هل تتجه الحكومة بالاتجاه الصحيح؟

اعتلت النظام السياسي في العراق بعد التغيير السياسي عام 2003 كثير من الاشكاليات السياسية ومعظمها اسس لها دستور جمهورية العراق الدائم لعام 2005 بالشكل الذي تم وصفها بالاشكاليات السياسية والدستورية. واستمرت بتداعياتها السلبية على بنية الدولة ومؤسساتها. كما ان الامر الذي زاد من تعقيد تلك الاشكاليات واستمرارها هو مصالح القوى السياسية التي اشتركت في ادارة السلطة في البلاد ولذلك اعتمدت تلك القوى آليات غير موضوعية ومنها المحاصصة السياسية والطائفية ، وآلية التوافق في تجاوز الازمات المستجدة الامر الذي جعل منها ازمات مؤجلة تراكمت بمرور الزمن. 

الكثير يتسائل لماذا هذا الوقت بالذات تعمل الحكومة العراقية على فرض سيادة الدولة على كامل اقليمها؟

بداية، النظام الفيدرالي لايعني السيطرة المطلقة لحكومات الاقاليم على قطاعاتها الامنية والاقتصادية بل هناك قطاعات اتحادية سيادية تكون صلاحية العمل بها محصورة بالحكومة الاتحادية وهي الدفاع والامن الداخلي، السياسة الخارجية، الاقتصاد والمال، وفي دول معينة كالعراق قطاع الثروات الطبيعية ومنها النفط والغاز. 

وهذه الحقيقة تضمنها دستور عام 2005 واكد عليها. ولكن طوال المرحلة الماضية وبسبب آلية التوافق على تحصيل المناصب – وهي واحدة من الاشكاليات الكبيرة في اداء النظام السياسي – المعتمدة من قبل القوى السياسية، فأنها حلت محل الاطار الدستوري والتشريعي المنظم لادارة الدولة. فالحكومات تتشكل بموجب التوافقات السياسية بين الكتل وكذلك الهئيات المستقلة. وهذا الامر سمح للسلطات في اقليم كردستان ان تتولى الصلاحيات السيادية في التصرف بالنفط والغاز والسيطرة على المنافذ الحدودية والمطارات وغيرها من شؤون الدفاع والامن مقابل تأيدها تشكيل الحكومات ومنح المناصب لهذه الجهة او تلك بفعل دورها كعامل للتوازن السياسي. 

اليوم، الاجراءات الحكومية المتخذة في بسط سلطة الحكومة الاتحادية هي في الاتجاه الصحيح وتطبيقا للدستور. اما من يصورها شيء آخر ويصنفها في خانة الهجوم ومصادرة الرأي فهو يريد استمرار آلية التوافقات السياسية وسياسة الامر الواقع الضامنة لمصالحه. اما الاجراءات المتخذة فها ابعاد سياسية ايجابية على صعيد المصلحة العامة، منها:

انتهاء سياسة الامر الواقع وتلاشي مكاسبها

كثيرا ما اعتمدت قيادة اقليم كردستان سياسة الامر الواقع في تعاملها مع الحكومة العراقية والاطراف الكردية الاخرى. وجنت من خلالها " مكاسب" كبيرة سواء في الداخل الكردي او على مسوى الدولة الاتحادية. وتعزز هذا الامر اكثر بعد حزيران 2014 وسيطرة داعش وازمة انهيار القوات الاتحادية . اذ سارعت على اثرها بانتشار قوات البيشمركة والسيطرة على المنشآت الحيوية العسكرية والنفطية وبسطت سيطرتها على كركوك التي تعدها سلطات الاقليم محافظة كردية تعرضت للتعريب في زمن النظام السابق. 

اثبتت اجراءات الحكومة الاخيرة في كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها ان الامور ليست بهذه البساطة وان سياسة الامر الواقع لاتستند الى ارضية مناسبة قانونية ووطنية تبررها. لذا سرعان ما تلاشت "مكاسبها" واصبح ينظر اليها من قبل جزء من الرأي العام الكردي على انها اجراءات مخادعة لايمكن ان تترتب عليها انجازات حقيقة على المدى الطويل.

انتهاء دور الموازن السياسي للكتل السياسية الكردستانية:

جعلت القوى السياسية الكردية نفسها عامل مؤثر للتوازن السياسي بين طرفي المعادلة الآخرين (القوى السياسية الشيعية ونظيرتها السنية). ومارست هذا الدور في اتفاق اربيل الذي تشكلت على اثره الحكومة الاتحادية بعد انتخابات 2010. ان اجراءات بسط الامن وانتشار القوات الاتحادية وطبيعة المواقف الكردية المتباينة منها والسلوك السياسي للقوى الكردية تجاهها، جعلت البيت السياسي الكردي اضعف من ان يلعب دورا سياسيا موازنا في المستقبل. ونرى ان استمرار الحملة وتحصيل النتائج الى اخرها في السيطرة على المنافذ الحدودية والمطارات سيجعل التأثير السياسي لاقليم كردستان مساوي للتأثير السياسي لغيره من المحافظات. كما ان الاتفاقات الاخيرة بين القوات الاتحادية وقوات البيشمركة يقوض سيطرة قيادة وحكومة الاقليم على كامل منظومتها الامنية واصبح هناك شرخا واضحا داخل تلك المنظومة.

فضلا عن ذلك، وبعد الخلافات الكردية حول انسحاب البيشمركة من المناطق التنازع عليها، فان وضع الاقليم خطير جدا، والاتحاد الوطني الكردستاني معرض لانشقاق كبير قد يؤدي الى تشكل ادارتين، ومسؤولون يتحدثون عن بوادر عودة حكم الادارتين فعليا في الاقليم . الامر الذي يجعل الطرف الكردي اقل تأثيرا في الوضع السياسي للبلاد. 

فقدان شرعية القيادة الكردية

اليوم وبعد اعادة انتشار القوات الاتحادية في المناطق المتنازع عليها، واعتبار الحكومة الاتحادية ان الاستفتاء انتهى واصبح من الماضي، فان رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني، وبعد تعهده امام الرأي العام الكردي بتحمل نتائج الاستفتاء شخصيا ، اصبح في حرج كبير. فمن جهة يعاني من تخلي القوى السياسة الكردية عنه واعتبار الاستفتاء اجراء من طرف واحد كما اكد ذلك رئيس الجمهورية والقيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني فؤاد معصوم، وكذلك لايمكن ان تذهب كل جهود اجراء الاستفتاء ونتائجه وخروج مايقارب من 3 ملايين ناخب وتصويتهم، سدى وان حصل ذلك فهذا الامر يفقد زعيم وحكومة الاقليم شرعيتهم. ولذلك دعت بعض الاطراف الكردية مثل حركة التغيير الى استقالة رئيس الاقليم، ودعوة القيادي في الاتحاد الوطني برهم صالح الى اجراء انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة انقاذ تعيد ترتيب الاوضاع السياسية في الاقليم.

حرق اوراق القوة التي بيد زعيم وحكومة الاقليم تقوض حلم الدولة الكردية

هناك ورقتان اساسيان يعدها الاقليم اوراق قوة في تعاطيها السياسي مع الاطراف الكردية والحكومة الاتحادية وكذلك مع الاطراف الاقليمية ولاسيما تركيا وايران. الورقة الاولى هو الورقة الاقتصادية المتمثلة في السيطرة على المنافذ الحدودية وايراداتها والمطارات واهم من كل ذلك تصدير النفط الخام وشركات الاستثمار في الاقليم. وكثيرا ما عول عليها الاقليم طوال المرحلة السابقة في عملية بسط سلطة الحكومة الاتحادية على كامل اقليمها. 

وهنا اثبتت التجربة ان حكومة الاقليم وزعامته لم تحسن ادارة الحياة الاقتصادية في اقليم كردستان باصرارها على انعدام الشفافية في الايرادات والنفقات وعدم القدرة على دفع مرتبات موظفي الاقليم بثبات. لذا نرى ان تعقب سيطرة الحكومة الاتحادية على المنافذ الاقتصادية للاقليم – كايرادات-  ان يصار الى جرد موضوعي كامل لموظفي الاقليم بعيدا عن احصاءات وادعاءات القياة الكردية ويتم تمويلها من ضمن الموازنة التشغيلية للدولة الاتحادية ضمن حصة الـ 17% المنصوص عليها دستوريا.

الورقة الاخرى هي ورقة سياسية – عسكرية متمثلة بأمرين، الاول: تشكيل الاقليم لقوات امنية خاصه به يعدها عماد الدولة الكردية المستقبلية، والثاني: وجود حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تعده زعامة وحكومة اقليم كردستان ورقة للتفاوض مع كل من ايران وتركيا في كسب ودهما وتأيدهما للدولة الكردية مستقبلاً اذا ما عمل الاقليم على القضاء عليه او طرده خارج اراضيه. لذا نعتقد هناك ضوروة وطنية لتعزيز الدور الاتحادي في إقليم كردستان العراق عبر تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة ارهابية وطرده من شمال العراق وان اقتضى ذلك التعاون مع الجانب التركي لحرق هذه الورقة نهائياً.

التعليقات