هل يصمد إعلان وقف إطلاق النار في سوريا؟

أعلن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) اليوم 29 كانون الأول 2016، عن وقف إطلاق النار بين الجيش السوري والمعارضة السورية والذي سوف يبدأ من منتصف ليلة الجمعة 30/12/2016، وقد تضمن الاتفاق ثلاث محاور رئيسي هي، الأول وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة، وثانيا حول الإجراءات التي تتخذ للحفاظ عل وقف إطلاق النار وعدم انتهاكه، والثالثة إجراء مفاوضات سلام بين الطرفين والتي كانت قد حددت سابقا أنها سوف تجري في كازاخستان بإشراف روسيا وتركيا، بعد اجتماع وزراء خارجية كلا من روسيا وإيران وتركيا في (إستانا ) في الشهر الماضي، كما إن الاتفاق لا يشمل المجموعات المسلحة التي صنفت على أنها جماعات إرهابية مثل داعش والنصرة، في نفس الوقت أعلنت الحكومة السورية أنها سوف توقف كل الأعمال القتالية من يوم 30 كانون الأول. إن خطة السلام هذه تمت برعاية تركية روسية مباشرة، بعد لقاءات كثيرة ومطولة بين وزير الخارجية التركية (مولود جاويش اوغلو) ووزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف)، إن هذه الخطة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد أعلن أكثر من مرة وقف إطلاق النار في سوريا منذ انطلاق الأزمة عام 2011، وأخرها وقف إطلاق النار في حلب الذي لم يستمر لأكثر من أسبوع، بعدها تم هجوم الحكومة السورية على حلب مدعومة من قبل روسيا وحلفاءها الآخرين، وتم استعادة حلب من الجماعات المسلحة، مما حدا بالغرب إلى التدخل من خلال فرض مراقبين دوليين لمراقبة خروج الأهالي والمسلحين من حلب إلى ادلب. إن إعلان وقف إطلاق النار في سوريا من قبل أهم قوتين متنافستين على النفوذ في سوريا هما روسيا وتركيا يعد مؤشر مهم في السياسة الدولية، فتركيا منذ انطلاق الأزمة السورية وهي تريد إسقاط نظام الأسد ودعمت اغلب عناصر المعارضة بالسلاح ووفرت لهم المعسكرات فيها، كما تدخلت بشكل مباشر في بعض الأحيان من خلال إرسال قواتها العسكرية كما حدث في مدينة جرابلس والباب السوريتين، بل أدى التماس مع روسيا إلى إسقاط طائرة روسية العام الماضي ومقتل طاقمها، مما وتر العلاقات بين الدولتين، ولكن ألان تغير الموقف بشكل دراماتيكي، إذ إن العلاقات بين الدولتين تطورت بشكل كبير جدا، وانخفض التوتر بينها، بل إن مقتل السفير الروسي في تركيا لم تؤثر على مسار العلاقات بينهما، وهذا مؤشر على وجود أسباب ومخاوف حقيقية من الطرفين لإنهاء الأزمة في سوريا على المسارين السياسي والعسكري، ومن هذه الأسباب هي: 1- روسيا من جانبها تريد إنهاء الأزمة في سوريا بعد الخسائر التي بدأت تلاحقها، ووصلت إلى مراتب عليا في الدولة، انطلاقا من إسقاط الطائرة شمال سوريا عام 2015، إلى مقتل السفير الروسي في تركيا في شهر تشرين الثاني 2016، وأخيرا سقوط طائرة عسكرية روسية في البحر الأسود يوم 25 كانون الأول 2016، ومقتل كل ركابها البالغين أكثر من ( 92) شخصا إضافة إلى الطاقم، والتي ذكرت بعض وسائل الإعلام إلى إن سقوطها قد يكون بسبب تشويش من حلف الناتو، لهذا فان روسيا قد تكون أدركت خطورة تدخلها في سوريا، وان عليها حل الأزمة بأسرع مايمكن، خاصة بعد إعلان الرئيس بوتين على خفض قوات بلاده في سوريا بعد وقف إطلاق النار. 2- تركيا هي الأخرى لم تكن اقل رغبة من روسيا في حل الأزمة السورية بعد ما تعرضت له من هزات كبرى كان اغلبها ناتج من عنها، من هذه الأزمات التي باتت قلقل تركيا أكثر من غيرها هي تشكيل قوة عسكرية ذات تأثير كبير في شمال سوريا تحت مسمى (قوات سوريا الديمقراطية) بقيادة أكراد سوريا، والتي تحضا بدعم غربي كبير وخاصة الدعم الأمريكي، لذا تعد هذه القوات الخطر المستقبلي على تركيا خاصة لارتباطها القوي مع حزب العمال الكردستاني التركي، وقد نفذ الجانبين عدة عمليات عسكرية داخل تركيا أودت بحياة المئات من الأتراك، كما إن تنظيم داعش الإرهابي هو الأخر أصبح العدو الدود لتركيا بعد إعلان الأخير الحرب عليه في سوريا، وخوف تركيا من استغلال الغرب لهذه الأزمة للانتقام من تركيا جراء سياساتها ضدهم وخاصة فيما يخص فتح باب الهجرة للغرب غن طرق تركيا، حتى إن الانقلاب العسكري ضد الرئيس اوردوغان كان بعض أسبابه هو الأزمة السورية وتداعياتها على تركيا، لهذا فان الرئيس اوردوغان يحاول التسابق مع الوقت لإنهاء الأزمة وحفظ مصالح تركيا الداخلية والإقليمية. 3- إعلان الائتلاف السوري المعارض على لسان رئيس الدائرة الإعلامية (احمد رمضان) عن دعمه للاتفاق، ودعوة كل الأطراف للالتزام به، هو إدراك أطراف المعارضة بكافة مسمياتها إن هذه اللازمة هي طريق لتمزيق سوريا، وان الاعتماد على دول الغرب لتحقيق أهدافهم هو وهم وسراب، خاصة بعد قيام أمريكا بدعم أكراد سوريا بالسلاح والدعم العسكري في توسعهم في شمال سوريا، الذي لم يوقفه سوى التدخل التركي المباشر، لهذا فهي اتجهت إلى المفاوضات كطريق نهائي لحل الأزمة وتحقيق تسوية سياسية شاملة، قد توصلهم للسلطة في مرحلة قادمة بدل من القتال والدمار. 4- الحكومة السورية تطمح إلى وقف إطلاق النار مع الفصائل المعارضة المعتدلة، لأنها من جهة تحتاج إلى وقت لكي تستطيع جمع قواتها من جديد بعد معارك طويلة ومكلفة، ومن جهة أخرى إن وقف إطلاق النار فرصة لها لقتال الفصائل التي تصنف إرهابية مثل داعش والنصرة التي استثنيت من اتفاق وقف إطلاق النار، لان استثناء التنظيمين سوف يمنح الحكومة السورية ميزة كبرى وفرصة لانطلاق تحرير باقي المدن مثل الرقة المحتلة من داعش وادلب المحتلة من جبهة النصرة. 5- المعارضة السورية هي الأخرى مرحبة بهذا الاتفاق، لأنه فرصة لها لاستعادة تنظيمها وتجميع قواتها بعد هزيمتها في حلب الاستراتيجية، كما إن تضمين الاتفاق مغادرة المقاتلين الأجانب من سوريا بما فيهم مقاتلي حزب الله اللبناني، هو ما تبحث عنه اغلب أطراف الصراع ضد الحكومة في سوريا، لان هذه القوات كان لها الدور الكبير في تحرير العديد من المدن السورية، والوقوف بحزم في وجه الإرهاب، وبهذا يمكن إن تحقق شيئا عن طريق المفاوضات عجزت عن تحقيقه عسكريا. 6- يعزز وقف إطلاق النار في سوريا فرص إيصال المساعدات للمدن كافة، كما يعزز الحل السياسي في سوريا من خلال المفاوضات. 7- استباق تسلم الرئيس الأمريكي الجديد لمنصبه في العشرين من كانون الثاني 2017، إذ إن تصريحات ترامب حول سوريا وتركيا والمنطقة تكشف عن نوايا خطرة، لهذا فان ضبابية مستقبل العلاقة بين الرئيس الأمريكي الجديد والمعارضة التي أصبحت لاتعرف مالذي يريده ترامب منها سوف يجعلها تتجه إلى الاعتدال والقبول بالمفاوضات لوقف تقدم الجيش السوري المعوم بقوة من روسيا وإيران وحزب الله. على الرغم من نية اغلب الأطراف (الداخلية والإقليمية والدولية) لإنهاء الصراع في سوريا، وهذا واضح من موافقتها السريعة لوقف إطلاق النار في البلاد، إلا إن هناك بعض المشاكل التي قد تقف عائقا أمام وقفا شاملا لإطلاق النار، ومنها: 1- مطالبة المعارضة إن يكون الوقف شامل لكل الأراضي السورية، بما فيها الغوطة الشرقية في دمشق التي بدأت الحكومة السورية هجوما لاستعادتها، لان بقاء المعارضة في هذا الموقع وإيصال المساعدات لها سوف يكون خطرا على امن العاصمة، ووسيلة ضغط على الحكومة في أية مفاوضات قادمة. 2- مطالبة الائتلاف السوري المعارض بشمول أحرار الشام (النصرة سابقا) بالهدنة واستثناء فقط تنظيم داعش الإرهابي، وهذا سوف يلاقي معارضة من الحكومة السورية، لان جبهة النصرة وداعش تعد اقوي تنظيمات المعارضة السورية وهي تسيطر على مساحات واسعة من سوريا، إذ إن سيطرة النصرة على ادلب وعلى مناطق في جنوب سوريا في القنيطرة، وهي مناطق مهمة للحكومة السورية وتسعى بكل قوتها إلى استعادتها، لهذا فان أي مطالبة بضم النصرة لاتفاق وقف إطلاق النار سيلاقي معارضة قوية من الحكومة السورية، كما أن استثناء أحرار الشام (جبهة النصرة) وتنظيم داعش من الهدنة سوف يقود إلى استمرار المواجهات، لان هذين التنظيمين هما اكبر المجموعات المسلحة في سوريا وهي تسيطر على مساحات شاسعة من سوريا. 3- إن مطالبة تركيا باستبعاد الاتحاد الديمقراطي الكردي الموالي لحزب العمال الكردستاني التركي من أي مفاوضات (إستانا)، يعد عائق أخر لهذا الاتفاق، أولا إن قوات سوريا الديمقراطية المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تسيطر على مساحات كبيرة من شرق وشمال سوريا، إضافة إلى أنها تحضا بالدعم العسكري والميداني من أمريكا والغرب، وحتى من روسيا، لهذا فان استبعادها سيقود حتما إلى فشل وقف إطلاق النار. 4- إضافة إلى إن عدم دعوة دول لها مصالح بهذه الأزمة مثل أمريكا والسعودية وقطر، قد يقود إلى فشل هذا الاتفاق لان اغلب قوى المعارضة السورية هي عبارة عن وحدات عسكرية تحت قيادة هذه الدول، التي تعد الممول الرئيسي لهذا المجموعات المسلحة. خلاصة القول: إن لكل أزمة نهاية، جيدة أو سيئة، لهذا يرى العديد من المحليين السياسيين إن الأزمة السورية وصلت إلى مراحلها الأخيرة، وكل الإطراف متفقة على وقف القتال واللجوء للمفاوضات، لأنه بعد قرابة الست سنوات من القتال والدمار في البلاد لم تصل هذه الأطراف إلى نتيجة تذكر، كما إن السبب الذي قاد لهذه الأزمة حقق معظم أهدافه، ومنها تدمير القوة العسكرية السورية، ونشر الفوضى فيها، وأي اتفاق لوقف القتال لن يقود إلى استقرار وامن كامل، بل سيكون امن مهتز، كما إن الحكومة السورية وصلت إلى مرحلة الضعف التي يمكن من خلالها فرض أي تسوية سياسية وأمنية في البلاد بدون أي معارضة منها، لان اغلب الاتفاقات تتم عن طريق روسيا بالتعاون مع دول إقليمية، وموقف الحكومة السورية يكون تبعا للموقف الروسي، إضافة إلى إن المعارضة السورية أدركت ولو متأخرة أنها كانت وسيلة لغايات دولية وإقليمية وإنها لم ولن تتمكن من الوصول لأهدافها كاملة مهما طالت الحرب، لهذا فهي تريد إن تصل لغاياتها بالمفاوضات كأقصر الطرق وأقربها منالا.
التعليقات