بعد مدة من الاخذ والعطاء، فقد أعلن في يوم الاربعاء 16 كانون الاول، عن قيام مجموعة مسلحة بقصف معسكر "زليكان" الواقع شمال مدينة الموصل والذي تتواجد فيه قوات تركية الذي تعرض الى قصف بـ 15 قذيفة هاون، ما أسفر عن تسجيل سبع اصابات، كما أكد شهود عيان، فقد أعلن منذ مدة عن وصول فوجين من القوات العسكرية التركية (وفي خبر آخر قال ثلاثة افواج) مع مجموعة من الاليات والمدرعات والدبابات إلى معسكر ما يسمى بالحشد الوطني في معسكر بقضاء الشيخان شمال الموصل، وتم تمركز القوات وانتشارها في مدينة بعشيقة شمال الموصل. وعن اسباب دخول القوات التركية للعراق، فرغم ادعاء الاتراك انهم دخلوا ضمم اتفاق مع الحكومة العراقية، وان هدفها هو تدريب قوات البيشمركة وأفواج الحشد الوطني المكلف بتحرير الموصل، الا ان الحكومة العراقية وعلى كل المستويات، قد اعلنت رفضها الكامل لهذا التواجد، وأنها ليس لها علم، او اتفاق مع تركيا حول هذا الامر، وقد دعت الحكومة العراقية الامم المتحدة للتدخل، وقدمت شكوى بهذا الامر، ودعت الجامعة العربية للاجتماع لمعالجة الموضوع، اذ سوف تعقد الجامعة جلسة في يوم 24 كانون الاول، لمناقشة الموضوع. وقد أحدث دخول القوات التركية للعراق ضجة اعلامية، واستنكار قوي داخليا واقليميا، وقد هددت فصائل المقاومة العراقية، انها سوف تستهدف هذه القوات ان هي لم تنسحب من شمال العراق، واعتبر ذلك خرقا للسيادة العراقية، وانتهاكا للمواثيق الدولية وحسن الجوار، وقد ايدت الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي طلب العراق، واعتبرت الدخول التركي خرقا للسيادة العراقية، كما ان الامين العام للأمم المتحدة دعا الى تسوية الامر وديا بين العراق وتركيا وانسحابها من العراق.
ورغم الاعلان من ان تركيا قد باشرت بسحب قواتها من شمال العراق، الا ان الملاحظ وحسب تصريحات الأتراك أنفسهم، ومنهم رئيس الوزراء (احمد داوود اوغلو) الذي أعلن إن بلاده لم تنسحب من الموصل وانما كان هناك عملية انتشار للقوات المتواجدة في المعسكر، فحسب العرف العسكري فان القوات عند دخولها منطقة ما تكون فيها درجة من الخطورة، تقوم بعملية نشر لوحداتها العسكرية على مساحة من الارض وعدم التجمع في مكان واحد، وذلك تجنبا لأي استهداف لها، وبهذا فان تركيا وحسب الوقائع غير جادة في سحب قواتها من العراق. وعلى الرغم من الغايات الكثيرة للتواجد التركي في العراق، ومنها تعويض خسارتها في سوريا بعد التدخل الروسي المباشر هناك، واستهداف اغلب المجموعات المسلحة الموالية لها مثل جبهة النصرة من قبل الطيران الروسي، خاصة بعد حادثة اسقاط الطائرة الروسية، كذلك تهديد روسيا المباشر لتركيا بعدم التدخل في سوريا، خاصة بعد صب منظومة اس 400 المتطورة جدا، والاهم من ذلك هو مشاركة حزب العمال الكردستاني في تحرير قضاء سنجار العراقي، مما ولد الحساسية لدى تركيا والخوف من ان يصبح الموصل قاعدة مهمة لهذا الحزب، خاصة وان هناك قنوات اتصال بينه وبين بعض دول المنطقة لتوحيد الجهود ضد ارهاب داعش، كذلك استباق تحرير الموصل ووصول قوات الحشد الشعبي، وهذا بحسب وجهة نظر الجانب التركي هو دعم للنفوذ الايراني في العراق، الا انها غير كافية ولا مبررة لتواجد القوات التركية في العراق.
ان استهداف القوات التركية في الموصل كان متوقعا من قبل العديد من المتابعين للشأن في المنطقة، فإصرار تركيا على عدم الانسحاب، وتهديد الحكومة العراقية، وفصائل المقاومة العراقية بالرد، كذلك ان عناصر حزب العمال الكردستاني المتواجدة في المنطقة هي الاخرى، تحاول الثأر من القوات التركية ردا على عملياتها في جنوب تركيا، كما ان تنظيم داعش الارهابي هو الاخر الذي اعلنت تركيا اخيرا الحرب عليه، سوف تضع هذه العملية تركيا في وضع حرج، اذ ان بعد هذا القصف، سواء كان من قبل المقاومة العراقية، او تم بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني، كما ذكرت المصادر، أو هجوم تنظيم داعش، فان هذا الاستهداف سوف يقود إلى عدد من السيناريوهات المحتملة لهذه القوات، والتي سوف يكون لهم تأثير على تركيا والعراق والمنطقة:
1- السيناريو الأول: إن قصف القوات التركية سوف يجعل من تركيا تتشدد في مواقفها، وتعد ذلك تحديا لها، خاصة وإنها تعتبر نفسها قوة إقليمية لها مصالح في هذه المنطقة الحيوية، وقد تقوم بتعزيز قواتها في المنطقة بقوات أخرى، وهناك عدة أسباب تدعم وتعزز هذا الاحتمال منها: إن تركيا قد تحصل على دعم من دول إقليمية في المنطقة مثل السعودية وقطر وإسرائيل، إذ إن سعي هذه الدول إلى إنشاء الأقاليم في العراق والدفع به إلى الإمام لم يتوقف، فالتحالف الإسلامي الذي أسسته السعودية ما هو إلا بداية من اجل التدخل في المباشر في العراق وسوريا لأغراض طائفية، وان تركيا من الدول المشاركة فيه، كما إن هناك مفاوضات بين إسرائيل وتركيا لإعادة العلاقات إلى طبيعتها، التي تعرضت لازمة قبل خمسة سنوات اثر حادث سفينة الحرية، إذ إن توقيت إعادة العلاقات مع هذه الأزمة هو مؤشر على التعاون التركي الإسرائيلي في المنطقة. كما إن إقليم كردستان هو الأخر يدفع بتركيا إلى زيادة تدخلها في العراق، إذ إن اقتراب القوات العراقية الاتحادية والحشد الشعبي من حدود الإقليم، والأزمة المتفاقمة في الإقليم على الرئاسة، جعلت (مسعود بارزاني) يشعر بالخطر، وذلك لعدم قدرة قوات الإقليم من الوقوف بوجه قوات الحشد الشعبي، وقد جرب ذلك في عدة مواقع في ( جلولاء، وطوز خورماتو)، إضافة إلى الخلافات داخل الإقليم، وان اغلب الأحزاب الكردية تتربص به، وتريد إسقاطه بأي وسيلة، وان حدثت مواجهة من الحشد الشعبي فان (برزاني) متأكد انه سوف لن يحصل على إي دعم من الأطراف الكردية الأخرى، لهذا فهو حريص على بقاء القوات التركية في الموصل وفي باقي المناطق، وذلك لتكون خط الصد الأول عن الإقليم في إي مواجهة قد تحصل.
2- السيناريو الأخر: هو انسحاب تركيا من المنطقة وعدم الانغماس في صراع جديد، وقد بدأت بعض القوات التركية بالانسحاب فعلا إلى محافظة دهوك العراقية، إذ تتواجد أربع قواعد عسكرية تركية هناك، إن تركيا تعرف قبل غيرها خطورة المنطقة، وان أي انزلاق في مشاكلها سوف يصل إلى داخل تركيا، الانسحاب التركي قد يأتي لعدة أسباب: منها، إن تركيا تواجه هي الأخرى عمليات إرهابية، سواء من تنظيم داعش الإرهابي، أو من حزب العمال الكردستاني، كما إن حزب العدالة والتنمية بقيادة (اوردوغان) أصبح غير مرغوب فيه لدى شرائح واسعة من الشعب التركي، فقد إعادة الانتخابات من اجل إن يحصل على الأغلبية، وبهذا فان أي مواجهة مع القوات العراقية والحشد الشعبي، قد تضعف الداخل التركي، وتجعل الجيش التركي مشتتا بين قتال الاكرد داخل تركيا والقتال في العراق، كما إن الاعتماد على أكراد العراق هو خيار مستبعد لان القوات الكردية هي الأخرى مشتتة بين الأحزاب السياسية الكردية، وهي غير قادرة على الدخول بأي مواجهة، كذلك عدم ثقة الأتراك بأكراد العراق، فقد صرح قادة بعض الأحزاب التركية المعارضة بان دخول تركيا للعراق هو فخ نصب لهم من قبل إقليم كردستان العراق، فأي هزيمة للقوات التركية في العراق، سيقود بالطبع إلى تعاون واسع بين إقليم كردستان وحزب العمال، خاصة بعد الاستعانة بقاتلي الحزب في تحرير سنجار، وحتى الاعتماد على الدعم الخليجي فانه دعم غير كافي بالنسبة لتركيا التي هي تواجه عداء لسياساتها من قبل إيران وروسيا والعراق وسوريا، لهذا فان الدعم المالي الخليجي غير كافي في مواجهة عسكرية قد تكون شاملة، وقد تذهب بتركيا إلى المجهول.
3- السيناريو الأخير: هو حصول تفاهم بين العراق وتركيا حول وضع القوات التركية، بحيث يطمأن الجانب العراقي بان هذه القوات هي لأغراض التدريب فقط، وليس لها أهداف أخرى، وقد بدأت بالفعل بوادر انفراج للازمة بين العراق وتركيا، ففي رد لرئيس وزراء تركيا حول الحادثة قال (إن تواجد قواتنا يأتي في إطار سيادة ووحدة الأراضي العراقية، ومكافحة الإرهاب، وان قواتنا لم تأتي للمواجهة في العراق)، كما إن الحكومة العراقية وفي أكثر من موقف أكدت على الحل السلمي للقضية، وقد لجأت إلى مجلس الأمن والجامعة العربية، وهذه إجراءات قانونية أكثر منها تصعيديه، كما إن زيارة وزير الدفاع الأمريكي للعراق وتطمين العراقيين من هذا التواجد، وان أمريكا مع العراق، كذلك إن اللقاءات بين أمريكا وروسيا على حل قضايا الشرق الأوسط من خلال التفاهمات، كما في مؤتمر نيويورك حول سوريا إلا هو بداية الحل، كل هذه علامات على انفراج الأزمة سلميا، وقد تصل إلى حدوث تفاهم بين الجانبين العراقي والتركي. الاحتمال الثالث، سوف يكون هو الأوفر حظا بين الاثنين السابقين، لان كل المعطيات على الأرض، وفي المنطقة والعالم تشير إلى الحل السلمي للازمات، لان التصعيد لن يكون في صالح احد، ولهذا إن على تركيا إن تعي جيدا ان مشاكل المنطقة بدأت تطبخ على نار هادئة بين امريكا وروسيا الاتحادية، وقد يتوصل الطرفان الى حل كل القضايا بينهم في سوريا او العراق واليمن وغيرها، وان الكثير من دول الاقليم المهتمة بهذه المشاكل قد تخسر الكثير، ومنهم تركيا نفسها، لان اللعبة الدولية بين الكبار، مهما طالت سوف تصل الى نهايتها، والتي تكون في صالحهم، اما الادوات الاخرى من دول المنطقة فقد يضحى بها من اجل مشاريع هذه الدول الكبرى.