السياحة الحلال (السياحة الصديقة للمسلمين): الواقع التحديات

     السياحة Tourism واحدة من أهم مصادر الدخل للعديد من الدول (النامية منها والمتقدمة)، وهي من أكبر الصناعات وأسرعها نمواً، ويسميها البعض صناعة القرن الحادي والعشرون أو بتروله، والسياحة مصدر مهم ورئيس لتوفير الإيرادات المالية والنقد الأجنبي، فهي إحدى الأنشطة التي تسهم بفعالية بزيادة الناتج المحلي الإجمالي، ومحرك أساس للنمو والتنمية الاقتصادية، فضلاً عن كونها عاملاً مهماً وأداة رئيسة للتواصل الاجتماعي والثقافي بين مختلف الشعوب والأمم.

وتُعد السياحة صناعة متعددة الاتجاهات والتشابكات مع مُجمل الأنشطة الاقتصادية سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، فضلا عن كونها تُمثل إحدى الركائز الأساسية لنمو الاقتصاد ألأخضر فهي صناعة بلا دخان. 

وبالنظر إلى التطور والتقدم الذي يحدث في العالم الآن يتبين أن هذا القطاع أصبح ذا أهمية بالغة في الاقتصاد من خلال الاثار المباشرة والغير مباشرة الى جانب الاثار المستحثة Indues، ولما يمتاز به من خصائص الاستدامة وقلة الكلفة وتأثيره القوي في باقي القطاعات الاقتصادية، فغني عن البيان إن قطاع السياحة يتأثر ويؤثر بالخدمات المالية، والخدمات البيئية، وخدمات النقل والتجارة، وخدمات الاتصالات، وخدمات الأعمال وغير ذلك من خدمات القطاعات الأخرى.

وقد أدى النمو القوي والمتصاعد في الاقتصاد الإسلامي خلال السنوات القليلة الماضية الى زيادة الطلب على المنتجات الحلال والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وقد انعكس ذلك الى تبلور نمط جديد من أنماط السياحة أطلق عليه اسم السياحة الحلال (السياحة الصديقة للمسلمين)، وقد برز هذا النمط خلال السنوات العشرة الأخيرة كواحد من اقوى أنماط السياحة نمواً وتطوراً لا سيما في دول منظمة التعاون الإسلامي، وأحد أبرز الدوافع الأساسية للنمو الاقتصادي فيها.

ووفقًا لتقرير "حالة الاقتصاد العالمي الإسلامي لعام 2018، نما سوق السفر الإسلامي في عام 2017 بنسبة 11.8 ٪، وهو ما يقرب من ضعف نمو سوق السفر العالمي، وزاد إنفاق السوق بمقدار 10 مليارات دولار سنوياً، إذ وصل إلى 177 مليار دولار في عام 2017، ومن المتوقع أن تصل الإيرادات الى نحو300 مليار دولار بحلول عام 2030، مما يجعله أحد أسرع القطاعات نمواً في هذه الصناعة. 

وتهدف الدراسة الى تسليط الضوء على السياحة الحلال بوصفها تمثل اتجاهاً حديثاً في صناعة السياحة، وتحليل اتجاهاتها، الى جانب مناقشة أبرز المشكلات التي تواجهها، ومعرفة الفرص التي يوفرها لتحقيق التنمية والتطور والازدهار الاقتصادي.

أولاً: السياحة الحلال (الصديقة للمسلمين) طبيعتها ومفاهيمها العامة. 

السياحة هي وسيلة للترفيه والترويح والاستجمام، وهي نشاط ذو أبعاد اقتصادية وثقافية واجتماعية في حياة الأمم والشعوب، وقد تطورت ونمت وأصبح لها دور كبير في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتطور الدول وتقدمها، فضلاً عن دورها الثقافي والاجتماعي المتمثل بدعم العلاقات الإنسانية والثقافية وتقارب الشعوب والأمم.

والسياحة بوصفها ظاهرة قديمة، عرفها الإنسان منذ نشأته الأولى، ويرجح بعض المهتمين بالسياحة إلى احتمال أن تكون رحلة (السلام) التي أرسلتها الملكة المصرية (حتشبسوت) في عام 1490 ق.م إلى بلاد بونت Punt  والتي يُعتقد إنها الصومال الحالية، أول رحلة معروفة لغرض السياحة، وعَرفت مصر في عهد الفراعنة السفر لحضور الاحتفالات الدينية وزيارة المعابد، كما عُرف ذلك في إمبراطوريات الفرس والبابليين والآشوريين والإمبراطوريات الهندية والصينية، وأشتهر الفينيقيون بالرحلات التجارية البحرية، كما أشتهر اليونانيون بالسفر والسياحة لحضور الألعاب الاولمبية عام 776ق.م، ووصل الرحالة اليونانيون إلى مصر، في حين أهتم الرومان ببناء الطرق والتي ساعدت في حركة السياحة لغرض زيارة المعابد والمسارح والألعاب الاولمبية والاحتفالات في أوروبا، وقد رسخت تجربة الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية مبدأ ارتباط السياحة بالرفاهية وتحسن مستوى المعيشة والاستقرار والأمن(1).

ووفقًا لمنظمة السياحة العالمية (WTO) World Tourism Organization تشمل السياحة أنشطة الأشخاص الذين يسافرون إلى أماكن خارج بيئتهم المعتادة لمدة لا تزيد عن سنة لأغراض الترفيه والأعمال وغيرها والتي لا تتعلق بممارسة نشاط مدفوع الأجر من داخل المكان الذي تمت زيارته، لذلك تتكون من حركة قصيرة الأجل للأشخاص إلى وجهات خارج بيئتهم المعتادة وأنشطتهم، وترتبط السياحة بطبيعتها بثلاثة أنواع من الأنشطة، السفر بعيدًا عن المنزل لمدة 24 ساعة، واستخدام وقت الفراغ في السفر، وقضاء الإجازات.

وقد أولى الإسلام عناية خاصة بالسياحة، ووردت في القران الكريم والسنة النبوية، إذ يقول الخالق جل في علاه ((بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (*) فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي   الْكَافِرِينَ (*)))(2).  وفي آيات أخرى قال سبحانه وتعالى ((التَّائبُونَ العْابَدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائحُون الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُون عَنِ الْمُنكَرِ  وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنينَ (112)) (3). 

ويحث الإسلام على السفر والترحال، فقد امرنا الله عز وجل بأن نسير في الأرض ونأخذ العبر من خلقه، ويتجلى ذلك في قوله سبحانه وتعالى (( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20 )(4).

وقد شهدت المنطقة العربية وبخاصة بلاد الشام ومصر والعراق رحلات عديدة (تجارية، علمية، دينية، ثقافية، علاجية وغيرها)، وقد ذُكر بعض منها في القران الكريم، منها رحلة الشتاء والصيف، إذ يقول سبحانه وتعالى في سورة قريش ((لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ (*)إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (*)فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (*)الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ))(5).

وقد ركزت التعاريف المبكرة للسياحة الإسلامية على السياحة ذات الطابع الديني والمتمثلة بزيارة المراقد والمعالم الدينية عند المسلمين، والمعالم الدينية عند المسيحيين، والمعالم الدينية عند اليهود المنتشرة في بعض دول العالم، والمعالم الدينية الأخرى، فهناك معالم مثل المعابد البوذية والهندوسية.... الخ.

  وفي ظل التطورات الكبيرة التي شهدها الاقتصادي العالمي ونمو الاقتصاد الإسلامي والانتشار الواسع النطاق، وبعد أن حظي باهتمام الكثيرين وزيادة الاهتمام والوعي بمفهوم الحلال، ومع وجود نحو 1.6 مليار مسلم في 200 دولة يشكلون 23 ٪ من سكان العالم (يعيش 62.1٪ منهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، و19.9٪ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و15.0٪ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و2.7٪ في أوروبا، و0.3٪ في الولايات المتحدة الأمريكية)، ومن المتوقع أن يشكل المسلمون ما يقارب 26.4 ٪ من إجمالي سكان العالم في عام 2030، وسع المهتمون في السياحة هذا المفهوم ليشمل السياحة الحلال والتي تتفق مع تعاليم الدين الإسلامي والمتقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية، ومع زيادة الوعي وتزايد أعداد السياح المسلمين، بدأ العديد من اللاعبين في صناعة السياحة في تقديم منتجات وخدمات خاصة تم تطويرها وتصميمها وفقاً للمبادئ الإسلامية، لتلبية احتياجات ومتطلبات هؤلاء السياح.

 ولا تقتصر السياحة الحلال أو السياحة الصديقة للمسلمين (والذي ظهر مفهومها لأول مرة في عام 2000 خلال اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي، والتي اقترحت نشاط للسفر والسياحة داخل الدول الإسلامية من أجل توليد الدخل وزيادة فرص العمل وتحقيق التنمية الاقتصادية) على زيارة المراقد الدينية فقط وإنما تشمل ممارسة الاعمال التجارية وزيارة الأقارب والأصدقاء، وممارسة الرياضة، والعلاج، الخ، والسعي الى تحقيق أهداف وأنشطة شخصية كالتسوق والتعليم، الى جانب الزيارات (الحج – العمرة- الخ) طالما إن الشاغل الرئيس لنية السفر لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

في هذا الإطار، سعت منظمة التعاون الى الإسلامي الى إطلاق المبادرات والاستراتيجيات ووضع الخطط لتصبح سوق السياحة الحلال أكثر تنافسية، وقد تم اعتماد خارطة الطريق الاستراتيجية لتنمية السياحة الإسلامية (الحلال) في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وقد تم تفويض مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية (سيسرك) لتنفيذها (يُنظر الإطار 1).

الإطار (1) الاستراتيجية والتفويض

استراتيجية تنمية السياحة الإسلامية (الحلال)

إن خارطة الطريق الاستراتيجية لتنمية السياحة الإسلامية في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي يوفر إطار مقاربة منهجية لتعزيز التعاون فيما بين الدول الأعضاء في هذا المجال من أجل تحقيق التنمية كما أنها تحدد ما يلزم من الموارد الأساسية لتحقيق التغيير المنشود، وهي تحدد العريضة للمبادئ التوجيهية للتنمية المستقبلية للسياحة الإسلامية في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي من خلال معايير السياحة الإسلامية (الحلال) ومشاريع مراقبة الجودة في الإدارة والعمليات والتنفيذ. وتفسح الاستراتيجية المجال للتعاون فيما بين البلدان الأعضاء في المنظمة ومؤسساتها والمنظمات الدولية ذات الصلة في مجال السياحة الحلال، وتحدد الوثيقة خمسة مجالات رئيسة للتعاون وهي البيانات والرصد، ووضع السياسات والأنظمة، والتسويق والترويج، وتنمية الوجهات والصناعة، وتنمية القدرات وذلك لتعزيز التعاون على المستوى البيني في منظمة التعاون الإسلامي وكذلك لتحسين بيئة السياحة الإسلامية في البلدان الأعضاء في المنظمة، وتهدف بالأساس إلى:

• توفير دراسة بشأن خلفية السياحة الحلال ومظاهرها وأبعادها وأهميتها في الدول الأعضاء في المنظمة. 

• إجراء تحليل للوضع بخصوص حال السياحة الحلال في الدول الأعضاء في المنظمة. 

• اقتراح توجه استراتيجي يتعين اتخاذه مع خطة عمل لتنمية السياحة الإسلامية في الدول الأعضاء في المنظمة وتعزيزها.

التفويض

وقد اعتمد المؤتمر الإسلامي التابع لوزاء السباحة الذي عقد في نيامي بجمهورية النيجر في 2015 قراراً بشأن التنمية السياحية بين البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، تم بموجبه إنشاء فريق عمل معني بالسياحة الإسلامية، يضم إندونيسيا (المنسق)، وبنغلاديش، وسيسرك، ومعهد المعايير والمقاييس للدول الإسلامية، والجامعة الإسلامية للتكنولوجيا، ورحب بعرض سیسرك لتنفيذ مشروع "الخطة الاستراتيجية التنمية السياحة الإسلامية في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي". وقد دخل سیسرك في المرحلة الإعدادية بحكم هذا التفويض، وسلم مشروع الإطار المرجعي للخطة خلال الاجتماع الأول لفريق العمل الذي عقد في مدينة بادانغ الإندونيسية 2016، وخلال هذا الاجتماع تمت مناقشة عملية لتنفيذ المشروع والاتفاق عليها وقد تقرر على إثرها ما يأتي:

• لغرض التوصل إلى نتائج وفوائد قصيرة الأجل لصالح الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في مجال تطوير السياحة الإسلامية (الحلال)، طلب الاجتماع من سيسرك إعداد مسودة أولى لخارطة الطريق الاستراتيجية بدلا من الخطة الاستراتيجية وذلك بالتنسيق مع أعضاء مجموعة العمل في عام 2017.

• كما تم الاتفاق خلال الاجتماع على إدراج مقترحات إندونيسيا في المسودة الأولى الخارطة الطريق الاستراتيجية والمتمثلة بتطوير السياسات والأنظمة والتسويق والترويج، وتنمية الوجهات والنشاط السياحي، وبناء القدرات، وتم الاتفاق على تعميم المسودة الأولى لخارطة الطريق الاستراتيجية على الدول الأعضاء في المنظمة وسيتم تقديمها خلال الدورة القادمة للمؤتمر الإسلامي لوزراء السياحة (تقرير الاجتماع الأول لفريق العمل المعني بالسياحة الإسلامية، المادة 10)، بعد اجراء التعديلات عليها.

الإطار من عمل الباحث بالاستناد الى:

- خارطة الطريق الاستراتيجية لتنمية السياحة الإسلامية في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية (سيسرك)، انقرة، 2018، ص1-2. 

ان السياحة الحلال (الصديقة للمسلمين) هي مزيج من السياحة الدينية والسياحة الروحية والسياحة الثقافية والسياحة الترفيهية، فهي تُضيف بُعداً أخلاقياً في السياحة ونظرة جديدة للحياة والمجتمع، وتحقق التفاهم والحوار بين الأمم والحضارات المختلفة، وهي فريدة من نوعها من خلال التمسك بالقيم الإسلامية أثناء أنشطة السفر دون التخلي عن الرغبة في الحصول على المُتعة، وهكذا تتميز بخصائصها المتمثلة بالمرونة والبساطة والتوازن، فالمرونة تشير الى إن الغرض من السفر غير ثابت، إذ يسمح الإسلام بالعديد من أغراض السفر، طالما إن الشاغل الرئيس لنية السفر لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، فضلاً عن ذلك، يجب أن يكون السياح عقلانيين في اتخاذ القرارات المتعلقة بالوجهة السياحية والأنشطة والشخص المناسب لمرافقتهم اثناء السفر. فالإسلام يشجع السياحة ويوفر العذر لراحة المسافرين، فعلى سبيل المثال، يسمح الإسلام للسائح بتقصير الصلوات والافطار في رمضان فالراحة في العبادة وتقصير واجبات المسلمين، الأمر الذي يؤدي الى تقوية العلاقة بين الانسان وربه، ومن ثم تحقيق السعادة في الدار الدنيا وفي الاخرة(6).

فالسياحة الحلال هي أنشطة المسلمين الذين يسافرون أو يقيمون في أماكن خارج بيئتهم المعتادة لمدة لا تزيد عن سنة واحدة للمشاركة في تلك الأنشطة الناشئة عن الدوافع الإسلامية التي لا تتعلق بممارسة نشاط مقابل أجر في داخل المكان التي تمت زيارته، وهذا التعريف يختلف عن التعريف العام للسياحة في كونه يميز المشاركين كمسلمين عن غيرهم(7). 

ويُمكن النظر الى السياحة الحلال كونها مفهوم اقتصادي وثقافي وديني، فالمفهوم الاقتصادي يتضمن ادراج أسواق ووجهات سياحية جديدة يمكن من خلالها زيادة الإيرادات وتوفير فرص عمل، وزيادة حجم الاستثمارات، في حين يتمثل المفهوم الثقافي للسياحة الإسلامية في الحفاظ على التراث الإسلامي الاصيل، كما يتضمن الرؤى والأفكار التي تحدد إدراج المواقع الثقافية، وتوجيه الرحلات السياحية نحو المواقع الإسلامية والتراثية والتاريخية والثقافية التي تعكس صورة الإسلام الحقيقية، أما المفهوم الديني فيستند على التفسير والفهم المحافظ للإسلام، فيمكن لدمج عناصر نمط الحياة الإسلامية المحافظة للغاية بصناعة السياحة الحديثة تقديم خيارات وفضاءات ومجالات سياحية جديدة ومن أجل سوق سياحية بينية محافظة ومتواصلة النمو يكون له أثر اقتصادي واجتماعي إيجابي(8). 

• المفهوم الاقتصادي: يركز المفهوم الاقتصادي للسياحة الإسلامية على إدراج أسواق ووجهات سياحية جديدة. وهذا المفهوم من بين المفاهيم الأكثر أهمية سواءً في البلدان الإسلامية أو غير الإسلامية، ويعتقد الفاعلون الرئيسيون في مجال السياحة أن الدول الإسلامية من الأسواق السياحية الناشئة التي تتوفر على إمكانات اقتصادية وديموغرافية ووجهات مهمة، وهناك العديد من المحافل الإقليمية والدولية المعنية بطرح النقاشات حول الأبعاد الاقتصادية لسوق السياحة الإسلامية والتوسع فيها، فقد قدم الاجتماع الثالث للمؤتمر الإسلامي لوزراء السياحة رؤية جديدة في هذا الصدد من خلال اعتماد " إعلان الرياض الذي يهدف إلى تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرة وتعزيز الاستثمار السياحي فيما بين دول منظمة التعاون الإسلامي وتنظيم فعاليات تسويقية مشتركة وتوفير آليات لتسهيل إحياء التراث الثقافي الإسلامي

• المفهوم الثقافي، يتضمن المفهوم الثقافي للسياحة الإسلامية الرؤى والأفكار التي تحدد إدراج المواقع الثقافية الدينية والإسلامية في البرامج السياحية، وتتجلى غايته في تشجيع إعادة توجيه الوجهات السياحية نحو المواقع الإسلامية التاريخية والدينية والثقافية.

• المفهوم الديني المحافظ: يستند مفهوم المحافظة الدينية للسياحة الإسلامية على التفسير والفهم المحافظ للإسلام، فيمكن لدمج عناصر نمط الحياة الإسلامية المحافظة للغاية بصناعة السياحة الحديثة تقديم خيارات وفضاءات ومجالات سياحية جديدة، ومن أجل سوق سياحية بيئية محافظة ومتواصلة النمو في بلاد العرب والمسلمين، فإن إدخال مفهوم المحافظة الدينية في التخطيط السياحي كخيار إضافي يمكن بالفعل أن يكون له أثر اقتصادي واجتماعي إيجابي.

الإطار (2): مفاهيم السياحة الحلال

المصدر: السياحة الدولية في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي: الافاق والتحديات، منظمة التعاون الإسلامي: مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية (سيسرك)، انقرة، 2017، ص35.

ويتكون جانب الطلب للسياحة الإسلامية من أسباب ودوافع السفر، وقد تم تحديد أربعة أسباب رئيسة للسفر، الدينية، والترفيه، والأعمال التجارية والطبية. الغالبية العظمى من السفر للمسلمين هي للترفيه (بما في ذلك زيارة الأصدقاء والأقارب والتي تمثل ما يقارب 75% من السفر، ويمثل السفر الديني نحو 10% من إجمالي الزوار المسلمين، وتبلغ نسبة السفر لأغراض العمل ما بين 9-10%، بينما تقل نسبة السفر لأسباب طبية أو الرعاية الصحية عن 1% من سوق السفر الإسلامي. أما في جانب العرض، فتشير موضوعات جانب العرض إلى خدمات الضيافة والمرافق التي تشمل محطات النقل وخدمات النقل وخدمات الإقامة والجذب والأنشطة ووكلاء السفر ومنظمي الرحلات ورأس المال البشري والوجهات ككل(9).

ثانياً: مكونات السياحة الحلال 

لا تختلف السياحة الحلال في مكوناتها الرئيسة مثل الفنادق والمطاعم والنقل والخدمات اللوجستية والتمويل والجولات السياحية عن مكونات نظيرتها التقليدية، إلا أن تقييم قيمة المنتجات السياحية الحلال ينطوي على عملية مختلفة تماماً بسبب متطلبات الإسلام، وهذه المتطلبات هي الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية وفي أبسط مستوياتها، هذه المبادئ تُحرم الزنا والقمار واستهلاك لحم الخنزير وغيره من الأطعمة الحرام والاتجار في الخمور أو شربها وارتداء الملابس غير اللائقة، فضلاً عن ذلك، يتوقع من المسلم النموذجي أن يؤدي صلواته الخمس المفروضة عليه في بيئات نظيفة وأن يصوم شهر رمضان، وفي التعاليم الإسلامية، يفترض من المسلمين كذلك تجنب الاستهلاك والتبذير غير الضروريين(10).

ومن ثمً، تم تحديد الاحتياجات الدينية بوصفها المجالات والمكونات الرئيسة للمسافرين المسلمين، في حين إن غالبية المسافرين المسلمين يلتزمون ببعض هذه الاحتياجات، فإن مستوى الأهمية يختلف بين سائح وآخر، وهذه المكونات هي) ):

1- الإقامة والفنادق الحلال: وتقدم هذه الفنادق خدمتها للمسافرين المسلمين وبما يتوافق واحكام الشريعة الإسلامية، والضيافة إسلامية التي تطورت على مدار العقدين الماضيين لتصبح جزءً مهماً من صناعة الضيافة. وتنقسم سمات الإقامة الى فئتين رئيسيتين، تلك المتعلقة بأجواء السكن والراحة والترفيه، والأخرى المتعلقة بمواقف وسلوكيات الموظفون من خلال تلبية الاحتياجات الدينية للسائح المسلم. وتتميز هذه الفنادق بوجود ومرافق العبادة، مثل توفير سجادات الصلاة في الغرف واتجاه القبلة، وأماكن منفصلة للرجال عن النساء، وتوافر الطعام الحلال (لم يعد الطعام الحلال ممارسة إقليمية تقتصر على الدول الإسلامية بل اصبح مطلباً دولياً وعنصراً اساسياً في صناعة الضيافة) ويعد الطعام عنصراً حاسماً للسياح المسلمين عند زيارتهم للدول الاخرى، وحظر استهلاك الكحول والقمار، بما في ذلك إزالة المشروبات الكحولية من الغرف التي يقيم بها السائح، وإزالة أي مواد اباحية كالتلفزيون وغير ذلك، فضلاَ عن ادراج نسخة من القران الكريم، إزالة بعض الأشياء من الغرف ... الخ، ومرافق صحية وترفيهية منفصلة للرجال عن النساء، الى جانب النظافة والتي هي عامل مهم في عملية اختيار السكن بما ان المسلمون محتاجون الى حمامات نظيفة لأداء الوضوء والاستعداد للصلاة وقراءة القرآن.

2-   النقل الحلال: وينبغي أن يتوفر في النقل الحلال (براً وجواً) كل المتطلبات التي تتوافق مع مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي، متمثلةً بالنظافة وعدم تقديم المشروبات الكحولية، وأي أشياء أخرى لا تتفق مع تعاليم الدين الإسلامي.     

3- أماكن الطعام الحلال: يجب أن تكون الأطعمة التي تقدم في المطاعم والمرافق السياحية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، والمتمثلة بعدم استخدام لحوم الخنزير، أو الذبح غير الحلال، وغير ذلك من الأمور التي تحرمها الشريعة الإسلامية.         

4- حزم الجولات الحلال: يجب أن تحتوي حزم الجولة على موضوعات تتفق مع مبادئ الدين الإسلامي ولا تتعارض معه، وتشمل باقات الجولات السياحية زيارة المتاحف والآثار والأماكن الترفيهية وكل المقاصد السياحية المتوفرة في الوجه السياحية على ألا تكون مخالفة للتعاليم الإسلامية، وإقامة المهرجانات والفعاليات خلال المناسبات الدينية.    

5- التمويل الحلال: يجب أن تكون الموارد المالية للفندق والمطعم ووكالة السفر وشركات الطيران مناسبة للمبادئ الإسلامية، وبشكل عام، يتطلب التمويل الإسلامي المشاركة في مشاركة الأرباح والخسائر بين جميع الأطراف المشاركة في هذا المشروع المالي، يحظر التمويل الإسلامي أيضًا الفائدة والربا...الخ.

ثالثاً: التنافسية في قطاع السياحة الحلال 

أصبح من القناعات الراسخة إن مسألة التنافسية هي أداة ووسيلة فعالة لتطوير الاقتصاد بشكل عام، والقطاعات الاقتصادية منفردة بشكل خاص، ومعياراً لتقييم الأداء الاقتصادي للوقوف على جوانب القوة والضعف فيه، وقد أصبحت السياحة في السنوات الأخيرة تخضع للكثير من التنافسية، وقد قامت الكثير من الدول التي تعتمد على السياحة بقياس ومعرفة مدى تنافسيتها في الأسواق السياحية على المستويات التنظيمية والثقافية والاجتماعية كافة، لمعرفة حصتها من الأسواق العالمية، ومن ثمً تحديد نقاط القوة والضعف لديها، لغرض وضع الاستراتيجيات المستقبلية. وتُعرف المنظمة العالمية للسياحة التنافسية السياحية، على إنها قدرة الدولة على توليد ثروة وإمكانيات تتفوق بها على منافسيها في الأسواق العالمية(11). فالتنافسية السياحية تُشير إلى زيادة ثروة الأمم وزيادة الإنتاج مما يعني بالنهاية زيادة معدلات النمو الاقتصادي، فكلما كانت هناك تنافسية سياحية للدولة كلما زادت نسبة إسهامها في توليد الدخل والناتج، ومن ثم زادت نسبة إسهام السياحة في النمو الاقتصادي، وكلما انخفضت تنافسية الدولة انخفض إسهام السياحة في زيادة الثروة ومن ثم انخفض لديها إسهام القطاع السياحي في الاقتصاد. 

وقد اهتمت المؤسسات الدولية بإعداد تقارير خاصة عن التنافسية، وفي هذا الإطار بدأ منتدى الاقتصاد العالمي   World Economic Forum بإصدار تقاريره السنوية المتعلقة بتنافسية قطاع السياحة والسفر على المستوى الدولي لمعرفة القدرة التنافسية للقطاع السياحي للدول. 

وقد اصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقريره الأول عن تنافسية السياحة والسفر في مارس عام 2007 ، وتبرز أهمية التقرير في كونه يُصنف الدول في مؤشر يُعبر عن مدى توافر البيئة الداعمة للسياحة من حيث النظم والإجراءات والبنية التحتية والموارد الطبيعية ويتكون المؤشر الكلي لتنافسية السياحة والسفر Travel and Tourism Competitiveness Index (TTCI) من ثلاثة مؤشرات فرعية هي: الإطار التنظيمي وبيئة الأعمال والبنية الأساسية والموارد البشرية والثقافية والطبيعية، تحتوي المؤشرات الفرعية بدورها 13 عنصراً تُمثل محاور تقييم السياحة في دول العالم، ويتم احتساب المؤشر باستعمال بيانات إحصائية وأخرى مسحية، أي بيانات (كمية ونوعية) تُغطي 124 دولة على مستوى العالم منها 10 دول عربية(12).

وعلى غرار تقارير التنافسية السياحية، انبرت العديد من المؤسسات الى وضع مبادرات ترمي من خلالها وضع معايير لتقييم أداء الوجهات السياحية الاسلامية، ويٌعد مؤشر السفر العالمي (GMTI) Global Muslim Travel Index لشركتي ماستر كارد Master card (شركة تكنولوجية متخصصة في صناعة المدفوعات المالية) وكريسانت ريتنغ Crescent Rating (وهي هيئة رائدة في مجال السياحة الحلال تقوم بإعداد التقارير والبحوث والاستشارات والتدريب في مجال السياحة الحلال) من واحد من أكثر المبادرات شهرة في هذا المجال.

وقد بدأت تلك الشركات بتحليل سوق السفر الحلال منذ عام 2011، ولغاية عام 2017 كان مؤشر السفر العالمي يتكون من أربعة مجالات رئيسة وهي (سهولة الوصول 10%، التواصل 15%، البيئة 30%، والخدمات 40%) وأحد عشراً معياراً فرعياً، في عام 2018 تم إدراج أربعة معايير جديدة في حين تم تحديث ثلاثة معايير موجودة بمقاييس جديدة، إذ تعمل هذه التغييرات على تقوية مؤشر السفر العالمي الاسلامي GMTI مع الحفاظ على الأهداف الأساسية للمؤشر، كما يوفر لمجالس السياحة والاقتصاديين ومقدمي خدمات السفر وأصحاب المصلحة والمستثمرين والمتخصصين في هذا القطاع معايير شاملة تتيح تتبع صحة ونمو هذا القطاع وكذلك للوجهات التي تقيس الخدمات التي تقدمها من أجل تلبية احتياجات المسافرين المسلمين بشكل أفضل.

وتجدر الإشارة الى إنه تمت دراسة وتصنيف 130 دولة في إطار هذا المؤشر لعام 2018 وتضم هذه الوجهات التي شملها التصنيف 48 دولة عضوا في منظمة التعاون الإسلامي و82 دولة غير عضو فيها.

1- الوجهات الرئيسة للسياحة الإسلامية 

استناداً الى المعايير التقليدية المتبعة في صناعة السياحة، وعلى مدار السنوات الماضية كانت الدول الاوربية كفرنسا واسبانيا الى جانب الولايات المتحدة الامريكية والصين في مقدمة الدول الأكثر استقطاباً للسياح. أما فيما يتعلق بمؤشر التنافسية في السياحة الإسلامية، وبحسب النتائج لعام 2018 احتلت ماليزيا المرتبة الأولى تلتها إندونيسيا فالإمارات وتركيا، وفي الواقع، فإن تسعة من مجموع 10 دول هي دول أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، في حين جاءت سنغافورة في المرتبة الأولى كأفضل وجهة سياحية في دول من خارج منظمة التعاون الإسلامي.

جدول (1) أفضل 10 وجهات سياحية في عام 2018 في دول منظمة التعاون الإسلامي وخارجها

أما على مستوى المؤشرات الأربعة الرئيسة فيوضح الجدول الآتي أفضل 10 وجهات سياحية لكل مؤشر من هذه المؤشرات. 

جدول (2) أفضل 10 وجهات سياحية لكل مؤشر من المؤشرات الرئيسة لمؤشر السفر الإسلامي العالمي لعام 2018

من خلال الجدول (2)، يتضح هيمنة الدول الاسيوية (ماليزيا، سنغافورة) على مؤشرات (الاتصال، البيئة الملائمة للسفر، وتمكين الخدمات) في حين كانت تركيا في مقدمة الدول فيما يتعلق بمؤشر سهولة الوصول.

أما على مستوى التحليل الإقليمي لمؤشر السفر العالمي GMTI، ومن خلال مقارنة متوسط النتائج، لا تزال آسيا هي المنطقة الرائدة في جذب السياح الراغبين في اختيار وجهات سياحية متوافقة مع مبادئ الإسلام، تلتها أوقيانوسيا ومن ثم وأفريقيا، بعدها جاءت أوروبا والأميركتين على التوالي.

جدول (3) التحليل الإقليمي لمؤشر السفر العالمي GMTI لعام 2018

رابعاً: الوضع الراهن لسوق السياحة الإسلامي العالمي.

على المستوى العالمي، يُعد القطاع السياحي أحد أكبر المحركات الاقتصادية وتساهم في تحقيق التقدم الاقتصادي، وتتضح الأهمية الاقتصادية للقطاع السياحي وبشكل متزايد من خلال الاثار المباشرة المتمثلة (بزيادة الدخل القومي، توفير فرص العمل، تأثيرهُ في ميزان المدفوعات، وتوفير الإيرادات الأجنبية للبلد) والاثار غير المباشرة والمتمثلة في (بالمضاعف السياحي، تنشيط حركة الإنتاج والاستثمار) ناهيك عن الاثار المستحثة والمتمثلة في استفادة القطاعات الأخرى المرتبطة بالقطاع السياحي. ويبين الجدول الاتي المكونات المختلفة لتأثيرات السياحة المباشرة وغير المباشرة والمستحثة على الاقتصاد.

جدول (4) المكونات المختلفة لتأثيرات السياحة المباشرة وغير المباشرة والمستحثة في الاقتصاد

المصدر:

- Alberto F. Lemma, Overseas Development Institute, Tourism Impacts: Evidence of Impacts on employment, gender, income, EPS-PEAKS, 2014, p3.

وتشير تقديرات منظمة السياحة العالمية في الأمم المتحدة UNWTO""World Tourism Organization  United Nations، وتقارير مجلس السياحة العالمي WTTC"" Travel And Tourism Council  World الى ان القطاع السياحي ساهم بنحو 2.3 تريليون دولار و319 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم، مع الأخذ على نطاق أوسع الآثار غير المباشرة والمستحثة في الاعتبار، كما ساهم بما يقارب 8.8 تريليون دولار أمريكي في الاقتصاد العالمي  في عام 2018، وهو ما يعادل 10.2 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، ونحو 1 الى 10 من جميع الوظائف عالمياً (نمت المساهمة المباشرة للسياحة والسفر في التوظيف بنسبة 3.9٪ في عام 2018 ، مما يعني أن ما يقرب من 2 مليون فرصة عمل إضافية تم إنشاؤها مباشرة من قبل القطاع ، وتم إنشاء حوالي 6 ملايين وظيفة جديدة نتيجة لإجمالي النشاط المباشر وغير المباشر والمستحث، هذا يعني أن ما يقرب من 1 من 5 من جميع الوظائف الجديدة التي تم إنشاؤها في عام 2018 كانت مرتبطة بالسفر والسياحة). ويمثل قطاع السياحة والسفر قطاعًا للتصدير، إذ يجذب الإنفاق الأجنبي إلى بلد ما على شكل زوار دوليين، وفي عام 2018، شكلت صادرات الزوار العالمية 6.6 ٪ من إجمالي الصادرات العالمية (ما مجموعه 1.4 تريليون دولار أمريكي) وحوالي 30٪ من إجمالي صادرات الخدمات العالمية، ونمت مساهمة السفر والسياحة المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو3.1٪ في عام 2018. وكان هذا أسرع من الاقتصاد العالمي ككل الذي نما بنسبة 2.5 ٪، مما يعني أنه ولمدة ست سنوات متتالية، كان قطاع السفر والسياحة يتفوق على الاقتصاد العالمي، الى جانب تفوق القطاع السياحي على العديد من القطاعات الاقتصادية العالمية الرئيسية الأخرى، وعلى وجه التحديد، كان نمو إجمالي الناتج المحلي المباشر للسفر والسياحة أقوى من النمو المسجل في الخدمات المالية والتجارية، التصنيع والخدمات العامة وتجارة التجزئة والتوزيع والنقل القطاعات، ولكن كان أبطأ بشكل هامشي من النمو في قطاع الاتصالات خلال عام 2018(13).

وعلى غرار النمو الواسع للقطاع السياحي، وتماشياً مع نمو قطاعات الاقتصاد الإسلامي الأخرى، شهد قطاع السياحة الإسلامية (السياحة الصديقة للمسلمين) نمواً لافتاً، فمع وجود نحو 1.6 مليار مسلم حول العالم (من المتوقع ان يصل الى 2.2 مليار مسلم في عام 2030)، شهد سوق السياحة الإسلامية توسعاً سريعاً وملفتاً وبرز كأحد أسرع الأسواق السياحية نمواً، اذ بلغت إيرادات السياحة الحلال نحو 142 مليار في عام 2014  ( وهو ما يمثل تقريباً  8% من حجم سوق السياحة العالمي ) بالمقارنة مع 80 مليار دولار في عام 2006 (باستثناء نفقات الحج والعمرة والبالغة ما بين 20-25 مليار دولار).  

وفي عام 2015 بلغت إيرادات السياحة الإسلامية نحو 151 مليار دولار (نحو 12.6% من سوق السياحة على المستوى الدولي) وبمعدل نمو بلغ ما يقارب 4.9%، وتواصل نمو هذا القطاع في عام 2016 لتصل مجموع إيرادات السياحة الإسلامية الى ما يقارب 169 مليار دولار أمريكي (نحو 13.9% من سوق السياحة العالمي، وبمعدل نمو بلغ تقريباً 11.8% عن عام 2015) أي تقريباً ضعف النمو الذي شهده قطاع السياحة العالمي. 

وفقًا لتقرير "حالة الاقتصاد العالمي الإسلامي 2018 نما سوق السفر والسياحة الإسلامي في عام 2017 إذ زاد إنفاق السوق بما يقارب 10 مليارات دولار ليصل إلى نحو 177 مليار دولار (لتشكل 15% تقريباً من سوق السياحة العالمي)، ومن المتوقع أن تصل هذه الايرادات إلى نحو 300 مليار دولار بحلول عام 2030، مما يجعلهُ أحد أسرع القطاعات نمواً في هذه الصناعة.

وعلى المستوى الإقليمي، يعكس التوزيعي الإقليمي تمركز نشاط السياحة الحلال وتوجهها نحو منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فقد استأثرت منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا- دول مجلس التعاون الخليجي على ما يقارب ثلث السوق، تلتها منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا – مناطق أخرى بنحو 14.5% من السوق، ثم جاءت آسيا الشرقية و وأوروبا الغربية وآسيا الوسطى بما يقارب 11.9% و9.3% و5.8% على التوالي، في حين جاءت كلٌ من افريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وامريكا الشمالية والمناطق الأخرى بنحو 3.9% و 2.5% و 1.7% و 0.5% توالياً.

شكل (1) التوزيع الإقليمي لسوق السياحة الإسلامية لعام 2018

وتعد دول منظمة التعاون الإسلامي كمجموعة السوق الرئيس لصناعة السياحة الإسلامية على الصعيد العالمي، إذ كانت دول منظمة التعاون الإسلامي مصدرا لنحو 72 % من الإنفاق العام على منتجات وخدمات السياحة الإسلامية، ومع ذلك، تبقى أرقام السياح المسلمين ونفقات السياحة موزعة بشكل متفاوت عبر ربوع دول المنظمة ولا غرابة أن تكون بلدان المنظمة الغنية بالموارد في منطقة الشرق الأوسط هي الأسواق الرئيسية للسياحة الإسلامية( ). ويوضح الجدول الاتي أفضل خمسة دول سياحية إسلامية من حيث الانفاق السياحي.

جدول (5) أفضل 5 أسواق للسياحة الإسلامية من حيث الانفاق بين عامي 2015-2017 (مليار دولار)

Souers:- Thomson Reuters, Dinar Standard, State of the Global Economy, Report 2018 2019, New York City, p57.

من خلال الجدول فقد تربعت السعودية على راس قائمة نفقات السياحة الإسلامية ليصل الانفاق الى ما يقارب 20.4 مليار دولار في عام 2017 بالمقارنة مع نحو 19.2 مليار دولار في عام 2015، ثم تلتها الامارات وقطر بإنفاق بلغ نحو 15.8 مليار و12.4 مليار دولار على التوالي في عام 2017 بالمقارنة مع 15.1 مليار دولار و11.7 مليار دولار في عام 2015.    

خامساً: مستقبل السياحة الحلال...المشكلات والممكنات

على مدار العقدين الماضيين، ظل سوق أسلوب الحياة الإسلامي ينمو بشك لافت للنظر، اذ بلغ حجم اجمالي أصول قطاع التمويل الإسلامي نحو 2.4 تريليون دولار الاقتصاد الإسلامي، في حين بلغ حجم الانفاق نحو 2.1 تريليون دولار في عام 2017  كان نصيب قطاع الأغذية والمشروبات منها نحو 1.3 تريليون دولار، وقطاع الألبسة تقريباً 270 مليار دولار، وقطاع الاعلام والترفيه نحو 209 مليار دولار، وقطاع السياحة تقريباً 177 مليار دولار، قطاع مستحضرات التجميل فبلغ 87 مليار دولار، والمستحضرات الدوائية61 مليار دولار)، وما يزال ينمو بشكل سريع لا سيما في ظل الازمات التي يعاني منها الاقتصاد الرأسمالي، كما اثبت الاقتصاد الإسلامي مواكبته لآخر التطورات على المستوى التقني والتكنلوجي طالما لا تتعارض من تعاليم الشريعة الإسلامية(14).  

 وفي هذا السياق، أصبحت المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية (مثل الطعام الحلال والسياحة السلامية والتمويل الإسلامي) عنصراً مهماً في الاقتصاد العالمي، ومع زيادة الوعي وتزايد أعداد السياح المسلمين، بدأ العديد من لاعبي صناعة السياحة في تقديم منتجات وخدمات خاصة تم تطويرها وتصميمها وفقاً للمبادئ الإسلامية، لتلبية احتياجات ومطالب هؤلاء السياح. وهكذا برزت السياحة الإسلامية كإجابة على احتياجات السكان المسلمين المقصود منها البقاء داخل بيئتهم الثقافية والدينية.

ومع ذلك، فإن السياحة الحلال تُعد مفهوماً جديداً نسبياً من الناحية النظرية والممارسة السياحية، وليس من المستغرب أن يظل النشاط السياحي الإسلامي شديد التركيز في البلدان ذات الأغلبية المسلمة والتي تعد في الوقت الراهن الأسواق الرئيسة المصدر لنفقات السياحة الإسلامية والوجهات الشعبية، إذ تعد السياحة الإسلامية مناسبة تماماً لهذه البلدان، كون إن معظمها لديها بالفعل بيئة أساسية موجودة لتلبية الاحتياجات المحددة للسائحين المسلمين، ومن ثمً فهي تتمتع بميزة نسبية مقارنة بالدول الأخرى.

بالرغم من ذلك، تعد السياحة الإسلامية ظاهرة حديثة النشأة، وعلى الرغم من كل التطورات الإيجابية، إلا أن سوق السياحة الإسلامية لا تزال مجزأة بتنوع معنى مصطلح حلال ومستوى الدخل ومستوى الوعي. الخ، وتُعد هذه من بين العقبات الرئيسة التي يتعين العمل على مواجهتها.

وفي عام 2017 اجرت منظمة التعاون الإسلامي (سيسريك) مسحاً استهدف ممثلين عن قطاع أماكن الإقامة (أي المؤسسات الفندقية (وقد توصل المسح الى نتائج توضح الأمور بشكل جيد، وكان المسح مصمما لتحديد أبرز التحديات التي يواجهها أصحاب الفنادق في اعتماد السياحة الإسلامية في الدول الأعضاء في المنظمة وبحسب نتائج المسح، اعتلت الإجراءات المتعلقة بالحصول على شهادة الحلال قائمة التحديات بنسبة %40  ثم وبنسبة متقاربة خطر نفور السياح غير المسلمين من فنادقهم  %39كما ذكر حوالي ثلث المستهدفين بالمسح عوائق ذات صلة بالتكاليف المرتبطة بالحصول على شهادات الحلال وتدريب الموظفين وتكييف المرافق حتى تصبح ملائمة لمنتجات وخدمات السياحة الإسلامية. تعكس هذه النتائج أهمية بالغة كونها توفر بعض الإشارات التي من شأنها أن تكون عاملا مساعدا في عمليات صنع السياسات سعيا وراء تنمية قطاع السياحة الإسلامية في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي(15).

وبناءً على ذلك، يمكن تحديد جملة من التحديات التي تواجه تنمية وتطوير السياحة الصديقة للمسلمين، وهي كالآتي: 

1- القيود المالية: بوصفها أحد العناصر الناشئة حديثا في صناعة السياحة العالمية، لم تلقى السياحة الحلال موارد مالية كافية، وربما سيدفع تزايد قصص النجاح بالمستثمرين إلى إيلاء الاهتمام الواجب بهذا القطاع الناشئ من خلال النظر في إمكاناته وحجم سوقه المتزايد.

2- النوع الاجتماعي: في كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، يُعد تشغيل الإناث في القطاع السياحي مشكلة لأسباب اجتماعية وثقافية مختلفة، وتتأثر نسبة كبيرة من القوة العاملة المسلمة على الصعيد العالمي بالترتيبات المتعلقة بنوع الجنس القائمة والتي تشكل بدورها عائقا أمام تنمية سوق السياحة الحلال.

3- التفاوتات في تأثير القيم والمعتقدات الإسلامية: هناك فوارق مهمة فيما بين دول منظمة التعاون الإسلامي بشأن فهم القيم والمعتقدات الإسلامية وأثرها على الأفراد، وتنعكس هذه التفاوتات القائمة أيضا في سياساتها الخاصة بتنمية قطاعها السياحي، ففي الوقت الذي تتعامل فيه بعض دول المنظمة بأريحية تجاه السياح وترحب بهم على أحسن وجه، تتحلى بعضها بنوع من التحفظ ولا تبدي اهتماماً بالغاً بهم(16).

4- ضعف النشاط الترويجي والتسويقي: على الرغم من الأهمية التي تكتسبها صناعة السياحة بشكل عام والسياحة الحلال بشكل خاص من خلال الاثار المباشرة وغير المباشرة، فالملاحظ في أغلب الدول الإسلامية غياب وضعف النشاط الترويجي والتسويقي لها.

 فالتسويق والترويج السياحي عملية مستمرة ومنتظمة لتسويق المنتج السياحي للمناطق السياحية والخدمات المقدمة فيها، بهدف بناء صورة جميلة وإيجابية للبلد كمقصد سياحي، مما يعزز مناخ الثقة لدى الزوار والسياح، ويزيد من الطلب السياحي، كما إنه يلعب دوراً مهماً في اقتصاديات الدول لا سيما للدول التي تتمتع بمقومات سياحية، وفي ظل احتدام المنافسة بين الدول، وفي ظل تنوع أنواع وانماط السياحة، أصبح للتسويق دوراً محورياً في جذب السياح اليها، كما إن نجاح التسويق السياحي يعني نجاح الدولة السياحية، إذ يسهم في تحقيق جملة من المزايا لجميع أطراف عملية التبادل من سائحين ومنشآت سياحية، الأمر الذي يؤدي الى تحقيق منافع مادية لكلا الطرفين، الى جانب دوره في دفع عجلة التنمية والنمو الاقتصاد للبلد المستضيف. 

الإطار (3) المفاهيم الأساسية في تسويق السياحة الحلال

• تطوير المنتجات: إنشاء منتجات وخدمات سياحية إسلامية ذات خصائص جديدة أو مختلفة تقدم مزايا جديدة أو إضافية المسافر.

• العلامة التجارية: العملية التي تنطوي على خلق اسم وصورة فريدين المنتجات السياحة الإسلامية أو الخدمات أو الأماكن على سبيل المثال مدينة ملائمة للمسلمين أو شاطئ منفصل للرجال / النساء) في أذهان المسافرين، وذلك أساسا من خلال الحملات الإعلانية ذات موضوع ثابت. وتهدف العلامة التجارية إلى ترسيخ وجود هام ومتميز في السوق الذي يجذب العملاء الأوفياء ويحافظ عليهم

• التسعير: الأنشطة التي تهدف إلى إيجاد السعر الأمثل لمنتج (ابتداءً من أدنى حد لسعر غرفة الفندق إلى ضريبة المطار) وعادة ما تشمل الأهداف التسويقية الشاملة، والطلب على السلع الاستهلاكية، وخصائص المنتج، وتسعيرة المنافسين، الاتجاهات السوقية والاقتصادية. 

• تحديد الموقع: استراتيجية تسويق السياحة الإسلامية التي تهدف إلى جعل العلامة التجارية على سبيل المثال (البلد، المنطقة، المدينة) تحتل مكانة متميزة في ذهن المسافر، على خلاف العلامات التجارية المنافسة.

• الترويج: تقدم منتجات السياحة الإسلامية أو الخدمات أو الأماكن من خلال الدعاية والإعلان

المصدر: خارطة الطريق الاستراتيجية لتنمية السياحة الإسلامية في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية (سيسرك)، انقرة، 2018، ص25.

إلا إن الملاحظ لدى أغلب الدول التي تمتلك مقومات السياحة الحلال الضعف الواضح فيما يتعلق بموضوع التسويق السياحي، مما يستوجب معالجة هذه المسألة المهمة، من خلال توجيه برامج الترويج والتسويق نحو استهداف شرائح أسواق السياحة الإسلامية، حتى تتمكن من زيادة نصبيها من أسواق السياحة العالمية.   

5- تحديات الأمن والارهاب: الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي أحد أهم المقومات والركائز الأساسية لعملية النمو والتنمية الاقتصادية، وأي اختلال في هذه الركائز من شأنه أن يؤدي إلى اختلال مسيرة النمو الاقتصادي. وقد شهد العالم في العقدين الأخيرين من القرن الماضي تنامي وتزايد ظاهرة الإرهاب، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي في العديد من الدول العربية والإسلامية، والقطاع السياحي بوصفه أحد القطاعات الاقتصادية المهمة والمعول عليه في كثير من الدول لتحقيق التقدم والتطور الاقتصادي، فأنه من أسرع وأكثر القطاعات الاقتصادية تأثراً بالبيئة المضطربة وعدم الاستقرار الأمني والسياسي والهجمات الإرهابية، لكون أن السياحة هي غالباً تتعلق بقضاء وقت من الفراغ والاستجمام والراحة. فالمشاكل المتعلقة بأمن السائح سواء كانت حاصلة او متوقعة تؤثر سلباً على سمعة البلد المضيف، وفي المحصلة النهائية فإن انتشار التوقعات السلبية وغياب الاستقرار الأمني يلعب دوراً سلبياً على حركة السياحة.

إجمالاً، وعلى الرغم من وجود جملة من التحديات والمشكلات التي تعترض السياحة الحلال في الدول الإسلامية والعربية، فإنها لا زالت تمتلك فرصة لإرساء وتطوير صناعة سياحية إسلامية حلال وصديقة للمسلمين رائدة ومستدامة من خلال تبني استراتيجيات متوسطة وطويلة الاجل يكون هدفها الرئيس تطوير السياحة وزيادة نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي. لذلك، من الصحيح الاعتقاد بأن السياحة الإسلامية، إذا تم التخطيط لها وإدارتها بشكل صحيح، يمكن أن تلعب دوراً هاماً في تنشيط التنمية الاقتصادية والنمو ومن ثم نشر الرخاء ومحاربة الفقر والتخفيف من كاهلهُ، وتطوير وتنويع الاقتصادات. 

وفي ظل ما تمتلكه وما تزخر به الدول الإسلامية من امكانيات (التاريخية، الثقافية، الطبيعية، الدينية) تمثل فرصاً واعدة لكي يصبح هذا النمط من السياحة ركناً رئيساً لتحقيق التنمية والتطور الاقتصادي من خلال الآتي: 

1- المقومات السياحية الإسلامية من أجل النمو الاقتصادي: بما أن العديد من الدول تتوفر بالفعل على البنية التحتية والبيئة الأساسية لتلبية متطلبات السياح المسلمين، فبإمكانها أن تستفيد أكثر من سوق السياحة الإسلامية، ولذلك، فإن من شأن تنمية قطاع السياحة الإسلامية أن يلعب دوراً حيوياً في النمو والرخاء الاقتصاديين في هذه الدول.

2- المنتجات السياحية المبتكرة: هناك فرص أمام الدول الاسلامية لدمج الأسفار بغرض الحج وتجارب السفر الدينية التقليدية مع الأنشطة المتعلقة بالثقافة والتراث لتحضير رزم سياحية فريدة ومبتكرة وبالنسبة للوجهات التي تتوفر على مواقع تراثية وإسلامية، فإن هناك فرصة أكبر لتطوير إمكاناتها وتسويقها من خلال تصميم برامج سياحية ثقافية ملائمة للمسلم(15). 

3- زيادة حجم الاستثمارات: يمتاز قطاع السياحة بوجود تشابكات وعلاقات ترابطة أمامية وخلفية مع العديد من قطاعات النشاط الاقتصادي الأخرى، بسبب الطبيعة المركبة للسياحة والتي تشتمل على أنشطة عدة تسهم في إخراج المنتج السياحي. 

وفي هذا السياق، تمتاز صناعة السياحة بقدرتها الفائقة على تنشيط حركة الإنتاج والاستثمار بسبب امتداد آثار الطلب السياحي المعقدة والمركبة من العديد من السلع والخدمات إلى القطاعات الرئيسة والثانوية التي تسهم في تصنيع المنتج السياحي والتي تزيد في بعض الأحيان على 140 صناعة، وبذلك فإن الآثار الإيجابية للسياحة تتعدى حدود القطاع السياحي لتصل إلى غالبية فروع الاقتصاد القومي(16). 

ومن ثم، يلعب القطاع السياحي في تحفيز الاستثمارات سواءً في بناء المصانع والمنشآت الصناعية لإنتاج السلع والخدمات التي يطلبها السائح، أو في مجال البنية التحتية (النقل والاتصالات والمنشآت السياحية) ذات النوعية الجيدة والذي هو شرط مسبق لتطوير النشاط السياحي، وهي تشكل الركيزة الأساسية في عملية التطوير السياحي، فمناطق الجذب السياحي هي التي تتوفر فيها بنى تحتية متكاملة، وتكاد تشكل البنى التحتية في بلدان مثل سويسرا وألمانيا واليونان العنصر الأهم من عناصر الجذب السياحي.

4- مقومات تحقيق تنويع مصادر الدخل: في ظل المقومات السياحية الوفيرة التي تزخر بها الدول الإسلامية، وفي ظل النمو المتواصل والطلب المتزايد على المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، الى جانب النمو الكبير في سوق السياحة الإسلامية، اضحى نمط السياحة الحلال أحد اهم الخيارات الاقتصادية المهمة لتحقيق التنويع الاقتصادي، من خلال توجيه الاقتصاد الى قطاعات وأسواق متنوعة وجديدة لا سيما في ظل المرونة العالية والتشابكات الامامية والخلفية الكثيرة التي يمتلكها القطاع السياحي مع باقي القطاعات الاقتصادية.  

5-   المقومات الأساسية للتخفيف والحد من الفقر وتوفير فرص العمل: تُعد السياحة واحدة من أكبر القطاعات توليداً للوظائف في مجالات عديدة ومتنوعة، أذ تعد السياحة صناعة كثيفة العمالة، كما إن معدل خلق الوظائف في قطاع السياحة يعد أكثر سرعة من المعدلات السائدة في القطاعات الأخرى بنحو 1.5 مرة ويلعب النشاط السياحي دوراً مهماً في خلق فرص التوظيف سواء بشكل مباشر يتصل باستغلال المقاصد السياحية، أي داخل قطاع السياحة ذاته كالعمالة  المخصصة للنقل السياحي، والإرشاد السياحي، وحماية السياح، وحفظ شؤونهم، أو بشكل غير مباشر، بالمساهمة في خلق فرص العمل بالقطاعات التي تمد السياحة باحتياجاتها من السلع والخدمات كالعاملين في البنية الأساسية، والزراعية، وتجارة المواد الغذائية، والرعاية الصحية... الخ(17). ويوفر قطاع السياحة الحلال فرص ومستلزمات أساسية لبناء حياة أفضل للملايين من الناس، من خلال الحصول على الدخول المتولدة من نشاط السياح داخل البلد، والانخراط في المجتمع، وتحقيق المساواة بين الجنسين، والحماية الاجتماعية. 

الخاتمة

يعد قطاع السياحة حالياً أحد أبرز وأكبر مصادر النقد الأجنبي وخلق فرص العمل في العالم، وداعماً رئيساً للنمو الاقتصادي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أو من خلال الآثار المستحثة التي ينتجها من القطاعات الاقتصادية الأخرى، إذ ساهم بنحو 2.3 تريليون دولار و 319 مليون فرصة عمل حول العالم، ومع الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات المستحثة وغير المباشرة الأوسع ساهم بنحو 8.8 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي في 2018 (أي ما يعادل 10.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العالم)  وتقريباً 1 إلى 10 من جميع الوظائف على مستوى العالم. 

والسياحة الحلال هي نتاج جديد للأسواق الإسلامية يتمتع بالديناميكية وذو ابعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، مما يوفر فرصاً لبناء حياة أفضل لملايين الأشخاص لاسيما للشباب، وتُشير الإحصاءات الى وصول الإيرادات السياحية الناجمة عن السياحة الحلال نحو 177 مليار دولار في عام 2017 بالمقارنة مع 151 مليار دولار في عام 2015 وبمعدل نمو يقارب 11.8% (نحو ضعف معدل نمو القطاع السياحي العالمي) مما يجعلها واحدة من اسرع القطاعات نمواً لا سيما في دول منظمة التعاون الإسلامي (هي مجموعة السوق الرئيسية لصناعة السياحة الإسلامية على مستوى العالم) والتي تمثل نحو 72% من الانفاق العام على السياحة والسفر المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

لذلك، من المهم تفعيل وتصميم سياسات واستراتيجيات سياحية متوسطة وطويلة المدى تهدف إلى تطوير وتنويع نمط السياحة الحلال، مما يجعلها إحدى الركائز الأساسية الداعمة للنمو الاقتصادي، ومن الضروري العمل على تنويع المنتجات السياحية وتفعيل وتنويع البرامج والحزم والجولات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية وتطويرها، لا سيما في ضوء الإمكانات التاريخية والثقافية والطبيعية للدول الإسلامية. فضلاً عن ذلك، من الضروري إنشاء دليل سياحي لمنتجات السياحة الحلال لا سيما في دول منظمة التعاون الإسلامي، إذ تتوفر جميع المعلومات عن الفنادق والمطاعم والمرافق السياحية الموجودة في دول المنطقة، علاوة على ذلك، سعى الاستثمار العام والخاص إلى التشجيع في قطاع السياحة والقطاعات الأخرى ذات الصلة، إذ من المهم زيادة عدد السياح وزيادة حجم الإيرادات الأجنبية وتحقيق التنمية الاقتصادية.

وأخيراً، من المهم الحفاظ على تدريب وتأهيل العاملين، وتطوير الكادر الإداري وتدريبه وفقًا للتطورات الكبرى التي يشهدها هذا النوع من السياحة، وبما يلبي احتياجات ومتطلبات سوق العمل. 

المصادر

أولا: القران الكريم

ثانياً: المصادر العربية

1- الهيئة العامة للآثار والسياحة، توثيق تجربة الهيئة العامة للسياحة والآثار في تطوير قطاع اقتصادي جديد، الرياض، 2011.      

2- السياحة الدولية في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي: الافاق والتحديات، منظمة التعاون الإسلامي: مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية (سيسرك)، انقرة، 2017. 

3- الأمانة العامة لجامعة الدول العربية (وآخرون)، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، صندوق النقد العربي: أبو ظبي.

4- خارطة الطريق الاستراتيجية لتنمية السياحة الإسلامية في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية (سيسرك)، انقرة، 2018.

5- سلطان جاسم النصراوي، كاظم احمد البطاط، محمد علي حميد، القطاع السياحي والنمو الاقتصادي، دار الأيام للنشر والتوزيع، عمان، 2018

6- مناخ الاستثمار في الدول العربية 2010، المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، الكويت، 2009.

ثالثاً المصادر الأجنبية

7- Alberto F. Lemma, Overseas Development Institute, Tourism Impacts: Evidence of Impacts on employment, gender, income, EPS-PEAKS, 2014.

8- Intan Shafina Suid, Nor Ashikin Mohd Nor,Hamimi Omar, A Review on Islamic Tourism and the Practical of Islamic Attributes of Destination in Tourism Business,  International Journal of Academic Research in Business and Social Sciences Vol. 7, No. 12 ,2017.

9- MasterCard -Crescent rating, Global Muslim Travel Index 2018, Singapore, 2018.

10- Mevlüt AKYOL, Özgür KILINÇ, INTERNET AND HALAL TOURISM MARKETING, international Periodical for The Languages, Literature and History of Turkish or Turkic, Volume 9/8, ANKARA, 2014.

11- Muslim Friendly Tourism: Understanding the Demand and Supply Sides in the OIC Member Countries, COMCEC COORDINATION OFFICE, Ankara, 2016.

12- NABYL EDDAHAR, MUSLIM FRIENDLY TOURISM BRANDING IN THE GLOBAL MARKET ISLAMIC CENTER FOR THE DEVELOPMENT OF TRADE, ORGANIZATION OF ISLAMIC COOPERATION, Casablanca, 2018.

13- Teoman Duman, THE VALUE OF ISLAMIC TOURISM: PERSPECTIVES FROM THE TURKISH EXPERIENCE, بدون تاريخ, Malaysia.

14- Thomson Reuters, Dinar Standard, State of the Global Economy, Report 2018 2019, New York City.

رابعاً: الانترنيت

15- موقع مجلس السياحة العالمي، متوفر على الرابط،  https://www.wttc.org/economic-impact/  تم الاطلاع على الموقع في 19/8/2019

التعليقات