انقلاب اوردوغان على داعش..الأسباب والتداعيات

انطلقت الحرب التركية ضد تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني في 26/7/20015, بعد انفجار في مدينة "سوروج" التركية على الحدود مع سوريا والذي اتهمت السلطات التركية داعش بالقيام به, كذلك مقتل اثنين من الشرطة في شرق تركيا على يد حزب العمال الكردستاني ردا على تفجير سوروج, إذ نفذت تركيا عدة ضربات جوية ضد تنظيم "داعش" في شمال سوريا ، وأيضا ضد مواقع لحزب العمال الكردستاني شمال العراق. إذ يرى العديد من الخبراء انه من الصعب تصديق أسباب التدخل العسكري التركي في سوريا، عبر قصف مواقع "داعش" وحزب العمال الكردستاني في العراق, وهي: حادثة مقتل جندي تركي في تبادل إطلاق النار على الحدود مع سوريا، وحادثة تفجير "داعشية" نفسها في وسط تجمع لأكراد تركيا وطلاب يساريين في مدينة سوروج ذات الأغلبية الكردية تضامنا مع بلدة عين العرب (كوباني) السورية، والتي أسفرت عن مقتل 32 شخصا وجرح المئات, والتي يرى البعض إنها جاءت لصالح حزب العدالة والتنمية للانتقام من الأكراد واليساريين ، أما مقتل اثنين من الشرطة التركية في شرق البلاد على يد حزب العمال الكردستاني فهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة, إن صعوبة الاقتناع لا تتأتى من العداء لسياسة تركيا أو من العناد ، وإنما من طبيعة الأسباب التي تضافرت مع بعض لتدخل "ارودوغان" في حرب مع داعش، وفي نفس الوقت مع الأكراد ، والسوريين ، على حد سواء, والتي يمكن إجمالها بالاتي: 1- منع إقامة كيان كردي في شمال سوريا, خاصة بعد إن نحج الأكراد من طرد داعش من عين العرب (كوباني) ومن تل ابيض والعديد من البلدات والقرى السورية ، والانتصارات التي حققها الأكراد على التنظيمات التكفيرية في الحسكة ، إذ إن تحركات الأكراد الأخيرة تهدف حسب رأي الكثير من المحللين إقامة منطقة خاصة لهم في شمال سوريا, ومحاولة ربط المناطق التي يسيطرون عليها في شمال شرق سوريا -الحسكة ودير الزور والقامشلي - وربطها مع مدينة عين العرب الى عفرين والمناطق التي سيطر عليها التنظيم أخيرا في الرقة, إذ تخشى تركيا من إقامة كيان كردي جديد على حدودها الجنوبية والذي قد يؤدي إلى زعزعة الأمن القومي لها من خلال إثارة الأكراد الأتراك الذين يطالبون بالحقوق أيضا منذ عقود, حتى إن الاتفاق الأخير بين تركيا وإقليم كردستان العراق الذي تم بموجبه السماح للإقليم بإرسال دعم عسكري لمدينة عين العرب التي حاصرها داعش لمدة طويلة كانت تقضي بعدم إقامة أي منطقة كردية خاصة في شمال سوريا, إلا إن أكراد سوريا استغلوا الدعم الدولي لهم وضعف الجيش السوري وحاولوا بسط نفوذهم على المزيد من الأراضي في شمال وشرق سوريا مما أثار حفيظة تركيا ورئيسها اوردوغان . 2- تركيا كانت متهمة في دعم داعش، فالتنظيم موجود على حدود تركيا الجنوبية منذ أكثر من سنتين وفي حالة وئام، وكان يدير العديد من المنافذ الحدودية مع تركيا، كما أن مدن تركيا كانت عمقاً مهماً لداعش، ولم يحدث ما يخلُّ بحالة الوئام بين الطرفين, لذا أراد " اوردوغان" من الهجوم على داعش هو لإظهار تركيا بأنها أيضا مستهدفة من "داعش" شانها شان الدول الأخرى، وإبعاد شبهة التواطؤ مع "داعش", ولتحسين صورة حزبه داخليا قبل أي انتخابات مبكرة, ولكسب بعض دول الإقليم والعالم, 3- بالإضافة إلى خطورة الكيان الكردي في شمال سوريا على الأمن القومي التركي, فان هذا الكيان سوف يحبط خطط تركيا من الامتداد إلى العراق وخاصة في المنطقة الغربية التي تسعى لتشكيل إقليم خاص بها والذي سوف يكون ممرا مها لتركيا إلى الشرق الأوسط والخليج العربي, من خلال ربط تركيا بالخليج مباشرة عن طريق هذا الإقليم, لذلك إن إقامة كيان كردي سوري قد يقود إلى إقامة اتحاد كردي سوري عراقي - خاصة بعد تهديد أكراد العراق بالانفصال- وإقامة كيان موحد خاصة وان العديد يرون إن إقامة هذا الكيان سيكون مرحب به من بعض دول أوربا وإسرائيل وحتى من بعض دول الخليج العربية, مما يضع تركيا بين فكي كماشة روسيا والأكراد ويفرض عليها وضعا امنيا خاصة ويحرمها من موارد اقتصادية كانت تحلم إن تكون من حصتها خاصة مد أنابيب النفط والغاز من الخليج والعراق والقوقاز عبر أراضيها إلى أوربا وعبر موانئها إلى دول العالم, فإقامة كيان كردي في شمال سوريا ووصوله إلى البحر المتوسط سيكون أفضل ممر لنفط المنطقة من كردستان وباقي أجزاء العراق وحتى من دول الخليج العربية الأخرى. 4- رغم الفوضى والضغوط في المنطقة يعتقد الكثير أن أنقرة، مثل بقية حكومات دول المنطقة، هي في وسط معركة التوازنات، لا تستطيع ترك جارتها الجنوبية، سوريا، تحت سيطرة قوة إقليمية أخرى، خاصة بعد توقيع الغرب الاتفاق حول برنامجها النووي، الذي قد يفك بعض القيود عن حكومة طهران، وقد يزيد ثقتها للمزيد من التمدد في المنطقة, لذا يحاول الأتراك أن يعيدوا علاقتهم مع القوى السورية الوطنية -وخاصة الجيش الحر- لأن هذه القوى في نظر الأتراك تملك شرعية في لدى بعض دول العالم لا ستطيع تركيا تجاهلها, للحفاظ على المصالح القومية التركية ، وأهمها تأمين حدودها بعدم سيطرة حزب العمال الكردستاني على الجهة السورية المحاذية لتركيا، وذلك من خلال جناحه السوري PYD، قضية التركمان وضمان دور متقدم لهم في مستقبل سوريا. 5- يحاول الرئيس (اوردوغان) إعادة كسب الأصوات التي فقدها في الانتخابات البرلمانية لعام 2015, , لإن عدم حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية في انتخابات, والتي كان "اوردوغان" يضع عليها كل الآمال وأهمها تحويل النظام السياسي في تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي, جعل حزبه في موقف لا يحسد عليه أمام الشارع التركي, فهو غير قادر حتى على تشكيل الحكومة لوحده, ورفض اغلب أحزاب المعارضة من الائتلاف معهم لتشكيل الحكومة, لذا يحاول " اوردوغان" استغلال حادث تفجير سوروج ومقتل الشرطيان ليعلن الحرب على داعش وحزب العمال الكردستاني معا, واعتبار القضية قضية امن قومي للبلاد من اجل كسب ما خسره الحزب في الانتخابات الأخيرة, استعدادا لأية انتخابات مبكرة قد يضطر الحزب لاجراءها خاصة مع اقتراب انتهاء المهلة الدستورية لتشكيل الحكومة, او على الأقل تشكيل حكومة ائتلافية عريضة بمشاركة العدالة والتنمية والحركة القومية المتشددة. 6- محاولة ضرب أي مظاهرات او اعتراض من قبل أحزاب المعارضة التركية لسياسات حزب العدالة والتنمية وخاصة حزب الشعوب الديمقراطية الذي حصل على 80 صوتا في الانتخابات الأخيرة, اذ ذكرت إذاعة (BBC) البريطانية في نشرت أخبار اليوم 31تموز 2015, بان المدعي العام التركي قدم لائحة اتهام ضد زعيم الحزب " صلاح الدين دمرتاش" بقضايا تمس الأمن التركي عام 2014, وفي حالة ثبوت الأدلة قد تصل العقوبة إلى عشرون عام من السجن, كذلك لأبعاد الاتهامات التي وجهت إليه شخصيا ولحزبه بدعم الجماعات الإرهابية بالسماح بمرور السلاح والإفراد أليها في سوريا, ومنها اعتراف المدعي العام التركي الذي تولى قضية شحنة الأسلحة التركية إلى “داعش” والتي كشفت عنها الصحافة التركية. 7- إن هدف (اوردوغان) أيضا من الحرب هو لإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا, تمتد مئات الكيلو مترات على طول الحدود مع سوريا وبعمق عشرات الكيلو مترات, وهي دعوة " اوردوغان" منذ بداية الأزمة السورية عام 2011, لتكون نقطة انطلاق ل”المعارضة السورية وعلى رأسها "داعش و “جبهة النصرة" والتنظيمات التكفيرية الأخرى ، للهجوم على حلب, ومن ثم الضغط على الجيش السوري ، للوصول إلى إسقاط الحكومة السورية . البعض يرى إن حرب تركيا على "داعش" على الجبهة السورية وعلى حزب العمال الكردستاني ومحاولة إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا له تداعيات على تركيا, وسوف يورطها في المستنقع السوري الكردي، فالوقائع على الأرض لن تكون في صالح "اردوغان"، الذي يحاول اتخاذ محاربة داعش حجة للحرب على سوريا، ومنع إقامة كيان كردي في سوريا, وإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا ، ومحاولة احتلال حلب، للوصول إلى إسقاط الحكومة السورية ، فهذه الأهداف لا يمكن "لاردوغان" من تحقيها, ولأسباب الآتية: 1- رفض اقرب حلفاء تركيا وهم حلف الأطلسي وأمريكا ، من إقامة المنطقة العازلة في شمال سوريا, إذ إن رفض أمريكا لهذا كان منذ بداية اندلاع الأزمة السورية عام 2011, ثم جاء الرفض الأخير بعد اجتماع حلف شمال الأطلسي بطلب من تركيا, إذ إن الأعضاء في الحلف رفضوا إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا, وذلك لاستحالة تحقيقها على الأرض، بسبب الخوف من التورط في الحرب السورية لمديات غير محسوبة العواقب, كذلك معارضة روسيا الحليف الأساس لسوريا من إقامة أي منطقة عازلة في سوريا, وذكرت بعض وكالات الإنباء أن أمريكا طلبت من تركيا أن تتبع الوسائل السلمية في مع حزب العمال الكردستاني. 2- إن اعتماد تركيا على المعارضة السورية ومنها الجيش الحر عمل غير مدروس, فهذا الجيش ومنذ بداية الأزمة السورية على رأي العديد من المحللين كان وجوده صوري وهزيل حتى إن وجوده أصبح شبه معدوم على الساحة السورية, خاصة بعد انتشار عشرات المجموعات المسلحة وأبرزها -داعش والنصرة- وسيطرتها إلى أجزاء واسعة من الأراضي السورية, كما إن خطة تدريب الجيش الحر من قبل أمريكا في تركيا والأردن لم تحقق إي من أهدافها بسبب ضآلة العدد الذي عد مئات من الإفراد فقط وهو عدد لا يمكنه إن يعمل إي شيء في ضوء الواقع السوري المعقد, إما عودة خطط اوردوغان بالاعتماد على المجموعات التكفيرية المسلحة لتغيير الواقع السوري لمصلحته, فهو الأخر مرفوض حتى من الشعب التركي وأحزاب المعارضة التي اتهمت "اوردوغان" بان سياسة حزبه قد أضرت بسمعة تركيا في العالم, وانه يحاول توريط تركيا في أزمات المنطقة بشكل قد تخرج عن السيطرة, ويقودها إلى المجهول. 3- الواقع الدولي الجديد الذي ظهر أخيرا, وخاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني, وتخلي العديد من دول العالم الغربي عن فكرة إسقاط النظام السوري, والبحث عن حل سياسي للازمة في سوريا, كذلك انكفاء بعض دول الخليج وعلى رأسها السعودية في مشاكل داخلية وإقليمية جعلها تتخلى عن الساحة السورية. 4- معارضة العديد من دول المنطقة لإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا, وخاصة مصر وإيران وحزب الله اللبناني "محور المقاومة", إذ أعلنت مصر – والتي لها خلافات عميقة مع الحكومة التركية- أنها ضد إقامة أي منطقة في شمال سوريا وهي مع وحدة وسيادة سوريا, كما إن إيران وحزب الله هي الأخرى أعلنت أكثر من مرة أنها ضد أي تحرك تركي منفرد في سوريا, كما إن تدخل تركيا في سوريا قد يقود إلى تدخل من جانب هذه الدول في تركيا من خلال دعم الحركات المعارضة لـ"رجب طيب اوردوغان", وخاصة من خلال دعم حزب العمل الكردستاني في حربه مع الحكومة التركية, وبهذا يرى الكثير إن تحرك تركيا هذا قد ينقلب عليها. كل هذه الحقائق تكشف عدم صدق ادعاءات "اردوغان" في إعلان الحرب على "داعش"، "فإردوغان" وخلال السنوات الأربع الماضية وضع سمعة تركيا على المحك عبر تحالفه مع المجموعات المسلحة التكفيرية ومنها داعش ، بعد إن وضع كل إمكانيات تركيا في خدمتها ، بهدف إسقاط الحكومة في سوريا ، وتفتيت سوريا وتشريد شعبها خدمة للمشروع الصهيو- أمريكي ، لذلك من الصعب على المرء إن يتصور إن اردوغان يقود فعلا حربا ضد داعش والإرهاب.
التعليقات