عاصفة الحزم السعودية تتكسر على سواحل اليمن

على الرغم من انطلاق تحالف عاصفة الحزم بقيادة السعودية ضد اليمن منذ 26/3/2015, وسفكها دماء نحو ألف ضحية وأربعة ألاف مصاب اغلبهم مدنيون بحسب الأمم المتحدة, وارتكاب مجازر مروعة ترتقي إلى مستوى جرائم حرب, واستهداف البني التحتية الأساسية والمؤسسات الخدمية من الكهرباء والصحة إلى المياه والمدارس وانتهاء بالجامعات والمساجد, فان هذا التحالف لم يحقق أي من أهدافه التي جاء من اجلها كما أعلن له. ومن الأهداف التي حددتها الرياض وهي إعادة الرئيس الهارب عبد ربه منصور هادي باعتباره رمزا للشرعية المقبولة من قبلها وهو أمر تعرفه السعودية قبل غيرها أنه لم يتحقق بل ويستبعد تحققه في المستقبل أيضا؛ لأن هذا الشخص نفسه غير مقبول من كل الأطراف اليمنية وليس من قبل الحوثيين فقط, كما إن أي حكومة مستقبلية في اليمن وان كانت تضم كل الاطراف اليمنية الا انه سيكون للحوثيين الكلمة الفصل فيها. إن التحرك الناجح للحوثيين والجيش اليمني استطاعوا من خلاله الوصول إلى مناطق واسعة والسيطرة عليها باستثناء مناطق حضر موت التي تتواجد فيها القاعدة ، وبالتالي لجأت السعودية إلى خيار الضربات الجوي, بهدف إرغام حركة أنصار الله والجيش اليمني على الانسحاب من مواقعهم في المدن والمناطق التي يتواجدون فيها, ولكن قوات الحوثيين والجيش اليمني لم تنسحب من قرية واحدة, كما أنها تحقق تقدما يوميا في مواقع جديدة كما حصل في تعز ومأرب وعدن ومدن عديدة أخرى, كذلك استمرار عمليات القبائل ضد الجيش السعودي عبر الحدود وأخرها هجوم قبائل همدان على دورية سعودية في نجران وقتل وجرح عدد من الجنود السعوديين. وهدف آل سعود الأخر هو تجريد الحوثيين من سلاحهم , لقلب المعادلة لصالح القاعدة ومليشيات الرئيس المخلوع, خاصة وان هناك العديد من التقارير تحدثت عن قيام السعودية بمد مجموعات القاعدة وأنصار الرئيس الهارب هادي بالسلاح والمؤن, وان إعلان المتحدث ما يسمى بقوات التحالف العربي من الضربات الجوية لقوات التحالف لا تشمل القاعدة في اليمن تأتي في إطار هذا الدعم, كما تقوم السفن الحربية السعودية والمصرية والأمريكية بمحاصرة السواحل اليمنية لغرض منع وصول الإمدادات إلى الجيش اليمني والحوثيين, ولكن الوقائع على الأرض تؤكد عكس ذلك, إذ إن لازال الحوثيين يملكون زمام المبادرة على الأرض, ولديهم سلاح متفوق على عناصر القاعدة وأنصار الرئيس المخلوع هادي, وأن واحدا بالمائة من قدرتهم العسكرية لم يمس. كما إن حلفاء السعودية لم يكونوا مقتنعين بهذه العملية منذ البداية وإلا لرأينا مشاركتهم بشكل أكثر فاعلية وبشكل مباشر لكنهم أدركوا أنها حرب خاسرة منذ البداية وان السعودية قد تورطت، وان تركيا لم تعط الضوء الأخضر للمشاركة وان الموقف الباكستاني كان واضحا جدا في معارضته وكذلك الموقف المصري الذي لم يكن واضحا بل يميل إلى المعارضة, فقد امتنعت هذه الدول إرسالها إي قوات برية للسعودية بعدوانها ضد اليمن, فعلى الرغم من مشاركة طائرات وسفن مصرية في العدوان علية اليمن الا إن الشارع المصري, وحتى الإعلام كان يقف على الضد من هذه المشاركة, خاصة وان لمصر ذكريات مرة من التدخل في اليمن في الستينات من القرن العشرين, كما إن برلمان باكستان صوت ضد إرسال قوات برية للمشاركة في هذا العدوان, وهي الحليف الأقرب للسعودية, إن مصر وباكستان هي نفسها تمر بأمور عصيبة, وتقاتل الإرهاب على أراضيها, فمصر لا تزال تعاني من الإرهاب في سيناء وباقي المحافظات المصرية من عدة ستين, وباكستان تقتل على أكثر من جبهة, فالوضع المتأزم بينها والهند تشهد بين الحين والأخر عدة حوادث إطلاق نار, كما أنها تقاتل الإرهاب الداخلي المتمثل بحركة طالبان, إضافة إلى حدودها مع أفغانستان, لذلك إن تدخلها مع السعودية ضد اليمن سوف يفتح الباب إمام إيران والهند لدعم الحركات المتطرفة فيها, هذا ما وضع آل سعود وبعض دول الخليج في حرج كبير, وجعلهم يتخبطون في قراراتهم, مرة ينتقدون ويهددون باكستان, ومرة يحاولون إرسال الوفود لها لحثها على المشاركة, الا إن باكستان وغيرها تعي مخاطر هذه العملية, لأنها ليست نزوة من نزوات آل سعود أو الإمارات, بل هي حرب إقليمية ولها امتدادات دولية وتأثيرات على دول الجوار, كما أنها سابقة خطيرة وسلاح ذو حدين بإمكان إي دولة في العالم إن تستخدم نفس الأسلوب ضد دولة أخرى وباتخاذ نفس الحجج, إن الفكر المتطرف الذي يحمله آل سعود وقصر النظر في الأمور السياسية جعلهم لا يدركون مخاطر هذه الحرب في أولها على اعتبار أنها لن تستمر طويلا, بل أنها سوف تستمر لأيام معدودة, الا إن استمرار الحرب لمدة قاربت الشهر وضع السعودية في موقف حرج. كذلك إن الدعم والتأييد الأمريكي للسعودية لم يكن بلا نهاية, إذ إن تصريح الرئيس الأمريكي باراك اوباما وتحذيره لدول الخليج بان الخطر عليها ليس من إيران أو الحوثيين بل هو من داخل دولها, هو تنبيه لدول الخليج وتحذير لها ولأفكارها المتطرفة التي أغرقت الشرق الأوسط في الفوضى, كما إن الولايات المتحدة ولأكثر من مرة دعت إلى الحل السلمي في اليمن, إذ أكد وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى إن الحل في اليمن هو بيد اليمنيين أنفسهم, كذلك يجب أن لا ننسى أن الولايات المتحدة تحارب القاعدة في كل دول العالم, ومنها اليمن خاصة وان الضربات الجوية الأمريكية ضد القاعدة في اليمن مستمرة منذ عدة سنوات, وان استمرار القصف السعودي وتحجيم القوات اليمنية سوف يقوي القاعدة في اليمن خاصة في المحافظات الجنوبية, مما يتعارض مع الأهداف الأمريكية والدولية التي تحاول القضاء على الإرهاب واقتلاع جذوره الوهابية المتطرفة في المنطقة وخاصة في المملكة السعودية, وان سحب أمريكا لحاملات الطائرات والسفن الحربية التي نشرتها في خليج عدن, هذا ما جعل بعض دول المنطقة ومنهم سلطنة عمان تدرك إن هذه الحرب هي فخ قد وضع للإغراق المنطقة بالفوضى, فنأت بنفسها عن هذا التحالف, بل وحذرت السعودية من الانجرار إلى هذه الحرب. لقد رافق الفشل عملية عاصفة الحزم منذ البداية فالشعب اليمني شعب فقير ولا يملك أسلحة متطورة وهناك بون واسع بين طرفي النزاع, وان عاصفة الحزم بقيادة السعودية اعتمدت على الضربات الجوية والتي يجمع الخبراء العسكريين على أنها لن تحسم إي معركة , وبمرور الزمن قد نفدت الأهداف العسكرية لذلك الطيران ولم يكن له سوى استهداف المدنيين لإدامة المعركة, السعودية وجدت نفسها أمام مشكلة في استهدافها للمدنيين وأصبحت تعيش في فضيحة أمام الرأي العام العالمي من دون إن تغير من طبيعة المعركة على الأرض, هذه الأسباب دعت الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام ( بان كي مون) إلى رفض ومعارضة للعمليات العسكرية ضد اليمنيين, والذي عبر عن القلق من تقارير عن الضربات الجوية على اليمن من جانب السعودية، والى الخسائر الكبيرة بين المدنيين اليمنيين, كما إن منظمة حقوق الإنسان الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للإغاثة, اعتبرت استهداف المدنيين واستهداف مقرات المساعدات الدولية في اليمن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وقال إنه يأمل في انتهاء القتال سريعا, هذا ما سوف يقود لا حقا إلى اعتبار قصف المدنيين جرائم ضد الإنسانية, وإمكانية رفع شكوى لمحكمة العدل الدولية حول مرتكبي هذه الأعمال من حكام إل سعود, خاصة وان الضربات الجوية والحصار البحري ضد اليمن كان خارج الشرعية الدولية, وبدون موافقة من الأمم المتحدة . كما إن اتهام المبعوث الاممي السابق إلى اليمن جمال بن عمر للسعودية بعرقلة الوساطة والاتفاق بين اليمنيين, إذ أن الأطراف السياسية المتنازعة في اليمن كانت على وشك الوصول إلى اتفاق شراكة حين بدأت الغارات السعودية قبل شهر, وأضاف , أن الحملة السعودية صلبت المواقف في لحظة مفصلية لجهة تشكيل هيئة تنفيذية من شأنها قيادة مرحلة انتقالية في اليمن, إذ أن اليمنيين كانوا قريبين من التوصل إلى اتفاق يؤسس لتقاسم السلطة بين جميع الأطراف بمن فيهم الحوثيين, وأن الحوثيين وافقوا، وفق الاتفاق الذي كان يتبلور، على سحب مقاتليهم من المدن التي سيطروا عليها في الأشهر الثمانية الأخيرة على أن تحل مكانهم قوة حكومية كانت الأمم المتحدة تعمل على تفاصيلها في المقابل يكون الرئيس عبد ربه منصور هادي جزءاً من الهيئة التنفيذية التي ستقود المرحلة الانتقالية في البلاد, ويعطي المرأة 30% من مقاعد الحكومة والبرلمان, إلا أن التدخل العسكري السعودي الذي بدأ في 27 آذار جعل الحوثيين يتصلبون في موقفهم الرافض أي دور لهادي كما تصلبت مواقف الأطراف المدعومة من السعودية والتي رفضت منح الحوثيين السلطة السياسية, كما أن قطر والمغرب كانتا مستعدتين لاستضافة جولة جديدة من المحادثات اليمنية لكن بعد انضمامهما إلى التحالف العسكري بقيادة السعودية رفض الحوثيين هذين المكانين, وهذا الاتهام سوف يقود في النهاية إلى فشل العدوان بعد إن تكشفت أسبابه الحقيقية وهي منع قيام حكومة واستقرار في اليمن وليس كما صرحت به السعودية من إعادة الشرعية إلى اليمن, هذه الشرعية التي أصبحت محل تساؤل , إذ كيف نطالب بإعادة الشرعية من جهة, ونقوم بعرقلة الاتفاقات السياسية بين الإطراف من جهة أخرى. ولا ننسى الخسائر التي تكبدتها السعودية بالأموال من جراء هذه العمليات العسكرية, مع هبوط أسعار النفط, إذ اسقط اليمنيون طائرتين للسعودية في يوم للهجوم على اليمن, كما تم قتل ضابط برتبة كبيرة من العائلة الحاكمة السعودية على الحدود على اليمن, إن ضعف وعدم قدرة السعودية بالاندفاع البري ضد الحوثيين, خاصة وإنهم يعانون من عقدة عام 2009 مع الحوثيين, جعلهم في وضع مهزوز, خاصة وان الجيش السعودي لم يشترك في حرب مباشرة منذ تأسيس المملكة السعودية إلى اليوم, ويطلبون استقدام جيوش برية لغرض رفع معنوياتهم المنهارة, وأخيرا ذكرت التقارير بهروب عدد من الجنود السعوديون من الحدود مع اليمن خوفا من هجمات القبائل اليمنية, ولا ننسى كذلك الخلافات داخل العائلة الحاكمة والمنافسة المستمرة على المناصب, والتي سوف تزداد مع استمرار العمليات العسكرية, وان المعارضين من الأمراء سوف يتخذون هذه العمليات كذريعة لغرض الانقضاض على الحكم في المملكة أو في اقل تقدير أحداث شرخ كبير داخل البيت السعودي, خاصة بعد التغيير الذي طال عدد من المسؤولين في السعودية ومنها إعفاء ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز, وتعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد والأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد, وتعيين عادل بن احمد الجبير وزيرا للخارجية بدلا من الأمير سعود الفيصل, وتغييرات أخرى كثيرة شملت مختلف المجالات, وهذا إن دل على شيء يدل على هشاشة الوضع الداخلي وعدم ثقة الملك سوى بالمقربين منه ومنهم ابنه محمد الذي سيصبح يوما ملكا للسعودية. وفي الفترة الأخيرة نشط تنظيم داعش داخل السعودية بشكل علني, هذا التنظيم الذي كانت السعودية الممول الرئيسي له, فقد أعلن عن إلقاء القبض على مجموعة إرهابية مكونة من 93 شخصا في مناطق مختلفة من المملكة على صلة بتنظيم داعش, والتي كانت تحاول استهداف السفارات والمنشاة النفطية وغيرها في الرياض بسيارة مفخخة , وقالت الداخلية السعودية إن الخلية الكبرى من خلايا داعش في السعودية ضمت 93 موقوفا جندت عناصر في ملتقيات دعوية و خططت لعمليات مذهبية, لذا يعد هذا الخرق الأمني الخطير أنظار للملكة لكي تتجه لتقوية وحماية الجبهة الداخلية, وان استمرار الحرب في اليمن قد يفاقم الوضع الأمني خاصة إذا دخلت السعودية في حرب برية مع اليمن. إن السعودية تدرك أن الاستمرار في هذا العدوان ستدفع ثمنه باهظاً، إذ لا يبقى من خيار للحوثيين سوى الرد وذلك مع إعلان نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسن سلامي في 18 نيسان 2015 عن امتلاك الحوثيين صواريخ بعيدة المدى، فيمكن تصور حجم الهزيمة التي ستمنى بها السعودية فيما لو أصاب صاروخ واحد مدينة سعودية، وبالتالي ستعرض مصير نظامها برمته للخطر وستصل إلى مصير محتوم هو مرغ انف آل سعود في التراب كما قال المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي إن المعتدي سيذل لا محالة. لقد انكسرت عاصفة الحزم وانتصر اليمن بعد الآف الطلعات جويّة التي نفذتها طائرات عدوان التحالف السعودي وقصف مدفعي وصاروخي وبحري على أهداف تغنّت بها السعودية، وكانت نتيجتها المجازر تلو الأخرى بحق الأطفال والنساء والشيوخ فسقط آلاف الضحايا من الشهداء والجرحى مقابل صمود وصلابة الشعب اليمني إلى جانب ثبات الجيش اليمني واللجان الشعبية في الميدان. ختاما لقد انحدر السقف العالي للأهداف التي وضعها آل سعود إلى مستوى حماية السعودية من الخطر، مع الفشل بإعادة ما سمّوها الشرعية، وعلى رأسها الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي وتزايد الالتفاف الشعبي اليمني حول الجيش وحركة أنصار الله, إن فشل مشروع العدوان وإخفاق العائلة السعودية في استدراج جيوش أو استئجارها جعلها وحيدة في عدوانها، وثبت عجز القوات السعودية عن التقدم البري ولو لمتر واحد على الأراضي اليمنية، وكرس صورة السعودية كدولة راعية للإرهاب في المنطقة, بصورة مباشرة وغير مباشرة.
التعليقات