تطورات كبيرة وأحداث متسارعة تشهدها منطقة الشرق الأوسط التي تعج بالعديد من المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية المتفاقمة، هذه التطورات بدأت وكما يقول بعض المراقبين بعد تدخل روسيا المباشر والفعال في هذه المنطقة، وخصوصا تدخلها العسكري المفاجئ في الحرب السورية في سبيل تثبيت نفوذها والعمل على تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط وتحجيم دور الولايات المتحدة والقوى الغربية والإقليمية الأخرى، التي باتت تخشى من اتساع هذا النفوذ خصوصا وان الجانب الروسي والايراني بدء بالفعل بتقديم دعم قوي ومؤثر لاتباعهم في سوريا والمنطقة.
فقد أعلن في السعودية عن تشكيل "تحالف عسكري اسلامي" مقره الرياض ويضم 34 دولة لمحاربة "الارهاب"، وجاء في بيان لولي ولي العهد ( محمد بن سلمان)، الذي اكد على ان التحالف هو لمكافحة الإرهاب وجرائمه الوحشية المحرمة شرعاً ، والذي يهدد ويعرض مصالح الدول والمجتمعات واستقرارها للخطر، لهذا فينبغي محاربتها بكافة الوسائل، واعتمد على مبادئ وأهداف ميثاق منظمة التعاون الإسلامي التي تدعو الدول الأعضاء إلى التعاون لمكافحة الإرهاب، وستكون الرياض مركز عمليات مشتركة لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود، كما سيتم وضع الترتيبات المناسبة للتنسيق مع الدول الصديقة والمحبة للسلام والجهات الدولية في سبيل خدمة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن الدوليين.
ومن الدول المشاركة في التحالف الجديد حسب الوكالة السعودية كل من الأردن ودولة الإمارات العربية وباكستان والبحرين وبنغلاديش وبنين وتركيا وتشاد وتوغو وتونس وجيبوتي والسنغال والسودان وسيراليون والصومال والغابون وغينيا وفلسطين وجزر القمر وقطر وساحل العاج والكويت ولبنان وليبيا والمالديف ومالي وماليزيا ومصر والمغرب وموريتانيا والنيجر ونيجيريا واليمن، واضافت الوكالة أن هناك أكثر من عشر دول إسلامية أخرى أبدت تأييدها لهذا التحالف وستتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن ومنها اندونيسيا.
ان القول بان الحلف سيقوم بمواجهة الارهاب في كل الدول الاسلامية، بما فيها العراق وسوريا وافغانستان، وسوف لن يستثني اي مجموعة ارهابية سنية كانت او شيعية، وفيما يخص العراق وسوريا فانه سوف يتم التعاون مع التحالف الدولي فيها.
الكلام بمفهومه العام، هو ضد المجموعات الارهابية، والمعروف ان المجموعات الارهابية ( داعش، والقاعدة، والنصرة، وبوكو حرام، وانصار بيت المقدس، وغيرها) بمجملها هي من الطائفة السنية ومدعومة من قبل دول اسلامية معروفة الاتجاه الديني، ورغم ان سلاحها لم يستثني احدا، فقد قامت بعمليات ارهابية راح ضحيتها مئات الالاف من المسلمين (سنة وشيعة) وغير المسلمين، الا انها ركزت عملياتها العسكرية بشكل اساس ضد الشيعة والاقليات الاخرى في المنطقة، كما انها تدعي انها جاءت لنصرة ابناء السنة والدفاع عنهم، ضد ما اسمته بالتوسع والتهميش والاقصاء لأبناء السنة من قبل الشيعة في العراق وسوريا، وبهذا كانت السعودية وقطر ودول اخرى من اكبر الدول الداعمة للقاعدة في افغانستان والعراق، ثم جاء تنظيم داعش والنصرة، وكانت هذه الدول وتركيا في بداية الامر من الداعمين له بقوة، فقد كانت دول الخليج تمول واسرائيل ودول كثير اخرى تسلح، وتركيا اعتبرت ممرا لعبور الارهابيين الى سوريا والعراق.
كما ان اعتماد تأسيس الحلف على اساس ميثاق منظمة المؤتمر الاسلامي التي تدعوا الاعضاء الى محاربة الارهاب، هو هروب من الحقيقة، لان هناك جامعة عربية تضم 22 دولة عربية، وفي ميثاقها الاساس ومعاهدة الدفاع المشترك، التي تؤكد على إعداد الخطط العسكرية لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة أو أي اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة أو أكثر من الدول المتعاقدة أو على قواتها وتستند في إعداد هذه الخطط على الأسس التي يقررها مجلس الدفاع المشترك، لهذا فان الاخطار التي تواجه العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن واحدة وهي الارهاب، فكان الاجدى بالسعودية تفعيل هذه المعاهدة والوقوف بوجه الارهاب بدلا من الابتعاد الى منظمة العمل الاسلامي، كما ان اغلب عمليات الارهاب تتم في الدول العربية، لهذا فالعرب اولى بالتكاتف والدفاع المشترك ضد الارهاب.
ان اسباب التحالف المزمع انشاءه من قبل السعودية، هو ليس موجه ضد الجماعات الارهابية فقط، بل له غايات واغراض اخرى تسعى السعودية الى تحقيقها بعد ان فشلت كل ادواتها غير المباشرة من دعاية واعلام واموال وعبر عشرات السنين من تحقيقها، وهذه الاسباب هي:
1- ان السعودية تشعر الان بالعزلة، وعدم الاهتمام بها من قبل الدول الكبرى في المنطقة، فقد يتم الان عقد الصفقات بين روسيا وامريكا من جهة، وبين بعض الدول الاقليمية مع هذه الدول من جهة اخرى، لحل الازمة في سوريا عن طريق التوافق بين هذه الدول، كذلك ان الازمة اليمنية والتي سوف تخرج منها السعودية بدون تحقيق اي هدف، في طريقها للحل هي ايضا، كما ان الازمة الليبية هي الاخرى سوف يتم حلها، لهذا تحاول السعودية لفت الانظار لها من خلال القيام باستعراضات عسكرية واحلاف غير ذات فائدة تذكر.
2- بعد ان عجزت المملكة عن تحقيق ما كانت تصبوا اليه، فقد دفعت مليارات الدولارات وجندت مئات من وسائل الاعلام، ونشر الافكار المظللة حول الاسلام عن طريق الخط الوهابي المتشدد منذ تأسيسها ولحد الان، ولكن بعد كل هذه التكاليف والوقت لم تستطع ان تحسن صورة التشدد الوهابي، ولم تستطيع الحط من الفكر الاسلامي الشيعي الصاعد، فقد فتح احتلال العراق عام 2003، الباب واسعا امام نشر الفكر الشيعي لأهل البيت عليهم السلام، من خلال فتح عشرات القنوات الفضائية، كذلك زيادة التقارب بين شيعة المنطقة من افغانستان وايران والعراق وسوريا ولبنان الى اليمن، واندفاعه الى افريقيا.
3- كما ان اعمال المجموعات المسلحة من تنظيم القاعدة وداعش وغيرها، من خلال قتل الابرياء، وارتكاب المجازر ضد المدنيين، والقيام بأعمال ارهابية طالت حتى الدول الاوربية وامريكا الداعمة للنظام السعودي، وربط هذه المنظمات نفسها بالطائفة السنية، ووجود مناصرين لها داخل السعودية نفسها، اذ ان عدد كبير من الارهابيين والانتحاري يحملون الجنسية السعودية، وضع السعودية في موقف صعب، وجعلها تبحث عن مخرج من هذ الازمة، فعملت الى عقد حلف لمحاربة الارهاب في خطوة منها لدفع تهم دعم الارهاب منها.
4- كذلك محاولة السعودية ربط هذه المجموعات الارهابية مثل ( النصرة وداعش وغيرها) بالمجموعات المسلحة المقاومة في المنطقة، وذلك في محاولة منها لتنفيذ اجنداتها الطائفية، ومحاولتها تصفية هذه الفصائل المقاومة بحجة مكافحة الارهاب، اذ ان حربها في اليمن دليل على حقدها الطائفي، اذ ان طيران ما يسمى بالتحالف العربي يقوم يوميا بعشرات الغارات الجوية ضد المدنيين اليمنيين، بحجة اعادة الشرعية، في حين ان القاعدة وداعش تتمدد في انحاء اليمن الجنوبي حتى عدن، وقد قامت بالعديد من العمليات واخرها مقتل محافظ عدن، لذلك فان حجة السعودية من وراء الحلف محاربة الارهاب هي حجة واهية ولا اساس لها، لان الارهاب موجود في المملكة نفسها واستهدفها بعدة عمليات قتل فيها العديد من الشرطة والمدنيين في المنطقة الشرقية.
5- ان قيام تحالف اسلامي ضد الارهاب، يعني ضمنا ضم كل الدول الاسلامية في المنطقة، الا ان هذا الحلف استثنى اهم ثلاث دول اساسية في المنطقة ( ايران والعراق وسوريا) وهي تحارب الارهاب منذ اكثر من عشرة سنوات، فاذا كان الحلف موجها ضد الارهاب، فانه الاولى به ان يحارب الارهاب في العراق وسوريا اولا، لان الارهاب اخذ مديات كبيرة جدا وازهق ارواح مئات الالاف من الابرياء، كذلك قربه من المملكة نفسها، كذلك ان التحالف الدولي والامم المتحدة تدعوا الدول الى المشاركة الفعالة في محاربة الارهاب، ولكن نرى ان السعودية ومنذ الاحتلال الامريكي للعراق، واندلاع الازمة السورية عام 2011، وهي تدعم وتغذي التطرف في المنطقة، وتعلن ذلك صراحة، لهذا ان استثناء ايران والعراق من التحالف يدعوا الى الشك والريبة منه.
6- التحالفات الجديدة في الشرق الاوسط، ومنها التحالف الرباعي الذي ظم دول وحكومات فاعلة وأساسية ولها تأثير كبير في العديد من القضايا والملفات وهي روسيا والعراق وسوريا وايران، فلم يعد التدخل الروسي الايراني العسكري وكما تنقل بعض المصادر في سورية فقط وإنما امتد ليشمل تكوين تحالف رباعي يضم هذه الدول، يهدف الى محاربة تنظيم داعش وباقي الجماعات الإرهابية الأخرى، التي تمكنت من توسيع نفوذها في العراق وسوريا، هذا بالإضافة الى تحركاتها السرية الأخرى الرامية الى استثمار الحرب ضد تنظيم داعش من خلال مساعدة ودعم بعض الجماعات والأقليات والأحزاب ومنها الجماعات الكردية التي يعدها البعض شريك رئيسي وفاعل في هذه الحرب، لا سيما بعد نجاحهم في إجبار تنظيم "داعش" على الانسحاب من بعض المناطق التي سيطر عليها، كما أنهم ليسوا طرفًا في الحرب ضد الرئيس السوري بشار الأسد الحليف المهم لروسيا.
7- هذه التحركات والتحالفات أثارت مخاوف العديد من الدول والحكومات وخصوصا تلك التي تعارض بقاء الحكومة السورية بقيادة الأسد، يضاف إليها خشية بعض الدول الإقليمية والعربية من اتساع نفوذ ايران وباقي الإطراف المعارضة وهو ما قد يتسبب في تعقيد الأمور و تصاعد حده التوتر في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا وان بعض الدول والحكومات قد عبرت رفضها المطلق للتدخل العسكري الروسي الايراني في سوريا، ففي تلك المنطقة لم تستهدف الطائرات الروسية تنظيم داعش بل فصائل اسلامية أخرى تقاتل الجيش السوري والتنظيم بدعم من تركيا والسعودية وقطر وفي بعض الحالات من الولايات المتحدة. وقد استغلت القوات السورية ومقاتلون من حزب الله اللبناني استخدام الغطاء الجوي الروسي في شن هجوم بري في إدلب وحماة حيث لا وجود يذكر لداعش بل فصائل السنية تحارب النظام في سوريا، الامر الذي جعل هذه الدول يشكك في نوايا روسيا التي سعت الى استخدام حملتها العسكرية ضد داعش كذريعة لتوجيه ضربات ضد الجماعات التي تدعمها واشنطن وحلفاؤها وللدفاع عن حكومة دمشق التي تتحالف معها موسكو ضد الجماعات الاخرى التابعة لها، لهذا سعت السعودية لأنشاء هذا الحلف ليكون ضدا للحلف الروسي الايراني العراقي السوري.
خلاصة القول، ان قيام السعودية بإنشاء تحالفات مثل التحالف العربي، والاسلامي وغيره ما هو الا تخبط سياسي غير محسوب العواقب، وهو سوف لن يأتي بشيء جديد للمنطقة والسعودية بالذات، لان غرض الحلف هو محاربة الارهاب، لذا فان استبعاد دول محورية واساسية مثل العراق، وهي الدول الاولى المتضررة من الارهاب، يضع اكثر من علامة استفهام، لهذا فان على السعودية ان هي كانت جادة في محاربة الارهاب ان تقوم اولا بعدة خطوات استباقية، منها قطع التمويل عن هذه الجماعات، ومنع البث الفضائي لها، كذلك مساعدة الدول المتضررة منه مثل العراق وسوريا، وعليها ايضا دعوة دول المنطقة الاخرى للانضمام للحلف، وان لا يقتصر على دول ذات اتجاه ديني واحد.