التهديدات الايرانية في المنطقة كانت على رأس العوامل التي دفعت دول عربية خليجية واسرائيل الى اعلان علاقاتها خلال الاشهر الاخيرة من العام الماضي كما هي الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين برعاية ادارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، وعملت هذه الدول على تطوير علاقاتها على المستويات الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية والامنية
التهديدات الايرانية في المنطقة كانت على رأس العوامل التي دفعت دول عربية خليجية واسرائيل الى اعلان علاقاتها خلال الاشهر الاخيرة من العام الماضي كما هي الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين برعاية ادارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، وعملت هذه الدول على تطوير علاقاتها على المستويات الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية والامنية.
فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الاميركية، قاد الى تزايد المخاوف الاسرائيلية والخليجية معا من تكرار مشهد تمكين ايران كما حصل مع ادارة الرئيس الاميركي الاسبق باراك اوباما التي توصلت الى الاتفاق النووي عام 2015 من دون اشراك اسرائيل ولا الدول الخليجية في المفاوضات على الرغم من انها المعنية مباشرة بالتهديدات الايرانية.
على ارض الواقع واجهت اسرائيل مخاوفها من خلال الاستهداف المباشر لأي تحركات لقوات ايرانية او قوات موالية لايران في الاراضي السورية حتى وصلت الى عشرات الضربات ونجم عنها خسائر مادية وبشرية كبيرة في الجانب الايراني، الى درجة يمكن القول ان ايران خسرت الساحة السورية لصالح اسرائيل.
مما زاد المخاوف ،ان اسرائيل ودول الخليج العربي اشرت تصاعد الهجمات التي يقوم بها وكلاء ايران في المنطقة ولاسيما ضد المصالح الاميركية وقوات التحالف في العراق وتزايد هجمات الحوثيين ضد السعودية ، بعد تولي الرئيس بايدن رئاسة الولايات المتحدة الاميركية وبالخصوص بعد رفع جماعة الحوثي من لائحة الارهاب الاميركية.
شهدت المنطقة في الايام القليلة الماضية حدثين امنيين هما الابرز: الاول في العراق، حيث جرى استهداف قاعدة عين الاسد غربي العراق بعشرة صواريخ متطورة، والحدث الثاني في السعودية حيث حصل هجوم بعدد كبير من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة استهدفت مناطق ومنشآت سعودية ومقرات مهمة في الرياض. واكدت بعض المصادر، ان الهجوم تم من الاراضي العراقية.
كل ما تقدم يؤشر لدى دول الخليج العربي، ان ايران تزيد من نفوذها وعملياتها في زعزعة الامن في المنطقة وتزيد من تأثيرها في مناطق نفوذها وهي العراق واليمن وسوريا ولبنان. وهذه الرؤية تتفق مع الرؤية الاسرائيلية حول الدور الايراني في المنطقة. وهو ما دفع اسرائيل والدول الخليجية التي اعلنت عن علاقاتها مع اسرائيل الى تعزيز التعاون الامني بينهما لمواجهة الدور الايراني.
نقلت قناة (آي24 الإسرائيلية) عن مصادر خاصة في الخليج الخميس الموافق 25 شباط 2021 عن وجود مفاوضات بين إسرائيل والسعودية والبحرين والإمارات منذ عدة أشهر، لبناء تحالف أمني دفاعي على غرار حلف الناتو، للتعامل مع التهديد الإيراني المتزايد في المنطقة، وللخروج بموقف مشترك للدول الأربع إزاء محاولة إيران صنع قنبلة نووية، ولعرقلة برنامجها النووي الذي يمثل تهديدا حقيقيا للمنطقة، وللتصدي لنفوذ إيران وانتشار قواتها المتزايد في سوريا ولبنان والعراق.
ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست"الإسرائيلية، ان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحدث يوم 3 آذار الجاري الى أنصار حزب الليكود عن سببين لتطبيع أربع دول عربية العلاقات مع إسرائيل في العام الماضي، مركزاً على المزايا الاقتصادية للتعاون وأهداف الأمن المشترك. واكد نتنياهو "إذا كان هناك شيء يجلب السلام أكثر من أي شيء آخر، فهو أن الدول العربية توقفت عن رؤية "إسرائيل" كعدو، وبدأت ترانا كحليف في الأمن والاقتصاد".
وذكرت صحيفة ان الاتصالات بين "إسرائيل" ودول عربية تجري بشكل غير رسمي، بمستويات متفاوتة من المخاوف بشأن إيران. وتحدث نتنياهو مع ولي عهد البحرين، والتقى وزير الأمن بيني غانتس بالعاهل الأردني الملك عبد الله، والتقى غابي أشكنازي رئيس اركان جيش الدفاع الاسرائيلي بنظيريه الأردني والإماراتي.
ويبدوا ان الصفة الغير رسمية للمحادثات تأتي بسبب عدم وجود علاقات معلنة بين السعودية واسرائيل. فالسعودية لازالت في علاقات شبه رسمية مع اسرائيل وربما تنتظر ما تؤول أليه الانتخابات التشريعية الاسرائيلية القادمة (انتخابات الكنيست) في 23 آذار الجاري. اما سلطنة عُمان فهي تستضيف المباحثات بين جماعة الحوثي والولايات المتحدة الاميركية في المرحلة الراهنة، وربما اعلانها العلاقات مع اسرائيل يعرض هذه المباحثات للانهيار.
اسرائيل والدول العربية التي تتواصل لتعزيز تعاونها الامني وتشكيل حلف امني في المنطقة، تنظر للعراق على انه المجال الجغرافي الابرز الذي استطاعت ايران من ان تزيد دورها في المنطقة من خلاله، فضلا عن اليمن وسوريا ولبنان. فالاستهداف المتكرر من قبل وكلاء ايران للمصالح الاميركية وقوات التحالف الدولي لمواجهة داعش الارهابي تدلل على الدور الايراني المتزايد.
رسميا، موقف الحكومة العراقية والتصريحات الرسمية للسلطات العراقية دائما تؤكد على ابعاد العراق عن مظاهر التصعيد الايراني الاميركي في المنطقة، وان العراق لن يكون ساحة لهذا الصراع. لكن على ارض الواقع، الامر مختلف تماما. اذ هناك جماعات مسلحة تعمل على توجيه الضربات الصاروخية والتعرض للمصالح العسكرية الاميركية في العراق، ودائما ما توجه واشنطن الاتهام الى جماعات موالية لايران في شن هذه الضربات ضد قواتها. وهذا سيكون العامل الابرز لواشنطن في المستقبل المنظور لتقديم الدعم والاسناد للحلف الامني الاقليمي الجديد الذي يضم حلفائها في المنطقة، وتكون ظهيرا له في مجلس الامن الدولي لمواجهة ايران لاسيما وان واشنطن حذرت يوم 9 آذار الجاري إيران مجددا، مؤكدة أنها تلعب دورا خبيثا ومشينا يقوض استقرار المنطقة... وسيكون هذا الحلف بمثابة شرطي المنطقة الذي يتصدى لايران ودورها الاقليمي، في وقت تسعى الولايات المتحدة الى تركيز جهودها على صعود الصين اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
وفق هذا التطور تبرز الحاجة الى ضرورة اضافة جانب آخر للجهد الامني ومأسسته على مهام اخرى منها اثبات الموقف الرسمي للحكومة العراقية على ارض الواقع عبر التصدي للجماعات التي تشن الضربات الصاروخية وتزيد من انتهاكات الامن العراقي لاسيما وان الفصائل المنتظمة في اطار هيئة الحشد الشعبي اعلنت ادانتها لهذه الضربات والهجمات ضد السفارة الاميركية.
من دون ذلك، ستجد الحكومة العراقية نفسها في المستقبل القريب في مواجهة حلف عسكري امني جديد في المنطقة. وهذا الحلف سيتمتع بالشرعية الدولية التي تؤهله لصد التهديدات الايرانية في أي رقعة جغرافية في المنطقة ومنها العراق بشكل طبيعي. وعندها سنشهد اجراءات امنية اقليمية على الارض العراقية دون ان يكون للعراق القدرة على الفعل، وسيتحول دور الحكومة العراقية الى دور مشابه لدور نظيراتها في اليمن وسوريا. وسيكون لذلك مضاعفات سياسية ومجتمعية واقتصادية.
بالتأكيد الامور معقدة سياسيا وامنيا، فالارادة السياسية المتوافرة على ادراك طبيعة الترتيبات الامنية الاقليمية اساسية للحكومة العراقية والسلطات العراقية للتكيف مع هذه الترتيبات الامنية الجديدة، وينبغي لها ان تكون اكثر مرونة في تكييف البيئة الامنية الداخلية عملياتيا بما يجنب العراق ان يكون مجالا لعمليات واحداث امنية تفرضها الترتيبات الامنية الاقليمية القادمة.
اضافةتعليق