بعد إقدام السعودية في 2 كانون الثاني على إعدام عالم الدين الشيخ (نمر باقر النمر) تحت ذرائع وحجج عديدة، متهمة إياه بالإرهاب، والتحريض على ولي الأمر، والمساس بأمن الدولة، تأججت أوضاع المنطقة التي هي أصلا تقف على برميل بارود، لا يحتاج سوى إلى عود ثقاب ليفجر المنطقة وما حولها، وقد تبارت التحليلات السياسية بعضها كان يرى إن الأمور في طريقها إلى الحل، والبعض الأخر يرى إن احتمالات حرب إقليمية تمتد من اليمن وصولا إلى العراق وإيران، سيكون هو الاحتمال الغالب.
إن الشيخ النمر، وان كان هو مواطن سعودي، فهو عالم دين من طائفة الشيعة في السعودية، وداعية إصلاح فيها، وان إعدامه حسب اغلب التحليلات جاء لأسباب سياسية ومن اجل زيادة التوتر في المنطقة، وإفشال كل حل سياسي لأزماتها، إن لم تأخذ بنظر الاعتبار هذه الحلول المخاوف السعودية، خاصة وان إيران قد حققت مكاسب سواء في مجال الملف النووي، أو مكاسب في المنطقة بدون إن تخسر الكثير، هذا ما أغاض السعودية وجعلها بوضع هستيري، وتتخبط في سياساتها بين عقد الأحلاف بين دول على هامش الخريطة العالمية، وبين الحلف الاستراتيجي مع أعداء الأمس تركيا، وأخيرا الانتقام من إيران بإعدام عالم دين له وزنه سواء داخل السعودية أو خارجها.
وبين هذا وذاك أين يقف صانع القرار السياسي في العراق من هذه الأحداث؟ هل يبقى على الحياد؟ أم يسعى لحل الأزمة بين الطرفين؟ وهل إن العراق سيكون بعيدا عن تداعيات الأزمة إن اتسعت إلى حرب شاملة؟
على الرغم من ملامح التصعيد بين الطرفين، والتصريحات الكلامية المتبادلة، وقطع العلاقات بين السعودية وإيران، إذ تبعت الأولى عدد من الدول العربية منها البحرين والسودان، والإمارات خفضت تمثيلها في إيران، والكويت استدعت سفيرها لترى تطور الأمور، إلا إن الوساطات الدولية لحل الأزمة لم تتوقف، ابتداء من تدخل وزير الخارجية الأمريكية (جون كيري)، واتصاله بمسؤولي الدولتين لأكثر من مرة لتهدئة الأزمة، كذلك أعلنت روسيا وعمان أنها مستعدة للتوسط بين الطر فين لحل هذه الأزمة، كذلك اعلن العراق وعلى أعلى مستوى دبلوماسي متمثلا بوزارة الخارجية نيته التوسط لحل هذه الأزمة. وعلى الرغم من ان الأمور في الشارع العراقي متناقضة ومختلفة، شعبيا وسياسيا، ففي الوقت الذي انطلقت فيه مظاهرات شعبية في اغلب مدنه الوسطى والجنوبية، منددة بإعدام الشيخ النمر ومطالبة بقطع العلاقات مع السعودية، إلا انه على مستوى صانع القرار فان الأمر مختلف، فقد صدرت التصريحات من اغلب المسؤولين العراقيين وعلى اعلي المستويات اعتبرت إعدام الشيخ النمر هو انتهاكا لحرية التعبير، حتى إن وزير الخارجية العراقي اعتبر إن الإعدام هو جريمة بحق الشيخ النمر، إلا إن لم يقابلها رد فعل قوي ضد السعودية، مثل قطع العلاقات أو التهديد بقطعها، بل اغلب التصريحات كانت تطالب بالتهدئة، والتوسط لحلها بين الطرفين، إذ إن وزير الخارجية العراقي توجه إلى إيران يوم الأربعاء 6 كانون الأول في زيارة من اجل التوسط لإنهاء هذه الأزمة، وأبلغ وزير الخارجية العراقي، نظراءه العرب والأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي بأن العراق سيبذل جهوده ويستثمر علاقاته الدولية لتجاوز التحدي الراهن بالمنطقة، في محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد بين السعودية وإيران، وجاء هذا الموقف لعدة أسباب منها:
إن العراق يسعى لإبعاد إي حرب "سنية-شيعية" في المنطقة، لأنه في حال حدوث مثل هذه الحرب، فهذا يعني أنها ستزيد من التخندق الطائفي في المنطقة، وهذا يعني القضاء التام على ما تبقى من قدرات عربية إسلامية في مواجهة عدوهم المشترك، ولذلك فالعراق يحاول منع السعودية وإيران من تصعيد الأزمة لمرحلة الصدام المسلح لان ذلك معناه إشعال حرب مذهبية واسعة في المنطقة، لهذا فان اغلب المسؤولين العراقيين يؤكدون على التهدئة وعلى إبعاد العراق عن التوتر في المنطقة. كما إن العراق يدرك وجود مصالح أمنية واقتصادية ضخمة بين الخليج وإيران، والجميع يعلم أن إيران جزء لا يتجزأ من امن الخليج، فالتبادل التجاري بين إيران والإمارات مثلا يقدر ب (20) مليار دولار، إضافة إلى الكويت وعمان، لهذا فان خشية إيران والإطراف الخليجية الأخرى من إن تدخل المنطقة في أزمة اقتصادية طاحنة، فإنها لا تتوانى عن القبول بأي وساطة من إطراف ثانية لحل الأزمة، لهذا فان العراق انطلق في مسعاه إلى إنهاء الأزمة سريعا لخبرة صانع القرار العراقي بظروف المنطقة. وإن الوساطة العراقية بين إيران والسعودية قد تكون مقبولة من الطرفين، وذلك لأسباب عديدة فالعراق دولة جارة لإيران وقريبة منه، خاصة وان العراق يعد سوق اقتصادية مهمة لإيران لا يمكن التفريط بها، وعلى الجانب السعودي فإنها هي الأخرى تبحث عن فتح صفحة جديدة مع العراق، وتحاول العودة إلى الساحة العراقية وعدم تركها لدول أخرى، خاصة وإنها إعادة علاقاتها الدبلوماسية معه، وهي الأخرى لا تريد إن تخسر العراق كشريك مستقبلي لها. والحكومة العراقية ومن اجل إثبات حسن نيتها للجميع وإنها شريك موثوق به في المنطقة، ولا زال قوة إقليمية مهمة، فهي تحاول حل هذه الأزمة من اجل إعادة العراق إلى حاضنته العربية، واستعادت دوره الإقليمي والدولي، الذي فقده بسبب أزمة الكويت عام 1991، والاحتلال الأمريكي عام 2003، خاصة وان الحكومة العراقية الحالية تسعى الى جمع جهود العالم الإسلامي والعربي في مواجهة الإرهاب والقضاء عليه، وجمع البيت الداخلي العراقي، وهي بحاجة إلى كل جهود الدول العربية والإسلامية في مساندتها. كما إن التوتر بين السعودية وإيران، وإثارة الأزمات الطائفية في المنطقة، سوف يكون تأثيره المباشر على دول أخرى، مثل اليمن وسوريا والعراق والبحرين، وهذا يعني إن المتضرر الأكبر من الأزمة ليس اطرافها الأساسيين، وإنما دول المنطقة، فالعراق ومنذ سنوات يعاني من الإرهاب ذي الصبغة الطائفية، وان نصف مساحة العراق سقطت عام 2014 بيد تنظيم داعش الإرهابي، وسوريا ومنذ خمس سنوات وهي تعاني من حرب أهلية طاحنة تغذيها أطراف دولية وإقليمية، واليمن التي أدى الحرب عليها من قبل التحالف السعودي إلى وفاة مئات الآلاف وتشريد الملايين، إضافة إلى انهيار البني التحتية للبلد، لهذا فان العراق يحاول قدر الإمكان إعادة الاستقرار للمنطقة من خلال إنهاء التوتر بين الدولتين، وعدم توسع الصراع إلى دول أخرى.
إن تطور الأزمة بين إيران والسعودية، وانفجارها حتى وان لم تكن حرب مباشرة، فان العراق لن يكون محايدا فيها، ليس لأنه اختار ذلك، بل لأن التحالف يضعه ضمن أهدافه، إذ إن التوغل العسكري التركي في شمال العراق، وإصرار تركيا على البقاء، وسلسلة الهجمات الانتحارية غير العادية في منطقتي عمليات الأنبار وصلاح الدين خلال الأيام الماضية، كذلك يجب إن لا ننسى ان التحالف السري بين السعودية وتركيا وإقليم كردستان العراق، الذي رسخته الزيارات واللقاءات والأحداث الأخيرة، ما هو إلا تأكيد على بدء مرحلة تصعيد خطير، وبما أن الغالبية العظمى من العراقيين هم من الشيعة، فسيكون العراق ضمن دائرة الحرب، أي أنه سيكون مستهدفا بشكل وآخر بما لا يتقاطع والتحالفات الدولية الأخرى، وان الموقف في العراق سوف يشهد تصعيدا من الآن، وسيشهد العراق أياما صعبة مع تدفق الإرهابيين.
على الحكومة العراقية اتباع عدة أمور مهمة من اجل الدفاع عن العراق ومصالحه الأساسية، وهي توحيد العراقيين وحثهم على اتخاذ موقفا وطنيا موحدا في الدفاع عن وطنهم وهويتهم ووجودهم، والتركيز والانتباه إلى حدودها مع السعودية والأردن وإقليم كردستان، والتواصل مع إدارة السليمانية لتحجيم الاندفاع غير محسوب العواقب، كذلك عليها تحصين المناطق التي تم تحريرها في صلاح الدين والانبار وتأجيل الاندفاع الى الموصل حاليا، لان الموقف المتشنج في المنطقة بين إيران والسعودية سوف يدفع بعض الإطراف الإقليمية إلى زيادة دعمهم للإرهابيين لإفشال إي هجوم عراقي لاستعادة الموصل.