هاجس إيران يزعزع استقرار الشرق الأوسط

الكاتب: إلدار ماميدوف

الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، نقلا عن صحيفة لوبي لوغ

ترجمة: هبه عباس محمد علي

 

 استخدمت إدارة ترامب تراجع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط كشعار لتبرير نهجها العدواني تجاه البلاد، كما تمت صياغة الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية النووية المعروفة باسم خطة العمل المشتركة الشاملة بلغة تحرم إيران من الفوائد التي تزعم انها تستخدمها في أنشطة مزعزعة لاستقرار الشرق الأوسط. ومع ذلك، نرى ان الانتخابات التي اجريت مؤخرا في لبنان والعراق انتجت نكسات جديدة لهذه السياسة.

ففي ٦آيار، انتخب اللبنانيون برلمانهم الجديد، اذ ظهر التحالف الشيعي لحزب الله وحركة أمل كفائزين واضحين، على الرغم من التصريحات المثيرة بشأن سيطرة حزب الله وإيران على لبنان .

وبعد أسبوع، جرت الانتخابات البرلمانية في العراق، وكانت القائمة المشتركة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والحزب الشيوعي العراقي سائرون هي الأعلى، تبعتها قائمة فتح بزعامة هادي العامري، القائد الأعلى للحشد الشعبي والمقرب من إيران وتربطه علاقات شخصية مع قاسم سليماني قائد فرقة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، وعلى الرغم من وجود تباين في ولاء هذه الجهات لإيران إلا أنها بالتأكيد ليست قوى موالية للغرب او للسعودية أو مؤيدة لإسرائيل بأي حال من الأحوال.

وعلى النقيض من ذلك، كانت القوى التي تدعمها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضمنيا قوى ضعيفة، اذ فقد سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الموالي للسعودية، وزعيم كتلة المستقبل السنية، ثلث مقاعده البرلمانية، وفشل المنافس السنّي أشرف ريفي الذي هاجمه بسبب علاقته مع حزب الله في الفوز بمقعد برلماني، وبالتالي تعرض لضربة كبيرة لطموحه ليصبح الشخصية السنية القوية التالية في لبنان.

كانت النتائج في العراق مطمئنة للاستراتيجيين المناهضين لإيران، ومن جانبها تحاول السعودية التقرب من حركة السيد الصدر الفائزة باعتبارها حصن شيعي محتمل ضد النفوذ الإيراني. لكن بصفته قوميًا عراقيًا، فإن الصدر أيضًا مناهض للأمريكيين بشدة، ولا شك أن السعوديين سيتعلمون بسرعة أنه لا يمكن السيطرة عليه. أما رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي، الذي تعيره الولايات المتحدة نظرة إيجابية، فقد احتل المركز الثالث، على الرغم من انه رئيس كتلة لكن تتضح صلته الوثيقة بإيران، كما إن الأداء الضعيف لقائمة الوطنية التابعة لرئيس الوزراء السابق اياد علاوي المؤيد للغرب والذي يمكن ان ينقذ العراق من السيطرة الإيرانية يعكس نقص الدعم الشعبي والنفوذ المتلاشي لزعيمه.

على خلفية ذلك، من المرجح أن تكون لمحاولات التدخل في لبنان والعراق من اجل اخلال توازن القوى لصالح القوى المعادية لإيران نتائج عكسية، اذ يفسر عدم فوز حزب الحريري في لبنان جزئياً بحقيقة أن العديد من مؤيديه المحتملين لم يخرجوا للتصويت بسبب استياءهم من المعاملة السعودية المتعسفة له في 20 تشرين الثاني ٢٠١٧.

إن الهجوم الأمريكي - الإسرائيلي الحالي ، الذي يتجسد بفتح السفارة الأمريكية في القدس والقمع الذي أعقبه بحق المحتجين  الفلسطينيين، سيجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للقوات الموالية للغرب، فعلى العكس من السعوديين وغيرهم من الحكام الإقليميين المستبدين، لا يمكن ان يتجاهل السياسيين في الدول العربية الذين لديهم قدر من الديمقراطية الانتخابية المحنة الفلسطينية، وان أي قوة سياسية متواطئة مع الولايات المتحدة او إسرائيل ملزمة بدفع ثمن سياسي باهض،  وعلى النقيض من ذلك، فإن إيران وحلفائها مثل حزب الله سوف يستفيدون من هذه السياسات الطائشة من خلال إعادة تنشيط خطاب المقاومة المناهض لإسرائيل؛ وهذا يسمح لهم أيضا باستعادة بعض القوة الناعمة المفقودة في الشارع العربي السني نتيجة لدعمهم الدكتاتور السوري بشار الأسد، وفي الوقت نفسه يهاجمون خصومهم السعوديين باعتبارهم تابعين للمصالح الإسرائيلية.

وبما أن المسار السياسي لدحر النفوذ الإيراني قد فشل في تحقيق النتائج المرجوة، بدأت واشنطن وحلفائها الإقليميين بمناقشة إمكانية تكرارهم ما فعله الإيرانيون أي بناء وكلاء قادرون على تحديهم عسكريًا لكن هذه مهمة شاقة، فمنظمات مثل حزب الله، على سبيل المثال، ليست مجرد مجموعة عسكرية تعمل نيابة عن إيران بل انها منظمة شعبية لبنانية حقيقية، والكفاح المسلح ليس سوى بعد واحد من أنشطتها. وتركز الاخرى على العمل الاجتماعي والسياسي، وكل ذلك يدمج المفهوم الشمولي للمقاومة. وعلى النقيض من ذلك، وكما اظهرته الحرب السورية، فإن الجماعات المسلحة السنية الأكثر قدرة على الإطلاق موجودة في مدار القاعدة، وتنتهج الجهاد العالمي من خلال الإرهاب العدمي. وهؤلاء المسلحون السنة الذين هم خارج هذا المدار، مثل حماس، هم من حلفاء إيران وحزب الله بطرق عديدة.

لذا، فإن فكرة الدعم العلني لوكلاء تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية ضد إيران وحزب الله ستكون مكلفة من الناحية السياسية بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، وستكون لها نتائج عكسية، كما حدث في 11 سبتمبر. ومن جانبهم لا يعتبر الأكراد وكلاءً موثوقين بسبب علاقاتهم الديناميكية والمعقدة مع إيران. وهناك بالطبع، خيار توظيف جيش من المرتزقة تدفعه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ولكن على المدى الطويل، يكون المرتزقة دائماً في وضع غير مؤات عندما يواجهون أعداء محليين ذوي دافعية عالية وقدرة.

هذه الجهود العدوانية لمواجهة النفوذ الإيراني لن تؤدي إلا إلى تقوية عزيمة طهران وحلفائها لحماية مواقعهم والمساهمة في زعزعة استقرار بلدان مثل لبنان والعراق، وفي ظل هذه البيئة، فإن أي حديث عن تخلي حزب الله عن أسلحته وان يصبح ممثلاً لبنانياً اجتماعياً وسياسياً سيكون أمراً غير واضح. وفي العراق، سيجد السياسيون الذين عليهم اتفاق او اجماع عام مثل العبادي صعوبة في الاحتفاظ بالسلطة، في حين ستصعد شخصيات مثل هادي العامري. وان أي احتمال لإصلاح قطاع الأمن، يشمل تفكيك الحشد الشعبي أو دمجهم في قوات الأمن الرسمية للدولة، سيصبح مستحيلاً، وبالمقابل سيكون هناك حافز كبير لإيران وحلفائها في العراق لتحويل الحشد إلى نسخة عراقية من حزب الله.

ومن المرجح ان يؤدي هجوم ترامب على إيران الى زيادة العنف وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وقد فسحت خطة العمل المشتركة الشاملة الطريق لإشراك إيران  في القضايا الإقليمية أيضا، وقال اية الله خامنئي ان خطة العمل المشتركة الشاملة كانت بمثابة اختبار في حال نجاحه يمكن ان يؤدي الى فتح حوار بين الولايات المتحدة وإيران حول قضايا أخرى، وكان من الممكن أن يوفر ذلك فرصة للتعامل مع السياسات الإيرانية الأكثر إثارة للاعتراض في المنطقة وربما حتى القضاء عليها، إن الأزمة التي لا داعي لها تماما والتي صنعها ترامب تمنع ذلك الاحتمال؛ ومن المرجح ألا تكون النتيجة تراجع إيران بقدر ما هي المزيد من الفوضى وزعزعة استقرار الشرق الأوسط.

رابط المقال الاصلي:

https://lobelog.com/obsession-with-iran-destabilizes-the-middle-east/ 

التعليقات