اعلنت السعودية يوم 19 شباط، إنها أوقفت مساعدات للجيش اللبناني قيمتها ثلاثة مليارات دولار، وهي المنحة التي تعهدت عام 2013 بتقديمها كمساعدات للجيش اللبناني ، وهي منحة كبيرة للقوات المسلحة اللبنانية ، وقد بررته الحكومة السعودية بان القرار ردا اتخذ ردا على عدم إدانة بيروت لهجمات على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، وعدم الوقوف الى جانب السعودية في المحافل الدولية، فقد رفض وزير الخارجية اللبناني ( جبران باسيل) الذي حضر القمتين العربية والإسلامية في كانون الثاني الماضي التصويت بالموافقة على بيان عربي مشترك يدين الهجمات على البعثات السعودية لأنه احتوى على انتقادات لحزب الله، ويعد التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه باسيل من حلفاء حزب الله، علما ان تلك المنحة لم يستلم منها الجيش اللبناني سوى دفعة واحدة وهي عبارة عن صواريخ مضادة للدروع بعدد الاصابع، علما ان الجيش اللبناني ليس بحاجة لتلك الصواريخ لان الحرب في المنطقة هي حرب مدن وتحتاج الى سلاح متطور ويتناسب مع طبيعة المعركة، وطيران حربي لكشف تحركات العدو.
وان السعودية لم تكتفي بإيقاف المساعدات عن الجيش اللبناني، بل عمدت الى وقف كل المساعدات عن لبنان، كذلك منع رعاياها من السفر الى لبنان، كما قامت بتحريض الدول التابعة لها في المنطقة ضد لبنان، ومنها الامارات التي بمنع ت هي الاخرى مواطنيها من السفر، كما خفضت ابو ظبي التمثيل الدبلوماسي مع لبنان.
ورغم ان ظاهر اعلان السعودية ان قطع المساعدات عن الجيش اللبناني جاء ردا على عدم وقوف لبنان الى جانبها في المحافل الدولية، الا ان الخافي منه هو اسباب عديدة منها:
1- هو اثارة فتنة داخلية في لبنان بين مكوناته، والتي هي على خلاف اصلا في العديد من القضايا، ففي طرابلس هناك صراع مسلح مستمر ويثار بين لحظة واخرى بين جبل محسن وباب التبانة، (بين العلويين والسنة)، فرغم تدخل الجيش في كل مواجهات الا ان الصراع مستمر خلف المتاريس، كذلك الصراع السياسي بين تيار المستقبل وحزب الله، حول العديد من القضايا ومنها قضية الرئاسة التي لم تحسم لحد الان رغم مرور اكثر من سنة على شغور المنصب، كذلك الوجود الملحوظ للمجموعات المسلحة القادمة من سوريا مثل (النصرة، وداعش، والقاعدة)، وخاصة في منطقة عرسال، ولازالت المواجهات مستمرة فيها، الخلاف على تدخل حزب الله في سوريا الى جانب النظام والذي يلاقي معارضة من تيار المستقبل وحلفاءه في لبنان، والعلاقة الاستراتيجية بين ايران ولبنان والتي تنظر اليها السعودية كمهدد لمصالحها في لبنان.
2- فبينما حث رئيس الوزراء اللبناني (تمام سلام) السعودية على إعادة النظر في القرار، وإعادة النظر بالقرار الخاص بوقف المساعدات عن جيشنا وقواتنا الأمنية، فان السياسي اللبناني (سعد الحريري) رئيس تيار المستقبل الذي تدعمه السعودية انتقد ما قال إنه توظيف السياسة الخارجية للدولة اللبنانية في خدمة محاور إقليمية، في إشارة غير مباشرة لوزير الخارجية اللبناني (جبران باسيل) ولحزب الله.
3- كذلك محاولة شق صفوف الجيش اللبناني، فالكل يعلم ان وحدة لبنان وتماسكه وامنه مرتبطة بوحدة جيشه، اذ ان كل الانقسامات والصراعات الداخلية في لبنان بين الاحزاب السياسية، والصراع المسلح في بعض المناطق لم يؤثر على مواقف الجيش اللبناني الوطنية، فقد بقية المؤسسة العسكرية اللبنانية بعيدة عن هذه الصراعات، وتعمل بكل مهنية، ولها موقف ثابتة في حفظ الامن ومواجهة الارهاب في البقاع وعرسال والجنوب وطرابلس، وغيرها كما لها تنسيق مع المقاومة الاسلامية (حزب الله ) في لبنان في الكثير من المواقف، وخاصة في الازمة السورية، لهذا تريد السعودية ومن ورائها امريكا واسرائيل من ايقاف هذه المساعدات نقل واثارة الفتنة الطائفية الى الجيش اللبناني.
4- تحاول السعودية التأثير على حزب الله اللبناني، وتقليص تواجده في المنطقة ( سوريا والعراق واليمن)، وجر الحزب الى مواجهات داخلية بغية اضعافه ، وابعاده عن سوريا الى مواجهات داخلية، كخطوة اولى، ثم انكفاءه داخل لبنان، فحسب اراء المحليين اصبح لحزب الله دور مؤثر وفاعل في احداث المنطقة، ومنها الازمة السورية، من خلال التعاون الاستراتيجي بين حزب الله وايران والعراق وسوريا، لهذا تخشى السعودية من يطغى هذا الدور على دورها في المنطقة، وقد يقود مستقبلا الى الاعتراف بهذا الدور كما حصل مع ايران، فايران بعد مقاطعة دولية وفرض عقوبات لمدة اكثر من ثلاثين عاما اضطرت دول العالم المؤثرة وعلى راسها امريكا والغرب على الاعتراف بالدور الايراني في المنطقة، واصبح لها راي في حل قضايا المنطقة، كما ان الاعتراف لها بالبرنامج النووي – حتى وان كان للأغراض السلمية - يعد نصر لإيران بحد ذاته، كما ان عدد من الدول الاوربية بدأت تتعامل مع حزب الله اللبناني في حل الازمة السورية، خاصة بعد انفجارات باريس الاخيرة، وتنظر لحزب الله كطرف في المعادلة في المنطقة، اضافة الى ان سمعة الحزب واخلاقياته الحربية في العالم بدأت تنكشف بوضوح، وهي اعمال انسانية وهدفها انساني، بينما اصبحت افعال المجموعات المسلحة مثل (داعش والنصرة وغيرها) مثار انتقاد واستهجان في دول الغرب بعد عمليات الاعدام والقتل التي تقوم بها هذه المجموعات المسلحة بحق الابرياء وعلى اساس طائفي وقومي، كذلك وصول اعمالها الى دول اوروبا نفسها.
5- محاولة السعودية خلط الاوراق في منطقة الشرق الاوسط، وضرب اي محاولة لإنهاء الصراع في سوريا، وبطرق متعددة، فمرة تثير الجماعات التابعة لها ( او ما تسمى بجماعة الرياض) بإفشال المفاوضات من خلال طرح شروط تعرف جيدا انها غير ممكنة التطبيق، واخرها فشل مؤتمر جنيف الذي عقد في نهاية كانون الثاني، ثم تحاول السعودية من ايقاف مساعدات الجيش اللبناني، والتي لم يستلم منها سوى على وجبة واحدة ليس ذات قيمة عسكرية، اثارة الفتنة في لبنان واستباق الاحداث لمنع اتفاق وقف اطلاق النار في سوريا والذي سوف يدخل حيز التنفيذ في 27 شباط، فالسعودية ومنذ انطلاق الاحداث في سوريا 2011 الى الان قدمت مليارات الدولارات، والسلاح للمجموعات المسلحة في سوريا، ولكنها في نهاية المطاف قد لا تحصل على ما كانت تصبوا اليه في سوريا وهو اسقاط الرئيس السوري (بشار الاسد)، خاصة وانه وحسب اتفاق نيويورك انه باقي في السلطة لفترة انتقالية امدها ثمانية عشر شهرا، لهذا فالهستيريا اصابة السعودية في الصميم وهي تحاول افساد كل عملية تسوية في المنطقة وليس في سوريا وحدها.
6- كما ان بعض التقارير ذكرت إن السعودية اتخذت قرارها منذ فترة طويلة بسبب الاندفاع العسكري السعودي، من خلال مواصلتها دعم فصائل مسلحة في سوريا، ومواصلة تسعير الحرب في اليمن، والذي كلفها مليارات الدولارات بدون نتائج تذكر على الارض، فضلا عن عزمها تزعم (تحالف إسلامي) لمكافحة الإرهاب، لتحقيق مكاسب ميدانية تحجز لها مكاناً في وقت التسويات، التي بدأت تتبلور، إن كان عبر إجماع دولي على ضرورة حل الأزمة السورية سياسيا، أو من خلال الضغوط الغربية التي تتعرض لها المملكة لإنهاء حربها في اليمن، وضرورة التركيز على جهود مكافحة الإرهاب الذي بات يشكل تهديدا دوليا، هذا الاندفاع بحاجة الى اموال لتحقيقه، في وقت هبطت فيه اسعار النفط الى مستويات متدنية جدا وصلت الى اقل من (30) دولار للبرميل، لهذا فقد سجل العجز السعودي حوالي (87) ملياراً في 2016، وهو ما قاد الى رفع أسعار مواد أبرزها الوقود، بأكثر من النصف، ضمن سلّة إصلاحات اقتصادية مالية وهيكلية لتنويع مصادر الدخل، وترشيد الإنفاق الحكومي، وهو يعني ضمنا وقف المساعدات غير الضرورية ومنها المنحة للجيش اللبناني، خاصة وان المنحة قد وعدت بها السعودية منذ عام 2013، ولم تنفذ لحد الان وهذا يعني انها لم تكن لتسليح الجيش اللبناني بقدر ما كانت لإثارة الفتة في لبنان وسراء الذمم والمواقف..
خلاصة القول، ان اقدام السعودية على سحب يدها من دعم الجيش اللبناني سوف لن يكون له أي تأثير فعال على الاوضاع في المنطقة عامة، ولبنان خاصة، لان وحدة الجيش اللبناني وضبطه العسكري وما يتحلى به من روح وطنية، وقد جرب منذ سنوات الحرب الاهلية في لبنان، والتي كان لها القول الفصل في كل المواقف، كما ان هناك دول اعلنت ومنذ مدة طويلة على قدرتها على دعم وتجهيز الجيش اللبناني بالسلاح واي احتياجات اخرى، ومن هذه الدول ايران، كما ان هذه المساعدات ليس بذات قيمة مقابل وجود فوات عسكرية منظمة وذات تسليح متطور في لبنان وهي قوة حزب الله اللبناني، والذي كان لها الدور الفاعل في انسحاب الكيان الصهيوني من جنوب لبنان، ثم الانتصار في حرب تموز 2006.
اضافةتعليق