المعادلة الجديدة في العراق - سياسة التفكيك والتركيب في ظل الاوضاع السياسية الراهنة

على أثر التبعثر السياسي ، والانهيار الامني ، الذي تزامنت مع مجرياته احداث سقوط ثلاث محافظات عراقية " الموصل - تكريت - الانبار" ، وسيطرة داعش على المحافظات اعلاه ، وتراجع القوات الامنية التي كانت تسيطر على اغلب المناطق التي سقطت بيد عصابات داعش ، وتشكيل قوة الحشد الشعبي على أثر فتوى الجهاد الكفائي ، تلك الفتوى التي اطلقها سماحة المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني ، وسانده بها جمع من علماء الحوزة المباركة كردة فعل على هذه التداعيات الخطيرة التي كادت أن تعرض مستقبل العراق للخطر ، خصوصا وان هذه الاحداث الكبيرة ، رافقها صراع سياسي عنيف بين القوى والاحزاب السياسية العراقية على رأس السلطة " رئاسة الوزراء" ، واعقب ذلك فورا تشكيل حكومة حيدر العبادي ، وكردة فعل على ما جرى ولايزال يجري انطلقت مظاهرات شعبية غص بها الشارع العراقي منذ الوهلة الاولى التي انكشف فيها الغطاء السياسي والقانوني عن السياسيين الذين تسببوا بكل ما جرى للبلاد من كوارث سياسية وامنية واقتصادية وثقافية ومعرفية وفكرية ، في الوقت الذي أخذت فيه قوات الحشد الشعبي بمساندة القوات الامنية كافة يواصلون عملياتهم وباجتهاد لترميم الواقع الامني في المناطق التي سيطر ولا يزال يسيطر عليها الارهابيين ، وبالفعل نجحت القوات المذكورة اعلاه في تحرير تكريت والانبار ، ولاتزال القوات الامنية والحشد الشعبي والوطني يتقدم بقوات هائلة باتجاه الموصل لمحاصرتها تمهيدا لساعة الصفر بغية تحريرها بشكل كامل من الارهابيين . على اثر ذلك تعمق الانشطار بين الشعب والمرجعية من جهة ، والحكومة من جهة اخرى ، المرجعية من جانبها ، صَرحت مراراً وتكراراً وبامتعاض واستياء شديدين عبرت فيهما عن كل ما يجري في البلد بسخط كبير ، وحذرت من التداعيات الخطيرة التي توقفت عند فساد لايزال ينخر بجسد الدولة ، وتقشف اقتصادي ، اربك حياة المواطن العراقي وزاد من مآسيه ، كما وعمق من جراحاته ،وأرهق كاهل الشعب ، رافق ذلك ترهل وزاري ، ومحسوبية ، ومنسوبيه ، وطائفية مقيته ، وتردي امني بات يلوح في الافق اثر التفجيرات الاخيرة التي استهدفت بغداد وبابل ، فظلا عن بعض المناطق التي لاتزال مقتطعة من ارض العراق ، باتت المرجعية من جراء كل ذلك واقعة في حرج كبير امام الشعب الذي لبى نداء الجهاد ، ولان الشعب ضحى في كل شيء من اجل قضية حُسم امرها ، وللأسف الشديد للمرة الرابعة على التوالي الى كابينة وزارية ليس بالمستوى المطلوب ، بالرغم من ان المرجعية اطلقت يد رئيس الوزراء حيدر العبادي في الاصلاحات العامة ، كما وشدت على يده بادئ الامر وفوضته بضرب الفاسدين ، كما وسانده الشعب في ذلك ، الا ان شيئا من كل ذلك لم يحدث ولم يجدي نفعا كل ما ذكرناه... لتقف البلاد امام مفترق طرق وسط زيادة وتيرة المظاهرات وتطورها بدخول التيار الصدري بقيادة السيد مقتدى الصدر الى ساحات التظاهر ، وتتناغم المرجعية مع ذلك المشروع السلمي للتغيير بتأكيدها في كل جمعة على جملة " لقد بُحت أصواتنا.... " وكأنها تشرعن للمظاهرات السلمية المطالبة بمحاربة الفساد ، وتدعو بشدة الى احداث تغيير يستند على أساس الكفاءة والنزاهة والخبرة وهذا الامر قاد الجميع الى المطالبة بحكومة" التكنوقراط" ، وعدم السماح بالتدويرات الوزارية القائمة على اختيار ذات المفسدين الذين حالوا دون تقدم وتطور البلد . يبدو اننا اليوم نقف على اعتاب مرحلة هي الاخطر من نوعها على مدى السنوات التي مضت منذ العام 2003 م ، لأسباب عدة اهمها بعض من يدعون انهم امراء الحرب الذين باتوا على ارتباط وثيق بنفس الكابينة السياسية التي اثبتت فشلها على مر السنوات ولاتزال تتعثر في مسيرتها نحو البناء والاعمار ، امراء الحرب هؤلاء أصبحوا يمثلون قوة تسمى " فصائل الحشد الشعبي " وهذه الفصائل تملك أسلحة هائلة ، وتعتقد وربما تكون محقة في ذلك ان لها الفضل في تحرير البلد من الارهابيين ولا شك في ذلك ، المشكلة انها تتنافس مع فصائل اخرى تقاتل الارهابيين ايضا وتسعى لنيل نفس الحضوة بهذا اللقب ، القصد ان الصراع على لقب فاتح المحافظات الثلاث سيجر البلاد الى تنافس داخلي وضيق جدا، ربما اذا لم يتم الالتفات لخطورة ذلك سيحدث تقاتل وشيك بين هذه الفصائل ، في الوقت الذي ربما تنسحب روسيا كليا وشكليا وسياسيا أيضا من دعمها لسوريا ، وبالمقابل سيصبح نفوذ السعودية بتحالفها الاسلامي المتكون من ثمانية وثلاثون دولة اكبر بكثير من النفوذ التقليدي لبعض القوى المتواجدة في المنطقة مثل ايران والعراق ولبنان وسوريا ، واذا ما حدث ذلك فهذا يعني زيادة حدة التنافس والصراع الطائفي الذي من المحتمل أن يحدث وتحت عباءته سوف تحصد الدول الرئيسية المتقاتلة طائفيا على مناطق نفوذ لها تتناسب مع طبيعتها الديموغرافية و الاجتماعية ،بعض الدول ربما تستفيد من بعض هذه الفصائل لتنفيذ هذا المشروع الاقليمي او اعتراض مشروع مضاد من المحتمل ان تفرضه الجهة الاخرى التي أخذت سياستها الطائفية تتصاعد وتيرتها يوما بعد آخر. ان المعادلة السياسية الجديدة في العراق ، خصوصا في ظل هذه الاوضاع سوف تخضع لعملية التفكيك والتركيب ، والاوضاع السياسية والامنية والفكرية الراهنة احدثت النتيجة التالية : " تصدر الحشد الشعبي" الموقع المتميز من حيث المصداقية في عين المواطن العراقي ، تراجع " الاحزاب السياسية العراقية " من حيث المصداقية ، " وعدم تمتع اي جهة بحيادية تامة من كل ما جرى ولايزال يجري في العراق ، لذلك الخوف كل الخوف من سياسة التفكيك والتركيب المرتقبة ، ونقصد بها تفكيك الحشد الشعبي العام ، ومسح صورته في ذهن الجماهير ، والاحتفاظ بفصائل تابعة لذات الاحزاب ومنظمة تنظيما دقيقا لخوض الانتخابات المقبلة وهي تحمل ترسانة من الاسلحة التي دخلت بها الحرب ، عندما رافقت الحشد الشعبي في قتاله داعش ، ففرض النفوذ السياسي ربما يكون واردا في المرحلة المقبلة . في الوقت الذي تتبني فيه أغلب الاحزاب السياسية الحاكمة الآن مشروعا مدروسا ومنظما لتفتيت اي قوة منظمة او غير منظمة ،عسكرية وغير عسكرية تميل من قريب او بعيد الى الاصلاح حتى لا تمثل قوة صد او دفاع عن أي مرحلة او أي حالة اصلاحيه من شأنها ان تغير المعادلة المعقدة الأنية – هذا ما رغبنا بإيصاله عبر سياسة التفكيك - ، لان بتغييرها تسقط كثير من الأصنام الفاسدة التي اوصلت البلاد الى هذه المرحلة الخطيرة جدا ، لكن مهما يكن من أمر يبقى الاصلاح مطلب ضروري جدا ، ولابد منه أيضا ، لكن تقف أمام تحقيق هذا المطلب ظاهرتان انتشرتا في الوسط السياسي تسمى " التزمت السياسي أو الاستبداد السياسي البديل " وهاتان الظاهرتان تمثلان العائق الاكبر الذي يقف بوجه التغيير لذلك لجأت الى التفكيك والتركيب السياسي والعسكري بهدف الحفاظ على المكتسبات التي حصلوا عليها في ظل سنوات الحكم العجاف التي مضت ، وهذه السياسة يجب ان تتوقف فورا ، لأنها سوف تسمح لجميع السياسيين الذين تسببوا بالويلات التي أصابت البلد بأن يجثموا مرة اخرى وربما جثمان طويل الأمد على طموحات الشعب ،ويجب ان يسمح الجميع دون مداراة او مواراه لقافلة الاصلاح أن تأخذ طريقها ، والوعي الجديد بان يمر ، دون تفكيك او تركيب لان التفكيك يعني تفتيت الجهود الرامية للإصلاح ، واسقاط هيبة القوات او الجهات او الكفاءات التي باتت تتمتع بمصداقية في وعي الجماهير وذلك يعني ابقاء حال البلد على ماهو عليه الآن ، وحالة التركيب المطروحة الان من قبل السياسيين وأقصد بها السير وراء موجة الغضب الجماهيري وخداع الجماهير بأسماء جديدة او فصائل ليس لها أي مصداقية وتركيز ماكنة الاعلام على هذه الحركات لصناعة مصداقية وهمية لها بغية حصد أصوات الناخبين في المستقبل القريب ..هو الجرم الاكبر والاخير الذي بات بعض السياسيين يرتكبونه بحق الوعي السياسي للمجتمع العراقي ، لان ذلك سوف يقضي على جنين الاصلاح الذي يحمله وعي الجماهير ، الجنين الذي بات ينمو من رحم الشعب على شكل مظاهرات واعتصامات ودعوات شديدة اللهجة على الاصلاح ، عسى وان تكون الحل الامثل لكل ما يجري في البلاد ، عبر انبثاق حكومة تضع الغضب الجماهيري نصب عينها ، فتعمل بجد واجتهاد ، من اجل تخليص العراق والعراقيين من المآسي والمصائب التي باتت تهدد أمن وسلامة وحياة المواطن العراقي بما للكلمة من معنى .
التعليقات