على الشك وتحين الفرص لتحقيق مصالح ضيقة تهدد مصالح العراق العليا. 

ان الفرصة متاحة لبغداد واربيل لتصحيح مسار العلاقة بينهما، وتلافي اخطاء الماضي القريب، فمصلحة الطرفين القريبة والمتوسطة والبعيدة تحتم عليهما ذلك، لكن ذلك يقتضي توافر الارادة السياسية والنوايا الحسنة والمهارة المطلوبة للوصول اليه. فالتعاون بين الطرفين تحت مظلة السيادة العراقية الواحدة والكاملة، وتطبيق نصوص الدستور بشفافية ووضوح تعد من الثوابت التي لا غنى عنها لحلحلة هذا الملف الشائك، والتي بغيابها سيبقى التوتر وسوء الفهم، وربما الصراع هي الهواجس المتحكمة باي رؤية تحاول معالجته، وستكون تأثيرات ذلك خطيرة للغاية في ظل ظرف دولي واقليمي يتطلب الذكاء والتعاون والعمل على قاعدة المشتركات الضامنة للصالح.

 الاستاذ المساعد الدكتور علاء ابراهيم الحسيني/ كلية القانون-جامعة كربلاء

الاشكاليات القانونية بين المركز والإقليم عديدة وعميقة تقف في مقدمها: 

1- المناطق المتنازع عليها، لا سيما محافظة كركوك.

2- النفط والغاز.

3- حصة الإقليم في موازنة الدولة الاتحادية.

4- المنافذ الحدودية.

وغير ما ذكر كثير والسبب في العلاقة غير الطبيعية بين المركز والإقليم التي تمتد جذورها إلى ما قبل العام 2005 أي قبل إقرار الدستور الاتحادي، فقد حصلت المحافظات الثلاث (دهوك وأربيل وسليمانية) على وضع قانوني خاص بها منذ العام 1991 بعد الانتفاضة الشعبية في الجنوب والشمال بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (688) الذي فرض منطقة حظر طيران شمال العراق، إذ أصبح لتلك المحافظات شبه استقلال تام عن السلطة المركزية في العاصمة وأستمر الحال إلى حين سقوط النظام المباد حين ساهمت القيادة الكردية في صياغة ملامح المرحلة الحالية فقد اشتركوا في التفاوض مع سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة ومن ثم دخلوا في تكوين مجلس الحكم وكان قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية بمثابة صياغة مباشرة لأغلب طموحاتهم فقد اعتبر ان العراق دولة اتحادية وخص كركوك وغيرها بأحكام معينة، ثم تلاه دستور 2005 الذي كان المؤسس الدستوري بغاية الكرم مع الإقليم فأعتبر في المادة (117)إقليم كردستان بسلطاته القائمة إقليما اتحادياً، وبدأت رحلة المشاكل القانونية مع المركز منذ العام 2005 ونستعرض فيما يلي لأهم المشاكل القانونية وهي:

1- تعديل الدستور: إذ أثبت التطبيق العملي ان الدستور العراقي تمت صياغته على عجل ووضعت فيه بعض النصوص غير الملائمة للبيئة العراقية فتسببت بمزيد من الإشكاليات أضف لذلك ان الدستور كأي قانون بحاجة مستمرة لإعادة النظر بنصوصه التي لم تعد تتلاءم مع إرادة الشعب وتطلعاته، وبعد الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر الماضي شكل مجلس النواب لجنة لتعديل بعض النصوص استنادً للمادة (142) من الدستور إلا أن الواقع يقول استحالة تعديل بعض النصوص الخلافية التي أضعفت الدولة، لاسيما ما يتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم فيها، أضف لما تقدم التبعات القانونية لقرار الاستفتاء على استقلال كردستان العراق والذي جرى في شهر أيلول العام 2017، إذ أعاد إلى الأذهان احتمالية تفتيت وحدة الدولة وضرورة إعادة النظر بالضمانات الدستورية والقانونية التي من شانها ان تكفل وحدة الدولة.

2- تعطيل إصدار العديد من القوانين الأساسية التي من شأنها ان تدعم الحكم الرشيد في الدولة وتعزز أسس الشفافية والمساءلة ومنها قانون المحكمة الاتحادية بصياغته التي أوجبها الدستور في المادة، (93)، ومجلس الاتحاد الذي من المفترض ان يضمن التمثيل العادل للوحدات الاتحادية في العراق بشكله المبين في الدستور بالمادة (65) فهذه القوانين لو صدرت لتم تأسيس جهات اتحادية من الممكن ان تكون مفاتيح لحل جميع المشاكل لا سيما ان علمنا ان قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة ومجلس الاتحاد بوصفه الممثل للأقاليم والمحافظات يمكن ان يكون جهة تحكيم أو يسهم في الحلول اللازمة للعقبات المتراكمة.

3- ملف الثروات الطبيعية حيث تنص المادة (111) على ان النفط والغاز ملك الشعب العراقي وبينت المادة (112) ضرورة مساهمة الأقاليم والمحافظات مع المركز في رسم الخطط الاستراتيجية لإدارة هذه الثروة، والأمر بحاجة لسن قانون النفط والغاز ليبين الآليات اللازمة لما تقدم، بيد ان الإقليم نجح بتعطيل سن القانون منذ العام 2006 ولغاية الآن، وبادر إلى التعاقد مع شركات أجنبية بدون استحصال موافقة المركز واستمر ببيع النفط بعيداً عن شركة تسويق النفط الوطنية سومو.

4- ملف الكمارك والمنافذ الحدودية التي تعد من الاختصاصات المشتركة بموجب المادة (114) من الدستور، وتوجد في الإقليم العديد من المنافذ والمطارات وهي بالواقع خارج سيطرة الحكومة المركزية ما يعني تعطيل تنفيذ قوانين اتحادية مهمة (كقانون التعريفة الكمركية22 لسنة 2010) وغيره من القوانين التي من شأنها ان ترسم السياسة الكمركية للبلد وتحدد أسس التجارة عبر الحدود الخارجية وتسهم في رفد واردات الموازنة بمصادر مهمة.

5- حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية التي تتحدد بنسبة 17%. ودأبت قوانين الموازنة الاتحادية وكان أخرها قانون رقم (1) لسنة 2019 والذي نص في المادة الأولى على كمية النفط المتوقع تصديرها في كل يوم بضمنها (250) ألف برميل تسلم من الإقليم إلى شركة سومو لتصدر إلى الخارج، والتي لم يلتزم بها الإقليم. 

6- الوضع القانوني للمناطق المتنازع عليها التي خصها دستور 2005 بوضع خاص حيث أشارت المادة (140) من دستور 2005 إلى ضرورة اتباع جملة من الإجراءات لتطبيع الأوضاع وإجراء استفتاء فيها لتحديد مدى إمكانية انضمامها لإقليم كردستان أو البقاء كمحافظة غير منتظمة في إقليم، ولم يحصل أي اختراق أو تقدم بهذا الملف منذ أكثر من عشر سنوات. 

7- أضف لما تقدم نجد ان الدستور العراقي سلك طريقاً سمح بتراكم المشاكل حين حدد على سبيل الحصر سلطة الهيئات الاتحادية ومنح الأقاليم سلطة البت في المسائل الأخرى بموجب المادة (110) وما تلاها من المواد الدستورية.

8- كما ان علو القانون الإقليمي على الاتحادي في المسائل المشتركة والمسائل الأخرى غير الحصرية المنصوص عليه في المادة (115) من الدستور جعل الإقليم في مركز دستوري متميز يسمح له بالتمرد على المركز ولهذا حاولت المحكمة الاتحادية الحد من هذا الاطلاق الدستوري ((في حكمها رقم 6/ لسنة 2009 والذي جاء فيه ان الأولوية في التطبيق تكون لقانون الإقليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حال التعارض مع القانون الاتحادي مالم يكن مخالفاً للدستور وذلك فيما يتعلق بالصلاحيات المشتركة)

9- قانون الانتخابات المزمع تشريعية والذي طال انتظاره منذ شهر كانون الأول 2019 تم التصويت على أغلب فقراته عقب الحركة الاحتجاجية الشعبية يمثل نقطة خلاف بين المركز والإقليم لرفض الأحزاب الكردية الكبيرة المبادئ التي قام عليها مشروع القانون من ترشح فردي ودوائر انتخابية صغيرة وغيرها.

 الاستاذ المساعد الدكتور ياسر عطيوي عبود / كلية القانون-جامعة كربلاء

لا شك ان محور المشكلة يدور في الجانب الدستوري من جهة والجانب المالي والاقتصادي من جهة اخرى، وعليه سنستعرض المشاكل الدستورية والحلول المقترحة وفق ما يلي:

اولا-الاشكاليات القانونية:

1- الاشكاليات المتعلقة بتطبيق المادة(111) من دستور 2005 التي اكدت ان النفط والغاز هو ملك للشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات، الا ان الواقع العملي يؤكد انفراد اقليم كردستان باستثمار عائدات تلك الموارد دون مراعاة ما سيكون للحكومة الاتحادية من حقوق وهذا بلا شك سيؤدي الى احداث شرخ في العلاقة بين المركز والاقليم، ذلك ان المادة (112) من الدستور في فقرتها (اولا) تؤكد قيام الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومة الاقليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد مع تحديد حصة لمدة محدد للأقاليم المتضررة، وهنا لابد من الاشارة الى ان الحكومة المركزية لم تقم بواجباتها بإدارة تلك الموارد بسبب تعنت سلطة اقليم كردستان وانفراده بإدارة هذه الموارد، كذلك لابد الاشارة الى ان المادة الذكورة سلفا في الفقرة (ثالثا) قد اقرت صراحة قيام الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم والمحافظات المنتجة معا برسم (( السياسة الاستراتيجية)) اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي، وهنا نتساءل اين التنسيق  بين الجانبين في رسم هذه السياسة ؟ واين المنفعة العادلة في استثمار تلك الموارد؟ .

2- الاشكالية المتعلقة بتطبيق المادة (115) من الدستور، والتي تؤكد على ان كل ما ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقليم تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم في حالة الخلاف بينهما، ونحن نعتقد ان هذه المادة الدستورية المذكورة هي اساس المشكلة لأنه في حالة حصول تنازع بين الحكومة الاتحادية وسلطة اقليم كردستان، فان قانون الاقليم هو الواجب التطبيق متغلبا على القانون الاتحادي، وما يعزز كلامنا هو ان المادة (121) في الفقرة (ثانيا) قد اقرت انه يحق لسلطة الاقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم في حالة وجود تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم بخصوص مسالة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، وهذا النص في الحقيقة يعد خرقا واضحا لسمو سيادة الدولة وسلطاتها، فكيف للقانون الادنى ان يسمو على القانون الاعلى، الا يعد ذلك خرقا لمبدأ المشروعية وبالتالي يهدد وحدة الدولة ؟ .

ثانيا-الحلول المقترحة لحل الاشكاليات:

1- اعادة النظر بالنصوص الدستورية المتعلقة بتنظيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وبين سلطة اقليم كردستان وخاصة المواد التي أشرنا اليها في الاشكاليات السابقة، لأنها اساس المشكلة وبالتالي تعرقل اية تفاهمات بين الجانبين.

2- تشريع القوانين التي احال اليها الدستور لتنظيم جانب من العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان.

3- يجب ان يكون هنالك تطبيق لمبادئ العدالة والمساواة بين ما يحصل عليه اقليم كردستان من امتيازات ومنافع في ظل الانفراد باستثمار الموارد دون رقابة الحكومة الاتحادية، وبين المحافظات الاخرى، فيجب ان تكون هناك علاقة منصفة بين ما يتم انتاجه اقتصاديا من قبل المحافظات وبين ما ستحصل عليه من منافع لقاء ذلك الانتاج، اذن من غير المنصف التمييز في ذلك الصدد بين اقليم كردستان وبين المحافظات.

4- يجب ان يكون هناك وعي وطني وشعور عال بالمسؤولية يستند بالأساس ان العراق وطن الجميع وان خيراته وموارده الاقتصادية هي ملك مشترك بعيدا عن التعصب القومي والمذهبي. 

 الاستاذ المساعد الدكتور حسين احمد السرحان/ مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء

هناك العديد من الملفات العالقة بين حكومة اقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية، وتتنوع بين ما هو سياسي وأمني واقتصادي. على الصعيد الاقتصادي تشمل الملفات ايرادات المنافذ الحدودية ضمن حدود الاقليم، ايرادات تصدير النفط من قبل حكومة الاقليم، وحصة الاقليم في الموازنة الاتحادية، واعداد الموظفين في الاقليم. كل هذه الملفات هي اشكاليات تعيق تحقيق صفاء في العلاقات بين بغداد واربيل. وصعوبة التوصل لحل لها يرتبط بان تلك الملفات اصبحت لها تداعيات سياسية واصبحت ضمن الملفات التي تتوافق عليها "الاحزاب" المتحكمة بحكومة الاقليم من جهة، و"الاحزاب الشيعية" بالذات والمتحكمة بالقرار الاقتصادي والسياسي في بغداد. وبالرغم من ذلك، لابد من ايجاد مخرج لهذه الاشكاليات، الامر الذي يحتاج الى ارادة سياسية من بغداد واربيل لا تنظر الى تلك الاشكاليات على انها اداة للترغيب والابتزاز عقب كل انتخابات تشريعية، بل ملفات تنعكس بالدرجة الاساس على حياة الافراد في الاقليم خصوصا، وتبعث شعور مؤكد لدى العراقيين خارج الاقليم بعدم وجود عدالة اقتصادية واجتماعية عندما تقوم بغداد بأرسال الاموال الى الاقليم من دون ان يسلم الاخير أي مبلغ الى الحكومة الاتحادية في وقت تتقاسم حكومة الاقليم مع بغداد ايراداتها المتأتية من الوسط والجنوب. 

ترتبط الحلول بحكومة الاقليم وهي:

- السماح للسلطات الرقابية في بغداد بوضع قاعدة بيانات كاملة عن اعداد الموظفين في الاقليم.

- تصدير النفط الخام عن طريق شركة تسويق النفط الوطنية سومو.

- اخضاع المنافذ الحدودية لسيطرة السلطات في بغداد، وادخال ايراداتها ضمن الايرادات المركزية في الموازنة.

 الدكتورة روافد الطيار / مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء

اهم الاشكاليات القانونية هي ضعف الحكومة المركزية وعدم فرض سيادتها على الاقليم، وتعطيل نصوص الدستور التي تنظم العلاقة بين السلطة الاتحادية والاقليم، وعدم توزيع ثروات العراق بشكل عادل بين كافة محافظات العراق. كما أن أزمة نفط كردستان مع الحكومة العراقية المركزية هي أزمة قانونية ودستورية، فالحكومة الاتحادية في بغداد ترى أن صلاحيات تطوير الحقول النفطية وعمليات التسويق والتصدير محصورة بيد وزارة النفط الاتحادية استناداً للقوانين المركزية النافذة بحسب المادة 130 من الدستور العراقي، في حين ترى حكومة إقليم كردستان أن للإقليم حق تطوير الحقول وتسويق النفط والغاز دون العودة إلى الحكومة الاتحادية وذلك استناداً لقانون 22 من سنة 2007 الذي شرعه الإقليم، إلا أن الحكومة الاتحادية في بغداد تجد هذا القانون غير دستوري لاصطدامه مع معطيات المادة 112 من الدستور العراقي والتي توجب إدارة الملف النفطي اتحادياً بمشاركة الأقاليم والمحافظات المنتجة مع الحكومة الاتحادية وبعد أن يتم تشريع قانون النفط الاتحادي. هذا هو الإشكال الأول. أما الإشكال الثاني فهو ما يتعلق بآلية إيداع الواردات المالية المتأتية من المبيعات النفطية، حيث بحسب القوانين النافذة، ترى بغداد أن جميع الواردات يجب أن تودع في الخزينة الاتحادية ومن ثم توزع بحسب تخصيصات الموازنة الاتحادية.

الحلول القانونية : الالتزام بما نظمه دستور العراق لعام 2005 فيما يتعلق بتوزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والاقليم وجعلها من السلطات المشتركة، حيث يشترط الدستور الاتحادي في مادته (112) إلزام الحكومة والأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط بالتعاون في رسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، على أن تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، كما تلزم بتوزيع وارداتها بشكلٍ منصفٍ يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدةٍ محددة للأقاليم المتضررة.

والحل الاخر: الاسراع في تشريع قانون النفط والغاز، حيث أخفق مجلس النواب في تشريعه على مدار اربع دورات انتخابية بسبب حدة الخلافات بين الاحزاب وبالأخص من جانب الكرد حول الصلاحيات. ويرتكز مشروع قانون النفط والغاز المعروض حاليا امام مجلس النواب على ثلاثة عناصر رئيسة، تتمثل في تشكيل شركة النفط الوطنية، وتأسيس المجلس الاتحادي النفطي، ووضع آلية معينة للتعامل مع الشركات العالمية النفطية التي تعمل في إنتاج النفط بالعراق. ويمثل مجلس الاتحاد النفطي الذي ستكون صلاحياته أعلى من وزارة النفط، المظلة العليا في رسم السياسة النفطية للعراق التي تضم آلية الاستخراج والبحث والتخطيط والتطوير للثروة الوطنية التي يحددها القانون والدستور، حيث يعد الطريق الامثل لحل الخلافات بين الحكومة المركزية والاقليم.

إلا إن هذا الحلول غير فعالة مالم ترتبط بحزم في التطبيق من جهة الحكومة المركزية يترتب عليه فرض عقوبات على الاقليم في حالة عدم الالتزام بنصوص الدستور والقوانين.

المحور الثاني: العدالة المفقودة في توزيع الثروة في إطار علاقة بغداد بحكومة اقليم كوردستان العراق 

في هذا المحور تم طرح السؤال الآتي:

ما هي الاشكاليات الاقتصادية المترتبة على العلاقة الراهنة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان العراق، وما هي الحلول المناسبة لتحقيق العدالة في توزيع الثروة بين المركز والاقليم؟

فكانت اجابات المشاركين بالتقرير كما يلي:

 الاستاذ الدكتور كامل علاوي الفتلاوي / كلية الادارة والاقتصاد-جامعة الكوفة

شهدت العلاقة بين الاكراد والحكومة العراقية منذ قيام الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 بحالة من عدم الاستقرار، خسر خلالها الاكراد مكاسب وحصلوا على مكاسب، وتتأرجح العلاقة بحسب طبيعة النظام في العراق وقوته فضلاً عن قوة المتغير الخارجي، توجت مكاسبهم في اعلان الاتفاق بين الحكومة العراقية والأحزاب الكردية عل منح الحكم الذاتي في 11 آذار(مارس) 1970 الذي أعترف بنص الدستور بأن الشعب العراقي يتكون من قوميتين (العربية والكردية)، والاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية في البلد. الا أن الاتفاق لم يدم طويلاً بعد اتفاقية الجزائر في آذار (مارس) 1975 التي نصت على إيقاف دعم الحكومة الإيرانية الى الاكراد، مما أدى الى انهيارها. وقبل انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية قام العراق بحملة اسماها الانفال أنهت المقاومة الكردية.

     لقد جرى تحول كبير في وضع الاكراد بعد حرب الخليج الثانية، وقيام الانتفاضة بالمناطق الكردية والتي استطاع الاكراد خلالها على استعادة 95 في المائة من الأراضي الكردية عدا الموصل، لكن سرعان ما استعادت الحكومة العراقية سيطرتها على المنطقة الشمالية بالقوة، لكن بدعم من الولايات المتحدة فرضت منطقة آمنة الى خط عرض 36 أدت الى سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني على السليمانية وسيطرة الحزب الديمقراطي على أربيل ودهوك. وفي عام 1996 حصل اتفاق بين الحكومة العراقية والأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الامن 986 الذي عرف باتفاق "النفط مقابل الغذاء" الذي ينص على بيع العراق نفطه وايداع ايراداته في صندوق أسس لهذا الغرض بإشراف الأمم المتحدة، خصص ما نسبته 13 في المائة تصرف تحت اشراف الأمم المتحدة في المحافظات الثلاث (أربيل، السليمانية، دهوك). واستمرت هذه النسبة تستقطع من حصة الإيرادات النفطية التي يتم الحصول عليها من الاتفاق. وبعد 9 نيسان (أبريل) 2003 أخذت العلاقة بين المركز وإقليم كردستان شكلاً آخر، فقد فرض الاكراد المادة 58 من قانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية والتي ركزت على التغيرات في الحدود الإدارية والتغيرات الديمغرافية بخاصة في كركوك. فضلاً عن ذلك كان للأكراد دور في صياغة الدستور العراقي في عام 2005، الذي لم يكن صريحاً في طبيعة العلاقة بين الحكومة العراقية والاقليم وإعطاء العلوية الى قرارات المحافظات والاقليم في حال الخلاف حول القرارات كما جاء في المادة (115)، وفي ضوء هذا العرض التاريخي السريع سوف نركز على أهم الموضوعات الاقتصادية مثار الجدل والخلاف بين الحكومة الاتحادية والاقليم:

1-تعد مشكلة النفط والغاز من أهم المشاكل بين الإقليم والحكومة الاتحادية، لكن الدستور في المادة (111) يشير الى أن "النفط والغاز ملك للشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات". وهذا نص واضح على أنه لا فرق بين النفط المستخرج سواء في البصرة أو الموصل أو إقليم كردستان، الا أن الإقليم يستند الى المادة (112/أولاً) التي تنص على إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية، ويمكن الرد على هذا النص بالفقرة "ثانياً" من المادة ذاتها بأن الحكومة الاتحادية بالتعاون مع الأقاليم والمحافظات تقوم برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، الا أن واقع الحال قام الإقليم بعقد الاتفاقيات ومنح جولات التراخيص والدخول في التزامات مع الشركات النفطية بدون علم أو دراية بتفاصيل الاتفاقيات، وهذا ما يتناقض مع الدستور. إن هذه المشكلة نتجت من عدم الاتفاق على صياغة مسودة قانون النفط والغاز من قبل الاكراد، أعدت صيغة القانون من قبل خبراء في المجال النفطي وحصلت موافقة مجلس الوزراء عليه والذي يضم وزراء أكراد، وأرسل القانون بملاحقه الأربعة الى مجلس شورى الدولة لتدقيقه ليرسل الى مجلس النواب لتشريعه، وتضاربت الآراء حول القانون والتي ترجح الكفة لصالح ايجابياته بخاصة من وجهة نظر كردية، الا أن المفاجأة ما طرحه وزير الموارد الطبيعية في الإقليم آشتي هورامي برفضه القانون بملاحقة الاربعة الذي لم يعترض عليه الوزراء الاكراء عندما طرح للنقاش في مجلس الوزراء. وقد صرح الخبير النفطي فؤاد الأمير عقب رفض مسودة القانون بأنه فرحاً لان القانون يسبب هدر بثروة العراق بعربه واكراده، ولم يقر القانون أو أي قانون آخر ينظم إدارة النفط والغاز. ومن جهة أخرى صدرت في عام 2006 مسودة قانون النفط في الإقليم التي ثارت جدلاً واسعاً حول اتباع أسلوب عقود المشاركة بالإنتاج التي تتعارض مع الدستور. 

إن حل مشكلة إدارة ملف النفط الغاز بين المحافظات والاقاليم والحكومة الاتحادية يجب أن يكون وفقاً لمواد الدستور بخاصة المواد 111 و112، وسن القانون بما يتسق مع هذه المواد. 

 2-المشكلة الثانية في المجال الاقتصادي هي الموازنة العامة وتحديد حصة الإقليم منها، حددت حصة الإقليم من إيرادات النفط بموجب قرار مجلس الامن 986 بنسبة 13 في المائة من عوائد النفط المباع وفق مذكرة التفاهم "النفط مقابل الغذاء" واستمر الحال طيلة مدة العقوبات، بيد أن النسبة قد تغيرت الى 17 في المائة من النفقات بعد خصم النفقات السيادية المحددة بنص قوانين الموازنات العامة مثلاً حددت تلك النفقات في موازنة 2005 بـ (نفقات المجلس الوطني، ديوان الرئاسة، مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، تعويضات الحرب، فوائد حوالات الخزينة، أجور تصدير النفط) وتوسعت تلك النفقات بعد هذه الموازنة، ومن جهة أخرى نصت المادة 12/د (يجري إقليم كردستان تقديراً لإيراداته المتوقعة لعام 2005 من جميع المصادر وتزود وزارة المالية /دائرة الموازنة بها) ولم يحدد قانون الموازنة كميات تصدير النفط أو الية تسليم العوائد، مع استمرار منح النسبة في حال حصول زيادة في الإيرادات. وقد حددت كمية التصدير النفط من الإقليم بـ 175 ألف برميل يومياً في موازنة 2012 وتدخل الإيرادات في صندوق تنمية العراق، وحددت صادرات الإقليم من النفط بـ250 ألف برميل في موازنة 2013 مع إيداع إيراداتها في صندوق تنمية العراق، ولم تقر موازنة 2014 بسبب الصراع السياسي والانتخابات، لكن تم الاستمرار بهذه الكمية من صادرات النفط، بيد أن الإقليم لم يسلم أي إيرادات حصل عليها من مبيعاته للنفط، وتأزمت العلاقة بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان بعد احتلال التنظيمات الإرهابية(داعش) الى ثلث الأراضي العراقية إذ استغل الإقليم الظرف وسيطر على بعض المناطق وعلى الأسلحة التي تركها الجيش العراقي، وفي موازنة 2015 تم إضافة كمية 300 ألف تصدير كمعدل تصدير من نفط كركوك فضلاً عن الكمية المقررة لإقليم كردستان، وبقيت حصة الإقليم 17 في المائة بعد خصم النفقات السيادية. ولم يطرأ أي تغيير على مضمون الموازنة لعامي 2016 و2017، لكن بعد اجراء استفتاء الاستقلال لإقليم كردستان في 25 أيلول 2017 تأزمت العلاقة بين الحكومة الاتحادية والاقليم، ولصالح المركز، فبعد الانتصار الذي تحقق على التنظيمات الإرهابية وعودة المحافظات المحررة تمت سيطرة الحكومة على الحقول النفطية في كركوك، لذا لم تذكر كمية التصدير منها في الموازنة منذ عام 2018.

أن موازنة 2018 تعد من الموازنات الأكثر ضبطاً للإيرادات التي تتحقق في الإقليم، إذ حددت حصة الإقليم بعدد نفوسها بمعنى تكون حصة الإقليم 12.67 في المائة من النفقات التشغيلية والاستثمارية بعد حسم النفقات السيادية وهي ذات النسبة التي حددت خلال مدة العقوبات الاقتصادية. وحددت المادة 10/ثانياً/ج استقطاع حصة الإقليم في حال عدم تسديده مبيعات النفط الى شركة سومو. وجاءت موازنة 2019 في زمن حكومة السيد عادل عبد المهدي وهي أكثر الموازنات لصالح الإقليم، فقد جاءت المادة /10 من الموازنة بأن تلتزم الحكومة بدفع مستحقات الإقليم بما فيها تعويضات الموظفين ويستقطع مبلغ الضرر من حصة الإقليم في حالة عدم تسليمة الإيرادات التي تتحقق من مبيعات النفط المقررة في الموازنة والبالغة 250 ألف برميل يومياً. لقد صدرت أكثر من نسخة لموازنة 2019 الى أن استقرت بشكلها المنشور في الوقائع العراقية واختلفت تفاصيل الانفاق حيث تم حذف فقرات واضافة فقرات التي أدت الى زيادة 

ومن المشاكل التي يجب النظر اليها عدد موظفي الإقليم فبحسب موازنة عام 2019 يبلغ 682021 موظفا يشكلون 13.2 في المائة من سكان الاقليم في حين بلغ عدد موظفي 15 محافظة عراقية 2941890 موظفا يشكلون 7.07 في المائة من سكانهم والنسبة لعموم البلد تبلغ 7.9 في المائة، وتزداد النسبة إذا تمت إضافة الموظفين الاكراد الذين يستلمون الرواتب من المركز.

وخلال عام 2020 لم تقر الموازنة لغاية أيلول(سبتمبر)، ويتم الصرف بنسبة 1/12 من موازنة 2019 بحسب قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019، ووفقاً الى تصريحات رئاسة الوزراء فقد ارسلت مسودة قانون الموازنة لعام 2020 الى مجلس النواب لغرض إقرارها. وفي قراءة سريعة لها فيما يخص العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية، يجب إلزام الاقليم بتسليم كامل الإيرادات المتحققة من بيعها للنفط عما يزيد عن 250 ألف برميل يومياً. لأول مرة تذكر في الموازنة العامة لعام 2020 بأن نفقات البيشمركة من النفقات السيادية والتي تكون واجبة التسديد من قبل الحكومة الاتحادية. علما هناك تناقض بهذا الموضوع إذ تذكر الفقرة ثانياً/ب من المادة 11 بأن يلتزم الإقليم بصرف مستحقات رواتب البيشمركة لعام 2020 من أصل التخصيصات المرصدة ضمن موازنة الإقليم للسنة المذكورة وأزاء حساب تعويضات الموظفين. جاء في المادة 11/رابعاً بأن تتحمل الحكومة الاتحادية تسديد الكلف التشغيلية عن نقل بحدود 350 ألف برميل يومياً من النفط المصدر، في حين حدد صادرات الإقليم بـ 250 ألف برميل بموجب المادة 11/ثانياً/أ. بمعنى هناك فرق قدره 100 ألف برميل يومياً. ومن المشاكل التي ولدتها موازنة 2020 هي قيام الحكومة الاتحادية بتسديد القروض والالتزامات المالية للمدة 2014-2019، والتي لا يوجد سند قانوني أو دستوري لوجودها لان الدستور في المادة 110 يحصر الاقتراض بالحكومة الاتحادية لكونه من اختصاصها.

إن مشاكل الموازنة العامة بين الإقليم والحكومة الاتحادية لا يمكن أن تحل الا بإقرار قانون النفط والغاز وفقاً لمواد الدستور وتحديد اليات توزيع الإيرادات النفطية، أما بقاء الوضع على ما هو عليه يجب أن تسلم جميع الإيرادات النفطية الى شركة (سومو) أسوة بمحافظات العراق الأخرى والتي هي أكثر غنى من محافظات الإقليم بإنتاج النفط. الا أن التجربة التاريخية تشير الى أن تذبذب العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية يرتبط بشكل مباشر بأسعر النفط، فتضعف عند زيادة أسعار النفط ويلجأ الإقليم الى الحكومة الاتحادية، علماً أن الحكومة الاتحادية عقدت عدة اتفاقيات لتنظيم العلاقة بين الطرفين لكن سرعان ما ينقضها الإقليم.

ومن المشاكل لاقتصادية الأخرى المنافذ الحدودية والتي حددت حصة الحكومة الاتحادية منها بـ 50 في المائة من الرسوم الكمركية المتحصلة في المنافذ بموجب المادة 21/ثالثاً من موازنة 2020، وهي نفس الصياغة في موازنة 2019. إن المشكلة في المنافذ الحدودية في الإقليم لا تتعلق فقط بالإيرادات بل بوجود المنافذ غير الرسمية والتي لا تخضع الى سيطرة الحكومة، ولوجود هذه المنافذ آثار اقتصادية سلبية لا تقتصر على الإيرادات بل بعدم الالتزام بقوانين وتعليمات تنظيم التجارة، ففي الوقت الذي تمنع فيه مثلاً وزارة الزراعة استيراد بعض المنتجات الزراعية لحماية المنتج المحلي يتم ادخال تلك المنتجات عن طريق المنافذ غير الرسمية ومن ثم تدخل الى باقي مناطق العراق عن طريق الإقليم مما يولد خسائر للمنتجين. لذا لابد من السيطرة المركزية على المنافذ الحدودية في البلد بأكمله لضبط الإيرادات وتعظيمها والسيطرة على نوعية وكميات السلع الداخلة الى البلد.

  وأخيراً أن العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية يجب أن تبنى على الثقة المتبادلة والالتزام بين الأطراف كلها، وأن تسن القوانين الحاكمة لتلك العلاقة عدا الصلاحيات الحصرية التي ينص عليها الدستور، وأن ينعم كل أفراد الشعب العراقي بالرفاهية.

 الاستاذ الدكتور جواد كاظم البكري / كلية الادارة والاقتصاد-جامعة بابل

يشكل تساؤل كيفية تقسيم الثروة الوطنية بين أفراد المجتمع العراقي، وهل تبقى الدولة مهيمنة على الثروات الوطنية؟ وهل تبقى الحكومة الاتحادية في المركز تتصرف بثروات المحافظات والأقاليم؟ أم تعطى هذه المحافظات قسماً من عائدات الثروات ويرسل القسم الآخر للخزينة العامة؟ الأسئلة الملحة التي نحاول ايجاد أجوبة دقيقة لها. بدايةً فأن الدولة اللامركزية تقوم فيها مستويان من السلطات: سلطة الدولة أو السلطة المركزية، وسلطات المناطق المحلية أو السلطات الثانوية، وفي ظل اللامركزية تتمتع الهيئات المحلية بصلاحيات تشريعية وتنفيذية يتحدد نطاقها بطبيعة المهام والواجبات الملقاة على عاتقها. ولغرض الإجابة على الأسئلة التي تم طرحها آنفاً فينبغي أولاً معرفة اختصاصات النظام الفيدرالي التي يمكن حصرها بالآتي: 

- للحكومة الفيدرالية حق عقد المعاهدات الدولية وعقد الصلح مع الدول الأخرى. 

- للحكومة الفيدرالية حق تنظيم الموازنة العامة للدولة وتوزيع الثروات. 

- وحدة العلَم.

- وحدة التمثيل الخارجي والسفارات تكون بيد الحكومة الفيدرالية. 

- وحدة القوانين والقضاء تكون بيد الحكومة الفيدرالية، ولا يمنع من أن تكون للحكومات المحلية في الأقاليم دساتير مناسبة تتناسق مع دستور الدولة الاتحادي. 

- وحدة المؤسسات العسكرية تكون بيد الحكومة المركزية. 

- تكون باقي الأمور الإدارية للإقليم متروكة لشؤون الإقليم والمجالس المحلية المنتخبة.

وهنا فأن الموضوع الذي سيتم التركيز عليه في هذه الورقة هو (حق تنظيم الموازنة العامة للدولة وتوزيع الثروات) الذي هو إذن من اختصاص الحكومة المركزية في أغلب الأنظمة الفيدرالية، ويشكل النفط العمود الفقري للإيرادات العراقية والدخل القومي، حيث تبقى المعادن الأخرى والمنتجات الزراعية والصناعية تحتل موقعاً ثانوياً، ولما كانت حقول النفط المنتجة تقع في بضع محافظات محددة، أخذت تتصاعد الدعوات في ضرورة حصول المحافظات النفطية على حصة كبيرة من عائدات النفط العراقي. 

إن الدعوة لتخصيص نسبة معينة من عائدات النفط للمحافظة المنتجة لها قد تبدو منسجمة مع النظام الفيدرالي المزمع إقامته في العراق، حيث أن المحافظات بحاجة إلى إيرادات تغطي بها ميزانياتها، وكذلك للإنفاق الضخم على خطط الإعمار، ولكن هل يعني ذلك أن كل محافظة تستأثر بعائدات الثروة العراقية الموجودة في أراضيها ولا تلتفت لالتزاماتها ومسؤولياتها تجاه المحافظات الأخرى؟ وهل تبقى المحافظات التي لا تحتوي على خزين من الثروات النفطية فقيرة تمد يد المساعدة إلى الآخرين؟ وهل تستطيع الحكومة الفيدرالية في العاصمة أن تؤدي التزاماتها القانونية والإدارية والمالية والسياسية تجاه الأقاليم دون تمويل؟ 

لقد تفاوتت وجهات النظر بين الساسة العراقيين بخصوص هذه النقطة التي عُدت من اعقد النقاط التي واجهها موضوع الفيدرالية وبخاصةً بعد تصاعد الدعوات حول ضرورة اختلاف التخصيصات بين الأقاليم المنتجة للنفط والأقاليم الأخرى التي لا تحتوي على مخزونات نفطية، ومن المؤكد إن هذه الدعوات نابعة من الحرمان الطويل الذي عانت منه بعض المحافظات وخاصة المحافظات النفطية منذ بدء تصدير النفط لأول مرة عام 1927، فمن غير المقبول أن يجري استخراج النفط من أراضي هذه المحافظات ويصدر إلى الخارج وتذهب عائداته إلى المركز في بغداد وبعض المحافظات التي ينتمي إليها رجال السلطة والحكومة، إضافة إلى أن هذه الدعوات كانت ناجمة عن التراكمات السياسية والاقتصادية التي فرضها النظام السابق والتي كانت تتسم بالتمييز بين محافظة وأخرى في الإنفاق المالي والتخصيصات الاستثمارية، إذ إن الأرقام والحقائق تؤكد هذه الحقيقة ففي مراجعة بسيطة إلى توزيع التخصيصات الاستثمارية على المحافظات العراقية يتضح انه لم يكن هناك تناسب بين عدد ونسبة سكان كل محافظة وقيمة ونسبة ما يخصص لها من نفقات في الموازنة. 

وبالمقابل فأن هناك ضمانات اقتصادية نص عليها الدستور العراقي الجديد، إذ أن ملكية وإدارة الحقول النفطية الحالية وكذلك توزيع عائداتها تمت معالجتها دستوريا في المادتين 111 و112  ولسنا هنا في صدد نقاش مضامين المواد بقدر ما هي محاولة للتركيز على فقرة توزيع عائدات هذه الواردات على الشعب بالشكل المنصف مع استعمال المعايير التي تضمنتها الفقرة: معيار الكثافة السكانية ومعيار الحرمان الذي أصاب المحافظات والأقاليم المتضررة من قبل النظام السابق ومعيار الضرر الذي لحق ببعض المحافظات جراء الارهاب بعد ذلك، والمهم كذلك في هذه الفقرة هو أن هذه المعايير المذكورة دستوريا في توزيع العائدات يجب أن تؤدي إلى تحقيق التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة في البلاد. إذن عائدات الثروة يجب أن تحقق توازنا تنمويا من دون تمييز في شتى أنحاء البلاد، هذا التوازن في التنمية يصبح المجس الرئيس في ضمان توزيع العائدات بالشكل الذي يضمن تخصيص حصة عادلة للأقاليم والمحافظات تكفي للقيام بأعبائها ومسؤوليتها مع الأخذ بنظر الاعتبار مواردها وحاجاتها ونسبة السكان فيها كما أشارت إليه الفقرة (3) من المادة121 من الدستور.  هذه ضمانة دستورية ولكن من اجل السير بشكل متوازن يدفع بالطمأنينة إلى نفوس العراقيين يتحتم على مجلس النواب الإسراع في تقديم قانون ينظم توزيع العائدات النفطية بالطريقة التي تحقق التوازن في التنمية بشكل عادل وتخلق شعوراً لعامة العراقيين بعدالة التوزيع. 

هذه الخطوة تعد احد صمامات الأمان لرفع هواجس الحرمان والحيف المتوقع حصوله من جراء تشكيل الأقاليم، وفي السياق نفسه أن الإسراع في مناقشة قانون النفط والغاز ودفعه إلى البرلمان يرسم ملامح إدارة الثروة النفطية بالشكل الذي يحقق الاستغلال الأمثل للثروة بمشاركة الحكومة الاتحادية وبمشورة الأقاليم والمحافظات، إذن نحن أمام مهمتين أساسيتين: إدارة الثروة النفطية وإدارة عائداتها، وهاتان المهمتان بحاجة إلى أن تُنظم بقانون يحمل في مضامينه تحقيق الإنصاف والعدالة في التوزيع والمهنية في الإدارة لصالح كل الشعب العراقي.

ومع قيام النظام الفيدرالي في العراق، فان الحكومات الإقليمية يجب ان يكون لها نفوذ مالي يسمح لها بتشكيل السياسات الاقتصادية التي تلبى احتياجات الإقليم وتعود على الأفراد بزيادة الدخل مما يأخذهم إلى السعي وراء تطبيق هذا النظام. أما بدون مصادر الدخل المستقلة، فان الحكومات الإقليمية ستظل معتمدة على الحكومات المركزية لتمويلها، الأمر الذي يجعل استقلال الأقاليم استقلالا سياسيا أمراً أجوف فارغ المضمون وسيحول دون تطبيق سياستهم التي صنعوها بأنفسهم. وبما أن معظم دخل العراق من النفط، لذا فان كل الأقاليم يجب وان يكون لها نصيب من هذا الدخل وإلا فسيؤدي هذا إلى نشوب خلافات على الثروة ذلك الأمر الذي قد يتفشى في كل أنحاء البلاد، أما عن كيفية توزيع دخل البترول، فإن الأقاليم الغنية بالبترول يجب أن تحصل على نسبة من هذا الدخل حيث أنها الأقاليم المنتجة له، ويتسبب إنتاجها للبترول في مشاكل بما في ذلك تلوث البيئة والآثار السلبية على الصحة العامة والمحاصيل الزراعية، وكما ورد في الدساتير لأغلب الدول الفيدرالية التي حددت نسبة معينة من إيرادات الثروات إلى الأقاليم التي تقع في اراضيها تلك الثروات، وغالباً ما تكون تلك النسبة تتراوح بين (5%-13%) وبالتالي فان الفشل في تعويض تلك الأقاليم المنتجة للنفط عن ما تتكبده من عناء قد يتسبب بكل سهولة في ظهور موجات من الغضب والاستياء، بنفس القدر التي كانت ستستاء به الأقاليم غير المنتجة للبترول في حالة حرمانها من دخل البترول.

وعلى الرغم من إمكانية إيجاد حل عادل في مسألة السيطرة الإقليمية وتوزيع الثروة إلا أنه يجب أولاً إذابة جميع الفروق الاقتصادية بين كل الجماعات على المستوى القومي، إن هذا النوع من السياسة يتناسب مع مطالب الأكراد حيث أنهم أبدوا رغبتهم في أن يتم تقسيم الدخل القومي بين الأقاليم بما في ذلك دخل النفط وذلك حسب تعداد السكان.

وإذا نظرنا إلى التجربة النيجيرية، تلك الدولة التي لديها احتياطي وفير من النفط فان هذا سيوضح لنا المشاكل المحتملة والتي يتسبب تقسيم دخل النفط في إثارتها داخل العراق الفيدرالي، وما حدث بنيجيريا هو أن الأقاليم المنتجة للنفط تظلمت من سياسة تقسيم الدخل وقالت إننا نتكبد المشقة والعناء في إنتاج البترول وذلك على حساب اقتصادنا وبيئتنا الطبيعية ولذا فإننا نستحق النصيب الأكبر من هذا الدخل، ومع الوقت تحولت تلك المطالب إلى أعمال عنف وظهرت حرب العصابات التي قامت بأعمال تخريبية في أنابيب النفط وذلك لجذب انتباه الحكومة، ومن جانبها فقد أعلنت الحكومة النيجيرية عن استجابتها لتلك المطالب ووعدت بزيادة دخل الأقاليم البترولية عن الأقاليم غير النفطية بنسبة 13% من دخل النفط ولذا فقد ظهرت منافسة حادة وعنيفة لفرض السيطرة على دخل النفط في أقاليم الدلتا النفطية وكذلك فرض السيطرة على الحقول غير الشرعية للنفط في المنطقة.

وقد أظهرت التجربة الأمريكية أن نمو الصناعة وتوسعها يتطلب توسيع صلاحيات السلطة الفيدرالية المركزية وتقلص سلطة الولايات، الاتجاه العام في التجربة الأمريكية منذ إعلان الدستور قبل أكثر من 200 عام هو من الكونفدرالية إلى الفيدرالية إلى فيدرالية ممركزة مع نمو الهوية القومية الأمريكية.

النهج المتبع في توزيع السلطات في الدستور العراقي الفيدرالي:  

من المعلوم أن الدساتير الفيدرالية اتبعت طرقاً مختلفة في توزيع السلطات بين المركز (الحكومة الاتحادية) والحكومات الإقليمية (المحلية) فمن تلك الدساتير ما نصت على سلطات وصلاحيات الإقليم بشكل حصري وما تبقى من تلك السلطات تكون للحكومة الفيدرالية (المركز) ومثالها: بلجيكا، واسبانيا.    ومنها على العكس من ذلك ما نصت على السلطات الحصرية (الخالصة) للحكومة الفيدرالية وما تبقى منها تعود للأقاليم أو الولايات، ومثالها: الولايات المتحدة، سويسرا، استراليا النمسا وألمانيا، ومنها ما نصت على كل من سلطات الحكومة الفيدرالية الخالصة والسلطات الإقليمية الخالصة والسلطات المشتركة مثالها كندا، الهند. ولعل الدستور العراقي من الدساتير التي سلكت منهجاً مبنياً على تحديد السلطات الحصرية للحكومة الفيدرالية وهي المذكورة في الفقرات التسع من المادة (110) وفي الوقت نفسه نصت على اختصاصات مشتركة، وهي المذكورة في الفقرات السبع من المادة (114)، إضافة إلى تطرقه لصلاحيات وسلطات أخرى في المواد (111 و112 و113) دون أن يصنفها ضمن السلطات الحصرية للحكومة الاتحادية ودون أن يصنفها صراحة ضمن السلطات المشتركة أيضا، مما يستدعى الوقوف عندها لتحليلها واستنتاج تكييف لها استنادا للقواعد والأسس التي تحكم تفسير الدستور والقانون، وسنعالج هذه المشكلة في موضعها.

كما نص الدستور العراقي في المادة (115) على أن كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات.

كيفية توزيع الثروات الطبيعية بين الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في الدستور العراقي الفيدرالي:

يختلف حكم الدستور العراقي الفيدرالي بخصوص الثروات الطبيعية المختلفة، وسنعالج هنا حكم جميع المعادن عدا الغاز والنفط حيث نفرد لهما موضوعا مستقلاً لأهميتهما.

- المعادن الأخرى غير النفط والغاز:

نصت المادة (115) من هذا الدستور على أن (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم ...... الخ) وذلك يعني أن الثروات الطبيعية باستثناء النفط والغاز كالحديد والزنك والنحاس والذهب والماس والفحم الحجري واليورانيوم والحجر والمرمر وغيرها من المعادن، هي من اختصاص حكومات الأقاليم حصرا لأنه لم يرد لها ذكر في المادة (110) الخاصة بتحديد الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية ولا في المادة (114) الخاصة بالاختصاصات المشتركة  بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم. بناء عليه تملك حكومات الأقاليم حق استثمار هذه المعادن والبحث عنها واستخراجها وإدارتها وبيعها وتصديرها أو استخدامها في الصناعات المحلية أي أنها تملك حق التصرف بها بكل أنواع التصرفات المادية والقانونية لاستثمارها على الوجه الذي تراه مناسبا لا يشاركها فيها أحد.

- المياه:

    والمياه أيضا تعتبر ثروة طبيعية هامة، بل ربما ستفوق أهميتها، في العشرين سنة القادمة، أهمية النفط والغاز وقد ورد ذكرها في كل من الفقرة ثامنا من المادة (110) الخاصة بالاختصاصات الحصرية والفقرة سابعا من المادة (114) الخاصة بالاختصاصات المشتركة، مما يستدعي الوقوف عندهما لمعرفة موقف هذا الدستور من مسألة المياه كثروة طبيعية.

 نصت الفقرة (ثامنا) من المادة (110) على ما يأتي:

   (تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق وضمان مناسيب تدفق المياه إليه وتوزيعها العادل داخل العراق وفقا للقوانين والأعراف الدولية) وهذه المادة هي المادة الوحيدة التي حددت الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية كما سبق لنا بيانه.

ومن تلك الفقرة نستنتج أن ما يدخل ضمن الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية فيما يخص المياه مقتصر على تخطيط السياسات فقط، وليس تنفيذها هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان هذا التخطيط للسياسة هو ما يتعلق بمصادر المياه من خارج العراق لضمان مناسيب المياه وتوزيعها العادل داخل العراق، وذلك وفقا للقوانين والأعراف الدولية، وهذه العبارة الأخيرة تساعدنا كثيرا في تحليل وفهم معنى ومغزى هذه المادة، ونستنتج منها أن الأمر يتعلق بالأنهار الدولية التي تدخل الحدود العراقية وضرورة الحفاظ على حقوق العراق فيها واتخاذ ما يلزم لضمان تدفق المياه إليها بشكل يتناسب مع حقوق العراق في تلك المياه وفقا للاتفاقيات التي تربط العراق بالدول التي تتدفق منها المياه إلى العراق.

 نصت الفقرة (سابعا) من المادة (114) الخاصة بالاختصاصات المشتركة على ما يأتي:

 “رسم سياسة الموارد المائية الداخلية وتنظيمها بما يضمن توزيعها توزيعا عادلا وينظم ذلك بقانون” وتأتي هذه الفقرة ضمن المادة (114) الخاصة بالاختصاصات المشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم، وهذا يعني أنها خارج عن الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية ولكنها أيضا ليست من الاختصاصات المتروكة للأقاليم على وجه الانفراد.

   وهنا نورد الملاحظات الآتية:

- تتعلق هذه الفقرة برسم سياسة الموارد المائية الداخلية وتنظيمها بهدف التوزيع العادل وذلك يشمل السدود والخزانات المائية ومشاريع الري داخل الدولة العراقية وشق الجداول والترع والمشاريع الاروائية.

- كونها من الاختصاصات المشتركة يعني وجوب التعاون والتنسيق والتشاور واتخاذ القرار مشتركا بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم بصدد رسم وتنظيم سياساتها.

- كونها من الاختصاصات المشتركة يشملها الحكم الذي ورد في عجز المادة (115) ونصه مايأتي: (تكون الأولوية فيها لقانون الإقليم، والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في حالة الخلاف بينهما)، أي بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم.

وخلاصة القول إن الكلمة العليا في رسم وتنظيم سياسة الموارد المائية الداخلية تكون لحكومة الإقليم لأنه عند تعارض قانون يسنه الإقليم مع حكم قانون اتحادي بصدد رسم سياسة وتنظيم المياه الداخلية تكون الأولوية لقانون الإقليم.

ثالثاً. كيفية معالجة موضوع النفط والغاز في هذا الدستور:

   افرد الدستور العراقي مادتين لمعالجة موضوع النفط والغاز، هما المادة (111) التي نصت على أن” النفط والغاز هما ملك لكل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات”، والمادة (112) التي نصت على:

أولا: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون.

ثانيا: تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي، معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار. 

 الحقول المستقبلية:

أول ما يلاحظ على هاتين المادتين أنهما لم تتطرقا إلى الحقول المستقبلية، وهذا يعني أن تلك الحقول ستكون من اختصاص حكومات الأقاليم التي توجد فيها على وجه الانفراد، ولا تشاركها فيها الحكومة الاتحادية، ولا يشملها القيد الوارد في الفقرة أولا من المادة (112) بخصوص التوزيع المنصف لوارداتها والذي يتناسب مع التوزيع السكاني... الخ، لان ذلك القيد بصريح عبارة الفقرة المذكورة من المادة (112) مقصور على الحقول الحالية ولان المادة (115) نصت على أن ما لم ينص عليه ضمن السلطات الحصرية للحكومة الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات.

 المادة (111) ملكية الغاز والنفط:

 أوردت هذه المادة عبارة عامة تفيد بان النفط والغاز ملك لكل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات، فلابد من تفسير المقصود بالمادة (111) وبيان علاقتها بالمادة التالية لها بفقرتيها الأولى والثانية، إذ أقرت هذه المادة بملكية كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات للنفط والغاز، هنا نورد الملاحظات الآتية:

أولا: لم تقل هذه المادة بان النفط والغاز ملك للدولة العراقية بل جعلتهما ملكا للشعب العراقي، وفي ذلك دلالة خاصة تخرجهما من كونهما من الأملاك الحكومية للدولة الاتحادية.

ثانيا: يتنازع تفسير هذه المادة احتمالين:

الأول. أن كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات مالك لكل النفط والغاز الموجود في كل الأقاليم والمحافظات على وجه الشيوع.

الثاني. أن شعب كل إقليم أو محافظة يملك النفط والغاز الموجود في إقليمه أو محافظته وبهذا يختص هؤلاء بما هو موجود في أقاليمهم أو محافظاتهم.

ثالثا: وهنا فأن الاحتمال الأول هو المرجح، لأنه لا اجتهاد في مورد النص، ولكن لابد لنا من تحليل مفهوم الملكية هنا، فهل المقصود بها هي الملكية كما هي معروفة في القانون الخاص كونها سلطة مباشرة للمالك على المملوك يباشرها بعناصرها الثلاثة هما: الاستعمال والاستغلال والتصرف؟ أم أن المقصود بذلك هو التأكيد على وجوب وضع ثروتي النفط والغاز في خدمة الشعب العراقي وتخصيص وارداتهما لمصلحته ولازدهاره وتقدمه، لا أن تكون كما كانت في زمن النظام السابق بيد فئة قليلة تتصرف بها لمصلحتها ولتحقيق مآربها الخاصة وتبددها كما تشاء؟ لقد جاء النص كرد فعل على الوضع السائد في ظل الأنظمة البائدة وعلى سياساتها الطائشة.

     ويدعم هذا التفسير ما ورد في الفقرة (أولا) من المادة (112) من تأكيد على توزيع الواردات بإنصاف واخذ التوزيع السكاني بنظر الاعتبار وكذلك المحرومية السابقة واللاحقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فان من قواعد التفسير أن يحمل الكلام على الوجه الذي يكون له معنى لأنه عملياً يتعذر أن يقوم الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات بممارسة عناصر الملكية في كل تلك المناطق المختلفة، مما يعني أن شعب الإقليم أو شعب المحافظة هما اللذان يقومان بممارسة حقوق الملكية داخل الإقليم أو المحافظة بالنسبة للنفط والغاز، وبذلك نقترب من المعنى المقصود في الاحتمال الثاني المذكور في (ب) أعلاه.

 الحقول الحالية:

   إذا انتهينا من ذلك الجدل حول تفسير مدلول المادة (111) ننتقل إلى موضوع الحقول الحالية المنصوص عليها في الفقرة (أولا) من المادة (112) فهذه المادة نصت على قيام الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، وأول سؤال يطرح نفسه هنا هو: ما هو المقصود بالحقول الحالية؟ في مؤتمر البحر الميت، الذي نظمته الأمم المتحدة في الشهر الرابع من عام 2010 حول النفط والغاز في الدستور العراقي، حاول عدد من خبراء النفط العراقيين السابقين تفسيرها بأنها تشمل كل حقل مكتشف حتى وان لم يجر استخراج النفط والغاز منه أي استثماره فعلا حاليا، لكن النص الدستوري الذي يقول:” تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم...الخ” يرجح القول بان مفهوم الحقول الحالية يقتصر على تلك الحقول التي كان يستخرج منها النفط والغاز فعلا (أي الحقول المستثمرة) عند وضع النص، فالنص يقول بإدارة النفط والغاز المستخرج وهذا ليس متحققا في الحقول المستكشفة التي لم يجر استثمارها فعلا.

   والملاحظة الثانية على ما ورد بالفقرة (أولا) من المادة (112) أنها نصت على الاشتراك في الإدارة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الإقليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز، وهذا يعني أن ليس للحكومة الاتحادية الانفراد بهذه الإدارة ولابد من إشراك حكومة الأقاليم المنتج أو المحافظة المنتجة في إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية، وبعبارة أخرى على الحكومة الاتحادية العراقية بموجب هذا النص (على سبيل المثال) إشراك مجلس محافظة كركوك في إدارة الحقول المنتجة في حدود محافظة كركوك الآن، وإذا أصبحت كركوك مع إقليم كردستان فعلى الحكومة الاتحادية إشراك حكومة كردستان في إدارتها مع ملاحظة ما سيأتي بخصوص كون هذه السلطة من الاختصاصات المشتركة بين الأقاليم والحكومة الاتحادية، وإنها محكومة بما ورد في عجز المادة (115) من الدستور بخصوص توزيع موارد الحقول الحالية، إذ ألزمت الفقرة (أولا) من المادة (112) بتوزيع الواردات المتحققة من الحقول الحالية بشكل منصف مع الأخذ بنظر الاعتبار المعايير الآتية:

- التناسب مع التوزيع السكاني.

- درجة التضرر والمحرومية بصورة مجحفة من قبل النظام السابق، وأضيف إلى النص، فيما بعد، عبارة (والتي تضررت بعد ذلك) في إشارة إلى محافظات الانبار وصلاح الدين والموصل والنجف التي تضررت جراء العمليات الارهابية.

ونعتقد في هذا الصدد أن يتم الالتزام بالآلية المتبعة من قبل الحكومة الاتحادية حيث إن تسويق النفط يجب أن يبقى من مسؤولية شركة تسويق النفط التابعة لوزارة النفط الاتحادية إلى حين تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي وتأسيس مجلس النفط والغاز الاتحادي الذي سيحدد الآلية الاتحادية التي تنسجم مع الدستور الاتحادي، وبالتالي سيكون لأي إقليم أو محافظة منتجة للنفط والغاز الدور الفاعل في عملية الإدارة والتسويق في قطاع النفطي من خلال العضوية التنفيذية في هذا المجلس الاتحادي، وبحسب المسارات الدستورية. علماً بأن أي صيغة قانونية اتحادية لإدارة القطاع النفطي لن تُمَررَ في مجلس النواب دون الاتفاق على صيغة دستورية لتمرير قانون توزيع الواردات الاتحادية، وهذا في اعتقادي هو القانون الأهم لضمان حقوق كامل الشعب العراقي.

 الدكتور بارق محمد رضا شبر / خبير اقتصادي دولي والمنسق العام لشبكة الاقتصاديين العراقيين

لتفسير العلاقة المتوترة بين الإقليم والمركز يجب الاخذ في الاعتبار عوامل أخرى غير القانونية والاقتصادية وعلى سبيل المثال العوامل السوسيولوجية والسياسية. الاوليغارشية الكردية الماسكة للسلطة في الإقليم ومن أصول قبلية ريعية غير مستعدة سياسيا ولا نفسيا التخلي عن مصالحها المادية والتي تعتقد انها مرتبطة بتحقيق دولتها القومية الكردية حتى وان كانت تقع في الجزء الجيوغرافي من العراق فقط. وهنا تنفضح فكرة تقرير المصير لشعب يتكلم لغة معينة (الكردية) بأنها ايديولوجية الطبقة السياسية لحشد الجمهور الكردي في عملية الوصول الى السلطة ومن ثم الانفراد بها كما توضح من التجارب التاريخية للأمم التي خاضت معركة استقلالها من السيطرة الأجنبية. إقليم كردستان ليس محتل من قبل العرب وإنما يتمتع بحكم ذاتي أقرب إلى كيان دولة في داخل دولة. وهذا لابد وان ينتهي كشرط اساسي قبل الحلول القانونية والاقتصادية. السؤال هو كيف يمكن تغيير هذا الوضع. في اعتقادي التغير يجب أن يتم داخل المجتمع الكردي العراقي ومن خلال تصعيد التناقضات بين المصالح الاقتصادية المتضاربة في داخله بين الاوليغارشية الكردية والطبقات المتوسطة والفقيرة الكادحة. وبالتزامن مع هذه الاستراتيجية ينبغي دعم الجهود الرامية إلى دمج المصالح الاقتصادية بين الشعب الكردي في الإقليم والشعب العربي في الوسط والجنوب من خلال استعمال ورقة السياحة للعرب في الإقليم. وهذا يعني على الحكومة المركزية الاعتماد على سياسة الجزرة والعصا اي القوة الناعمة بدلا من السياسات التقليدية اي شن الحروب المفتوحة التي تحرق الأخضر واليابس.

الاستاذ الدكتور عامر عمران المعموري / كلية الادارة والاقتصاد-جامعة كربلاء

ان حاضر ومستقبل العلاقة بين الحكومة المركزية واقليم كردستان يخضع الى مجموعة من المتغيرات الدولية والمحلية, فالتأثير الدولي واضح بشكل جلي في استقرار هذه العلاقة وتوترها وبما يتماشى مع مصالح واجندات دول الجوار والدول الاخرى وخصوصا الولايات المتحدة والاجندات والمخططات الإسرائيلية في المنطقة اذ سيكون الاقليم لاعبا اساسيا في ما يعرف بمشروع الشرق الاوسط الجديد سيما وان حلم الاقليم بالانفصال حاضرا بقوة في ذهنية سلطة وشعب الاقليم  ولا توجد خطوط حمراء للتعامل مع أي جهة دولية تدعم الانفصال , وهو بانتظار الفرصة التاريخية لتحقيق هذا الحلم  وسيكون للساحة الدولية ومتغيراتها دورا في اغتنام الفرصة السانحة وان يتحول هذا الحلم الى حقيقة . اما المتغيرات الداخلية في العراق فالعلاقة بين الحكومة المركزية والاقليم بعد عام 2003 وطيلة السبعة عشر عاما المنصرمة توسمت بالتوتر وعدم الاستقرار وخضعت لاسلوب لي الاذرع , سيما وان الاكراد يمثلون بيضة القبان في العملية السياسية فاستثمروا ضعف الحكومة المركزية وتشتت مكوناتها على مستوى السلطة التشريعية والتنفيذية لتحقيق مصالح الاقليم بغض النظر عن المصلحة العامة للشعب العراقي واصبح الاقليم يتصرف باسلوب دولة داخل دولة  فظهرت الكثير من الاشكاليات وخصوصا في الجانب الاقتصادي سيما وان الاقليم يبحث عن ميزة الاستقلال الاقتصادي واستثمار كل الممكنات المتاحة لتحقيقها.

فمن بين الملفات الساخنة ملف استخراج وتصدير النفط من الاقليم اذ لم يلتزم الاقليم بتعهداته اتجاه الحكومة المركزية في جانب تزويد الحكومة المركزية ب250 الف برميل من النفط يوميا مقابل حصول الاقليم على استحقاقاته المالية من الحكومة المركزية بالرغم من تصدير الاقليم لأكثر من 600 الف برميل يوما وخارج سيطرة الحكومة المركزية. وايضا قيام حكومة الاقليم بتوقيع اتفاقيات مع شركات نفطية لاستخراج النفط من الاقليم وبدون الرجوع الى الحكومة المركزية …ومن الملفات الاقتصادية الاخرى ملف المنافذ الحدودية والمطارات والايرادات المتأتية منها والتي لا تدخل في الموازنة العامة للدولة ولا تخضع لمتابعة واشراف ديوان الرقابة المالية وكذلك تمدد الاقليم في المناطق المتنازع عليها والسعي للسيطرة على الممكنات الاقتصادية في هذه المناطق بهدف تعزيز القوة الاقتصادية للإقليم.

 الحلول الممكنة ابتداء معالجة كل الاشكاليات الدستورية وخصوصا المواد الدستورية التي تتسم بالضبابية وعدم الوضوح والتي تخضع للاجتهاد في أكثر الاحيان والتي جعلت من العلاقة الاقتصادية بين الحكومة المركزية والاقليم علاقة مأزومة وغير قابلة لانفراج. وايضا تشريع قانون النفط والغاز الذي لم ير النور لحد الان والذي ممكن ان يكون له دور اساس في تنظيم العلاقة بين الطرفين ويحقق عدالة في توزيع الثروة بين الاقليم والمركز. وايضا السماح للحكومة المركزية بالسيطرة على المنافذ الحدودية والمطارات وتسليم الايرادات للموازنة العامة اضافة الى السماح لديوان الرقابة المالية لممارسة مهامه في الاقليم.

ان العلاقة غير المتوازنة بين المركز والاقليم ممكن ان تشهد تحسنا في ظل حكومة الكاظمي سيما مهمة هذه الحكومة الاساسية هو اجراء انتخابات مبكرة اضافة الى الازمة المالية والصحية التي تواجهها الحكومة. لذا سيسعى الاقليم الى التهدئة لإرضاء الشارع الكردي وعدم تأزيم الاوضاع مع الحكومة المركزية قبل الانتخابات والتي لو حصلت ستجد صداها وتأثيراتها السلبية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية داخل الاقليم.  لكن مستقبل العلاقة بين الحكومة المركزية والاقليم سيبقى غير قابل للانفراج ان لم تتوفر الارادة السياسية للعيش المشترك والابتعاد عن نزعة الانفصال.

 الاستاذ الدكتور عبد الحسين الغالبي / كلية الادارة والاقتصاد-جامعة الكوفة

ان العلاقة الاقتصادية مع الاكراد هي نتاج العلاقة السياسية ولا يمكن فصلها مطلقا. الاكراد لديهم عقيدة متأصلة في نفوسهم وهي الدولة الكردية. ففي غفلة من الزمن انشأوا دويلة لأشهر معدودة في مدينة مهاباد الايرانية الكردية لا زالوا إلى يومنا هذا يتغنون بها تاريخيا وسياسيا وو .... وحتى فنيا فعندهم الكثير من الاغاني الشعبية تمجدها. وكذلك عندهم أسطورة كاوة الحداد (يشعلون النار في القمم في احتفالات ( ٢١ آذار) او ما يدعي باللغة الكردية  نه و روزژ  Nawroj (وتعني اليوم الجديد) وهو بداية السنة الكردية والعيد الوطني لكل اكراد العالم وهي جزء من الفكر السياسي. والحقيقة هي ان(الكردي انفصالي بطبعه سواء أكان عالما مثقفا أو بسيطا أُميا).

اذن يجب التعامل معهم اقتصاديا على هذا الأساس لان مبدأ الكردي في التعامل مع بغداد هو (سياسة خذ وطالب للحصول على أكبر المنافع لبناء الدولة الكردية أو دولة الأحلام وهي بالنسبة لهم الان في متناول اليد وأقرب من اي وقت مضى لأنها امتدت لما يقرب من ٢٠ سنة منذ عام ١٩٩١) وعليه يجب أن تكون العلاقة الاقتصادية مبنية على منفعة للعراق وليس لهم، اي عليهم ان يدفعوا للعراق مقابل قبول العراق ان يكونوا جزء منه وليس ان يدفع العراق لهم كي يقبلوا البقاء جزءا منه. وعلى الحكومة وضع الحدود الادارية لمنطقة الاقليم كما هي قبل عام ١٩٩١ وتبقى كركوك منطقة اقليات على وفق تعداد ١٩٧٧ ولابد من وقف عمليات حلب العراق والتوسع على حساب العراقيين مكانيا (كما هو وضع الكويت التي كانت يوما قضاء للبصرة يستلم امير هذا القضاء راتبه من والي البصرة واليوم تقضم ارض وسيادة العراق). خلاصة لما تقدم ان نقطة الانطلاق هي ان يدفع الاكراد مقابل انضواءهم تحت راية العراق وليس العكس.

 الاستاذ الدكتور مايح شبيب الشمري/ كلية الادارة والاقتصاد-جامعة الكوفة

يفترض أن يطبق الدستور والقانون، على الجميع سواء بالإقليم أو باقي أجزاء العراق، وبما أنه القانون ينص على العلاقة الفيدرالية، بين الإقليم والمركز، والدستور ينص أيضا على أن النفط يكون ملكا للشعب، فلا يجوز للإقليم ان يستحوذ على صادراته النفطية، وعلى الموارد المالية والرسوم والضرائب، ويأخذ حصته من الموازنة، بمعنى مقايضة الاستقلال بالموارد المستحوذ عليها من الإقليم ذاته اضافة الى حصة من الموازنة، هذه قسمة ضيزى، الحل: هو ان لا يمنح الإقليم اي حصة من الموازنة، مالم يسلم جميع موارده،، او، ، استقطاع ما يصدره الإقليم من النفط والموارد الاستخراجية الأخرى اضافة الى الرسوم وضرائب المنافذ الحدودية والمطارات، من حصة الإقليم من الموازنة، وأعتقد أن ذلك يضمن المساواة للجميع وفق الدستور والقوانين المرعية. 

 الاستاذ الدكتور حسن لطيف الزبيدي / كلية الادارة والاقتصاد-جامعة الكوفة

هناك جملة اشكالات تنتج عن العلاقة غير السوية بين المركز والاقليم منها:

1- التفاوت في قوة الفرقاء المفاوضين اذ يبدو في كثير من المناسبات فريق الإقليم أكثر تفوقا وقوة...

2- التباين في السياسات الاقتصادية المطبقة بين المركز والاقليم جعل من الإقليم ملاذ استثماري وضريبي وكمركي.

3- اتجاه توزيع الثروة أصبح متحيز للإقليم على حساب بقية مناطق العراق.

اما الحلول:

1- اعتماد النصوص الدستورية المتعلقة بتقاسم الصلاحيات.

2- توكيد السيادة المالية في الاقليم.

 الاستاذ الدكتور فلاح حسن ثويني/ كلية الادارة والاقتصاد-الجامعة المستنصرية

الإشكالية مرتبطة بالجانب القانوني اولا والذي ينعكس على الجانب الآخر وهو الاقتصادي، واساس الإشكالية القانونية والاقتصادية هو الدستور العراقي بمواده من ١١١ إلى  ١١٥ .فهذه المواد تتعامل مع الإقليم وكأنه دولة عندما يتم حسم الخلاف بين الإقليم والحكومة المركزية لصالح الإقليم في الصلاحيات المشتركة .ومن جانب آخر عدم التزام الإقليم في بعض القضايا الاقتصادية التي منها المنافذ الحدودية والبنك المركزي، فتوجد فروع للبنك المركزي العراقي في الإقليم خارج سلطات البنك المركزي العراقي وفروع أخرى جديدة في اربيل والسليمانية تحت اشراف البنك المركزي اعتقد بعد عام ٢٠١٥ .

 حامد عبد الحسين الجبوري / باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية.

بدايةً، يعد النفط ثروة عامة لا يمكن احتكارها من جهة دون أخرى ولحساب جيل دون آخر، بمعنى لابُد من إدارتها وفق مبدأ العدالة الاجتماعية حتى يشعر الجميع بالاطمئنان وهذا ما ينعكس بشكل تلقائي على الاقتصاد الوطني. ونظراً لتباين التوزيع الجغرافي للثروة النفطية بين إقليم كوردستان العراق من جانب وبين محافظات العراق من جانب آخر، إضافة لغياب الاستقرار بحكم عاملين: 

الاول، داخلي يتمثل في ضعف الحكومة الاتحادية نتيجة لحداثة التجربة السياسية والاقتصادية في العراق.

الثاني، خارجي يتمثل في اتجاهين كلاهما يُغذيان العامل الداخلي:

الاتجاه الأول، يُريد اضعاف الاقتصاد العراقي ليكون سوق لمنتجاته ومُغذياً لاقتصاده.

الاتجاه الثاني، يريد تصفية الخصوم بواسطة العراق، بمعنى استمرار الصراع وغياب الاستقرار.

أصبح الخلاف بشأن إدارة الثروة النفطية هو السمة الغالبة بعد عام ٢٠٠٣ وليس التفاهم والاستقرار، وهذا ما انعكس على واقع الاقتصاد العراقي بشكل سلبي. وفي تقديري، يكمُن الحل في الاحتكام إلى الدستور الذي تغاضى عن مسألة تباين التوزيع الجغرافي للثروة النفطية ووضع النقاط على الحروف في مسألة ملكية الثروة النفطية وطريقة إدارتها ولصالح مَن؟ الشعب أم الدولة أم الإقليم أم المحافظات؟ وهذا ما أفاض به أصحاب الاختصاص من القانونيين

ويُمكن الإفادة من تجارب الدول في هذا المضمار، وبالخصوص التجارب الناجحة كالتجربة النرويجية، حيث حصلت بداية الأمر مشاكل اقتصادية واجتماعية وغيرها، وحصل خلاف داخل البرلمان النرويجي حول آلية توزيع الايرادات النفطية، لتلافي تلك المشاكل؛ أي هل يتم توزيعها بشكل مباشر على المواطنين أم بشكل غير مباشر؟ وأصبح التوزيع غير المباشر هو الطريقة المُتبعة وذلك من خلال إنشاء صندوق سيادي توضع فيه الإيرادات النفطية ويتم استثمار في الخارج لصغر الاقتصاد النرويجي وحمايته من آثار الإفراط في الاستثمار الداخلي. هذا لا يعني تطبيق هذه التجارب بحذافيرها بل لابد من إجراء التعديلات عليها وبما ينسجم مع طبيعة الاقتصاد العراقي ومجتمعه لتكون تجربة مقبولة من الجميع وتعطيها ثمارها في أسرع وقت.

التعليقات