دلالات استجواب وزير الدفاع العراقي خالد ألعبيدي

نصت المادة 61 / سابعا/ جـ من الدستور العراقي لعام 2005، (لعضو مجلس النواب وبموافقة خمسة وعشرين عضواً توجيه استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تقديمه). وقد تم استجواب رئيس الوزراء وعدد من الوزراء والمدراء العامين ورؤساء الهيئات المستقلة، استنادا لهذه المادة التي تعطي الحق لمجلس النواب في استجواب المسؤولين باعتباره سلطة عليا في البلاد وفقا النظام البرلماني. إن ما يميز هذا الاستجواب عن غيره من استجوابات الوزراء إن وزير الدفاع (خالد ألعبيدي) فجر العديد من المفاجآت خلال جلسة الاستجواب يوم الاثنين 1 آب، متهما رئيس البرلمان العراقي سليم ألجبورى وعدد من النواب وهم ( حيدر الملا، عالية نصيّف، ومثنى السامرائي، ومحمد الكربولي، وطالب المعماري، وأخوة سليم الجبوري) بالإضافة إلى أسماء أخرى لم يتم ذكرها علناً، سوف يذكرها لهيئة النزاهة، بابتزاز وزارة الدفاع العراقية، وذلك بمحاولة تمرير عقود فساد في ملف تسليح الجيش، وإطعام الجنود التي تقدر بـ(تريليون وثلاث مائة مليار دينار)، للحصول على عمولات مالية، وطلب تعيينات ونقل مراتب وجنود، وانطلق الوزير في هجومه على رئيس البرلمان وأعضاء آخرين منذ بداية الاستجواب متهمهم بأنهم جاءوا به إلى البرلمان لأنه رفض إن يساوم (حسب قوله ) على قوت وحياة الجنود العراقيين، كما إن طريقة الاستجواب اتسمت هي الأخرى بالفوضى وعدم الالتزام بالقواعد الاستجواب، من خلال رفع الأصوات والتصفيق لأسباب غير معروفة. اللافت للنظر في العراق وفي حكومة كل الحكومات المتعاقبة فان كل مسؤول عراقي يحتفظ بعدد من ملفات الفساد ضد الآخرين، يفجرها متى ما تعرض لهجوم كعملية انتحارية ضد الخصوم، خلال حكومة السيد نوري المالكي الأولى والثانية وعند أي طلب استجواب أو توجيه نقد له أو لأحد وزراءه فانه كان يهدد إن لديه ملفات فساد ضد الأشخاص الآخرين وانه سوف يعلنها، وهي طريقة بدأت تستخدم لإسكات الآخرين ومنعهم من استجواب الوزراء وغيرهم. ولو عدنا إلى استجواب السيد وزير الدفاع العراقي والذي حدد من قبل البرلمان يوم 1 آب 2016، لوجدنا هناك عدد من الأسباب التي كانت وراء دعوة النواب للوزير للاستجواب، ومنها: 1- الدور الرقابي لمجلس النواب، وهو المحدد في المادة 61 من الدستور، إذ يحق ل(25) من أعضاء البرلمان إذا وجدوا مخالفة ما، دعوة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو احد الوزراء أو رئيس هيئة مستقلة لاستجوابه ومسائلة عن إي موضوع في مجال اختصاصه، على إن يقدم الطلب له قبل أسبوع من تاريخ الاستجواب. 2- اتهام الوزير ببعض المخالفات، منها مخالفة الضوابط القانونية في عقود التسليح واستغل منصبه الوظيفي للانتفاع، وتأخر انجاز المستشفى العسكري رغم انتهاء المدة المقررة للتنفيذ، علاوة على العديد من ملفات الفساد الأخرى التي تمت مساءلة الوزير حولها. 3- ظهر من خلال الاستجواب وما رافقه من أحداث إن هناك استهداف من وراء الاستجواب، وظهر ذلك بعدة صور منها: اتهام الوزير لرئيس البرلمان ولأعضاء آخرين بأنهم قد ساوموا الوزير على عدة قضايا من اجل الحصول على عمولات مالية وتعيينات لتمشية أمور الوزارة بحرية، وقد اتهم الوزير رئيس البرلمان وهو من المقربين منه سياسيا انه جاء به للاستجواب لأنه لم يساوم على دماء الجنود العراقيين، ولم يخضع لطلباتهم، كما إن بعض أسئلة الاستجواب تتعلق بقضايا من زمن وزير الدفاع في حكومة نوري المالكي السابقة (سعدون الدليمي)، مثل المستشفى العسكري وعقود التسليح، علما انه لم بتم استجواب وزير الدفاع السابق رغم كل ما ظهر من فساد في حكومته من بيع أسلحة وسقوط نصف العراق في حزيران عام 2014. 4- الصراعات السياسية على قيادة السنة في المرحلة القادمة، فبعد أفول نجم عائلة النجيفي لأسباب عديدة، فان سياسيو الموصل الآخرين ومنهم وزير الدفاع الحالي يحاولون إن يأخذوا زمام المبادرة مرة أخرى من خلال إبعاد السياسيين السنة الآخرين من والانبار ديالى عن مسرح الأحداث في الموصل، خاصة وان الصراع على الموصل بدا مبكرا وقبل تحرير المدينة، كما إن وزير الدفاع يريد إن يكون صاحب الكلمة العليا في شؤون الموصل، فعلى الرغم من إن كتلة متحدون قد اعتبرت استجواب الوزير استهدافا سياسيا، وهو دفاع عنه إلا إن وزير الدفاع اتهم احد أعضاء متحدون وهو (طالب المعماري) بالفساد المالي، فقد لوحظ في المدة الأخيرة إن وزير الدفاع يتحرك بمعزل عن كتلته السياسية من خلال توافقه في مجلس الوزراء، وموافقته إلى مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل، بعكس اتجاه اغلب الكتل السنية الرافضة لهذا الأمر بشدة، ومقبوليته لدى مرجعية النجف والتي زارها مرتين كما ذكرت بعض المصادر، كذلك معارضته مشاركة البيشمركة في تحرير الموصل وهو يعد ضربة قوية لمحور أربيل السني وإبعادهم عن الموصل، كذلك تحركه القوي باتجاه تحرير مناطق السنة وضربه داعش بقوة، في محاولة منه لكسب الناخبين السنة في المرحلة القادمة، هذا الأمر لم يكن خافي على السياسيين السنة الآخرين أمثال (سليم الجبوري) الذي وافق على استجوابه وللمرة الثانية خلال فترة وزارته للدفاع، من خلال أعضاء في البرلمان ليس من كتلته لإبعاد الشبهات عنه، (وقد نقلت بعض المصادر عن النائبة عالية نصيف قولها ان "رئيس البرلمان ابلغني نصا ستسجوبين وزير الدفاع لكن اتركي لي تحديد الوقت فقط")، وأراد رئيس البرلمان من خلال الاستجواب توجيه رسالة تحذيرية للوزير والقبول بالتعاون معه، والتقليل من دوره السياسي مستقبلا، وهذا ما ظهر من خلال هجوم الوزير بقوة على رئيس البرلمان (سليم الجبوري) وعلى الأعضاء المتعاونين معه، ومحاولة اتهامهم بالفساد. 5- ظهر في الفترة الأخيرة توجه وطني وتوافق في الرؤى لدى بعض السياسيين في العراق من كل المكونات، هدفه عبور مرحلة الطائفية والمحاصصة، وتكوين أحزاب وكتل سياسية وطنية، في محاولة منهم لإنقاذ البلد من الإرهاب والفساد والتشرذم، هذا الموقف لم يكن مرغوبا فيه لدى البعض الأخر من السياسيين الذين لا زالوا يضربون على الوتر الطائفي من اجل المناصب والامتيازات، لهذا يحاول هؤلاء الطائفيون بكل الوسائل ضرب كل محاولة جادة لإنهاء المحاصصة أو الوصول إلى مناصبهم وامتيازاتهم، لهذا كان اللجوء إلى التهديد بالاستجواب والتخوين كسياسة ردع ضد البعض من الوطنيين. 6- الدور الإقليمي، إن لدول الإقليم دور مهم في محاولة التأثير على إدارة السياسة العراقية، فبعض هذه الدول تتخوف من عودة القوة العسكرية العراقية مرة أخرى، لهذا تحاول تحريك أنصارها في مؤسسات الدولة العراقية للوقوف بوجه أي تحرك يعيد القوة العسكرية للعراق، خاصة إذا علمنا إن وزير الدفاع الحالي يعد أول وزير مهني وذو اختصاص يستلم وزارة الدفاع العراقية، فهو ضابط قديم في الجيش العراقي، وذو خبرة أكاديمية أيضا، وملم بمهنته بشكل كبير جدا، وقد حقق العراقيون جيشا وحشد شعبي ومتطوعين من العشائر انتصارات كبيرة مهمة على التنظيمات الإرهابية أذهلت دول العالم، اثأر عليه هذا العمل الآخرين سوى في الداخل والخارج. 7- الدور الأمريكي، هذه تعد سياسة أمريكية جديدة لفرز قيادات ودماء جديدة للعملية السياسية في العراق للمرحلة المقبلة، الانقسام السياسي الذي بدا يضرب الكتل السياسية، فمن الانقسام في الكتلة الكردستانية وانشقاق الاتحاد الوطني والتغيير عن الحزب الديمقراطي، إلى الصراع ألان في الكتلة السنية والذي بدا بوادره تظهر على العلن، إلى الانقسام الشيعي وان كان اقل حدة من الآخرين. ستكون لعملية الاستجواب وما تلاها من اتهامات بين الوزير ومجلس النواب، تأثيرات على عدة قضايا في العراق منها: 1- التأثير على تحرير الموصل، يأتي تفجر هذه القضية في وقت يبدو غير مناسب بتاتا بالنسبة للحكومة العراقية التي تستعد على قدم وساق، لمعركة استعادة مدينة الموصل بتنظيم داعش الإرهابي ، ويرى مراقبون إن تفجر أزمة سياسية جديدة بشأن قضايا الفساد في العراق ربما يؤثر على معنويات الجيش، الذي يستعد لمعركة فاصلة في الموصل وأنه ربما يفقد القوات المشاركة في العملية قوة الدفع اللازمة، وكانت التظاهرات المنددة بفساد السلطة في العراق، والتي قادها التيار الصدري بشكل أساسي، واستمرت لعدة أشهر قد أدت إلى شلل في تحركات الحكومة وأفقدتها القدرة على المبادرة، وسط اتهامات متتالية بالفساد واشتباكات بين المحتجين وبين قوات الأمن. 2- عودة بعض عناصر داعش إلى مناطق تم تحريرها سابقا ومنها في مناطق ديالى، والهجوم الأخير على منطقة النخيب الكيلو 160، وفي جنوب الموصل، وهو دلائل وإشارات على توتر العلاقات بين أعضاء الكتل السياسية. 3- ويبدو أن جلسة استجواب وزير الدفاع (خالد ألعبيدي) لن تمر بسلام على المؤسسة التشريعية، فما أعلنه الوزير في غاية الخطورة، حيث كشف عن أسماء حاولت ابتزازه أبرزها سليم الجبوري ومحمد الكربولي، إذ تحول وزير الدفاع من مستجوَب إلى كاشف لملفات الفساد مطلقاً رصاصة الرحمة على رئيس البرلمان، الذي تم جمع تواقيع نيابية لإقالته لأكثر من مرة، إضافة الى مطالبة عددا من النواب داخل جلسة الاستجواب برفع الحصانة فورا عن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري والنواب (محمد الكربولي وحنان الفتلاوي وعالية نصيف) وتقديمهم الى القضاء لثبوت ابتزازهم لوزير الدفاع (خالد ألعبيدي) لغرض تمرير صفقات وعقود فاسدة، هو ما سوف يقود الى حدوث انقساما سياسيا بين الكتل السياسية، ومحاولتها الدفاع عن أعضائها، وما قد يؤثر على الوضع الأمني المتدهور. 4- القضاء على المستقبل السياسي لوزير الدفاع إن هو لم يكن يملك الأدلة التي تدين رئيس البرلمان والنواب الذين اتهمهم بالفساد ومساومته على عقود وعمولات مالية، لان تحول القضية إلى النزاهة والفضاء تحتاج إلى أدلة ثبوتية للإدانة. 5- اظهر استجواب وزير الدفاع وما تلاه من أحداث واتهامات متبادلة بالفساد، حجم ظاهرة الفساد المالي والإداري في العراق، الذي وصل إلى مستويات كبيرة جدا، والى أعلى المناصب في الدولة، ومنها مجلس النواب الذي يعد اعلي سلطة رقابية وتشريعية في الدولة، وهو من يراقب عمل الحكومة ويستجوبها. خلاصة القول، إن عملية الاستجواب في البرلمان لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، خاصة والعراق يحكم بنظام برلماني من خصائصه مراقبة السلطة التشريعية لأعمال السلطة التنفيذية ومحاسبتها، ولكن الملفت للنظر في الاستجواب إن قواعد وأصول الاستجواب، وإدارة الجلسات لم تكن مطبقة بصورة صحيحة، فمنذ اللحظة الأولى وجدنا الفوضى تعم المكان والأصوات تتعالى بدون إي سبب وانقسام النواب بشكل لافت للنظر، لهذا فان الوزير وبذكاء قد استغل هذا الموقف لصالحه من خلال تأجيج الموقف بالاتهامات المتبادلة مما افشل عملية الاستجواب، لهذا فان بناء دولة ديمقراطية ذات مؤسسات قوية وجيش وطني يبدأ من مجلس نواب مسؤول وممثل للشعب بشكل حقيقي، والابتعاد عن المحاصصة التي جلبت الدمار للبلاد، كذلك إلغاء مبدأ الكوتة للنساء المطبق في البرلمان، لان نسبة 25% ليست بالقليلة لكي يتم هدرها بهذه الطريقة، والاستعانة عنها بمبدأ الكفاءة والحصول على الأصوات الكافية للوصول للمنصب.
التعليقات