لازالت تداعيات استجواب وزير الدفاع العراقي (خالد ألعبيدي) في 1 آب 2016، وسحب الثقة منه في جلسة البرلمان يوم الخميس 25 آب 2016، تعصف بوجدان العملية السياسية الجارية ألان في العراق، خاصة وان ملامح السيناريو كان كشف الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة العراقية والتي لم يستثنى أحدا حتى رأس المؤسسة التشريعية في العراق، جاء ذلك خلال جلسة عقدها المجلس النواب للتصويت على قانون العفو العام، وكذلك للتصويت على سحب الثقة من وزير الدفاع، بالإضافة إلى استجواب وزير المالية هوشيار زيباري، وجرت عملية اقتراع سري على الورق، صوت خلالها 142 نائبا مع سحب الثقة مقابل 102 نائب ضد الإقالة، فيما امتنع 18 نائبا عن التصويت.
لقد كانت لدعوى وزير الدفاع عن قضايا فساد مالي وادري، وابتزاز لوزارته من قبل رئيس البرلمان وعدد من النواب، السبب الأساس في استجوابه، وسحب الثقة عنه، فلا يمر يوم واحد في العراق دون أن تحمل الأخبار مزاعم فساد تطال مسؤولين حكوميين وغير حكوميين،ولا تقتصر هذه المزاعم على التلاعب بالعقود والتوريدات الحكومية، لكنها تمتد أيضا لتشمل ما يتعلق بالصحة العامة وأمن المواطن، كما حدث الشهر الماضي عندما تبين فساد أجهزة لكشف المتفجرات بمنطقة الكرادة غداة انفجار خلّف حوالي 300 قتيل، وكشف عشرة أطنان من الأدوية الفاسدة في محافظة كربلاء وعليها أختام وزارة الصحة العراقية، ويقر كبار المسؤولين العراقيين بدءا من رئاسة الدولة وحتى وزراء الحكومة ونواب البرلمان بوجود الفساد، مؤكدين في الوقت ذاته بذل قصارى الجهود لمكافحته.
إن أسباب سحب الثقة من الوزير عديدة منها:
1- الدور الرقابي لمجلس النواب، وهو المحدد في المادة ( 61 / ثامنا/أ)من الدستور، إذ لمجلس النواب سحب الثقة من احد الوزراء بالأغلبية المطلقة ويعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة ، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناءً على رغبته أو طلب موقع من خمسين عضواً ، اثر مناقشة استجواب موجه إليه ، ولا يصدر المجلس قراره في الطلب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تأريخ تقديمه .
2- اتهام الوزير ببعض المخالفات، منها مخالفة الضوابط القانونية في عقود التسليح واستغل منصبه الوظيفي للانتفاع، وتأخر انجاز المستشفى العسكري رغم انتهاء المدة المقررة للتنفيذ، علاوة على العديد من ملفات الفساد الأخرى التي تمت مساءلة الوزير حولها، واتهام الوزير لرئيس البرلمان وعدد من النواب بأنهم قد ابتزوا الوزير من اجل الحصول على عمولات مالية من صفقات أسلحة وغيرها، وبعد إن براءة القضاء رئيس البرلمان والنواب من التهم لعدم كفاية الأدلة التي قدمها الوزير، هذا قاد إلى انقلاب الأمور على الوزير وسحب الثقة منه.
3- وجود صفقات سياسية بين الكتل، وان أي عملية للإضرار بأعضاء الكتل من أي جهة كانت سيكون محفز لهذه الكتل للتوحد ضده وإنهاءه قبل إن يقوى على مواجهتهم، وان أي عملية للإضرار بأعضاء الكتل من أي جهة كانت سيكون محفز لهذه الكتل للتوحد ضده، كذلك إن المصالح بين الكتل هي الأخرى قد وحدتم ضد وزير الدفاع، وقد كان لقانون العفو العام واستجواب وزير المالية (هوشيار زيباري) المحرك الاساس لسحب الثقة من ألعبيدي
4- تخشى الكتل الكبيرة في مجلس النواب من تحول الاتهامات التي أثارها وزير الدفاع خالد العبيدي ضد خصومه إلى "سُنّة برلمانيّة" للإفلات من الاستجوابات المقبلة، ولتلافي ذلك في المستقل، اتفقت الكتل على إقالة العبيدي، بحسب بعض المصادر.
5- أن عملية استجواب، وإقالة وزير الدفاع العراقي، خالد ألعبيدي، فيها ميزة الاستهداف السياسي، وأن قوى حزبية متنفذه كانت تريد إزاحة ألعبيدي من المشهد السياسي والعسكري، لدعوته إلى عدم مشاركة البيشمركة في عملية تحرير الموصل المرتقبة، مما أثار حفيظة الأكراد الذين يريدون إن يكون لهم دور مستقل في عملية التحرير لبقاء سيطرتهم على بعض مناطق نينوى.
6- ظهر في الفترة الأخيرة توجه وطني وتوافق في الرؤى لدى بعض السياسيين في العراق من كل المكونات، هدفه عبور مرحلة الطائفية والمحاصصة، وتكوين أحزاب وكتل سياسية وطنية، في محاولة منهم لإنقاذ البلد من الإرهاب والفساد والتشرذم، هذا الموقف لم يكن مرغوبا فيه لدى البعض الأخر من السياسيين الذين لا زالوا يضربون على الوتر الطائفي من اجل المناصب والامتيازات، لهذا يحاول هؤلاء الطائفيون بكل الوسائل ضرب كل محاولة جادة لإنهاء المحاصصة أو الوصول إلى مناصبهم وامتيازاتهم، لهذا كان اللجوء إلى التهديد بالاستجواب وسحب الثقة والتخوين كسياسة ردع ضد البعض من الوطنيين.
7- الدور الإقليمي، إن لدول الإقليم دور مهم في محاولة التأثير على إدارة السياسة العراقية، فبعض هذه الدول تتخوف من عودة القوة العسكرية العراقية مرة أخرى، لهذا تحاول تحريك أنصارها في مؤسسات الدولة العراقية للوقوف بوجه أي تحرك يعيد القوة العسكرية للعراق، لهذا جاء سحب الثقة من وزير الدفاع بعد عودة رئيس البرلمان (سليم الجبوري ) من إيران، المعروف تدخلاتها بكل صغيرة وكبيرة في الشأن العراقي ، ولهذا يشوب هذه العملية أكثر من دلالة محبطه تفضي إلى استنتاج قاطع إن مصدر القرار في البلاد خاضع لتأثيرات بل وحتى أجندات تتأرجح وتناور به كيفما شاء بحسب الولاءات والمصالح الإقليمية والدولية.
إن تداعيات سحب الثقة من وزير الدفاع على مجمل الأوضاع في العراق، هي:
1- إن إقالة ألعبيدي ستؤثر على العمليات العسكرية لتحرير مدينة الموصل، ورأى بعض المحللين السياسيين أن وزير الدفاع شخص مهني وعسكري، وهو من محافظة نينوى واعرف بأوضاع المحافظة، والأقدر على إدارة تحريرها، لهذا فان بعض الشخصيات السياسية ترغب في تأخير الحسم العسكري، لأن الموصل إن تحررت ستفتح ملفات كانت سببا في سقوطها، وستصيب شخصيات وزعامات في مقتل، وستؤثر على مستقبلهم السياسي، لهذا فان الاتجاه العام هو بان يتم تحرير الموصل من خلال صفقة مع تنظيم داعش يتم خلالها سحب التنظيم لمقاتليه إلى سوريا، وبهذا تنتهي مشكلة الموصل، ويغلق ملفها، كما إن وزير الدفاع من المؤيدين لمشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل، وهذا ما لم تقبل به بعض الجهات الأخرى، لهذا فان سحب الثقة منه، وعدم مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل سوف يؤثر على سير العمليات العسكرية.
2- لقد كان تصويت العديد من البرلمانيين على إقالة وزير الدفاع ، أقوى من حماستهم وحرصهم على دعم وإسناد القطعات الأمنية التي تضحي بدمائها لتطهير الأرض من دنس داعش الإرهابي، كان توقيت سحب الثقة غير موفق للغاية بحيث أوصل السياسيين رسالة سلبية للجيش في هذه المناسبة بالذات بأنهم من منطلق الحفاظ على مصالحهم وعدم السماح لأي شخص مهما كان من الوقوف بطريقهم فأنهم قادرين أيضاً على إزاحته .
3- إن تأثير إقالة ألعبيدي سوف تتعدى الأطر القانونية والدستورية، وسوف تفتح ثغرات للصراع العشائري، خاصة وان وزير الدفاع من عشيرة كبيرة ولها ثقلها في مناطق الشمال (كركوك، والموصل)، وان أي تحرك من هذه العشائر ضد الحكومة سوف تكون له عواقب كبيرة على العمليات العسكرية الجارية لتحرير الحويجة والموصل، وتفتح الباب لاضطرابات اجتماعية جديدة يرى العديد من الخبراء إن الحكومة في غنى عنها في المرحلة الحالية.
4- استمرار الفساد ونهب الأموال في العراق، إذ اظهر استجواب وزير الدفاع وما تلاه من أحداث واتهامات متبادلة بالفساد، وسحب الثقة عنه لاحقا، حجم ظاهرة الفساد المالي والإداري في العراق، الذي وصل إلى مستويات كبيرة جدا، والى أعلى المناصب في الدولة، ومنها مجلس النواب الذي يعد اعلي سلطة رقابية وتشريعية في الدولة، وهو من يراقب عمل الحكومة ويستجوبها، لهذا فان تداعيات سحب الثقة سوف تنعكس سلبا على حماية المال العام في العراق، ولن يجرؤ مسؤول بعد هذه العملية التحرك لحماية المال العام خوفا من عواقبها من قبل البرلمان، إن سحب الثقة من وزير الدفاع، وبراءة رئيس البرلمان في ساعتين من قبل القضاء، قد وضعت العملية السياسية برمتها على المحك، لان اتفاق الكتل على سحب الثقة اثبت عدم نزاهة القضاء من جهة، ومن جهة أخرى اثبت إن الفساد المالي متجذر في مؤسسات الدولة العراقية وعلى اعلي المستويات، وان أي محاولة لاستئصاله أو القضاء مستقبلا ستبوء بالفشل، بل سوف لن يقدم أي وزير أو مسؤول (حتى ولو كان في لجنة النزاهة) من كشف أي عمليات فساد مالي في العراق خوفا على مستقبله السياسي أو الوظيفي، لهذا فان عمليات الفساد سوف تستمر ولن تجري أي إصلاحات في ظل الوضع الحالي في العراق.
5- ويبدو أن جلسة سحب الثقة من زير الدفاع (خالد ألعبيدي) لن تمر بسلام على المؤسسة التشريعية، فما أعلنه الوزير في البرلمان في غاية الخطورة، حيث كشف عن أسماء حاولت ابتزازه أبرزها سليم الجبوري ومحمد الكربولي، إذ تحول وزير الدفاع من مستجوَب إلى كاشف لملفات الفساد مطلقاً رصاصة الرحمة على رئيس البرلمان، الذي تم جمع تواقيع نيابية لإقالته لأكثر من مرة، إضافة إلى مطالبة عددا من النواب داخل جلسة الاستجواب برفع الحصانة فورا عن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري والنواب (محمد الكربولي وحنان الفتلاوي وعالية نصيف) وتقديمهم إلى القضاء لثبوت ابتزازهم لوزير الدفاع (خالد ألعبيدي) لغرض تمرير صفقات وعقود فاسدة، هو ما سوف يقود إلى حدوث انقساما سياسيا بين الكتل السياسية، ومحاولتها الدفاع عن أعضائها، وما قد يؤثر على الوضع الأمني المتدهور.
6- قد تكون إقالة وزير عملا ديمقراطيا رائعا تمارسه البرلمانات عند الضرورة، ولكن الأمر ليس بالضرورة كذلك في العراق، فقاعدة التوافق هي التي تحدد مصير أي قرار سياسي في مجلس النواب، على سبيل المثال، لا تعقد جلسات البرلمان إلا بحضور أغلبية مطلقة من نوابه -وعددهم الإجمالي 328 عضوا -وتتخذ القرارات بأغلبية بسيطة من الحاضرين، فقاعدة التوافق تجعل تأمين دعم لأي قرار، مثل حجب الثقة عن ألعبيدي أو إقرار قانون العفو العام اللذين صوت عليهما البرلمان في يوم واحد، سباقا سياسيا ومناسبة للمقايضات.
خلاصة القول، إن عملية الاستجواب وسحب الثقة من الوزير في البرلمان لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، خاصة والعراق يحكم بنظام برلماني من خصائصه مراقبة السلطة التشريعية لأعمال السلطة التنفيذية ومحاسبتها، ولكن اللافت للنظر في الاستجواب إن قواعد وأصول الاستجواب وسحب الثقة، وإدارة الجلسات لم تكن مطبقة بصورة صحيحة، فمنذ اللحظة الأولى وجدنا الفوضى تعم المكان والأصوات تتعالى بدون إي سبب وانقسام النواب بشكل لافت للنظر، لهذا فان الوزير وبذكاء قد استغل هذا الموقف لصالحه من خلال تأجيج الموقف بالاتهامات المتبادلة مما افشل عملية الاستجواب، نظريا، انتصرت الممارسة الديمقراطية في العراق واضطلع البرلمان بدوره في محاسبة السلطة التنفيذية وإقالة وزير للمرة الأولى. لكن كثيرين هنا يربطون بين التصويت بحجب الثقة والجهة التي وجهت الاتهام، ويتساءلون: هل كان البرلمان سيتحرك بهذه القوة والإصرار لو وجهت الاتهامات لغير نوابه؟